|
|
 عمر الخيام العالم الرياضي والشاعر الصوفي
|
حكيم الشرق الذي افتتن به الغرب وترجمه
كشاف الأسلاف:- (عمر الخيام).. العالم الرياضي والشاعر الصوفي..
لماذا كشاف الأسلاف؟؟
إنه صيغة من الصيغ الممكنة لإقامة حوار مع التاريخ الثقافي العربي في نماذجه المضيئة، من شعراء وناثرين وفلاسفة ومفكرين، قدموا الوجه المشرق للحضارة العربية في قصائدهم وكتب نثرهم وفي تآليفهم العلمية والفلسفية التي جمعت في دفاتها بديع النظم والبيان.
إن هؤلاء هم الماضي والحاضر والمستقبل، وهم القمم الملهمة للأجيال الشابة في الوطن العربي، وسندهم الحقيقي في حروب الهويات المستعرة.. إننا لسنا أمة مقطوعة من شجرة، لقد كان بيننا رجال عظام من أسلافنا يكشف عنهم هذا الركن ويقدمهم لشباب الأمة.
ليلى الدردوري:-
أفق الآن فالشمس التي طوحت بالنجوم
بعيدا عن حقول الليل
أطاحت معها بالليل من السماء
ليخترق قلعة السلطان برمح من الضياء..
بهذه الصرخة المدوية والمخترقة لأمداء الظلم والظلمة، بدأ (عمر الخيام) حكيم الشرق في الثقافتين الفارسية والعربية دعوته في الرباعيات، كأحد أشهر الأشعار في العالم، وأشهر قطعة أدبية فارسية، إلى تحرير العقل والحواس من الهموم والمخاوف والأوهام.. والأصح أنها دعوة تكشف عن جزء بسيط من عبقرية فذة التفت حوله دفعة واحدة، فنصبته فيلسوفا، وفلكيا، وعالم رياضيات، وشاعر بلاد فارس الأول!
وعمر الخيام يشتق لقبه من حرفة أبيه، صانع الخيام في "نيسابور" عاصمة (خراسان) التي ولد فيها سنة 1040م، وبدأ تعليمه الأولي في مدارسها قبل أن يرحل إلى "سمرقند" ليدرس الرياضيات، حيث أنجز نظاماً للأرقام أكثر اتساعاً من نظام الإغريق، وأوجد طريقة لاستخراج الأرقام، وعالج لأول مرة مسائل التكعيب في الجبر.. وببروز موهبته الفلكية في سمرقند إلى جانب شهرته في الرياضيات يستدعيه السلطان السلجوقي (ملكشاه) سنة 467هـ- 1074م لتعديل التقويم الفارسي القديم، ويكلفه بناء برج فلكي في "أصفهان".
ثم يلغت شهرة الخيام قمتها بالرباعيات التي ظهرت سنة 867هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون، وكأن معاصريه لم يفكروا في جمعها لجرأتها أو حكمتها.. وهي قطع شعرية منظومة على توزيع رباعي، وبما أنها دعوة إلى الحياة والحب، فقد لاقى الخيام هجوماً، واتهاما بالزندقة من قبل المتعصبين أمثال (الرازي) في كتابه "مرصاد العباد"، واصفاً الخيام بأنه الدهري في ميدان الضلال..
بينما اعتبر الصوفيون شعره أفاعي سامة، فألبوا عليه العامة وأهل السلطة وأصدروا القرار بإحراق كتبه القيمة بحجة الإلحاد، فخاف على دمه، وأمسك من عنان لسانه قلبه، وذهب إلى الحج.. والأكيد أن الخيام في رباعياته القائمة على فلسفة وجودية جوهرية استطاع كذلك كسر الحدود الفاصلة بين الرياضيات والشعر، وأثبت أن العالم يمكن أن يرى الكون بعقل وجوارح الفنان، فيقول شعراً في الغزليات والخمريات، ويتأمل في حال الوجود، ويصدر أسئلة الموت والحياة كقول الخيام في الرباعيات:
أفنيت عمري في اكتناه القضاء
وكشف ما يحجبه في الخفاء
فلم أجد أسراره وانقضى
عمري وأحسست دبيب الفناء
ويعجب لهذا الفناء السريع للشباب والحياة فيقول:
تناثرت أيام هذا العمر
تناثر الأوراق حول الشجر
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر
نادى من الغيب رفات البشر
هبوا املأوا كأس المنى قبل
أن تملأ كأس العمر كف القدر
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
وعيشنا طيف خيال فنل
حظك منه قبل فوت الأوان
أطفئ لظى القلب ببرد الشراب
فإنما الأيام مثل السحاب
أولى بهذا القلب أن يخفق
وفي ضرام الحب أن يحرق
ما أضيع اليوم الذي مر بي
من غير أن أهوى وأن أعشق
ثم يعلن توبته ويتدارك نفسه فيقول:
يا عالم الأسرار علم اليقين
يا كاشف الضر عن البائسين
يا قابل الأعذار فئنا إلى
ظلك فاقبل توبة التائبين
هكذا تراوحت رباعيات الخيام بين الدعوة للمجون واللهو والحب، وبين الإيمان والإلحاد، وبين طلب العفو الإلهي في توبة وجودي ينتهي فجأة إلى جلوة الصوفية.
وتفيض شهرة الخيام عند الأوروبيين فيلقبونه ملك الحكمة، بعدما شكلت الطبعات المترجمة للرباعيات إلى اللاتينية والفرنسية والانجليزية والألمانية، وغيرها من اللغات منذ الستينات من القرن 19 انقلاباً واضحاً في الثقافة الأوروبية والعالمية.. وتجاوزت تأثيراتها الحياة الثقافية إلى الحياة الاجتماعية العامة.. وبعد أن تركت تأثيرا على حركة التجديد في الشعر الانجليزي المكبل آنذاك بقيود الكلاسيكية وتقاليد العصر الفيكتوري، فقضت أن يختطف عمر الخيام الأضواء من شكسبير لفترة طويلة، وعدد الرباعيات المترجمة (105) رباعيات.
وتلهم الرباعيات كعمل أدبي ينتمي إلى القرن الحادي عشر مخيلات الروائيين، ومنتجي أفلام هوليوود منذ 1941 بجمالياتها، وتعدد مواهب الخيام، وسيرته وشخصيته المهمة في بلاط الإمبراطورية "السلجوقية"، وبفلسفته الداعية إلى التسامح والرحابة الإنسانية، والتي وجدوا فيها دروساً حية لعالم ما بعد (11 سبتمبر/ايلول)!!
أما اكتشاف رباعيات الخيام عربيا فقد بدأ في العقد الثاني من القرن العشرين، حين نقلها إلى العربية (وديع البستاني) والشاعر المصري (أحمد رامي) والعراقي (أحمد الصافي النجفي).. وللخيام عدة مؤلفات في الرياضيات والفلسفة والشعر، وأكثرها بالفارسية.. وأما كتبه بالعربية فمنها: (الجبر والمقابلة، شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أوقليدس، الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما "وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية"، رسالة الموسيى)، وهي كتب لا تمثل عدد كتبه التي أحرقت بشكل لافت بتهمة إلحاده وبسبب الفهم الخاطئ لفلسفته وتصوفه، في حين شاءت الأقدار أن يموت الخيام مؤكدا إيمانه بالله في نيسابور التي دفن فيها!!
وتكريماً للخيام ولرسالته التي لا تخبو مع مرور الزمن ولأعماله، أسس ناد في لندن يحمل اسمه.. مهمته الدعوة إلى المزيد من الاهتمام بأعمال الخيام ورباعياته، وأنجز الفنان الإيراني الأرميني الأصل (سركيس) رسوماً تخطيطية بارعة موازية لكل رباعية تستلهم الأجواء العاطفية والوجودية التي تبثها الرباعيات.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
أبوذر بابكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست