لم تزل الذاكرة تنزف : حبيبنا ( عبدالعزيز العميري ) . أين كنت سيدي ؟ قال : ـ نزف جوفي ، وتخضبت الدنيا ، عُنابية الألوان . جئنا هنا لنستشفي ، ولا طبيب . الحبيب وحده لا يكفي ، أحتاج طاولة ومبضع طبيب ، يبحث في أحشائي ، لِمَ كل هذا الغضب مني ؟ ماذا فعلت أنا في دنيتي ؟ ، لا أذكر الا خيراً كنتُ أفعل . المستشفى في ليل السكون ، إلا من صوت نقيق الضفادع . قالوا : ـ قانون للطوارئ ، التجوال ممنوع . يسري ذلك على القاص والداني ، الصحيح منا والعليل ! رقص القلب ، رقص المذبوح وتضرعت الشفاه . انتظَرَ الحبيب وانتظَرَ.. وانتظرتْ الدنيا ، ولم تنتظر الروح ، فقالت للدنيا : ـ إنني ذاهبة في غيبة كُبرى . من ماضي وطنك ، وتراث الدنيا ، خرجت أنت علينا سيدي بصوتك الرخيم . أشبعَتْه أثداء ندية بطلاوة الحنين ، ورخاوة الحِس . تقلبتَ سيدي على أُرجوحة الهوى ، كأن جرثومة حبلى بالتفرد والمحبة والعشق السرمدي ، قد اتخذت منك بُستاناً لتورق فيه . حِراكك على المسرح الصغير ، أو على مسرح الدنيا الكبير أنت فيه قائماً وجالساً وراكضاً تتقلب بك الدور والآفاق ، والأعين حولك مشدودة لقمح لونك المُعطر ، وحضورك البهي . ترى ماذا كتَبتْ عنك أُختك أو أَخوك ( سلمى ) كما كُنت تدعوها ؟
نقطف قليلاً من كتاب مُزهر ، كتبته لك الأديبة الرائعة ( سلمى الشيخ سلامة ) : { كنت دائماً تقول لي : بتنومي بدري ليه ؟ يا بت الشيخ راجياك نومة طويلة طول . لكني مازلت أنام باكراً. تعرف أني محاصرة دوماً بمواقيت العمل. كنت تجئ أحياناً في وقت أكون فيه أتأهب للنوم لكنك كنت تلح: حفلة ما تنسيها لمن تموتي ، يلا ياخي . لم يكن مشيي معك بغرض أن أشجعك ، لكني كنت أود أن أظل في رفقتك . . لذلك لم أكن لأتردد في الذهاب معك كل مرة ، لأني (تبينت الآن) كم زودتني تلك اللحظات بذكرى ليست للنسيان. أن أكون صحبتكم كان ذلك أمراً يجلب اليّ سعادة لا أعرف كيف أفسرها لأن بي هاجس غريب إني سأفتقد ذلك لأي سبب إلا الموت. كنت أحياناً تحدثني عن رغبتك في السفر والعمل في الأبيض ، لذلك لم أكن لأتأخر في قبول طلب بحضور حفل ، لكني ( ما كنت حاريالك رحيل ) . لن أغير التاريخ يا صديقي ولا مجرى الأحداث ، لكني أحادثك كأنك دم ما زال يجري في عروق الحياة ، بل أنت يا صديقي .. حضورك منعقد كأن لم يحدث حضور لشخص في حياتي ، لم تهزمه الأيام ، لم تحد من فاعليته الأحداث .. يشملك لديّ حضور أقوى لا يدانى ، فأنت حالاً بروحك دوماً . . لعل سره يكمن في الضحكة التي طالما تقاسمناها.. في الذكريات التي كانت شراكة بلا رصيد سوى الحب الذي ظل أهلنا معاً جزءاً منه .. في الأبيض أو أبوروف .. وما بينهما المشاوير التي مشيناها أو في السفر الذي أزعم انه كان الرابط الأصيل في لحظة ما .. كم تصادف أن سافرنا معاً من الأبيض إلى الخرطوم أو بالعكس ، على متن الخطوط الجوية السودانية التي كانت (راقية) كما كنت تصفها. كنت إذا ما حللت بالأبيض تفتح لي أبواب بيتكم وقبل ذلك قلوب أهله ..عم عبد الرحمن ، خالتي فاطمة ، سعدية ، منيرة ، أسماء ، أحمد ، الشريف ، هيبة ، التجاني ، أم بلة زوجة أحمد ، وكنت تزورنا في بيتنا في السكة حديد .. تدخل كالنسيم إلى (راكوبتنا) التي كانت تعجبك لأنها (باردة) تدخل بيتنا وكأنك أحد ساكنيه .. دونما إذن .}
هذا ما اقتطفناه من بوح الأديبة الرائعة وهي تخاطبك . و دون استئذان فعلنا ، ربما تعفوا عنا سيدة الرفقة الحانية ، والنُبل الكريم . فقد غلبتنا جميعاً لحظة ضعف ، إذ توهجت محبتك قنديلاً على مائدتنا واندلق الحُزن . التحفنا به جميعاً ، ومعنا كل بيت جلس أهله قُرب التلفاز يشهدونك في زمن ما ، تفتح قلوبهم وتجلس أنت تفُض عُذرية الهوى عندنا . سيدنا وحبيبنا ( عزيز ) كيف حالك هناك ؟ ألك كل ما تشتهي الأنفس ، أم ظللت تنتظر أحباءك ؟ نعرف كرمك فأنت لن تتناول الطعام والشراب وحدك ، بل تنتظر الأحباء يتقاطرون عليك من كل فج يلتفون حولك . عِقد يبرق وأنتَ واسطته التي تتلألأ .
رحم الله ذلك الفنان المبدع... أول عهدى به كان فى مسرحية تاجوج...و كانت أول مرة أدخل المسرح القومى ولم يكن حينها العميرى معروفا..و أعتقد أنها كانت بدايه موفقه ساهمت فى انطلاقتة الفنية...ثم جاءت مرحلة محطة التلفزيون الأهلية التى أدخلته قلوب الناس.. العميرى انسان يجعلك تحس بالراحة...وتحس انه من أهلك رحمة الله بقدر ما أسعدنا...فقد أراد أن يبقى زولا ليهو قيمة وقد كان
05-18-2005, 09:59 PM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
كان ولم يزل العميري باسِقاً في دُنيانا رغم مرور زمان على رحيله . مسرح وغناء و موسيقى و كثير إبداع . رحل في الثلاثينات من عمره ، وأحسبه بملابسات الحالة الأمنية التي صاحبت منع التجوال في زمان رحيله أن موته إغتيالاً ، لم يتم مُحاسبة الجناة بعد. لك شكري
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة