ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 08:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2005, 05:08 PM

seham_musa
<aseham_musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء

    ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين
    حسن فتحي.. معماري الفقراء
    القاهرة “الخليج”:

    من بين مهندسين برعوا في المعمار الهندسي، وحولوا الكتل الأسمنتية للبيوت الحديثة، إلى تحف فنيه لا تفتقد الروح، يقف المهندس المصري الراحل حسن فتحي في صدارة المشهد. في سنوات شبابه الأولى سأله صديق: ماذا تفعل لو وجدت في جيبك مليون جنيه؟ ولم يتردد المهندس الشاب حينذاك في الإجابة بسرعة بعد برهة من التفكير: أشتري يختا، وأستأجر “أوركستر كامل”، وأبحر حول العالم مع أصدقائي مستمعين إلى باخ وشوبان، قبل أن يضيف: وأبني قرية يتبع فيها الفلاحون أسلوب الحياة الذي أتمناه لهم.





    في كتابه الذي أصدره نهاية الستينات، وترجم لعدد من اللغات في وقت لاحق، قال فتحي إن نحو مليار شخص سيموتون مبكرا، لأنهم يعيشون حياة مزرية، بسبب الإسكان غير الصحي وغير الاقتصادي، ولذلك ظل على امتداد سني عمره التي قاربت التسعين عاما، مهموما بإيجاد ذلك المسكن الذي يحلم به للفقراء، ذلك الحلم الذي غير كثيرا من مسار حياته، وهو ابن هذه الأسرة الثرية المفعم بأحلام الشباب والفتوة في ثلاثينات القرن الفائت.

    وفي كتابه أيضا الذي حمل اسم “عمارة الفقراء” قال إن ذلك الحلم الذي بدأ معه مبكرا وكان سببا في تغيير مسار حياته، يرجع إلى أيام طفولته الأولى: “وقتها ولد في قلبي حب الريف، من دون أن أراه إلا من خلال نوافذ القطار، عندما كنت أذهب مع عائلتي من القاهرة إلى الإسكندرية لقضاء إجازة الصيف”.

    إنه ذلك الحب الذي دفع الصبي اليافع في بداية مشواره التعليمي المتوسط حينذاك، إلى أن يدخل مدرسة الزراعة، لكنه لم ينجح في الامتحان الشفوي، فقد كان الأمر يحتاج إلى معلومات عن الزراعة، تفوق كثيرا معلومات الصبي الصغير التي جمعها من خلال نافذة القطار. ويروي حسن فتحي بداياته مع العمارة التي صار أحد أعلامها في القرن الماضي قائلا: “اخترت دراسة الفنون التطبيقية في قسم العمارة، وبعد تخرجي ذهبت يوما للإشراف على بناء مدرسة في مدينة طلخا، تلك المدينة الريفية الصغيرة التي تقع على النهر في شمال الدلتا مقابل المنصورة، كان موقع المدرسة خارج المدينة، وبعد أول يومين غيرت طريقي عامدا لأتجنب اختراق المدينة، فقد بلغ اشمئزازي مداه من منظر ورائحة الشوارع الضيقة الغارقة في الطين وكل أنواع القاذورات، وكذلك اكتئابي من مظهر الدكاكين الصغيرة، وواجهاتها المفتوحة على ما في الشارع من روائح وذباب، وهي تعرض سلعها البائسة على المارة المبتلين بالفقر، وكنت أتعذب من عجزي أمام هذا المشهد، فمن المؤكد أن هناك شيئا ما يمكن عمله ولكن ما هو؟!”.

    ويعترف حسن فتحي انه استلهم نظريته العبقرية في العمارة من ذلك الفلاح الذي يبني منزله من الطين أو طوب اللبن، الذي يحضره من الأرض ويجففه في الشمس، لكن بيوت الفلاحين دائما ما كانت ضيقة ومظلمة وقذرة وغير مريحة، ولم يكن ذلك نتيجة خطأ من طوب اللبن، فليس هناك -حسبما يرى فتحي- ما لا يمكن إصلاح أمره بالتصميم الجيد وحسن الانتقاء.

    كان السؤال الذي يدور في رأس المهندس الشاب حينذاك هو: لماذا لا نستخدم لبيوتنا في الريف هذه المادة التي أرسلت من السماء؟ ولماذا لا نجعل بيوت الفلاحين أنفسهم أفضل؟

    وهكذا راح فتحي يصمم بيوتا ريفية من طوب اللبن، وينتج عددا من التصميمات، بل إنه أقام في 1937 معرضا في مدينة المنصورة، وآخر في القاهرة، وألقى للمرة الأولى محاضرة بليغة عن تصوره للبيت الريفي.


    فنان عبقري

    وينظر كثيرون للمهندس الكبير الراحل ليس بوصفه مهندسا معماريا كبيرا، وإنما كفنان عبقري، تشهد له نظريته الفريدة في العمارة، إذ كان فتحي هو أول من نادى بما يسمى مجازا ب”عمارة الفقراء”، وناضل في سبيل ذلك لسنوات، حتى تحول حلمه إلى حقيقة، ونظريته إلى واقع، عندما صمم عددا من القرى وفق نظريته المعمارية الفذة، من أشهرها قرية “القرنة” المبنية من الحجر الجيري والطمي في مدينة أسوان، وقرية “دار الإسلام” التي بناها بذات المواصفات في نيو مكسيكو. وعلى امتداد مشواره العلمي، حظي المعماري الكبير الراحل بالتكريم الدولي الذي يليق به، عندما اختاره الاتحاد الدولي للهندسة الإنشائية كأفضل مهندس إنشاءات في العالم، كان اللقب خير اعتراف بعبقريته الفذة في هذا المجال.

    ولد حسن فتحي في القاهرة في ،1900 والتحق بمدارسها حتى تخرج في “المهندسخانة” بجامعة فؤاد الأول “جامعة القاهرة حاليا”، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في ،1959 ومن بعدها على جائزة الدولة التقديرية في العام ،1969 قبل أن يتوفى في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1989 عن 89 عاما قضاها في خدمة فلسفته المعمارية، ومشروعاته النبيلة، التي دفع ثمنها من وحدته، إذ إنه لم يتزوج إلا من أفكاره.

    الأهمية الحقيقة لحسن فتحي تكمن، حسبما يرى رفاق وزملاء عاصروه لسنوات، في كونه مهندسا له وجهة نظر خاصة، ترتكز وتنطلق من تراث أمته، لكنها في الوقت ذاته تتحاور وتتواصل من إنجازات الآخر، فالبناء عنده لم يكن مجرد جدران وأسقف، وإنما حياة كاملة تستند إلى حضارة عريقة وتراث لم يمت.

    وتنطلق فلسفة المعماري الأعظم حسن فتحي حسبما شرحها تفصيليا في كتابه الذي أصدره في نهايات العام 1969 تحت اسم “عمارة الفقراء” من فكرة الجماعية، والتعاون بين أفراد المجتمع، فقد كان يرفض على نحو قاطع ما يسمى بالجمعيات التعاونية الإسكانية، ويطالب بإخضاع علوم الهندسة والتكنولوجيا الحديثة لما أسماه ب”اقتصادات الأهالي” وبخاصة هؤلاء من ذوي الدخول شديدة الانخفاض، بما يسمح في النهاية بإيجاد مسكن يتفق مع هذه الدخول، بدلا من انتظار ما لا يأتي من خلال جماعات الموظفين البيروقراطيين في الجمعيات الحكومية.


    العودة للجذور

    استمد حسن فتحي تصميماته الرائعة التي ما زالت قائمة في قرية “القرنة” بجنوب مصر، من ذات التراث المعماري الذي انتهجه الأجداد من قبل، حيث أسقف البيوت تتخذ شكل القبو ذي المنحنى، مع مراعاة الأبعاد المختلفة للبيئة التي سيقام عليها البناء، حتى لا يكون قبيحا، أو غير متناسب مع الأجواء من حوله، مشيرا لتلاميذه دائما الى أن “العناصر القديمة البائدة في العمارة التقليدية لا تصلح اليوم”، وأن “عناصر أخرى فعالة ومتطورة هي التي يجب استخلاصها وإثراؤها بوحي من مواد البناء المحلية”.

    في منتصف الأربعينات من القرن الفائت طبق حسن فتحي فلسفته في قرية “القرنة” الكائنة في البر الغربي في مواجهة الأقصر، قبل رحيله إلى أثينا في ،1957 وكان فتحي غادر مصر للعمل في مؤسسة “كونستانتين دوكسياديس” في أثينا، بعد الصعوبات التي واجهت مشروعه في مصر، قبل أن تتاح له فرصة إكمال القرية بعد ذلك بست سنوات.
                  

04-26-2005, 01:17 AM

khallo

تاريخ التسجيل: 08-11-2003
مجموع المشاركات: 70

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء (Re: seham_musa)

    شكرا الاخت سهام موسي
    ومن قبل للاخ حسن فتحي
    هناك من خصه الله لقضاء حوائج الناس من كل مله ودين .
    جعلك الله وايانا لمنفعه البشرية
                  

04-26-2005, 04:35 AM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء (Re: khallo)

    شكرا لك سهام
    وانت تمنحينا فرصة أن نقرأ معك هذا المقال الجميل والجيد
    عن سيرة المعماري المصري حسن فتحي،
    وهذه الملامح من تجربته وعلاقته بالحياة والناس
    ..
                  

04-26-2005, 08:32 AM

seham_musa
<aseham_musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء (Re: seham_musa)

    اخي ( خالو )

    بالفعل هنالك من اخصهم الله لقضاء حوائج الناس
    وحتى في السودان هنالك سير عطرة لمثل هولاء


    Quote: My Quote
                  

04-26-2005, 09:06 AM

seham_musa
<aseham_musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء (Re: seham_musa)

    البساطة المغدورة والمستحيلة
    بقلم: محمد شرف

    جريدة السفير -16/5/2003

    أقام معهد العالم العربي في باريس، منذ فترة، معرضا استعاديا للمهندس المعماري المصري حسن فتحي (1989-1900). تضمن المعرض رسوماً ومخططات وصوراً فوتوغرافية تغطي مفاصل رئيسية في مسيرته الابداعية الغنية والفريدة من نوعها.
    عرف فلاحو الصعيد حسن فتحي قبل سواهم من ابناء الشعب المصري، وعرفه اساتذة المعمار الاوروبيون قبل الكثيرين ممن كان عليهم ان يعرفوه في الوطن العربي.





    بيت من تصميم حسن فتحي



    وُلد في بداية القرن المنصرم، وكانت له معاناته الكبيرة من جراء سيطرة الثقافة التقليدية على افكار مهندسي تلك الفترة، والتي لم يسلم منها حتى زملاؤه الذين سايروا، وجاملوا، وقلدوا شتى النزعات القريبة الحديثة. وتنبثق أهمية حسن فتحي من تلك المعاناة، وتكمن تلك الاهمية في أمر بسيط، والأمر البسيط يعكس، دائماً، جوهر الحقيقة: لقد كان فتحي اول من شخّص مركب النقص عند معماريينا إزاء منجزات العمارة الغربية. وقد يبدو هذا الامر، في يومنا هذا، مسألة اعتيادية، فنحن محاطون بجملة من هذه الآراء التي نلحظ حضورها كلما جرى الحديث على واقع العمارة العربية. لكن ما نسمعه اليوم كان قد أشار إليه فتحي، منذ وقت طويل، حين قال: <<انظروا الى الارض التي تحت اقدامكم ثم ابنوا>>، وما كتابه <<البناء مع الشعب>> سوى قصيدة فريدة لمهندس من نوع خاص.

    عمارة الفقراء

    نشر الكتاب، في الاصل، عام 1969 تحت عنوان: <<القرنة قصة قريتين>>، في طبعة محدودة باشراف وزارة الثقافة المصرية وصدرت ترجمته الفرنسية عام 1970 بعنوان: <<البناء مع الشعب>>. كما نشر عام 1973 بواسطة جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الاميركية. وصدرت الطبعة المصرية سنة 1989، بواسطة الجامعة الاميركية في القاهرة. اما الترجمة العربية، شبه الكاملة، فقد ظهرت عام 1991 تحت عنوان: <<عمارة الفقراء>>.

    يقول فتحي في مقدمة كتابه: <<اهدي كتابي هذا للفلاحين، واود لو كان من المستطاع ان اتوجه اليهم مباشرة، كي يتمكنوا من قراءته والحكم عليه (كان معظم الفلاحين المصريين ان لم يكن كلهم، في منتصف القرن العشرين، من الاميين)، على انه ينبغي، في الوقت الحالي، ان اتوجه الى اولئك الذين يقررون مصائرهم، ويعملون على رفع مستوى معيشتهم وهم المهندسون المعماريون والمخططون، وعلماء الاجتماع والاناسة، والرسميون المحليون والقوميون والدوليون الذين يهتمون بالاسكان وبرفاهية الريف، كما اتوجه الى السياسيين والحكومات في كل مكان، والى كل من يعمل على تحديد السياسة الرسمية تجاه الريف>>. وسياسة تنمية الارياف تعني، في ما تعنيه، معالجة مشكلة رئيسية يتعرض لها الريفيون وتنعكس، بشكل او بآخر، على انماط سكنهم وعمارتهم، وهي مشكلة الفقر. يقول وليام ر. بولك، رئيس معهد ادلاي ستيفنسون للشؤون الدولية، في مقدمة كتبها لاحدى طبعات كتاب حسن فتحي: <<هناك مليار فرد على الاقل سوف يموتون موتاً مبكراً ويعيشون حياة موقوفة النمو بسبب الاسكان المشوّه وغير الصحي. وهذه المشكلة ستبقى بلا حل إذا ما عولجت بالطرق التقليدية. وتمدنا لجنة بيترسون، في دراستها التي قدمتها الى البنك الدولي، بمعطيات تبين انه لو حدث غير المحتمل واعطى اغنياء العالم 1% من دخلهم للمساعدة على النهوض بفقراء الكرة الارضية، فسوف يظل ما يقرب من ثلث سكان العالم يعيشون في مستويات من الفقر الماحق>>. إن ما يقترحه حسن فتحي، من خلال ابحاثه وكتاباته ونشاطه العملي، هو شكل جديد من المشاركة. وما ينبغي ان يساهم به الفقراء، في هذه المشاركة، هو بالضرورة عملهم. كما انهم، في انحاء كثيرة من العالم، لديهم امكانية العثور، بلا تكلفة كبيرة، على مادة بناء واحدة ممكنة وهي التربة التي تجثو تحت اقدامهم. واستناداً الى هذين الشيئين: العمل والتربة، سيكون بإمكانهم انجاز الكثير. على ان هناك مشاكل اخرى، تقنية في معظمها، لا يستطيعون حلها بأنفسهم، او قد يتم حلها، في حال انعدام التوجيه، بطرق مكلفة او قبيحة وغير سليمة. وهنا يبرز دور المهندس المعماري الذي سيكون المرشد، في مشروع يعتمد أساساً على الجهد الذاتي. وتتجلى مهارة المهندس عندها في مساعدة الناس على الوصول الى حل رخيص للمشاكل التي قد تعترضهم. ونذكر هنا، على سبيل المثال، ان مسألة التسقيف هي من اصعب المشاكل التي تبرز في مجال البناء. وقد ادت محاولات حل هذه المشكلة، في مناطق كثيرة، الى خلق سقوف ثقيلة ومرهقة الى حد هائل، وهي كثيرا ما كانت تنهار بفعل الزلازل او الامطار الغزيرة. وكانت هذه السقوف مسؤولة عن عدد كبير من الوفيات المرعبة التي حدثت في تركيا وايران ومناطق اخرى نتيجة للزلازل العنيفة. وقد وضع فتحي هذه المشكلة في سلم أولياته خلال عمله على تقنيات بناء مساكن الفلاحين او الناس الآخرين.

    بين الحلم والواقع

    كان فتحي، الذي ولد في القاهرة، من محبي الريف المصري منذ صغره. لكنه كان كمن يحب شيئاً لا يعرفه حقاً، ولم يكن يراه إلا من نافذة القطار خلال رحلاته، مع أهله، من القاهرة الى الاسكندرية لقضاء اجازة الصيف. اما والده الذي كان يمتلك العديد من الضياع في الريف، فقد كان يتجنب هذا الريف لاعتباره مكانا مليئا بالذباب والبعوض والماء الملوث، وكان يكتفي بالذهاب إليه، مرة كل سنة، ليلتقي بوكلائه في الارض ويقبض الايجار.

    بسبب تلك العلاقة الدفينة مع الريف، حاول حسن فتحي الانتساب الى كلية الزراعة، لكنه فشل في امتحان الدخول وتوجه الى كلية الفنون التطبيقية ليدرس العمارة ولتبدأ، بعد تخرجه، علاقة اخرى بالريف. كانت اولى زياراته لبيوت الفلاحين محبطة، اذ فوجئ بالظروف المعيشية السيئة لهؤلاء الناس، <<لم تكن لديّ، حتى ذلك الوقت، اية فكرة عن القذارة المخيفة والقبح الذي يعيش فيه الفلاحون في عزبة. شاهدت مجموعة اكواخ من الطين منخفضة، مظلمة، قذرة، بلا نوافذ ولا مراحيض، ولا حتى مياه نظيفة>>. وقد حلت هذه الصورة لديه مكان الصورة الاولى للجنة الريفية، التي كان يرسم صورها في ذهنه، وهو خلف نافذة القطار.

    بعد هذه الانطباعات المتناقضة، طرح فتحي تساؤلاً منطقياً: كيف يمكن لاي فلاح مصري يملك فداناً واحداً من الارض ان يبني منزلا خاصاً به، في حين يعجز صاحب الارض الميسور، الذي يملك اكثر من مئة فدان، عن تحمل كلفة بناء منزل؟ ورأى ان الاجابة البسيطة عن هذا التساؤل تكمن في قدرة الفلاح على بناء بيته بنفسه من الطين، او من الطوب الذي يستخرجه من الارض ويجففه في الشمس. وقد شكلت هذه الاجابة حلا للمشكلة المطروحة، اذ خلال سنين وقرون كان الفلاح يستثمر، بحكمة وروية، مادة البناء الظاهرة، وهذه الحكمة لم ترد في برامج التعليم الحديثة التي تدفع الطلاب الى استعمال المواد المصنعة العالية الكلفة، والتي قد تعتبر فكرة اللجوء الى الطين ضرباً من الهزل. ولا شك في ان بيوت الفلاحين قد تكون ضيقة ومظلمة ولا تلبي حاجات الراحة العصرية، لكن ذلك ليس نتيجة لخطأ في مادة البناء بحد ذاتها، بل لصنف في التصميم وحسن الاختيار، وفي حال توفرت امكانيات التخطيط، التي يفتقدها منزل الفلاح، يمكن ساعتها تعميم المسألة، بحيث تبنى منازل الفلاحين والملاك من المواد ذاتها وتتوفر، في الحالتين، شروط الراحة والذوق الجمالي.

    وصنع فتحي عدة تصاميم لبيوت ريفية من طوب اللبن، واقام عام 1937 معرضاً في المنطورة ثم في القاهرة، حيث ألقى محاضرة عن تصوره للبيت الريفي. وقد اتت هذه المحاضرة بالثمار المطلوبة، اذ اتيحت له عدة فرص للبناء حسب نظريته الخاصة. كان اصحاب الطلبيات من الميسورين الذين وعدوا انفسهم ببيوت جميلة وغير مكلفة، وقد سار تنفيذ المخططات على ما يرام الى ان بلغت مرحلة بناء السقف، حيث تبين ان اللجوء الى الخشب كعنصر دعم سيزيد من التكلفة وسيعيد الامور الى نقطة الصفر. وباءت محاولات الاستغناء عن الدعامات الخشبية بالفشل، الى ان استعان فتحي ببنّائين من منطقة اسران، بعدما كان قد رأى بيوتاً هناك، خلال رحلة قام بها عام 1941، وقد بنيت اقبيتها من طوب اللبن من دون استعمال اية دعامة خشبية. وقد قام البناؤون، الذي ورثوا هذه التقنية عن اجدادهم، بهذا العمل بسرعة مدهشة وبدون اية ادوات هندسية، وجاءت النتيجة على درجة عالية من الدقة ادهشت فتحي الذي وجد فيها حلا لمعضلة شائكة.

    سرقة مقابر تتسبب في مشروع سكني

    تقع القرنة على الضفة الغربية للاقصر فوق انقاض مدينة طيبة القديمة، في مكان يحده وادي الملوك من الشمال ووادي الملكات من الجنوب ومقابر النبلاء في الوسط، على سفح التل المواجه للاراضي الزراعية. وقد بنيت القرية على موقع مقابر النبلاء، ويسكنها 7000 فلاح في بيوت تتوزع على مجموعات تحيط بالقبور القديمة. وكان هؤلاء يعتاشون من ارث الماضي بكل ما في الكلمة من معنى، فقد اجتذبتهم الى هذه المنطقة قبور اجدادهم الاغنياء، وهي التي مثلت القاعدة الصلبة لاقتصادهم الذي اعتمد اساساً على نهب تلك القبور الحافلة باشياء ذات قيمة أثرية كبيرة. اما الاراضي الزراعية، التي تحيط بهم، فلم تكن لتكفي حاجاتهم المعيشية، اضافة الى كونها ملكاً لعدد قليل من اثرياء الملاّك الزراعيين. لكن سكان القرنة، الذين تحولوا مع الوقت الى لصوص مقابر محترفين، الحقوا الكثير من الضرر بتلك المقابر بعد نبشها بطريقة عشوائية، بحيث صار لزاماً على مصلحة الآثار ان تجد حلا لتلك المشكلة. وقد اصدرت مراسيم تقضي بنزع ملكية الارض من الفلاحين، لكنها بقيت حبراً على ورق، فتنفيذ تلك المراسيم كان من شأنه ان يخلق مشكلة اخرى: نقل سبعة آلاف فرد من هناك والتعويض عليهم بعد ايجاد مكان آخر لهم. لكن هؤلاء، حسب كلام حسن فتحي، <<لن ينالوا من المال ما يكفي لشراء اراض جديدة وبناء بيوت جديدة، وحتى لو تم تعويضهم بسخاء فانهم سينفقون النقود في اتخاذ مزيد من الزوجات، وبهذا سيصبحون مشردين بلا ارض ولا مال>>. وكان الحل الوحيد هو اعادة تسكينهم، لكن الاقتراح كان مكلفاً للغاية. في ذلك الوقت، خطرت فكرة الاستعانة بحسن فتحي، على نحو مستقل، لكل من عثمان رستم، مدير قسم الهندسة والحفريات، وم. ستوبلير مدير قسم الترميم في مصلحة الآثار. وكان الاثنان على علم بنماذج فتحي وتصاميمه التي طبقت في بناء بيوت الجمعية الملكية الزراعية في القاهرة عام 1937، وبيت الهلال الاحمر، وقد تركت طريقة استعمال مادة البناء، ورخص كلفة استخدامها، لديهما انطباعاً جيداً. وبالتالي فقد اقترح كل منهما على الأب درايتون، المدير العالم لمصلحة الآثار، الاتصال بفتحي بشأن قرية القرنة الجديدة، فوافق درايتون على الاقتراح بعد معاينته المباني التي نفذها المهندس. ونتيجة لذلك اتيحت الفرصة لفتحي كي يحقق حلماً كان يراوده منذ وقت طويل.

    كان مشروع القرنة بالنسبة لفتحي عبارة عن تجربة ومثال في آن واحد، وكان يأمل ان تتحول تلك القرية الى نموذج يحتذى في عملية بناء الريف المصري بكامله، كما كان يأمل ايضاً ان يتلمس عامة الناس امكانية ان يكون المسكن جيداً ورخيصاً، اعتماداً على قاعدة <<ابنِ بيتك بنفسك>>. وفي سعيه لنقل المعلومات والخبرة الى بنّائي المستقبل، الذين سيؤدون العمل بانفسهم، كان عليه ان يشرع في بناء القرية بدءاً من العنصر الاساسي: تراب الارض، وان يهتم بأصغر التفاصيل العملية ويوضح كيفية القيام بها، اضافة الى تقدير كلفتها. وكان على الفلاحين العمال ان يصنعوا الطوب بأنفسهم، وان يحفروا الطين ويستخرجوا الجير ويقطعوا الحجارة. وهم يقومون هنا بكل المهام التي يعهد بها عادة، في معظم المشاريع المماثلة، الى مقاولين محترفين.

    المشروع المتعثر

    لكن الامور لم تجر تماماً حسب ما اراده فتحي لاسباب عديدة ابرزها هو الطابع البيروقراطي للسلطات المصرية المسؤولة التي لم تف بتعهداتها المالية من اجل تمويل بناء القرية الجديدة حسب الجدول الزمني الموضوع اساساً، وكان التأخير في صرف الاموال اللازمة من اجل شراء بعض المواد، التي لا يمكن استخراجها من الارض، او لدفع اجور العمال، سبباً في اعاقة تقدم المشروع. اما الاسباب الباقية فيتعلق معظمها بطبيعة الفلاحين انفسهم، إذ رفض بعضهم ترك القرنة القديمة التي تمثل بنيتها التحتية <<منجماً اثرياً>>، اي بالتالي مصدراً اقتصادياً، ولم يتفهم بعضهم الآخر طبيعة المشروع ومعناه المعماري والثقافي كل هذه الاسباب ادت، مجتمعة، الى تأخير كبير في تنفيذ المخطط الاساسي الذي وضعه فتحي، بحيث سار التنفيذ على مراحل ثلاث امتدت ما بين اعوام 1945 و1948، ثم توقف العمل ولم يكتمل بناء القرية ابداً، مما دفع بفتحي الى نوع من الاحباط جعله يقول: <<لم تكن القرنة بالنسبة لي هدفاً في ذاتها، وانما هي خطوة تجريبية على الطريق الى تجديد الريف المصري>>... <<الا ان تجربة القرنة اصابها الفشل، ولم تكتمل القرية قط، وهي، حتى يومنا هذا، لم تصبح مجتمعاً قروياً مزدهراً. ولن يكون من الصحيح الافتراض ان المبادئ التي وضعناها ستنجح بشكل اوتوماتيكي عند تطبيقها. وفي نفس الوقت فاني لن اكون منصفاً لنفسي ولا لبلدي لو بقيت هذه المبادئ مدانة او مرفوضة بسبب فشل المحاولة الاولى لتطبيقها>>. ويمكن طبعاً ان نتفهم خيبة امل حسن فتحي، فقد وضع لنفسه اهدافاً كبيرة، وكان اي اخلال بجزء من ذلك <<الحلم>> يعني، بالنسبة اليه، فشلا عظيماً. ولكن، من ناحية اخرى، يجب اعتبار ما تم تنفيذه من قرية القرنة الجديدة انجازاً على جانب كبير من الاهمية. اما ما اعتبره فتحي فشلا، فهو، بالنسبة لنا، اشبه بالنجاح النسبي، غير المكتمل، في مهمة صعبة ومعقدة.

    الأسلوب اللغز

    بعد مشروع القرنة، اي في الخمسينيات، غادر حسن فتحي مصر لفترة من الزمن نحو مدينة اثينا. وهي فترة محاطة بالالغاز غاص المهندس خلالها في بحر النظريات الانسانية الشمولية الملتصقة، بشكل او بآخر، بموضوع المسكن، وسينتج، في تلك المرحلة، هندسة ذات وجه عالمي لا تشبهه تماماً، ثم سيعود الى مصر والى خطه الاساسي كي يباشر، عام 1967، ببناء قرية جديدة في بارس، في واحة خرجا، حيث سيعمد الى استعمال طرق طبيعية للتهوية (الملقف)، من اجل حماية المباني من درجات الحرارة المرتفعة. لكن، وفي هذه المرة ايضاً، يتوقف العمل في المشروع في منتصف الطريق، ويعود فتحي بعدها الى تصميم الفيلات كقصر موناسترلي في القاهرة، الذي استلهم في تصميمه قصور البوسفور، وبيت فؤاد رياض في الجيزة.

    في عام 1980 يتلقى فتحي دعوة من التجمع الاسلامي في ابيكيو، في نيو مكسيكو (الولايات المتحدة الاميركية)، لبناء دار السلام. وسيعود هناك الى تقنياته المعهودة، لكن المشروع لم يكتمل، اذ لم ينفذ منه سوى المسجد. وقد اجبرت الظروف المناخية القاسية، والامطار الموسمية، اضافة الى الشروط القاسية للبناء في اميركا، حسن فتحي على تغطية القبب بطيقة <<جلدية>> خاصة لحمايتها من الانجراف او التفتت. كما ان تقوية الاساسات زاد من حجم الكلفة المخصصة سلفا للمشروع، مما ساهم في <<هرب>> المقاولين السعوديين، اصحاب المشروع.

    وبرغم ذلك، فقد وقفت المجموعة المعمارية العالمية الى جانب حسن فتحي، فنال الجائزة الخاصة لمؤسسة آغا خان نظراً لاسهاماته في عمارة العالم الاسلامي، وهي واحدة من علامات التقدير الكثيرة التي حصل عليها خلال مسيرته، اذ كان قد نال ايضاً الجائزة الوطنية للفنون والآداب في القاهرة عام 1969، اضافة الى جوائز اخرى. ونتذكر حسن فتحي اليوم كذاك المهندس الفريد، صاحب الرؤية الجديدة، الذي ترك تأثيراً واضحاً على اجيال كاملة من المعماريين، وكذاك الانسان الشاعر والمفكر الانساني، صاحب الاسلوب الذي سيبقى لغزاً، او اسطورة ربما، تدور احداثها في <<قصر من رمال>>.
                  

04-26-2005, 09:11 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2931

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابن الأثرياء الذي وهب حياته لراحة المعدمين حسن فتحي.. معماري الفقراء (Re: seham_musa)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de