|
إيقاظ النار التي هناك!!
|
إيقاظ النار التي هناك؟ في دجى هذه الأرض واستلاب الضوء حين حل (الخفوت) في كل مكان، وتمددت أشرعة الظلام في كل ناحية، واكتست الأرض ضبابية وأخذت آخر النجوم في التلاشي، وانطفأت الشموع... (وليس ثمة من وهج في تجاعيد هذا المساء)، انكفأت على نفسها البدور، وراحت النيران في غفوتها، تحلم في نومها بالشعل كما راح الناس في غفوتهم يحلمون بالفجر الذي يوقظ الحواس... يغدو (تنين) ويولد (تنين) جديد، هكذا ينساب التاريخ من بين أيديهم ويتأرجح بين (ظلام و تنين) و(فجر ونار)، هكذا تمضي الحياة في كبد شديد .... وتتلكأ الأيام (كالرمل في الساعة الرملية)، ولكن الكرابيج تحلم بالممالك وتتأهب لتقتات ما تبقى من لحوم الأرض. ولا زالت التنانين تتناكح وتمرح في الديار ليل نهار بألوانها المختلفة، ولا زالت الكرابيج تحلق فوق الرؤوس ولا زالت الظلال تتطاول على الأفيال التي تشغل نفسها بصغائر الأمور، كما أخبرنا صاحب الظلال والأفيال .... وهكذا يسير العالم في فوضوية وعبثية متخبطة في ظل هذا الصراع المتشعب، وفي ظل هذه الكائنات التي أصابتها شهوة السلطة، الكل يسعى إلى أن يحمل في يده الكرباج، بل الكل يسعى لأن يكون كرباجاً يلسع بنيرانه سكان الأرض .... ولكن الشارع أخذ يتململ شيئاً فشيئا، وبدأت أعمدة النيران تتسلل خلسة من سجنها وأغلالها .... وبين هذا المد والجزر يتردد في الآفاق ذلك الصوت الذي يلهم الحواس، ويستحث هذه النيران أن تصحو من غفوتها، يتردد صوت المغني مجلجلاً: (أغنيكم .... أغني جذوة النّــار التي فيكم). تدور عجلة التاريخ وحلت بالعالم الفوضى (Mere anarchy is loosed upon the world) كما يقول الشاعر ييتس، ولا زالت الطرقات تعج بالمتسكعين في الشوارع وعند أروقة البلاط، ولا زالت البشرية تكربج نفسها، ولا زالت شهوة الاستبداد تستعر في داخلهم، ولا يدري المستبدون في غفلتهم بأن التاريخ قد تعهر، وأن نيران المدن قد أطفأتها الكرابيج، وأن الكرابيج قد تناكحت وأفرخت. ثمة خيط من الضوء يتراءى في الأفق البعيد في خضم هذا الظلام الحالك ويلتمع هذا الخيط بعيداً، يقترب حيناً ثم ينأى حيناً أخر. ولكن بمرور الوقت بدأ يقترب شيئاً فشياً، وبسرعة الشهاب، يشق عباب الظلام، متلمساً طريقه نحو الأرض برغم سحب الظلام المتكدسة فوق الأفق. وأخذ الكل يتسائلون ويتداولون الحكاوي عن هذا الضوء القادم من سماء الظلمات ....
|
|
|
|
|
|