|
زحمة ورق
|
أول شيء فعله أبيك بعد ولادتك أن سجل اسمك علي ورقه .. وحين قرر ادخالك المدرسه الابتدائية بعد بلوغك السادسة طلب ناظر المدرسة الورقه كشرط اساسي لقبولك ..
وفي المدرسة كان المعلمون يحشون رأسك بورق كثير ، لنتحصل علي ورقة كبيرة نحملها الي اهلنا نهاية كل عام دراسي .. في فترة طفولتنا نلعب يطائره نصنعها من الورق ونطيرها في الفضاء .
عندما دخلنا الجامعة وصلنا جميعنا الي مرحلة عمرية تتيح لنا اختيار الورق الذي نريد له أن يدخل رؤسنا ونرفض الورق الذي لا يعجبنا .. و الأمر لن يمر بهذه السهولة .. فقد يقبض عليك رجال الأمن بتهمة توزيع الورق الهدام .. ولن تتمكن من الافلات من قبضتهم سوى بامضائك على ورقه بعدم تكرار فعلتك مرة ثانيه .. وعندما تتعرف على حبيبتك لن تستطع بسبب خجلك الشديد أن تبوح لها بحبك الا علي ورق .. وحين تبادلك الورق بالورق تكاد تطير من السعادة ، لكنك بالتاكيد سوف لن تتجرأ على مفاتحتها بطلب الزواج لعدم توفر الورق اللازم لذلك . بعد أن تتخرج من الجامعه يجب عليك أن ترسل ورقا كثيرا لأكثر من جهة بحثا عن عمل .. عسي ولعل ان تقبل في وظيفة حتي ولو كاتب ورق في إحدى المؤسسات الحكومية . وكم هي فرحتك حين تستلم آخر الشهر أول ربطة من الورق في حياتك .. من المؤكد بانك ستشترى هدية لحبيبتك وستغلفها بـورق . وبعد سنوات من الحب على الورق ستتقدم بطلب يدها ..
ويجب أن تذهبا إلى المأذون الشرعي ليسجل زواجكما في ورق . واذا لم يدم هذا الزواج طويلا بسبب تطلعات الزوجة للورق الذي لم تكن تملك منه الكثير ، خاصة وأن الورق الذي تأخذه اخر الشهر يذهب لسداد ورق الديون ، وورق الايجار وورق الكهرباء ، وورق الماء ، وغيرها من الأوراق الماحقة لبركة الورق .. ولعل الورقة التي بعثت بها مضطرا وحزينا ويائسا إلى زوجتك التي أصرت على الطلاق كانت القشه التي قصمت ظهر البعير . فقد تحزم أمرك وتقرر وضع حد للحياة الورقية التي تعيشها . تذهب إلى المؤسسة التي تعمل بها وتقذف في وجه المدير بـورقة صغيرة تخرج بعدها إلى الشارع لا تلوي على شيء . وحين تعود إلى بيتك سوف تكتب وصيتك علي ورقه وتضعها في جيبك .
وبعد ان تصعد روحك إلى بارئها . هناك لا أحد يستطيع ـ مهما امتلك من ورق ـ أن يثنيك عن قرارك .
وفي صباح اليوم التالي سيكتب ورق كثير عن الرجل المجنون الذي انتحر ، والذي وجد من ضمن الأوراق الكثيرة في جيوبه وصيته التي كتبها في وريقة صغيرة إحذروا الورق
|
|
|
|
|
|