مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-02-2006, 12:25 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار

    الديمقراطية نظام فريد للحكم. وهي في شكلها المعاصر نتاج للعصر الصناعي، أو عصر الحداثة المتميز بالعلمانية والتمدين والليبرالية. لقد استغرق نشوء وتطور هذه الحقبة قروناً. في هذا المبحث سوف نتفحص بعض المظاهر التاريخية لهذه العملية المديدة وغير المتكافئة بل المتناقضة وحتى المروعة، فحصاً يندرج في شكل سرد للوقائع وتدقيق للمفاهيم.

    التقدم والتراجع في الديمقراطية
    كانت الرأسمالية الصناعية (العصر الصناعي) في القرن التاسع عشر لا تزال جزيرة صغيرة في خضم محيطات الإنتاج الفلاحي الصغير والإنتاج الحرفي الصغير. وعلى الغرار نفسه كانت الديمقراطيات استثناءات قليلة في وسط محيطات من النظم الأوتوقراطية أو السلطانية أو العسكرية (البريتورية) علاوة على الكيانات القبلية ما قبل السياسية. في أوائل القرن العشرين أخذت الديمقراطيات في التراجع والسبب أن العصر الصناعي كان في أزمة، ضحية لنموه وتفتحه بالذات. ولما كان هذا العالم يتشكل من وحدات أساسية هي الأمم، فإن أمماً منفردة سقطت ضحية لأزمة مستعصية أطلقت العنان لتمردات جماعية (اشتراكية) من قوى اليسار أو قومية دولتية[3] من قوى اليمين. ودشنت هذه الأمم قطيعة مع التقاليد الليبرالية أو كانت غير قادرة على إبقاء المؤسسات الديمقراطية الضعيفة أصلاً. ونتيجة لذلك ظهرت الأنظمة الشمولية ومقلدوها في دول الأطراف. في تلك الفترة، أخذت الديمقراطية بالتراجع في العالم أجمع. ففي عام 1920 كان ثمة أكثر من 35 حكومة دستورية منتخبة؛ وفي عام 1938 لم يكن هناك غير 17. أما في عام 1944، فلم يبق غير 12 دولة ديمقراطية من 64 دولة قومية في المعمورة. لقد جاء التهديد الكبير للديمقراطية من الأنظمة الشمولية اليمينية. وتبعاً لقول هوبزباوم ففي 1918 ـ 1920، قامت أمتان أوربيتان بحل الجمعية التشريعية؛ وفي العشرينيات من القرن العشرين، قامت بذلك ست دول؛ وفي 1930 تبعت ذلك المثال التدميري تسع دول. لقد حطم الاحتلال الألماني الكثير من الديمقراطيات؛ وما بقي في أوروبا كان: بريطانيا وفنلندة والسويد وسويسرا وآيرلندة(1). بعد الحرب العالمية الثانية عاد بناء الديمقراطية بقوة في أوروبا الغربية في بلدان مثل إيطاليا والنمسا. ولكن كان ثمة تطور معاكس في طور التشكل في الوقت نفسه: سلسلة من التحولات اليسارية المدعومة من الجيش الأحمر في وسط أوروبا، راحت تقلد روسيا الستالينية، ومن بينها دول كانت سائرة في فلك ألمانيا النازية، وقد استنسخت قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، نموذجين اجتماعيين متعاكسين يميني ويساري يقومان على نظام دولة الحزب الواحد المركزية.

    مع اشتداد الحرب الباردة، أخذت الكثير من الدول في آسيا وأفريقيا وبعض دول ما بعد الكولونيالية تنقلب على أنظمة الحكم الليبرالية من الفترة الكولونيالية البريطانية والفرنسية، وتتخذ سبيل تطوير أنظمة سياسية قومية عسكرية تسلطية(2). وكانت القوى العظمى منشغلة تماماً في صراع الحياة والموت انشغالاً أكبر من أن يصرفها إلى ترف التفكير في الديمقراطية. كانت القوى العظمى في غالب الأحيان مشغولة في إعداد الانقلابات العسكرية والمؤامرات السياسية وإثارة الاضطرابات من أجل تطويق بعضها البعض. في ظل مثل هذه الظروف الملائمة للتسلطية كنظام للحكم عززت السلطات المحلية والنخب المدنية والعسكرية في أكثر الدول النامية سيطرتها الاستبدادية. لذلك انكبح نمو الديمقراطية في الكثير من دول "العالم الثالث" بفعل كوابح قوى وعوامل محلية وعالمية. ومرة أخرى كانت أوروبا استثناءً. فمنذ 1974 بدأت النظم التسلطية في البرتغال وأسبانيا واليونان بالتفكك حتى تداعت في الأخير.

    إذا كانت موجة الديمقراطية قد بقيت محدودة المدى بل حتى تكسرت بفعل ازدياد عدد الدول اللاديمقراطية في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1945)، فقد كانت موجة بناء الديمقراطية بعد الحرب الباردة (1991) هائلة. وعلى العكس من سابقتها، كانت الموجة الجديدة، بكلمات هنتنغتون، ليست أوروبية، بل عالمية، حيث غطت حوالي 50 أمة، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي السابق وحلفاءه الأوروبيين الشرقيين وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا(3). وقد احتفى فوكوياما على نحو مثير بهذه الانعطافة التاريخية وفق التراث الهيجلي الذي يفهم التحول على أنه تقدم العقل في التاريخ وبالتالي مسيرة هذا التاريخ نحو نهايته؛ وكان هذا احتفاء أيضاً بروح آدم سمث في تقدم الأسواق باعتبارها قوة تحرر مجانسة. على النقيض من ذلك، أعاد هنتنغتون صياغة مفهوم العالم الجديد على وفق كلاوزفيتز بأنه حرب حضارات.

    إننا الآن في عالم جديد، قرن جديد. لقد بدأ القرن العشرون متأخراً في عام 1917، مع ثورة أكتوبر، لكنه انتهى مبكراً في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفييتي(4). انتهى القرن العشرون قرن المستعمرات والشمولية والدولتية ـ الفاشية التي تمردت على اختلالات وانتشار العالم الصناعي. وإذ تبدو هذه التمردات غير مجدية بل دامية ورهيبة فقد كانت في الحقيقة إشارات تحذير ضرورية على أن النظام الصناعي يفتقر للتوازن، وأنه كان بحاجة إلى إعادة تنظيم. دعونا ننظر عن كثب.
                  

10-02-2006, 12:27 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    المصادر الكبرى للتمرد على الديمقراطية
    تكشفت المجتمعات الصناعية الحديثة الولادة عن ثلاث مشاكل رئيسية: أولاً، التوزيع غير العادل للثروة في المجتمع مشفوعاً بتصدعات وانقسامات اجتماعية حادة؛ وثانياً، علائق مختلّة أو غير متوازنة بين الدول القومية يفرزها إلى رابحين وخاسرين، وثالثاً، التوسع الامبراطوري، أي نشوء المستعمرات (الكولونيالية)، التي أذكت النزعات القومية الكارهة للأجانب. وسنناقش أدناه هذه المظاهر بالتتابع.

    أكدت الليبرالية الكلاسيكية على الحريات الاقتصادية والسياسية الفردية بوجه الدولة الأوتوقراطية التدخلية(زمن الإقطاع). وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان المفكرون الاقتصاديون الليبراليون، مثل آدم سمث، أو الفيزيوقراطيين الفرنسيين، يدعون إلى حرية التجارة والاقتصاد، لكنهم لم يدافعوا عن حرية التجارة فحسب، بل دعوا أيضاً إلى حكومة الحد الأدنى. وقد وضع سمث حجم الحكومة تحت رحمة قوانين العرض والطلب(5). ومنذ مطلعي القرنين السابع عشر والثامن عشر، راح المفكرون السياسيون الليبراليون يشددون على حقوق الإنسان الجوهرية (مثال ذلك فلاسفة العقد الاجتماعي)، ويشددون على كوابح وتوازنات لمنع الحكم الأوتوقراطي (حكم الفرد الواحد). إن أطروحات جون لوك في الحكم لا تزال تمثل المبادئ الأساسية للحكم الديمقراطي: الحكم بالرضى وحكم الأكثرية، أما تقسيم السلطات والمؤسسات الوسيطة التي بحثها مونتسيكو فإنها تؤلف المكونات البنيوية للحكم الديمقراطي.

    أدى تقدم الليبرالية إلى منح حق الانتخاب للطبقات المالكة أول الأمر، بينما أفقر التقدم الصناعي طبقات الفلاحين والحرفيين. وبالتوافق مع الفكر الليبرالي ولكن أيضاً على الضد منه، وسعت المدارس الجماعية (الاشتراكية) الكلاسيكية في القرن التاسع عشر على نحو راديكالي (وربما قبل الأوان)، المبدأ الليبرالي في الحرية السياسية والمساواة ونقلته إلى المجال الاقتصادي، مؤكدة تعايش وتصارع الأضداد بين الفرد والجماعة أو بين المصلحة الخاصة والعامة. كما هاجمت الجماعية القاعدة الاجتماعية الضيقة لديمقراطية القرن التاسع عشر، التي استبعدت الطبقة الرابعة، من الفئات الحضرية وغير المالكة كما استبعدت النساء عن المشاركة السياسية. كانت المدارس الديمقراطية مهتمة بتوزيع وتنظيم السلطة السياسية. أما المدارس الجماعية فكان اهتمامها ينصب على توزيع السلطة الاقتصادية (الثروة). وكانت علاقات السلطة السياسية قائمة على توزيع الثروة الاجتماعية بحيث أن حكم الأغلبية والحكم بالرضى فقد معناه لصالح المتحكمين بالثروة. سعت المدرسة الجماعية إلى علاج راديكالي طوباوي: إلغاء الملكية الخاصة والدولة، بالمعنى الماركسي أو الفوضوي. وحين نسترجع هذا التاريخ نرى أن نقد المدرسة الجماعية للرأسمالية في القرن التاسع عشر وتمردها ضدها في القرن العشرين (الثورة الروسية في 1917) قد أجبر الليبرالية الصناعية على تعديل بعض قواعدها مثل إقامة نظام الضمان الاجتماعي (ما يسمى: دولة الرفاه) وتدخل الدولة في الاقتصاد كما حصل أيام الرئيس الأميركي روزفلت صاحب "الصفقة الجديدة"، وذلك قبل أن تنظم الكينزية (نسبة للاقتصادي الإنكليزي كينز 1882 ـ 1946) وتشرع فيما بعد الحرب درجة من الحماية والتدخل الحكومي المنظم على النطاقين الوطني والعالمي. إن مبتكرات كينز وهي البنك الدولي (WB) وصندوق النقد الدولي (IMF)، لا تزال معنا حتى هذا اليوم. كذلك حال نظام الضمان الاجتماعي (دولة الرفاه) وحق الاقتراع الشامل وحكم القانون(6).

    هناك تيار آخر مناوئ للديمقراطية جاء من مصدر آخر. إنه الاشتراكية القومية الدولتية في القرن العشرين، المتمثلة في النازية والفاشية ذات الطابع العنصري القومي العدواني(7)، التي كشفت بضراوة عن مظهر محتدم في العصر الصناعي الليبرالي: إن النظام العالمي المؤلف من دول قومية يرتكز على توازنات قوى مختلة، حافلة بالتنافس الاقتصادي الشرس والتنافس السياسي والحروب التجارية. وسبب ذلك أن العصر الصناعي مستحيل من دون وجود أسواق دولية وتجارة عالمية. وهو نمط عالمي واقع في شرك الحاجة الماسة إلى وحدات قومية باعتبارها وسائل فاعلة للتنظيم والتحكم. ولكن العلائق بين الدول كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية وعبر الكثير من التاريخ الحديث، لا يكاد يكون ممكناً أن توصف هذه العلاقات الدولية بأنها ديمقراطية. ولعل هناك الآن الكثير من القيود والتوازنات التي تقلل من التصادمات في العلاقات الدولية، لكن هذه كانت غائبة على نحو مروع في مستهل القرن العشرين.

    كانت هذه مفارقة، وهي ما تزال قائمة إلى حد ما. لقد عمم العصر الصناعي نظام الدولة ـ الأمة باعتبارها كيانات سياسية قابلة للديمومة الاقتصادية. ولكن العصر الصناعي لم يكن ولم يستطع أن يوفر الشروط اللازمة للسير الهادئ لهذا النظام. كانت بعض الأمم أقوى وأكثر تقدماً من الأخرى؛ وليست هناك سوى دول قليلة تسيطر على الأسواق العالمية ومصادر المواد الأولية، كي تلبي حاجات الإنتاج الرأسمالي المتوسع باطراد. إن ولادة ضرورة الدولة ـ الأمة أطلق النزعة القومية ووضع في خدمتها أنظمة الاتصال الهائلة للتعبئة في المدينة وحتى التعبئة في الريف. كانت الأمم المهزومة (مثل ألمانيا) أو الدول المقصاة (مثل إيطاليا) في الحرب العالمية الأولى قد عملت سريعاً على الانتقام. كانت فكرة "المجال الحيوي" الألمانية أو سعي إيطاليا إلى استعادة مجد الامبراطورية الرومانية حافزين لاندلاع الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة أكثر من 50 مليون إنسان.

    إن هذا النموذج (الألماني والإيطالي) من النزعة القومية المتطرفة هو في جانب منه احتجاج ضد اللامساواة في النظام العالمي للدول القومية كما أنتجته المرحلة الصناعية المبكرة. وكان ذلك أيضاً تمرداً نخبوياً ضد نقاط ضعف النظام السياسي الليبرالي، الذي كان، من وجهة نظر خصومه من أنصار أولوية الدولة ـ الأمة، قد أضعف إرادة الأمة، وسمح لفئات الطبقة المؤيدة للجماعية بأن تمزق الوحدة الوطنية. إن الازدراء الذي نظر به بنيتو موسوليني وأدولف هتلر إلى "الأرقام المحضة للدهماء" يشير إلى مقدار نفورهما من الحكم الليبرالي أو من الصراع الطبقي للمدرسة الجماعية.

    أخيراً هناك ميدان آخر للصراع الذي نتج عن قيام العصر الصناعي الليبرالي وهو الكولونيالية: إن مبدأ قيام الأمم، المبنى على أساس اللغة والدين أو الإرادة السياسية الجماعية، قد أطلق العواطف القومية والحركات الاجتماعية بين الكثير من الجماعات المرشحة لأن تؤلف أمة بذاتها، ضد الامبراطوريات الأوتوقراطية القديمة المتعددة القوميات (مثل الامبراطورية العثمانية) أو ضد الحكم الكولونيالي في العالم. بدأ هذا التوجه في المستعمرات خلال القرن التاسع عشر، ولكنه لم يتطور كلياً قبل حلول القرن العشرين.

    توجد في العالم اليوم نحو 8000 مجموعة لغوية وهذا يعني أن ثمة 8000 كيان قومي يمكن أن ينشأ نظرياً؛ على أن لدينا أقل من 200 دولة، ولا نكاد نجد دزينة من الدول ممن تدعي التجانس "الأثني ـ العرقي" أو "القومي"(. لا بد من التذكير أن القرن العشرين قد دشن سياسة ما بعد الحرب العالمية الأولى بتعميم مبدأ الأمم، أو مبدأ القوميات: وهو حق تقرير المصير. مثال ذلك أن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون والرئيس السوفييتي فلاديمير إلتش لينين، تبنيا هذا المبدأ من وجهتي نظر متناقضتين، الأول نحو دعم الديمقراطية الليبرالية والآخر نحو تعزيز الثورة الجماعية باعتبارها صيغة من الديمقراطية الاجتماعية.

    لم تكن حروب المستعمرات جديدة. كانت الحرب الأمريكية من أجل الاستقلال أو النضالات الأمريكية اللاتينية من أجل الاستقلال في القرن التاسع عشر قد سبقت منذ وقت طويل الموجات الآسيوية والأفريقية في الثورة ضد الكولونيالية. لكن العالم بات أكثر تعقيداً. إن النزاعات العرقية والدينية تطوق العالم الثالث الآن. وأوروبا نفسها لم تكن بمنأى عن الأزمة. ذلك أن يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق تفككا إلى مكوناتهما القومية مؤخراً ليس إلا. غير أن "الأمم" الجديدة التي تشكلت في أغلب دول العالم الثالث فاقدة للحيوية الاقتصادية والنضوج المؤسساتي والتكوينات الاجتماعية ـ الاقتصادية (أي الطبقات الفاعلة) أو القيم الثقافية الضرورية للحكم المستقر ناهيك عن الحكم الديمقراطي
                  

10-02-2006, 12:27 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    تفكير جديد
    إن المشاكل الأساسية التي أطلقت هذه الاتجاهات والميول الثلاثة المناهضة لليبرالية خلال القرن العشرين لا تزال تعيش معنا إلى حد ما: وهي تضاد المصلحة الخاصة للفرد مقابل المصلحة العامة للجماعة، وتضاد الفرد مقابل الدولة، وتضاد الأمة مقابل الأمة، وتضاد الأمة مقابل العالم. وحتى يومنا هذا فإن ثمة من يفضل مثال دولة الرفاه (الخدمات الاجتماعية) ودولة التنمية على الحريات أي الدولة الديمقراطية، كما أن هناك من يضع الأولوية للأهداف القومية على بناء الديمقراطية كما هو الحال في الكثير من بلدان الشرق الأوسط.

    ترى هل اقترب العالم من معالجة تلك المشاكل التي أشعلت الكثير من الحروب والنزاعات الأهلية والتطهير العرقي وبقية الكوارث التي قد تصنع الأمم أو تحطمها؟ ثمة ألوان عدة من الكتابات النقدية تفيد أن العالم يعاني من مشاكل أساسية عدة هي: أولاً، تعزيز الديمقراطية حيث البنى السياسة هشة، تسلطية أو غير ليبرالية (أي الدعوة إلى إصلاح سياسي)؛ ثانياً، تطوير اقتصاديات سوق مدعمة بشبكات ضمان اجتماعي لتخفيف الفقر (إصلاح اقتصادي)؛ ثالثاً، التحرك إلى الأمام نحو قيام حكومة عالمية لتجاوز فوضى العولمة. وهذه الدعوات والمظاهر متداخلة. إن العالم يكبر ويصغر في الوقت نفسه. إنه يصغر لأن العولمة قد ضغطت السلسلة الكاملة للكيانات القومية في وحدة منفردة من التحليلات: العالم. وهو يكبر لأن العولمة تستمر في زيادة عدد الوحدات القومية وتعزز التجمعات العرقية وحتى الهويات الاجتماعية الأصغر من ذلك.

    إن الموجة الجديدة لبناء الديمقراطية في تسعينات القرن الماضي المشار إليها من قبل قد خلقت نقطة بداية مفيدة من أجل دفع هذه الجوانب المتعارضة إلى نوع من الوفاق. ولعل الدمقرطة توفر قاعدة نحو الحل السلمي للنزاعات. إن الديمقراطية لم تمنع الحرب بين الأمم؛ لكنها أوقفت الحروب بين الديمقراطيات(9). إن انتشار الأسواق الموحدة القائمة على قواعد قانونية تقدم مثل هذه الفرصة. ولكن الأسواق الحرة بإطلاق ليست هي البداية. إن شبكات الضمان الاجتماعي، التي يهاجمها الآن الليبراليون الجدد، ضرورية ولا يجوز استبعادها.

    لقد أنتج التوسع السريع في نماذج وإجراءات الديمقراطية في عالم ما بعد الحرب الباردة غزارة في الأدب المكتوب حول الديمقراطية وبناء الديمقراطية. إن النقاش حول التنميط السياسي قبل التسعينيات كان يركز على الاختلافات بين الأنظمة التسلطية والعسكرية والسلطانية والشمولية. أما الآن فإن السجال ينحصر كلياً تقريباً حول أنواع الأنظمة الديمقراطية.

    ويعرض ديفيد هيلد على سبيل المثال تسعة أنماط من الديمقراطية يتفرع بعضها إلى أجناس فرعية، وتتضمن هذه الأنماط: الديمقراطية اليونانية الكلاسيكية أو المباشرة، والديمقراطية الحامية، والديمقراطية التنموية (المتجددة من النزعة الجمهورية الحامية والتنموية) والديمقراطية الحديثة المباشرة، والديمقراطية النخبوية التنافسية، ونظام التعددية الجديدة، والديمقراطية القانونية، وديمقراطية المشاركة الموسعة، والديمقراطية الذاتية، والديمقراطية العالمية (الكوزموبوليتانية). وهذه قائمة طويلة بما يثير الدهشة(10). وعموماً فهي قائمة قابلة للتوسيع: الديمقراطية الناشئة (أي الجديدة والضعيفة) والديمقراطية الانتخابية والديمقراطية اللاليبرالية والديمقراطية النخبوية وما إلى ذلك(11).

    ثمة كثرة من الكتابات تركز على ماهية الديمقراطية من عدمها. من المؤكد أن تنوع الإجراءات والترتيبات الديمقراطية يحتم علينا تعريف وتشذيب فهمنا لماهية الديمقراطية وكيفية عملها. وقد ابتكرت المؤسسة الأمريكية للديمقراطية سلسلة من المعايير لتحديد البلد الذي هو حر سياسياً أو حر جزئياً أو ليس حراً. إن النقاش الآن هو ضمن الديمقراطية. إن الغزارة في الأدب الذي يركز على الديمقراطية لا يقارن إلا بالغزارة المشابهة حول نظام العولمة ومذاهب العولمة. وهذه علامة صحية. إن الدعوات لبناء حكومة كونية أو تنظيم أسواق كونية أو علاقات دولية تمس بعداً جوهرياً من أبعاد التحول الديمقراطي: إن ميدان العلائق بين أمة وأخرى، لا تزال تحمل الكثير من سمات الماضي الاستقطابي التصادمي، وليس سمات عالم ديمقراطي وباني للديمقراطية. ويبدو أننا ننسى أن المصطلح الإنكليزي International "هو في الحقيقة متكون من مقطعين الأول inter ويعني ما بين، والثاني national أي قومي. وعليه فإن هذا المصطلح يشير إلى أن لدينا عالماً مبنياً من دول قومية؛ وأن الديمقراطية ضمن كل وحدة مشروطة بعوامل تقع داخل هذه الوحدة وعوامل تقع خارجها. وينبغي أن نفهم دعوة أتزيوني في سبيل قيام شكل معين من الحكومة العالمية على هذا الأساس، وكذلك النقاشات عن تأثير العولمة على الدولة ـ الأمة(12). هذان المظهران من العالم الحديث معروفان جيدان منذ القرن الثامن عشر. لقد درس عمانوئيل كانط الفيلسوف الألماني في بحثه "نحو سلام دائم" منطلق الحرب والسلام بطريقتين: كونه نتيجة للمنافسة الشرسة بين دولتين قوميتين أو أكثر، وكونه خيارات ديمقراطية للشعوب القاطنة في وحدة قومية، أي الرعايا الذين يذهبون إلى الحرب ويتحملون أعباءها الدموية. إن الدول عند كانط تبدو أشبه بتوم سوير للروائي مارك توين: صبي عاق سيء السلوك. ومثل هؤلاء الصبيان بحاجة إلى ضبط، وزجر أو حبس إن اقتضت الحاجة. اقترح كانط إنشاء هيئة عامة للضبط سمّاها: عصبة للأمم، أي مؤسسة عالمية لمراقبة أمور الحرب والسلام؛ واستغرقت البشرية أكثر من قرن كي تصل إلى هذا المثال. وقد تداعت عصبة الأمم الأولى بعد الغزو الإيطالي لأثيوبيا عام 1936 ولا تزال الأمم المتحدة التي تشكلت في اتفاق سان فرانسيسكو عام 1945 حاضرة حتى اليوم، على الرغم من تعطلها في أيام الحرب الباردة. إن نظاماً ديمقراطياً كونياً يتطلب حكومة عالمية تقام بهذه الطريقة أو تلك. وما من ديمقراطية يمكن أن تتجذر سريعاً من دون توفر هذا الشرط. لا يزال علينا انتظار تحولات ديمقراطية في الصين وكوريا الشمالية والشرق الأوسط (13).أما الجانب الآخر الذي ناقشه كانط فهو المظهر الداخلي للدولة ـ الأمة، أي المسؤولية والاختيار في الأمم نفسها. لقد أكد أن الاختيار الحر سيحد من فرص الحرب. ومهما تبدو هذه الفكرة مثالية، فإن فيها شيئاً من الحقيقة. هذان الجانبان يتمم أحدهما الآخر دون فكاك
                  

10-02-2006, 12:30 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    كيف تكون الديمقراطية وكيف لا تكون؟
    لقد أضحى تعريف الديمقراطية أمراً إشكالياً. والتعريف عويص، نحن معتادون على أن نقول أن هذا ليس بديمقراطية، أي أن نقول أن الشيء ليس كذا، وأن المنظومة ليست كيت. ولكن هذا لا يخبرنا شيئاً عن ماهيتها في الحقيقة. نحن نقول مثلاً أن لون المادة، وهو واحد من محمولات عديدة، ليس أحمر ولا أبيض أو أسود. إن هذا النفي قد يستمر إلى نهاية طيف اللون المحتمل والتركيبات المحتملة حتى نصل عبر صور نفي لا حصر لها إلى اللون المطلوب. ولكن حين نقرر بأن اللون أبيض فنحن ننفي في الواقع وجود كل الألوان الأخرى وتركيباتها المحتملة. لذلك ففي المنطق الكلاسيكي لم يكن النفي تحديداً منطقياً (لا تعريف)، بينما التحديد (التعريف كان نفياً شاملاً للخواص والمحمولات والشروط ليست ذات العلاقة بالأساس لشيء معين أو جوهر معين. وما ينطبق على الأشياء المفردة، يمكن أن ينطبق على النظم المعقدة. من بين المحاولات المثيرة لتعريف ماهية الديمقراطية من عدمها نجد أن كتابات فيليب س. شميتر وتيري لين كارل: "كيف تكون الديمقراطية وكيف لا تكون"، مفيدة في هذا الباب. وأن تحليل الديمقراطية إلى أجناس مقارنة نجد أفضل شرح له في كتاب هيلد: "أنماط الديمقراطية".

    إن الديمقراطية التمثيلية الدستورية التي تشمل كل الطبقات والجماعات والأعضاء في وحدة حديثة من التنظيم السياسي أي الدولة ـ الأمة، هو نظام جديد ينتمي إلى مرحلة متقدمة من العصر الصناعي ولا سابق له قبل هذا العصر. أما أنظمة التمثيل الضيقة فقد سبقت بظهورها الديمقراطية الحديثة، وكذلك مسألة تقسيم السلطات وأيضاً نظام القضاء المستقل أو التعددية. إن استقلالية التنظيم الاجتماعي عن الدولة هي أيضاً ميزة سبقت نشوء الديمقراطية. مثال ذلك، في العصر الزراعي كان المجتمع منظماً في جماعات متشظية منفصلة، ومغلقة، أو منظماً على شكل دول ـ المدينة، التي كان مراتبها البطرياركية مستقلةً. لكن هذه التنظيمات الاجتماعية لم تستبعد المساواة السياسية فحسب بل أخضعت الفرد وقيدته بأغلال الانتماء القرابي أو المحلي. لم يكن للغرباء والعبيد الحق في الاقتراع في أثينا؛ وكذا كان حال النساء والطبقات غير المالكة في الديمقراطيات المبكرة. لقد أنتجت المرحلة الصناعية وعززت مجتمعاً يقوم على طبقات وجماعات مفتوحة، متغيرة ومتحركة، على أساس المساواة السياسية التي لا تلغي التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية. إن الديمقراطية ليست مُثُلاً أو مبادئ مجردة قد يطبقها المصلح النبيل أو لا يطبقها. هذه المبادئ في شكلها التجريدي هي مجرد تمثلات فكرية للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المؤسساتية والثقافية والقانونية التي تشتغل على ثلاثة مستويات:
                  

10-02-2006, 12:31 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    أولاً: إنها نظام من علاقات معقدة بين أعضاء وجماعات وطبقات مجتمع ما، يتمتع فيه ويعترف فيه كل فرد أو جماعة أو طبقة بالمساواة أمام القانون على أساس حقهم في حرية النشاط الاقتصادي المنظم في عقود وفي حرية المشاركة السياسية وفي حرية المعتقدات الدينية. إن عبارة إنسان ـ واحد ـ صوت ـ واحد تعبر عن المظهر السياسي للمساواة الشاملة.

    ثانياً: إنها نظام من العلاقات المعقدة بين المجتمع، في كليته، والدولة، أو، بكلمات أخرى، بين المجتمع المدني، والمجتمع السياسي، بناءً على احتكارين: أن المجتمع المدني هو حقل الملكية والنشاط الاقتصادي والثقافة؛ وأن المجتمع السياسي هو ميدان احتكار وسائل العنف المشروعة وإدارة القضاء دفاعاً عن الحياة والملكية والثقافة والحريات ضد أي انتهاك لها سواء أكان داخلياً أم خارجياً. إن العقد الاجتماعي ينص على أن المجتمع المدني يتنازل عن حقوقه في حماية الحياة والملكية إلى "الدولة حاملة السيادة"، وكذلك يمول هذه الدولة عبر الضرائب ويحتفظ بحقه في محاسبتها وتغييرها (14).

    ثالثاً: إنها نظام تقسيم وظائفي ـ مؤسساتي داخل المجتمع السياسي، أي في بنية الدولة، مثال ذلك أن كل واحدة من مكونات الدولة تقوم بوظيفة محددة بوضوح، ولكن هذه الوظيفة منفصلة مؤسساتياً: مثل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. ولكل مؤسسة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية نصيبها من السلطة. ويقف على هرم السلطة التنفيذية الرئيس ورئيس الوزراء، أو العرش ومجلس الوزراء. وربما يكون للمؤسسة التشريعية مجلسان (العموم واللوردات في بريطانيا؛ أو مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الولايات المتحدة)؛ والقضاء منظم أيضاً في نظام من المحاكم والمؤسسات التي تعمل بمجموعها على كبح السلطة التنفيذية أو تضع القيود والكوابح الناظمة ذاتياً لعملها كذلك. هذا التقسيم العمودي والأفقي للسلطة هو الأسلوب الذي ابتكر أصلاً لمنع تمركز السلطة. لقد أكد مونتسيكو أن السلطة لا تكبح إلا بالسلطة. وكذلك فعل ماديسون في بحوثه الاتحادية (الفيدرالية)(15).

    إن النظام الديمقراطي القائم على العقد الاجتماعي، وحكم القانون، والحكم بالرضى أو التوافق وحكم الأكثرية، حكم دولة المؤسسات ودولة التمثيل الشامل ودولة تقسيم السلطات، المعرضة للمحاسبة والانتقال السلمي للسلطة، لم تظهر هكذا جاهزة؛ بل ولدت في الحقيقة إثر حروب أهلية، وثورات شعبية وحروب قارية وعالمية. وإذ تتفق النظريات السياسية والاجتماعية عموماً على ظهور هذا النمط من الديمقراطية الجامعة مع ولادة العصر الصناعي؛ فإن هذا لا يعني أن أي تحول نحو المجتمع الصناعي الحديث سوف يقود في الحال، في ظل أي ظرف، إلى بناء الديمقراطية. والدليل التاريخي يبرهن أن مثل هذا الادعاء هو إما تجريد فارغ أو ادعاء أيديولوجي. إننا نعلم من التاريخ الحقيقي كيف أن النظم الملكية الأوروبية المطلقة قد أبدلت بالبونابارتية التسلطية (فرنسا) أو بالفاشية (الشمولية اليمينية)، أو بالستالينية السوفييتية (الشمولية اليسارية)، أو الأنظمة العسكرية (اليونان).

    إن القادمين المتأخرين للعصر الصناعي حولوا اقتصادهم ومجتمعهم تحت سيطرة أنظمة أوتوقراطية إصلاحية، مثال ذلك ميجي اليابان، أو الاتحاد والترقي العثماني، أو الأنظمة التسلطية، كنظام بسمارك في ألمانيا القرن التاسع عشر. وبقيت أوتوقراطيات الماضي تجرجر أذيالها حتى بواكير القرن العشرين في روسيا واليابان والامبراطورية العثمانية.

    وحيثما نضجت الديمقراطية اتخذت مسالك عدة: ففي بريطانيا قادت الأرستقراطية الميالة للحلول الوسطية والطبقة الوسطى القوية والدولة الضعيفة في القرن السابع عشر إلى ثلاثية اجتماعية قوامها العرش ـ اللوردات ـ العموم. وفي فرنسا أفضى حال الطبقة الوسطى القوية وضعف النبلاء بإزاء الدولة القوية في أواخر القرن الثامن عشر إلى انفجار ثوري أزاح كلاً من النبلاء والعرش. كانت الديمقراطية الفرنسية راديكالية وشاملة وفورية. وقد وقعت ضحية راديكاليتها، وتطلب ما يقارب قرن من الزمان من الجمهوريات المتعاقبة كي تستقر. ولكون إنكلترا جزيرة منعزلة، ولكنها أمة ذات تجارة بحرية نابضة، كان لديها جهاز حكومي ضعيف؛ وكانت فرنسا دولة مفتوحة برياً وتحتاج إلى جيش قوي وبيروقراطية كفوءة. على العكس من ذلك، كانت أميركا بلداً شاسعاً له أرض واسعة، تحولت إلى بلد مكتف ذاتياً من الفلاحين وأرباب العمل، حيث الجماعات المحلية منظمة على النمط الأثيني من الديمقراطية المباشرة. وعلى نقيض المدن الأوروبية المكتظة كان بإمكان المدن الأمريكية الصغيرة أن تجمع "العامة من الناس" في الساحة المركزية للنقاش والانتخاب والمصادقة على كل ما يبتغيه المجتمع. بقي النبيل الفرنسي أليكسس دو توكفيل مذهولاً أمام المشهد الأمريكي: كل شيء يتحرك، ولكن ليس ثمة محرِّك ظاهر، هكذا لاحظ. لقد بدأت الديمقراطية الأمريكية بمجتمع مدني قوي، لم يكن مقسماً إلى نبلاء وعامة على الغرار البريطاني، أو على الغرار الفرنسي ذي الطبقات الثلاث: النبلاء والأكليروس و"الطبقة الثالثة" (المالكون في المدن). كان لأميركا مجتمعاتها المحلية القوية ودولة ضعيفة مركزياً (بيروقراطية صغيرة العدد، وجيش صغير العدد). أشار توكفيل في واحدة من صياغاته المأثورة أنه حينما يتطلب الأمر إقامة مشاريع عامة في أمريكا، مثلاً، كان ثمة دائماً جمعية أو رابطة مساندة له، وفي إنكلترا ثمة دوماً لورد أو أرستقراطي، وفي فرنسا، كان ثمة دائماً الدولة (الحكومة)(16).

    ما تخبرنا به هذه المسالك المختارة هو أن تطور العصر الصناعي كان متفاوتاً؛ وأن نتائجه لم تكن دائماً ديمقراطية؛ ولم يكن السبيل نحو الديمقراطية معبداً، وأن التواريخ القومية والعالمية تحدد وتيرة وشكل بنية ونشوء النظم الديمقراطي.

    إذا كان العصر الصناعي هو عصر رأسمالية ـ السوق العقلانية والديمقراطية، فيمكن لنا قول ما يلي:

    أولاً: أن المجتمعات الزراعية أو ما قبل الصناعية تدخل إلى العصر الصناعي في مراحل مختلفة من تطور هذا الأخير: في الثورة الصناعية الأولى، أو الثانية أو الثالثة، نزولاً إلى مرحلة المعلوماتية والروبوتات والأتمتة، أي الحقبة التكنونيوترونية(17).

    ثانياً: أن المجتمعات ما قبل الحديثة تدخل إلى العصر الصناعي من مختلف مراحل تطورها هي: البعض يتمتع ببنية سياسية مركزية؛ وآخرون لا يزالون في مرحلة بدوية ما قبل سياسية. قارن مثلاً العراق تحت الحكم العثماني أو خلال الانتداب البريطاني في عشرينيات القرن العشرين ومجتمع الجزيرة العربية ما قبل نشوء المملكة السعودية العربية الذي كان من دون سلاطين.

    ثالثاً: أن هذا التحول نحو العصر الصناعي الذي يمكن أن نسميه أيضاً المجتمع التجاري، أو المجتمع الرأسمالي، قد يتخذ أشكالاً عدة: أ ـ الرأسمالية الخاصة، أي الطبقة الوطنية أو الطبقة الخاصة الأجنبية من أرباب العمل؛ أو، ب ـ رأسمالية الدولة، أي الدولة بوصفها رأسمالياً جماعياً؛ ج ـ رأسمالية المحسوبية (خليط من الطبقة الفاسدة ولكن المتماسكة من موظفي الدولة وأصحاب رأس المال الخاص)؛ د ـ رأسمالية القرابة، المبنية على العوائل الكبيرة التي تقف على قمة الهرم السياسي لنظام يحمل السمات الإرثية.

    إن الرأسمالية الخاصة المعززة برأس المال الخاص الفردي أو المتشارك (شركات مساهمة)، كان كقاعدة، موائماً للتطور الديمقراطي؛ بينما رأسمالية ـ الدولة (كميجي اليابان في القرنين التاسع عشر والعشرين، وألمانيا بسمارك في القرن التاسع عشر، وروسيا ستالين في ثلاثينيات القرن العشرين، لإيراد بعض الأمثلة) لم تكن ملائمة لهذا التطور شأنها شأن رأسمالية المحسوبية التي تميز الحكم التسلطي في بعض الدول النامية (مثل مصر وأندونيسيا في ظل حكم سوهارتو)؛ أو رأسمالية القرابة التي هي نظام فرعي للحكم الإرثي (كدول الخليج والبعث في العراق). إن النخبة الحاكمة، كالعائلات الملكية أو المشايخ، (كما هو الحال في الخليج)، أو (الجماعات القرابية الحاكمة) كما هو الحال في العراق في ظل البعث (تستخدم موقعها في السلطة والمال العام لتطور أعمالاً تجارية عقلانية (متأسسة على الحساب الاقتصادي) أو لاعقلانية (من خلال الأتاوات المنتزعة والاحتكار المدعم من السلطة)، وبذلك يستعملون السلطة السياسية لجمع الثروة، وليس العكس. كلا هذين الشكلين يفضيان إلى اندماج السلطتين السياسية والاقتصادية في أيدي القلة، ويخلقان طبقات وسطى راضخة، مطواعة فاقدة لأي استقلال، وهو الشرط الاجتماعي الذي يكبح التطور الديمقراطي.

    وستكون النتيجة النهائية لكل هذه الأنماط هي إما ظهور مجتمع اقتصاد سوق مؤسساتي قوي أو ضعيف، أي مجتمع إما مستقل عن المجتمع السياسي، أو خاضع له، مجتمع اقتصادي متميز عن الدولة وعن اقتصادها الأوامري.

    رابعاً: أن الانتقال إلى العصر الصناعي أو إلى الاقتصاد التجاري الحديث يتضمن، كقاعدة عامة، تدمير وتحويل أشكال الملكية وأشكال الثقافة وأساليب الحياة ومنظومات القيم ما قبل الحديثة بأشكال جديدة. مثل هذا التغير الاجتماعي ـ الاقتصادي يطلق أوار تناحرات اجتماعية وسياسية وثقافية عارمة. إن المجتمعات المتقدمة، التي تتوفر على طبقات ناضجة قليلاً أو كثيراً، وثقافة وتكوينات اجتماعية ـ اقتصادية حضرية قوية، وطبقات وسطى وعليا ناضجة، وطبقة نبلاء أو أرستقراطية مالكة، وعمال حضر تسير في العادة في مسار سياسي يختلف كثيراً عما كان لدى المجتمعات الحرفية والزراعية ذات السكان البدو والمدن الضعيفة.

    وحيثما تتبلور طبقات حضرية قوية وموحدة، وفوق كل شيء طبقات وسطى مالكة لرأس المال والأرض، فإن للديمقراطية الدستورية فرصة للارتقاء. أما إذا كان العداء بين هذه الطبقات الحضرية الجديدة (العمال وفئات دون الطبقة الوسطى ضد الطبقات الوسطى والعليا) شرساً جداً فإن المجتمع بأجمعه يضعف إزاء الدولة، حتى لو كانت هناك طبقة وسطى قوية. وعموماً فإن التوازنات وعلاقات القوى بين الطبقات العليا الحديثة والأرستقراطية المالكة والفلاحين (ثم فيما بعد) العمال الصناعيين الحضريين، هي التي تحدد اتجاه ودرجة التطور الديمقراطي.

    أما حين يحدث الانتقال إلى العصر الصناعي من مستوى متدن جداً في التطور الاجتماعي الاقتصادي، من الاقتصاد البدوي ـ الحرفي والتجارة البدائية بعيدة المسافات (وتمثل الجزيرة العربية أفضل مثال لها) يكون نشوء الديمقراطية غاية بعيدة المنال.

    خامساً: أن الانتقال التاريخي إلى العصر الصناعي قد يتوافق مع انطلاق توجهات قوية نحو بناء ـ الأمة، الأمر الذي قد يعرقل أو يساند بناء الديمقراطية (إيطاليا ماتزيني ويابان الميجي وألمانيا بسمارك). وأن للدول ذات العرق الواحد فرصاً أفضل من الدول المتعددة الأعراق التي قد تعاني من اضطراب مزمن.
                  

10-02-2006, 12:32 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    تمثل كل هذه النقاط الخمس مزيجاً من المقاربات السوسيولوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية لمسألة نمو وبناء الديمقراطية. وقد أصبح بارنغتون مور جونيور المثال التقليدي للمقاربة السوسيولوجية. وتتلخص أطروحته في جملة واحدة: وجود طبقة وسطى قوية يعني الديمقراطية(1. أما المقاربة السياسية للديمقراطية فتركز على طبيعة الدولة ونسبية استقلاليتها أو بنيتها المؤسساتية. وهذه رؤية ثيدا سكوتشبول في كتابها: الدولة والثورات الاجتماعية. وجود الدول الضعيفة، كما كان الحال في بريطانيا القرن السابع عشر، أو الدول القوية، كما هو الحال في فرنسا الملكية إبان القرن الثامن عشر، يحدد طريق الديمقراطية أو التطور السياسي اللاديمقراطي(19). أما المقاربات الثقافية، فللأسف، وافرة إلا أنها تظل قاصرة عن التفسير. ذلك أن الثقافات نظم معاني دفاقة ومتغيرة. إن المقاربة الثقافية مفيدة فيما لو تخلصت من ثنائية فيبر الشرق ـ الغرب (العقلانية واللاعقلانية)، أو الغرب والآخرين. ويذهب بعض الثقافيين إلى السخف المنطقي في وسم ثقافات معينة بالميل الحتمي نحو الدكتاتورية؛ مختزلين الثقافة إلى الدين أو حتى إلى طائفة أو فئة من هذا الدين أو ذاك(20). لقد ازدرى عظماء فلاسفة اليونان الديمقراطية لأنها تضمنت المساواة بين النخبة المتعلمة والجموع الجاهلة والعاطفية من المواطنين؛ وقد كان أفلاطون هو النخبوي الذي حلم بـــ"جمهوريته الفاضلة" التي يديرها ملك ـ فيلسوف(21).

    في إضمامة العوامل الخمسة آنفة الذكر حاولنا التأسيس لما هو أساسي لنشوء الديمقراطية: وهي العلاقة بين الدولة والمجتمع. إن النماذج المتنوعة لهذه العلاقة يمكن أن تختصر في ثلاث احتمالات مجردة: أما أن تكون الدولة قوية جداً فتصبح بذلك سيدة المجتمع المدني؛ أو أن الدولة في حالة توازن مع المجتمع المدني، وأخيراً أن تكون الدولة أضعف من المجتمع المدني. ونعتقد أن النموذجين الأخيرين فحسب يتيحان نمو الديمقراطية، أو ما يسميه دال حكم المراكز المتعددة (22)(Polyarchy).

    حاولنا في ما تقدم أن نكشف النمو المتفاوت لمختلف الأمم التي يتوجب عليها أن تحل مشكلة بناء الديمقراطية بعد أن أصبحت هذه فرضاً عالمياً. إن لبعض الأمم ميزة وترف في النمو المتدرج للمظاهر المختلفة للحكم الديمقراطي خلال قرون من مؤسسات ومعايير وإجراءات. مثل هذه الأصول تعود في منشئها إلى القرن الثالث عشر ممثلاً في "العهد الأعظم"Magna Charta الوثيقة البريطانية (التي أكره فيها النبلاء الإنكليز الملك جون على إقرارها عام 1215) وإلى الجمهوريات الإيطالية في العصر الوسيط التي تميزت بإرساء نظم أولية للانتخابات (بالقرعة) وتقسيمها المبكر للسلطات ومحاسبة الدولة؛ وكذلك البرلمان الفرنسي ذو الثلاث طبقات الذي سبق ثورة 1789 بوقت طويل. أو لنأخذ المجتمع الأمريكي الذي تبنى الديمقراطية الأثينية المباشرة التي نمت في الأقل في القرن السابع عشر قبل حرب الاستقلال بوقت طويل. ونجد أمتع التحليلات لهذه العملية التاريخية في كتاب اليكسيس دي توكفيل "الديمقراطية في أميركا" أو في أهرنبرغ "المجتمع المدني"(23). لقد استغرق الأمر عدة قرون قبل أن يتشكل وينضج نموذج حكم يقوم على الدستور ونظام التمثيل والمشاركة الشاملة التعددية وحكم القانون وبقية عناصر الحكم الديمقراطي المعترف بها عالمياً. إن أي تحول من حقبة اجتماعية سياسية إلى حقبة أخرى كان دائماً يتسم بالعنف وكان في بعض الأحيان مباغتاً وغامضاً. إن المساعي إلى إدخال "الطبقة الثالثة" في النظام السياسي أيام الملكية المطلقة، تطلب ثورتين في بريطانيا وهما الثورة البيوريتانية عام 1654 والثورة المجيدة عام 1696، على الرغم من أن نوعاً من التوافق والمساومات بين التاج والنبلاء والعموم (أي سكان المدن) قد ساعد في تسهيل ولادة الديمقراطية الدستورية الحديثة البريطانية. أما الفشل في الوصول إلى مثل هذه التوافقات في فرنسا في القرن الثامن عشر بين التاج والنبلاء والطبقة الثالثة جعل الأخيرة تتطرف وانتهى الأمر إلى ثورة دامية. وكان ظهور "الطبقة الرابعة" في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وسط الفئات الحضرية غير المالكة، ومطالبتها بالمشاركة السياسية قد أدى إلى إشعال الاضطرابات التي قوضت الديمقراطيات الناشئة في ألمانيا وإيطاليا القرن العشرين. ولعل فتح الباب أمام النساء للمشاركة السياسية هو وحده الذي شكل انعطافة سلمية. إن الأمم، وهي في أغلبها غير الأوروبية، وغير الصناعية، التي تحتم عليها مواكبة الأنموذج العالمي للديمقراطية لم تتوفر لها في الحقيقة مثل هذه الرفاهية في التدرج، بل ساقها الحظ العاثر إلى التطبيق السريع المشحون بالغموض والانعطافات الحادة، الجامحة سيئة العواقب. لقد تحتم على هذه الأمم أن تضغط كل المستويات والتدرجات لمثل هذا النمو في قفزة واحدة هائلة. كان لا بد من اختزال الزمن، ولا بد أن يضغط النمو في سترة الضرورة الضيقة. البعض فشل جزئياً، أو بعبارة ألطف، نجح جزئياً؛ وآخرون تهاووا أو تأرجحوا أو ارتدوا لينالوا هلاكهم. إن القرن العشرين مليء بجثث الأمم التي فشلت فيها الليبرالية، في كل من القارة القديمة (أوروبا) وفي البلدان النامية على حد سواء. وعلى المدى القصير يبدو نمو الديمقراطية دائرياً: صعوداً وهبوطاً، أي نجاحاً وأخفاقاً. أما على المدى الطويل، يبدو المسار العام خطياً (أي استمرارية متصلة). وكذلك فإن المسالك المؤدية إلى الديمقراطية متباينة. ثمة مقاربات سوسيولوجية دولتية وثقافية لدراسة المصائر السياسية للأمم من ناحية نشوء أو بناء الديمقراطية فيها. وإن هذه المقاربات وغيرها تشير بجلاء إلى تنوع المسالك للوصول إلى هذا الهدف: الديمقراطية.

    إن التوسع الراهن في الإصلاح الديمقراطي، الذي ينفتح في ظل ظروف متنوعة على نحو لانهائي وطنياً وإقليمياً وعالمياً، ويتفتح في مجتمعات متنافرة تنافر وتباعد الأكوان من ناحية تكويناتها الثقافية والاجتماعية، أدت إلى ظهور أدوات دقيقة لفحص نمو الديمقراطية وتحليل عواملها. إن مؤلفي كتاب "الديمقراطية في البلدان النامية"، مثلاً، يناقشون في سفرهم الكبير مجموعة من المتغيرات السياسية المؤسساتية والاجتماعية كي يقارنوا بين قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أو كي يقارنوا بين دول منفردة داخل الإقليم الواحد أو القارة الواحدة. إنهم يدرسون الإرث الكولونيالي والثقافة السياسية، والشرعية، والمؤسسات والبنى السياسية، والعلائق بين الدولة ـ المجتمع (المجتمع المدني) والمحيط الخارجي(24).

    كيف تبدو الديمقراطية في بداية القرن الحادي والعشرين؟ انطلاقاً من فيليب س. شميتر وتيري لين كارل، فإن الديمقراطية، أو "حكم تعدد المراكز" كما يعرفونها مستعملين اصطلاح دال، "هي نظام للحكم يُحاسب فيه المواطنون الحكام عن أعمالهم" ويتنافس فيه المواطنون بصورة غير مباشرة عبر ممثليهم المنتخبين".(25)

    إن الإدراك بأن الديمقراطية لا تتضمن نظاماً مؤسساتياً واحداً وحيداً، بل تتألف بالأحرى من أنماط عديدة ولها ممارسات متنوعة، يعني أن العناصر الرئيسية التي تعرف الديمقراطية هي:

    إنها نظام للحكم يتأسس على قواعد مدونة (دستور) لأشغال المناصب في الحكومة وخضوع الحكام للمحاسبة والاعتراف بسلطتهم أثناء احتلالهم لمناصبهم الرسمية. وتتميز الديمقراطية بوجود ميدان عام يقرر المعايير الجماعية والاختيارات الملزمة لكل المجتمع والمسندة بقوة قسر الدولة. إن المواطنين هم العنصر الأكثر تميزاً في الديمقراطيات، أي الاعتراف بكل أعضاء المجتمع باعتبارهم أعضاء متساوين من دون أي تقييد على إشغالهم المناصب الحكومية أو مشاركتهم السياسية تبعاً إلى معايير العمر والجنس والطبقة والعرق والتعليم والملكية، والقدرة على دفع الضرائب؛ أن المنافسة عامل أساسي في الديمقراطية الحديثة من ناحية صنع القرار، والانتخابات المنتظمة وحق المواطنين في التأثير على السياسة العامة بالتماس وسائل أخرى (الجمعيات والحركات الاجتماعية وما شابه)؛ وقاعدة حكم الأكثرية (أكثر من 50 بالمائة؛ أو حكم الأكثرية الموصوفية) الثلثين (لحماية حقوق الأقليات، أو لحماية الترتيبات الدستورية. إن الأكثرية الموصوفة تتطلب لوائح للحقوق المدنية، أو الكونفيدرالية أو الفيدرالية أو التوافقية* أو التشاركية، كل صيغة من هذه الصيغ تحتاج إلى أمور معينة) قرارات، تعديلات دستورية أو ما شابه ذلك (بعيداً عن مفهوم الأكثرية البسيطة؛ التعاون بين الفاعلين السياسيين لصوغ قرارات جماعية(26). فضلاً عن ذلك ثمة إطار إجرائي، تكون أدنى عناصره هي:

    1) السيطرة على القرارات السياسية للحكومة مسندة دستورياً إلى الهيئات المنتخبة.

    2) المسؤولون المنتخبون يختارون في انتخابات متكررة وعادلة تستبعد القسر نسبيا.

    3) يحق لكل البالغين من الناحية العملية انتخاب المسؤولين.

    4) كل البالغين من الناحية العملية لهم الحق في إشغال المواقع الانتخابية في الحكومة..

    5) للمواطنين الحق في التعبير عن أنفسهم من دون خوف من التعرض إلى عقوبة قاسية..

    6) للمواطنين الحق في البحث عن مصادر بديلة للمعلومات. فضلاً عن أن المصادر البديلة للمعلومات موجودة ومحمية من قبل القانون.

    7) للمواطنين أيضاً الحق في تشكيل جمعيات أو منظمات مستقلة نسبياً، بما في ذلك الأحزاب السياسية المستقلة والجمعيات الخيرية(27).

    إزاء هذه المعايير، فإن الكثير من الديمقراطيات الناشئة (حديثة الظهور) كانت فاشلة أو شبه فاشلة أو محدودة النجاح. وهنا نجد أن لأغلب الدول النامية سجل سيء مثلها مثل القليل من دول وسط أوروبا(2. أما الشرق الأوسط فهو أشد قتامة(29).

    حسب قياسات نادي الحرية لتقييم حال الحريات السياسية (PR) والحريات المدنية (CL) فإن تدرجات الحرية هي كما يلي: من 19 دولة بضمنها كل الدول العربية وإيران وتركيا وإسرائيل، ثمانية منها حرة جزئياً و6 ليست حرة وواحدة فقط هي إسرائيل حرة. ومن الستة التي وصفت بأنها "ليست حرة" تفتقد كلها الحرية إلى درجة كبيرة أو تغيب عنها الحريات السياسية والمدنية. وكان العراق والسعودية العربية وسوريا وليبيا من بين أسوأ الحالات(30). إن للسعودية وليبيا تاريخ طويل من البيئة البدوية ما قبل السياسية كما عاشت في ظل نظم حكم وراثية سلطانية كاريزمية. في عام 1971 انضمت ليبيا إلى مجموعة دول السلطة العسكرية التسلطية. أما العراق وسوريا فينتميان إلى مجموعة نظام الحزب ـ الواحد. وتحكم السودان حكومة تسلطية عسكرية في الوقت الحالي ولها ماض يشبه الحكم الوراثي ـ الصوفي الذي قام في ليبيا أيضاً. وباستثناء الكويت وتركيا والأردن، فإن كل الدول المحيطة بالعراق ذات طبيعة متشابهة من انعدام الديمقراطية.
                  

10-02-2006, 12:33 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)

    الهوامش:

    1) Eric Hobsbawm, The Age of Extreme, A History of the World, 1914-1991, Pantheon Books, New York, p.109-110 and 111.

    2) See, Larry Diamond, Juan J. Linz and Seymour Martin Lipset, (eds.) Democracy in Developing Countries, Vol. 2 Africa, Vol. 3 Asia and Vol. 4, Latin America, Lynn Rienner Publishers, Boulder Colorado, 1989.

    3) For example, Samuel Huntington, The Third Wave, Democratization in the Late Twentieth Century, Oklahoma University Press, 1991.

    Francis Fukuyama celebrated this turn in his: The End of History and the Last Man, Penguin, 1991.

    4) This is one of the opening remarks the historian Eric Hobsbawm advances in his Age of Extremes.

    5) Adam Smith, The Wealth of Nations, Penguin first published 1776 (1986. on the French school of liberal economists, known as the Physiocrats, See, Karl Marx, Theories of Surplus Value, Moscow, Progress Publishers, volume 1., )1963( 1975, p.44 and passim.

    6) John Micklethwait and Adrian Wooldridge, A Future Perfect, The Essentials of Globalization, Crown Business, NY, 2000, p.17, 164-171.

    7) On the nationalistic aspects of totalitarian Nazism and Fascism relative to nationalism, see, Hans Kohen, Nationalism Its Meaning and History, Van Nostrad, Princeton, New Jersey, ) 1955( 1965, p.70-1, 73-80.

    According to E. Gellner, Nations and Nationalism, Blackwell, Oxford, )1983( 1992 p.44.

    9) Guillermo O'Donnell, Philipe C. Schmitter and Lawrence Whitehead )eds.(, Transitions from Authoritarian Rule: Prospects for Democracy, 4 volumes John Hopkins University Press, Baltimore and London, 1986. Also: John H. Herz, From Dictatorship to Democracy, Coping with the Legacies of Authoritarianism and Totalitarianism, Greenwood Press, Wesport, Connecticut, 1982; Juan J. Linz and Alfred Stepan, Problems of Democratic Transition and Consolidation, Southern Europe, South America and Post-Communist Europe, The John Hopkins University Press, Baltimore and London, 1996.

    10) David Held, Models of Democracy, Polity Press, Cambridge, )1996( 2nd. edition, 1999. For the schema of these models see pages: 33, 55, 61, 99, 116, 152, 197, 217, 261, 271, 324 and 358.

    11) See, Ronald J. Terchek and Thomas C. Conte (eds.) Theories of Democracy, Rowman & Litlefield Publishers, Lanham, Boulder, New York and Oxford,, 2001.

    Fareed Zakaria, The Rise of Illiberal Democracy, Foreign Affairs, November, 1997 p.22-43.

    Gerardo L. Munck and Jay Verkuilen, Conceptualizing And Measuring Democracy, Evaluating Alternative Indices, Comparative Political Studies, volume 35, No.1, February 2002, p.5-34.

    Michael Coppedge, Democracy and Dimensions, Comments on Munck and Verkuilen, Comparative Political Studies, Vol.3, No.1, February 2002, pp.35-39.

    12) Emitai Etzioni, From Empire to Community, A New Approach to International Relations, Palgrave, Macmillan, 2004.

    See also, Paul Hirst and Grahame Thompson, Globalization in Question, Polity, Cambridge, (1996) 1999.

    Mike Featherstone )ed.(, Global Culture, Nationalism, Globalization and Modernity, Sage Publishers, London, 1990.

    13) In, Our Global Neighbourhood, The Report of the Commission on Global Governance, Oxford University Press, 1995, we find detailed accounts on how respect for life, liberty, justice and equity, caring, integrity, self-determination, security of people, rights and responsibilities have become so wide spread that they create a global ethical and moral environment of our world.

    Among the manifestation of modern life is the growth and spread of a global civil society. See, Helmut Anheier, Marlis Glasius, Mary Kaldor )eds.(, Global Civil Society, 2001 and 2002, Oxford University, Press, 2001 and 2002.

    14) Philipe C. Schmitter and Terry Lynn Karl, What Democracy Is... And Is Not, Journal of Democracy, Vol.2, No.3, Summer 1991. 75-88.

    15) Perhaps Thomas Hobbs was, after Grutius, the major theoretician of {social contract}, although Hobbs used the word {covenant} rather than {contract}. The term covenant has an ecclesiastical connotation, derived as it were from the Old Testament. But Hobbs covenant is worldly and mundane. His worldly {sovereign}, the Leviathan, has even the right to control and manipulate religion in the service of the realm. See, Thomas, Hobbs, The Leviathan, edited with an introduction by C.B. Macpherson, Penguin, )1951( 1985, p.567-575 and passim.

    16) Montesquieu, op.cit., p.156 and passim.

    Alexander Hamilton, James Madison and John Jay, The Federalist Papers. 1788 McLean edition, NY, New American library, 1961.

    17) A. Tocqueville Democracy in America; translated by Henry Reeve, London, Oxford University Press, 1959. see also, John Ehrenberg, Civil Society, The Critical History of an Idea, New York University Press, New York, London, 1999.

    1 Zbigniew Brzezinski, Between Two Ages, America's Role in the Technetronic Era, Penguin Books, 1970.

    19) Barrington Moore Jr., Social Origins of Dictatorship and Democracy, Lord and Peasant in the Making of the Modern World, Beacon Press, Boston, 1966, p.p.418, 420.

    20) I cannot think of a better example than Theda Skocpol's, State and Social Revolution; and, Social Revolutions in the Modern World.

    21) Weber considered rational capitalism and liberal political systems as peculiar to the West. See, The Protestant Ethics and the Spirit of Capitalism, translated by Talcott Parsons, introduction by Anthony Giddens, Harper Collins, London, )1930( 1991. In modern times, the names of the historian Bernard Lewis, Samuel Huntington or Elie Kedourie, are among many culturalist voices.

    Elie Kedourie, Democracy and Arab Political Culture, A Washington Institute Monograph, 1992.

    22) Aristotle, The Politics, Penguin Books, translated by T A Sinclair, revised and represented by Trevor J Saunders, 1981, p189-90.

    23) See further below.

    24) Ehrenberg, op. cit. p.199 and passim.

    25) Diamond, Linz and Lipset, op. cit., V.2, pp.25.

    26) Schmitter and Karl, op. cit. p.76.

    27) Ibid., p.76-80.

    2 Ibid. p.81.

    29) Diamond, Linz and Lipset, op. cit., p., V.2 p.5 and passim.

    30) On the cultural approach on democracy in the Middle East, see, Elie Kedourie, Democracy And the Arab Political Culture, A Washington Institute Monograph, 1992.

    See also: Yehuda Mirsky and Matt Ahrens )eds.( Democracy in the Middle East, Defining the Challenge, A Washington Institute Monograph, 1993.
                  

10-02-2006, 12:34 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de