|
|
 عرائض عرب البادية لبلديات سنار
|
التقيت في احدى بلديات ولاية سنار بأحد الرعاة الذين جاءوا يشكون أوضار الدهر وآفات العصر ..فالمطر متأخر والينابيع شحيحة والقطعان تتعب في العثور على المرعى القريب والمسقي العذب ..وقد أشجاني في الرجل بلاغته لا شكواه ..وبدا لي أن العزلة التي يعيشها الرعاة في البراري والفلاة تمد أمامهم طرق للتأمل وتفرش أمام مخيلتهم بعد الآفاق فيغدون حكماء بلا سامعين وخطباء بلا جماهير ..ليس لهم سوى أنفسهم يخاطبونها ويسرون إليها بما يتفكرون ..حتى إذا دخلوا مجلسا توزعت فيه العيون وتنوعت الآذان حسبوا أنها الفرصة الندرى التي لن تستعاد فتخففوا مرة واحدة من كل ما اعتصروه في لمحات وسو انح ..قدمني صاحب المجلس على أنني رجل سياسة وكان الراعى كان ينتظر أي مندوب عن أهل المهنة ليطرح سؤالا يزيد في ظلمة ليله وليلتي ..ما الذي يجرى في دار الفنج سنارا..قال الراعي الواعي ألم تسمع أن أهل الحل والربط قد قاموا أو ادعوا بترحيلهم لطلمبات المشاريع المروية إلى ألمانيا لصيانتها وعند إعادتها بعد هذه الرحلة الطويلة إلى قواعدها لم تعد سالمة وها هي الآن جثة هامدة لا حراك فيها ..انه تصرف يجعل الحليم حيران..قال لي كم التكلفة يا ترى قلت له رقما أحاديا ..قال نعم رقما أحاديا يقترب من العشرة ولكن على يمينه أصفار تسعة بينما الناس في نقص من جوع وامنة من خوف ..ورواتب لم تصرف وصحة متدهورة وامراض استوطنت وتفشت بعد إن ظننا جهلا أننا قضينا عليها منذ أمد بعيد..ويا ليتها كانت الأولى ولن تكن الأخيرة فقد ضاعت الملايين الممليرة على شعب سنار يوم أفلس بنك نيما أما كان من الأجدر والاعدل مساءلة الأقوياء الأمناء إدارة البنك الذين ائتمنهم شعب سنار على أموالهم وبالأمس القريب ضاعت مليارات في شراء عربات لاندكرزر للولاية..وعندما نشبت الخلافات ما بين خليفة وشريف في الولاية ضاعت وأهدرت المليارات..إخفاء الفساد لا يلغيه ..اعتقدت عندما بادر بالسؤال انه سوف يستوضح عما يحاول الجميع معرفته لكن الراعي الذي يعيش سواد وقته وحيدا في البراري ولا يحاكى سوى الأودية والقطعان قال في مزيج من الغضب والحزن أن الفساد يقود للفساد والفساد يؤدى للفقر والفساد والفقر يؤديان للبطالة والى مزيد من الفقر والفساد..وأي إنسان في العالم وأي إدارة تعرف أن الفساد يجهض التنمية وانه لاتنمية مع الفساد ..ومشكلة الفساد انه لا يؤدى إلى إفشال التنمية وانما يتسلل إلى إفساد الحياة العامة ويظل ينخر في جدار الأخلاق وفى هز القيم الاجتماعية ويفضي إلى تسميم الحياة وبذر الضغائن بين طبقات المجتمع وتقويض العدالة الاجتماعية من الجذور عند الإحساس بعدم التكافؤ بين الجهد والعائد إذا رأى الناس الجرأة على المال العام والاستئثار بمخصصات الدولة من الأمور ذات العائد الجزيل لا يقابلها عقاب أو زجر أو مساءلة فلماذا يعمل العاملون ..إن معظم مشاكل إدارة شئون الناس وأمور العباد والبلاد تصطدم بعقبتين سوء الإدارة والفساد وقد يختلف الناس أو يتفقون حول سوء الإدارة ولكن لا يختلفون في ضرورة مكافحة الفساد والمساءلة عليه بإغلاظ خاصة إذا كان هذا الفساد في دولة مثل السودان يأكل من طعام الناس وعلاجهم وصحتهم ودوائهم ..كل ناهب للمال العام في هذه الحالة يكون قد استولى على رواتب وغذاء وصحة وتعليم آلاف المواطنين ويكون قد تسبب في موتهم ولجوئهم ونزوحهم وتشردهم...هذا راع يأتي من القفار صباح النهار ليقول لي أن آداب الغابة الشهامة والكرم والإيثار والتضحية النزاهة والأمانة والقيم الفاضلة عادت اندر من الكبريت الأصفر في ارض السودان ..كنت اعتقد ولجهلي أن الرعاة يهتمون فقط بالمرعى ويخشون الجفاف والريح السموم في الهاجرة وصقيع السحر واعتلال الشجر وعق الحقول واعتداء الذئاب الفاجرة والطيور الكاسرة..ولكن هاهو الرجل العائد إلى معيزه بعد دقائق يدلنا جميعا في هذا المجلس انه معنى بالفساد وامر العباد ..وهاهو يقف في مراعيه البعيدة المقفرة ويطرح على نفسه سؤالا لا يجد له جوابا وهل أسوا من الفاسدين إلا الذين يحمونهم ..وظن المسكين انه سوف يجد ضالته عندما يقابل رجلا من أهل المهنة فإذا به يخرج وقد زاد في جروح أيامنا جرحا لا ينسى ..ود المقبول - من البادية - عقله وقلبه على شعب واهل دار الفنج سنارا...
ونختم بقول شاعر سنار أيام أب عاج :-
سلطات ريفي سنار على الأقاليم شادة
وكل ما نودى عريضتنا ما بتجينا عقبن صاده
وكان قلنا النصيحة يقولوا ثورة مضادة
احمد حماد إدريس .. الدمام....
|
|
 
|
|
|
|
الطيب شيقوق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست