|
|
 مينـــاوي داخـــل القصــر.. في اي اتجـــاه يسـبح؟
|
15
مينـــاوي داخـــل القصــر.. في اي اتجـــاه يسـبح؟
ليست هناك مكاتب خالية في القصر الجمهوري او هكذا يشير واقع تكدس الوظائف السياسية فيه، بدءاً من مكتب الرئيس وملحقاته ومكتب النائب الاول وملحقاته ومكتب نائب الرئيس وملحقاته، اضافة الى مكتب مساعد الرئيس وجيش المستشارين الذين عينوا في سبتمبر الماضي دون توضيح كافٍ لمهامهم واختصاصاتهم التي ما زلت في طور المسكوت عنه. كل ذلك الاحتشاد دفع رئاسة الجمهورية الى البحث عن مكاتب اخرى للمستشارين خارج جغرافية القصر الذي كان يعرف في عهد الاستعمار بقصر الحاكم العام الذي خصص لشخص الحاكم بامر الملكة ليدير وحده مصالح الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
لكن القصر اصبح في زمان الحكم الوطني التالي للاستعمار هو رمز السيادة الوطنية حيث يدير فيه الرجل الاول اياً كان المسمى؛ الرئيس او رئيس مجلس السيادة او رئيس مجلس قيادة الثورة، يدير الدولة ويصطحب معه هناك نائبه او نائبيه وثلة المستشارين وغيرهم من بطانة السلطان بخيرهم وشرهم.
ومع هذه (الزحمة القصرية) تدفع حركة تحرير السودان بزعيمها مني اركوي للقصر الجمهوري الذي تتعدد بوابات الدخول إليه، فمني القادم عبر تمرد انطلق من الجبال يجد ان البشير قد سبقه الى القصر عبر ظهر الدبابة، وسبقه د. جون قرنق وسلفا كير عبر بوابة الغابة، فهل تجد ادارة القصر مكانا للرجل داخل القصر الجمهوري في ظل الاحتشاد الذي اشرنا اليه؟ من المؤكد ان مني لا يقلقه الآن المكتب وربما كان كل همه الآن في المطابخ اين يجدها داخل القصر... (مطابخ) صنع القرارالسياسي حتى يكون واحدا من اولئك الطباخين ليحجز مكانه بينهم حتى لا يبقى فقط على المائدة قابلا للاستهلاك فقط لا الانتاج، بالتالي يبرز السؤال هل يجد مني مكانه؟ والسوال الاهم هو- في اي اتجاه يسبح مني مع تعدد التيارات داخل مؤسسة الرئاسة؟
الطريق الى القصر
رشحت حركة تحرير السودان ميناوي بلا منازع مساعدا لرئيس الجمهورية بموجب اتفاق ابوجا ويبدو ان الشارع صمم الاتفاق على اساس تقديم ثلاثة مرشحين يختار الرئيس واحدا منهم توطئة لمشاركة الحركات الدارفورية الثلاث في الترشيح، بيد ان الرياح جاءت من حيث تشتهي السفن حينما رفضت مجموعة عبد الواحد محمد نور التوقيع وكذلك حركة العدل والمساواة ما مهد الطريق الى اركو للترشح وحيدا لمنصب شغله من قبل في عهد الانقاذ الدكتور رياك مشار بعد توقيعه منفردا في العام 1996 على اتفاقية الخرطوم للسلام وشغله بعده البروفسير ابراهيم احمد عمر ايام المعركة الكبيرة بين جناحي القصر والمنشية داخل الحركة الاسلامية الذي عرف بصراع البشير والترابي.
وبعد ان انتقل ابراهيم احمد عمر للمؤتمر الوطني امينا عاما شغل منصب مساعد رئيس الجمهورية السيد مبارك الفاضل المهدي بعد انشقاقه مع مجموعته عن حزب الامة في العام 2002، وبعد ان اقالت الحكومة مبارك وانهت شهر العسل بينه وبينها وبعد اعلان حكومة الوحدة الوطنية عين الدكتور نافع علي نافع احد صقور المؤتمر الوطني في المنصب.
ومن الملاحظة الاولية ان اثنين من من شغلوا المنصب غادراه وهما غاضبان وكلاهما من خارج منظومة المؤتمر الوطني وهما رياك مشار الذي عاد الى الحركة الشعبية مجروحا من خيبة امله في الطريق الذي اختاره والثاني هو مبارك الفاضل الذي تجرع كأس الشماتة من قيادات حزبه القديم بعد اقالته بعد ما يزيد من العامين على تقلده المنصب، فهل يكون مني ثالثا لهذه المجموعة؟
من هو؟
ولد مني في عام 1968م، درس الابتدائية بفوراوية ودرس المتوسطة في كورنوي. ثم دارفور الثانوية ثم انتقل للفاشر الثانوية. سافر الى تشاد عام 1994 وفي 1995 عمل معلماً في مدرسة بوبا للاساس لمدة سنة تقريباً ثم عاد الى تشاد مرة اخرى حيث كانت تسيطر عليه فكرة الدراسة في هولندا لكنه درس اللغة الفرنسية في انجمينا ثم ذهب الى نيجيريا فنال دبلوم اللغة الانجليزية في جامعة مادبوي ثم عمل بالتجارة في غرب افريقيا منذ عام 1997 ورجع الى السودان عام 2000 سافر بعدها الى تشاد بهدف التجارة مع معارفه واقربائه فلم يمارس اي عمل سياسي هناك.
بعد اعلان تشكيل حركة تحرير السودان كان مني واحدا من قيادتها حيث تبوأ منصب الامين العام للحركة واستطاع العام الماضي قيادة انقلاب ثوري داخل الحركة ابعد بموجبه عبد الواحد محمد نور من رئاسة الحركة واختيارة رئيسا لها في ما عرف بمؤتمر حسكنيتة ويصفه البعض بالهدوء والمرح كانسان وسياسي ثوري يحمل هموم وقضايا منطقته كما يراه انصاره، ومتهور ومتطلع وقادر على الوصول الى غاياته وفوق ذلك قبلي لا وزن له بلا قبيلة الزغازوة التي ينحدر منها، على حد ما يعتبره خصومه.
وفي وقت كانت فيه التوقعات تشير الى توقيع عبد الواحد محمد نور على اتفاق منفرد مع الحكومة لكن مني فاجأ الجميع حينما وافق على التوقيع على وثيقة رفضتها العدل والمساواة ورفضتها مجموعة عبدالواحد وتصاعد الرفض لها حتى من اقرب المقربين لمني الذي تحول بعد توقيعه للسلام من صقر حرب الى حمامة سلام وتحول خطابه الى المرونة للدرجة التي كاد فيها يقول لا للقوات الدولية وبدأ يتعامل كزعيم وبدأت الدول والحكومات تتعامل معه على هذا الاساس الجديد بدليل استقبال القاهرة له خلال الايام الماضية واستعدادات الرئيس الامريكي لاستقباله في الايام القادمة في البيت الابيض.
وهنا يشير الاستاذ الصحافي محمد محمد خير في عموده (اقاصي الدنيا) الى ان مني تطور خلال عامين تطوراً سياسياً مذهلاً وكل احاديثه وتصريحاته تنم عن نضج ورؤى.. ان المتتبع اللصيق له لا بد ان يسجل اشادة خاصة به لجهة احساسه العميق بضرورة وحدة السودان وبوعيه لاتجاهات المجتمع الدولي وقراءته الصحيحة لرسائله وفوق ذلك اعتزامه بناء تنظيم سياسي يعبر عن قطاعات واسعة في دارفور وينحو منحى قومياً يبعد عنه شبهة القبلية.
مهام واختصاصات
بموجب الاتفاق يصبح مني اركو كبير مساعدي الرئيس والرجل الرابع في الدولة وربما انه سيحل من الآن فصاعدا مشكلة رئاسة جلسات مجلس الوزراء في حال غياب الثلاثة الكبار كما حدث قبل اسبوعين(ربما)، ويمتلك مني بموجب الاتفاقية التي تحولت الى دستور اختصاصات مهمة تمكنه من التأثير على السياسات الوطنية. وبلوغا لهذه الغاية، يكون كبير المساعدين عضوا، ضمن جملة أمور أخرى، في مجلس الوزراء القومي ومجلس الأمن القومي ومجلس التخطيط القومي ويشارك في مداولاتها وفي عملية اتخاذ قراراتها. وإضافة إلى ذلك يكون مني مسؤولا عن:
ترؤس اجتماعات سلطة دارفور الإقليمية الانتقالية في دارفور ويعمل كهمزة وصل وتنسيق وكمستشار رئيسي للرئيس في ما يتعلق بتنفيذ هذا الاتفاق وتقع عليه المسؤولية الأولى في مساعدة الرئيس في كافة القضايا المتصلة بدارفور؛ ويقوم بتنسيق صياغة وتنفيذ الخطط والسياسات والبرامج ذات الصلة بدارفور بما في ذلك إعادة التأهيل والإعمار والتنمية في دارفور إضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين والنازحين داخليا.
ويعطي الاتفاق الحق لمني وبعد التشاور مع الأطراف، الاقتراح على الرئاسة مرشحين لرئاسة لجنة دارفور لإعادة التأهيل وإعادة التوطين، وصندوق دارفور للإعمار والتنمية، ولجنة أراضي دارفور، واللجنة المعنية بتنفيذ ترتيبات دارفور الأمنية، ومجلس دارفور للسلم والمصالحة، ولجنة دارفور للتعويضات، وأية هيئات أخرى قد يتفق عليها الأطراف، ويجب على كبير مساعدي الرئيس، لدى تقديم هذه الترشيحات، أن يأخذ بعين الاعتبار اختيار شخصيات بارزة تحظى بالاحترام وتكون قادرة على أن تحظى بثقة جميع الأطراف.
مؤهلات الرجل والمنصب
يقول الدكتور محمد محجوب هارون مدير مركز اتجاهات المستقبل ان دخول مني للقصر مساعدا للرئيس فرضته ضرورة توازن القوى وانه الشخص الذي اختاره الواقع الموجود في دارفور، فيما كان من الافضل اختيار شخصية أهلية او أكاديمية تحظى بقبول الجميع لو اننا في ظل انتقالي وهذا ما لم يحدث الا ان الاستاذ محجوب حسين المتحدث باسم حركة تحرير السودان ذكر حينما تحدثت اليه ان ميني اركو هو افضل من يشغل هذا المنصب بسبب دوره الكبير في قيام الحركة والوصول بها الى هذه المرحلة، وعندما سألته الا يبدو مني قليل التجربة السياسية وصغير العمر نسبيا ليتقلد هذا المنصب الذي سيكون أكبر من وزنه؟ اجاب محجوب حسين: ان الحركة لا تضع السن كمعيار لتقلد المناصب او تقييم الاشخاص وانما ديناميكية الانسان وحركته ودرجة قبوله وهم في الحركة لا يستندون الى مقياس التجارب الكلاسيكية القائمة الآن المتمثلة في الجيل المقدس لشيوخ السياسة السودانية.
ويمضي حسين لاكثر من ذلك عندما اكد على نجاح مني في منصبه الجديد بسبب أن المنصب اقل شأنا واسهل من منصب رئيس الحركة والذي يتربع عليه الرجل الآن.
هل يبتلعه المؤتمر الوطني؟!
لعل الاستاذ زهير السراج من أكثر المؤمنين في كتاباته بقدرة المؤتمر الوطني على ابتلاع الاحزاب التي تشاركه السلطة وهو يرى ان الحركة الشعبية هي الآن هي الآن داخل الابتلاع (المؤتمرجي)، وفي منتدى الصحافة والسياسية الاربعاء لم يتردد في التصريح من مخاوفه من ابتلاع حركة تحرير السودان، ما دفع القائد العسكري لمتحركات حركة التحرير الى الرد بقوله ان المؤتمر الوطني لن يبتلع الحركة التي عرفت كيف تدير معاركها العسكرية وهي الاقدر على ادارة معاركها السياسية.
في اي اتجاه يسبح؟
من الواضح تماما تعدد التيارات والرؤى داخل مؤسسة الرئاسة، يتجلى ذلك في التباين الواضح ما بين الرئيس البشير وسلفا كير سواء في الخلاف حول بعض بنود اتفاق السلام وسبل تنفيذها وفي ما يتعلق بامر القوات الدولية لدارفور برفض البشير والتأييد المشروط لسلفا، وهناك تباين كبير لجهة التحول الديمقراطي وقسمة السلطة وغيرها من المواضيع، وايضا هناك التباين الصامت بين البشير وعلي عثمان في عدد من الامور، الظاهر منها فقط حتى الآن هو موضوع القوات الدولية، ولهذا يصعب على مني حسبما يراه مراقبون اختيار التيار الذي سيسبح فيه وان بدت الامور في تحليلها الاولي تؤشر الى سباحته في تيار سلفا كير وعلي عثمان، ليس على خلفية القوات الدولية وحدها انما على خلفية ان مبادئ حركة مني تلتقي في افكارها واطروحاتها مع اطروحات الحركة الشعبية لجهة سلفا كير، ثم ان حركة مني قد عقدت تحالفا استراتيجيا مع الحركة الشعبية عقب وصول وفد مقدمتها الى الخرطوم قبل نحو اسبوعين، وان علي عثمان بدا أكثر حماسا للتقارب وتقديم التنازلات للحركات المسلحة خلال جولة المفوضات التي حركتها بقوة لقاءات علي عثمان بمني في كل من طرابلس وابوجا.
وفي نهاية المطاف تبقى كل الاحتمالات مفتوحة بحيث يبقى مني عنصر اضافة وخصم في ظل عدم التجانس الموجود في القصر الجمهوري.
كتب: المحرر السياسي
|
|
 
|
|
|
|
محمد الامين محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست