|
اسعار الاراضي في ضواحي الخرطوم تتجاوز اسعار الاراضي في المدن الغربية الكبري
|
إبن خلدون وارتفاع سعر العقار السوداني سماسرتنا أخوال عنترة ونسابة شداد العبسي! مـحـمـد البـخــيـت....
قد لا يصدق بعض الذين طال عهدهم بالسودان ان اسعار الاراضي في ضواحي ولاية الخرطوم صارت تضاهي وتتجاوز احيانا اسعار الاراضي في ضواحي المدن الكبيرة في الدول الغربية. وتصور ان سعر الارض في مناطق تعتبر شعبية في ام درمان وبحري قد يصل الى حوالى الخمسين الف دولار، وهو مبلغ تستطيع (في ظروف الازمة المالية الحالية) ان تشتري بأزهد منه بيتاً جاهزاً مع أرضه في أمريكا مجهز على طراز ما يسمى بال?لل الرئاسية. وسعر البيت في ضاحية خرطومية مثل الرياض قد يناهز المليون دولار وهو مبلغ يكفي لشراء بيت بمقام قصرmansion في الدول الغربية. فما هي اسباب الفورة المفاجئة في اسعار العقار السوداني؟ وكيف نحد من آثارها السالبة على المجتمع؟ اقتصادنا صغير الحجم، إذ أن الناتج القومي للسودان حوالى الـ«46» مليار دولار، وهذا مبلغ قد يقل عن الناتج القومي لضاحية صغيرة في بعض المدن الامريكية الكبرى. ولكن شعبنا الذي نعى عليه السياسي البريطاني المخضرم ونـيـسون شـِـرشـِـل، في كتابه حرب النهر (The River War) ، جهله التام بالاقتصاد complete ignorance of economics ، يحب المبالغات ويعشق العنتريات (كيف يا ناس نحن ما أخوال عنترة ونسابة شداد العبسي!). ولذا فإن تدفق قليل من الاستثمارات من الخارج يفعل فعل السحر في بلادنا ويرفع اقواما ويخفض آخرين. اضف الى ذلك قول شـِـرشـِـل بأن اخلاقنا الرائعة تخفي تحتها معاناتنا من الإرتخاء الأخلاقي the laxity of morals is in some degree excused by the elegance of manners. وأزيد على كلام شـِـرشـِـل أننا نـلفـح الكلام وننقل اشياء بصورة مكلفتة من الخواجات. وسماسرتنا مشنقين طواقيهم ورافعين مناخيرهم لأنهم يعتقدون بأن (السودان فيه فلوس اكثر من السعودية، ولندن، ونيويورك). وقبل ان تقولوا إنني (قد قـسـيت) تعالوا ندلف لتحليل الاسباب الرئيسة للهيصة في مجال العقار السوداني. السبب الأول: تدخل الحكومة عبر الجبايات والأتاوات: الاراضي صارت مصدر دخل للحكومة المترهلة على مستوياتها الثلاثة، اتحادية، ولائية ومحليةfederal state and local government. نعم تخطيط الاراضي وتقديم الخدمات من ماء وكهرباء يكلف مالا ينبغي على المشتري أن يدفعه، ولكن هذا لايجيز للحكومة أن تتبع سياسة قصيرة النظر مثل اعتبار الاراضي موردًا للدخل. وذلك للمشاكل الاجتماعية التي تنجم عن ذلك واخطرها داء العنوسة. اضف الى هذا أن اسعار مواد البناء تكاد تكون متساوية عالميا (بالرغم من بعض الفروقات البسيطة)، ولكنك تجد ان الحكومة السودانية تفرض عليها الأتاوات يمنة ويسرى. أي بمعنى آخر إذا بنيت بيتاً في السودان فقد تذهب «60 الى 70 في المائة» من التكلفة الى الحكومة. راجع مقالي، (حلول إبن خلدونية للمعضلة الإقتصادية السودانية)، الذي يتحدث عن الحكومة المصغرة وخطورة الترهل الحكومي بموقع «الرأي العام» على هذا الرابط: http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=520&id=28654 السبب الثاني: نوعية الملكية والفوضى في تطبيق القيمة المضافة: من العجيب أن الحكومة تبيع الارض للناس على نظام المنفعة اي الحكر leasehold ، وهو عبارة عن ايجاره لفترة محددة (خمسين عاماً) عبر عقد في غاية الاجحاف ومنتهى التطفيف، اذا قرأته لوليت منه فرارا وامتلأ قلبك منه رعباً (ولكن في العادة شروط هذا العقد لاتـُـطبق، ومافي زول شغال بيها ولا جايب خبرها). ونحمد الله على الشريعة الاسلامية فهي تقف بالمرصاد امام اية محاولة للحكومة لتحويل الاراضي الملك الحر freehold الى حكر. وقد قرأت كلاما في الصحف تحدث فيه احد اركان الحكم عن مراجعة حيازة الاراضي وما هذا الى حديث مـُـشفر استشف من رائحة محاولة الالتفاف على اصحاب الملك الحر. ولحسن الحظ يبدو ان هذه الفكرة السيئة ماتت في مهدها. وقد فركت عيني من فرط الدهشة عندما قرأت إعلاننا في احدى الصحف تبدي فيه احدى الحكومات الاقليمية الرغبة في بيع قطع على نظام الحكر وتطلب من المشترين دفع «15» في المائة قيمة مضافة (اي ضريبة مبيعات). فكيف يستقيم هذا؟ بأي حق تـُـفرض ضريبة مبيعات على مستأجر؟ ألم اقل لكم اننا نلفح كلام الخواجات ونطبقه بصورة عوراء؟ لم ار في دول الغرب ضريبة مبيعات (أي قيمة مضافة) تفرض على الاراضي سواء أكانت ملكا حرا ام حكرا، وانما يـُـكتفى بالعوائد فقط. نعم ان فوضى تطبيق القيمة المضافة تضرب اطنابها، واود ان اضيف انها في الغرب لاتفرض عادة على الخدمات services بل فقط على المشتروات. أي بمعنى آخر اذا قامت شركة بترحيل بضاعة او عفش لك من بورتسوان الى الخرطوم فإنك لا تدفع قيمة مضافة على الخدمة. ايضا اذا اصلح ميكانيكي سيارتك فإنك لاتدفع قيمة مضافة على خدمته ولكن تدفعها فقط على قطع الغيار اذا اشتريتها منه. ولكنها في السودان تجمع على طراز (امسك لي .. اقطع ليك)، واعتقد انها تفرض حتى على تـذاكر السفر بالرغم من دفع الراكب لضرائب المطار airport taxes والشيء العجيب المسمى برسوم المغادرة. وبالمناسبة سودانيو الداخل يتهكمون على أمثال هذه الممارسات بتسميتها (شـُـغل توريد). وأذكر انني استمعت كلاما غريبا لأحد وزراء الدولة ابدى فيه تهكما من شكوى السودانيين من الفوضى في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، اذ ذكر في لقاء تلفزيوني ان احدى الدول المجاورة لنا ضريبة القيمة المضافة فيها «17%». ونسى الرجل ان هذه الضريبة تتراوح في معظم مدن امريكا بين «4 الى 7 في المائة» ولا تتم زيادتها الا بإستفتاء يوافق عليه سكان المقاطعة county ( اي المحلية) المعنية. السبب الثالث: الفساد وانهيار اقتصاديات الأقاليم: بحسب الآية «7» من سورة الحشر، المال يصير دولة في ايدي الاغنياء كنتيجة طبيعية لإختلال الدوره المالية والتشوهات الاقتصادية التي يفرزها الفساد الناجم عن الاحتكار واستغلال النفوذ. وعقلية الجبايات اسهمت في تحطيم اقتصاديات الاقاليم، ولذا نزح كثير من الناس الى الخرطوم مما زاد الطلب على العقار. وبصراحة ينتابني شعور بأن الخرطوم مدينة صغيرة (مثل علبة الكبريت). ولندلف الى مقدمة إبن خلدون ونترك فيلسوفنا يشرح لنا اسباب التفلتات في اسعار العقار ... (اعلم أن تأثل العقار والضياع الكثيرة لأهل الأمصار والمدن لا يكون دفعة واحدة ولا في عصر واحد إذ ليس يكون لأحد منهم من الثروة ما يملك به الأملاك التي تخرج قيمتها عن الحد ولو بلغت أحوالهم في الرفه ما عسى أن تبلغ. وإنما يكون ملكهم و تأثلهم لها تدريجاً إما بالوراثة من آبائه وذوي رحمه حتى تتأدى أملاك الكثيرين منهم إلى الواحد وأكثر لذلك، أو أن يكون بحوالة الأسواق فإن العقار في آخر الدولة وأول الأخرى عند فناء الحامية وخرق السياج وتداعي المصر إلى الخراب تقل الغبطة به لقلة المنفعة فيها بتلاشي الأحوال فترخص قيمتها وتتملك بالأثمان اليسيرة وتتخلى بالميراث إلى ملك آخر وقد استجد المصر شبابه باستفحال الدولة الثانية وانتظمت له أحوال رائقة حسنة تحصل معها الغبطة في العقار والضياع لكثرة منافعها حينئذ فتعظم قيمها ويكون لها خطر لم يكن في الأول. وهذا معنى الحوالة فيها ويصبح مالكها من أغنى أهل المصر وليس ذلك بسعيه واكتسابه إذ قدرته تعجز عن مثل ذلك. وأما فوائد العقار والضياع فهي غير كافية لمالكها في حاجات معاشه إذ هي لا تفي بموائد الترف وأسبابه وإنما هي في الغالب لسد الخلة وضرورة المعاش). http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=554&id=41477
|
|
|
|
|
|
|
|
|