صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !!

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 08:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد عكاشة(محمد عكاشة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2007, 11:42 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !!

    منتصف الستينات..
    وفى واحدة من ديمقراطيات السودان..والديمقراطية فى بلدى مثل(الظباء الجريحة) تبزغ بهية الصورة ونتلكأبها عند خلافاتنا ونسلم انفسنابعدها الى دورة خبيثة من تاريخنا الدائرى..
    المهم..
    وقتها.. وفى الحملة الانتخابية جلس زعماء الاحزاب فى ندوة محضورة يعرضون ملامح البرنامج ويتبارون على الهواء مباشرة..
    كان من ضمن المتحدثين شاب غض الاهاب وتحدث فى اخر الندوة..
    الفتى ابتدر حديثه بسؤال عنترة العبسى واجابه فى ذات الوقت..
    هل غادر الشعراء من متردم؟؟..قال ...أجل !!!وتحدث حديثا لافتاولايعرفه احد من قبل..
    فى صبيحةاليوم التالى خرج مؤسس الصحافة ببنط عريض...
    (...لقد بهرنى الدكتور الترابى...)
    .........
    فى الفين واتنين ذكرت شيئا كهذا للدكتور منصور خالد فى حوارى معه فى القاهرة وورد حديث عن ذكريات الحى اللاتينى بباريس واصدقائه القدامى وعند السيد حسن الترابى اجابنى منصورا..
    ( صديقى الباريسى حسن الترابى..حجةبالغة )..
    هذا حديث ,,,وحديث آخر..نوثق له عبر البوست..

    مطلع السبعينات وفى خلوة جدى الشيخ الزين ودالفكى ابراهيم بحى العباسية يتحلق اناس كثيرين فى حديث اعرف بعضه وينبهم عندى بعضه الاخر وانا ألزم خدمة الضيوف..
    فى تلك الايام يجلس رجل الى جدى ووالدى فى حكايات قديمة وتأريخ وسير واخبار..
    الرجل فى جلبابه الانصارى وعمامته والطاقية ذات القنمبور تتوثق علاقتى به.. خصوصا وهو يسكن فى الجوار...ثم ليلا اشاهد الرجل على التلفاز يوم كان لتلفزيون السودان مساهمات ثرة فى توثيق ثقافاتنا وهويتنا الجامعة والتعريف بتنوعنا الثقافى والعرقى واهمية ذلك فى الوحدة الجامعة..الجاذبة ..والطوعية كمان...
    صباح اليوم الاربعاء السادس عشر من مايو الفين وسبعة فى قاعة الشارقة..وعبر جمعية الفلكلور السودانية..بهرنى علماء افاضل ..جلسوا بلا القاب ومقامات يحدثوننا فى اوراق ضافية عن ذلك الرجل ذى الاسهام البالغ فى توثيق التراث والفنون الشعبية..
    الراحل المقيم..الاستاذ الطيب محمد الطيب...
    بهرنى هؤلاء فى حديثهم عنه..يوسف فضل..محمد المهدى بشرى..سليمان يحى..على عثمان طه..سيدحامد حريز..والفرجونى..وغاب عن اللقاء وهو فى مهجره ..عبدالله على ابراهيم..
    سوف نكتب عن الطيب..
    العالم..الارباب..و..و..
    سمح النفس...بسام العشيات الوفى..
    ووعن مساهماته وابحاثه..وسوف اقوم بتلخيص الاوراق المهمة..او نقلها بحذفارها..
    نعود
                  

05-16-2007, 01:15 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    ثمت مقال كتبه الدكتور عبدالله على ابراهيم فى رثائه قبل اسابيع..
    ارجو من العارفين اضافته لهذا البوست
    مودتى وتقديرى
                  

05-16-2007, 02:40 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    الطيب محمد الطيب: عبادة في الهرج
    الدكتور عبدالله علي ابراهيم


    يعجبني ما قاله الرباطابي الماكر عن حسن التوقيت في مغادرة دار النقاص. فقد استصلح المياييس (السيد محمد على وإخوانه) أرض شرقي قرية عتمور المعروفة بأم غدي وزرعوها فولاً. وأصبحت أم غدي خلية نحل تصبح سهراً على الفول وتمسي حرصاً عليه طوال موسم زراعته حتى حصاده. وهذه فلاحة اشتهر بها المياييس. وترتب على هذه الفلاحة انكماش طقوس الموت والزواج عندهم خلال هذا الموسم العصيب. فقال الرباطابي الماكر: ''إن شاء الله ما أموتلكم في موسم الفول يا ناس أم غدي.'' فالرجل أراد لنفسه موتاً بفراش ضاج وثكلي اضج.

    أردت لحبيبنا الطيب موتاً في غير زمان الهرج هذا: زمان العُصب المسلحة التي ظلت تأخذ بخناق الوطن محكمة فينا ''بيض الصحائف'' وهي السيف. أردت له أن لا يموت وشركاء الحكومة متماسكون الحزز في جوبا أو مدلون بدلوهم بزخات الرصاص في أركان النقاش الجامعية. أردت له أن لا يموت في سياق حرب الاخوة في دارفور والمناصير وبورتسودان والخرطوم الأخرى. أردت له أن لايموت ورائحة السحت تزكم الأنوف وتكسر خاطر الناس. أردت له موتاً في جلال موت موسي ود أبو حجل الذي استشهد في معارك المهدية الذي كثيراً ما ترنم فقيدنا بما قيل في مناحته:

    يوم جانا الحصان مجلوب

    وفوق ضهرو السرج مقلوب

    حبيب ريدنا وسدوهو الطوب

    وابكنوا يا بنات هجلوب

    وأكثر ما خشيت في زمن الهرج العاول فينا أن يتحول موته إلى هامش في صراع الإنقاذ وخصومها. وقد بدأت مثل هذه ''النجرة'' المعارضة في البروز في مراثي الطيب. لا خلاف أن الإنقاذ تتحمل تبعة تسوئة حيواتنا كلنا والغصص منها كثيرة. ولكن الطيب لم يرهن خيره لبلدنا وثقافتنا على فضل الحكومات أو ديمقراطيتها. كان دخّالاً خرّاجاً في نصوص هذه الثقافة يبلغها غلابا. تقلبت بلدنا بين ديكتاتوريات مديدة العمر ولم يعدم الطيب أبداً بصارة ليعمل بها أو بدونها لنيل مراده. ولم يترخص أبداً في اداء واجبه الثقافي. كان أنصارياً وقد اكتنفت هذا الرهط المحن طويلاً فحفظ بيعتهم التي في عنقه. ولم يبعهم بغال أو مرتخص لينال حظوة النظم الكارهة لهم. لقد نفذ الطيب بمشروعه الثقافي برغم تلك النظم لا بواسطتها.

    ولا يهبط بقامة الطيب إلى مجرد حاشية في فتنة الإنقاذ وخصومها إلا من عرف الإنقاذ ولم يعرف الطيب. فلم يولد الطيب افندياً بمعلقة من ذهب الدولة. ظهر بيننا فجاءة في نحو 1965 بشعبة أبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. كنا جماعة: سيد حريز وأحمد عبد الرحيم نصر ومصطفي إبراهيم طه وزعيمنا الدكتور يوسف فضل حسن. كنا مفتونين بالفولكلور الذي كلفتنا الجامعة بجمعه وتبويبه ودرسه. ولم يكن أياً منا قد تخصص فيه فاتسم عملنا بالتجريب والشغف. وكان تاج كل ذلك شعور عميق بالزمالة. لم تكن تنعقد حلقة تسجيل مع مادح أو همباتي شاعر أو راوية تاريخ إلا وجدتنا حضوراً جميعاً نشد أزر بعضنا البعض.

    لم أكن أنا مثلاً ممن ينطبق عليهم شرط التعيين أكاديمياً بالجامعة. ولم يخطر ليوسف فضل تعييني خلال تلقي العلم علي يديه في معادل الشرف تاريخ. ولكنه سمعني يوماً أتحدث عن الفولكلور بإذاعة ام درمان وسرعان ما عرض علي أن انضم لشعبة ابحاث السودان. وأصبح الباقي في عداد التاريخ. ومن جهة أخرى كان سيد حريز في طريقه ليصبح محاضراً بشعبة الإنجليزي بالجامعة حتى قرأ يوسف رسالته عن طقوس الحياة والموت في السودان فالتمس من الجامعة أن تحوله إلى شعبة ابحاث السودان. وكذلك الحال مع احمد عبد الرحيم. بدأ بالفلسفة ثم كتب عن فلسفة الأخلاق عند النوبة النيمانق بالدلنج فلم تتأخر عنه حفاوة يوسف.

    وفجأة ظهر بيننا الطيب ''قاطع حبلو'' من الدامر. قال إنه محب للفولكلور وقد طلق أشغاله كلها وقرر التفرغ لجمع الأدب الشعبي. لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمه ولست متأكداً إلي يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس. وكان واضحاً أنه رجل نير ولكنه صفر اليدين من الشهادات. وأذكر أنه قال إنه كان مندوب أهله في المقرن في مجلس ريفي شندي الذي تبعت له المقرن. وقال إنه كان تاجراً أو تشاشاً. ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا منا بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له. وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفة لم تخطر على بال بروقراطي وهي جامع فولكلور بأجر مجمد قيمته خمسون جنيهاً وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة. ووفرت له الشعبة عربة جيب رقمها 5 خ8731 ومسجلاً ألمانياً ماركة قروندق وسائقاً ''دنقلاوياً'' أنيساً هو السيد حسن خير الله ودفتر بنزين صالح لملأ تنك العربة او شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان. وكانت هذه هي الفترة التي توسعت فيها حصائل الطيب من فلكلور الجماعات السودانية في الحضر والبادية وفي العرب و''العجم''. ووجد منفذاً لنشر هذه الحصائل في ''سلسلة دراسات في التراث السوداني'' التي طبعناها بالرونيو كالشيوعيين والجمهوريين. ومكنت هذه الفترة للطيب أن يقف على الخريطة الثقافية لضروب الفلكلور وملكات رواته ومؤدييه وأن يكشف عن ''الضفيرة'' النسيقة التي تربط آداب الجماعات السودانية. وكانت هذه الحصائل زاده في رحلته المثيرة في ''صور شعبية'' وكتبه الأخري مثل ''دوباي'' و''المسيد'' و''فرح ود تكتوك'' و''الإنداية''.

    مثل الطيب لا تهز الحكومات ''إن قصرت وإن طالت'' له قناة. فعطايا الحكومة هي حيلة أصحاب المشروعات قصيرة التيلة. أما مخاطرة الطيب الثقافية فقد كانت من النوع طويل التيلة. ومشروعيتها أصلاً في رد المجتمع الآبق، حكومة ومعارضة وشعبا، عن الحق والعدل والسماحة إلى الجادة بالاستنجاد بحكمة من الماضي وبركته. فهي مما لايؤجل حتى ينقضي أجل الحكومة الظالمة بانتظار الحكومة العادلة. فمشروع الطيب هو باب في التوتر الإبداعي الذي يتمخض عنه المجتمع الجديد. فهو مشروع للنهضة لا للمقاومة ولا يفل حديده حديد. وصاحب مثل هذا المشروع ''مَدعِي مهمة'' أي مصاب بها لا فكاك له منها. و''مدعي'' هذه مما استفاده الطيب نفسه من الوالدة الحاجة جمال. كان متى زارنا في منزلنا ببري المحس (وكان يسكن بري اللاماب) قالت له ''صاحبك دا مدعي قراية''. اي أنه ممن دعا عليه أحدهم بالقراءة إلى يوم الدين. ولم تكن الوالدة تعجب باستغراقي في القراءة وصحبة الكتاب بالطبع. وذكر الطيب لي ذلك في إهدائه كتابه ''المسيد'' لي.

    أنا زعيم بأن الطيب مات سعيداً ودعك من المنغصات. فلم تعد صورة الفلكلور بعده كما كانت قبله. لقد نعم بحب الناس عاديين وغير عاديين لأنه التمسهم كحملة ثقافة لا مهرب منها بينما قامت بعثة الصفوة الغربية وحتى الإسلامية على تفريغ الناس من ثقافتهم ''التقليدية'' الفاسدة لحقنهم بالحداثة أو العقيدة الصحيحة. لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر أو زيارة على تعرف الناس عليه بالفطرة واقبالهم عليه كشركاء في مشروعه يسألونه عن الأنساب أو صحة نطق اسم مدينة أو مزارات ولي. وكنت استمع إلى حواراتهم معهم يديرونها على قدم المساواة. وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له. بل ومناصرتهم له. لم يكن الطيب لينجز أكثر ''صور شعبية'' لولا سخاء مشائخ وتجار وأحباب مولوا زياراته الميدانية لبقاعهم واحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غني بهذه الصحبة عن تكفف الدولة العادلة والظالمة.

    هناك الكثير مما يستوجب القول عن حفظ ذكر الرجل ومأثرته. ووددت لو أنه مات في غير موسم فول أم غدي ليكون حديثنا عن الولاء لذكراه قولاً لا يطير شعاعاً بعد رفع الفراش السياسي عليه. ولكن مما يلطف فقد الطيب أنه حين مات كان شرفه كمثقف فوق الشبهات وعلمه مما يمكث في الأرض ورفقته غزيرة لأنه لم يشترط لتعاطي الثقافة شهادة موثقة أو لساناً متحذلقاً. لقد جعل الأميين صناع ثقافة وسألهم بتواضع جم أن يملوها عليه. وفعلوا وفعل. وزدنا بذلك إنسانية هي ما يبقي على هذا البلد الطيب برغم الشرور التي أحدقت به طويلا.
    نقلا عن مكتبة منصور المتاح

    (عدل بواسطة مطر قادم on 05-16-2007, 02:42 PM)

                  

05-16-2007, 02:59 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: مطر قادم)

    شكرا يامطر..والشكر للاخ منصور المفتاح وهذا نقلا عنه ايضا..
    http://209.85.126.154/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board...&msg=1177041495&rn=0
    الطيب محمد الطيب: يوم دوخنا دوخة نريد الكبيشاب
    عبدالله علي إبراهيم
    اصطحبت الأستاذ الطيب محمد الطيب في رحلة عمل ميداني في نحو آخر 1967. وكان نطاق الرحلة هو الكبابيش الشرقية التي تبدأ من أم أندرابة وتشمل جبرة الشيخ وحمرة الشيخ وغيرهما. وكنت أريد أن التقي برواة من فرع الكبيشاب من الكبابيش الذين يسكنون تلك الناحية. فقد سمعت بين الكبابيش الغربيين عن قصة فارس منهم اسمه حمد ود شتان خلال فترة نزاع الكبابيش وبني جرار حول ملكية الدار بشمال كردفان. وكانت المعركة الفاصلة لصالح الكبابيش في قوز التمامي نحو عام 1815-1816.
    وقيل إن حمد ساءه أن يسمع من الزبير ابو النية، وهو من نوراب الكبابيش، "تِنِبِراً" وهو الفخر الزائد بالنفس. وهنا تحدي حمد رفيقه الزبير أن يقتحما صفوف العدو الستة إلى حيث يوجد بخيت ود قبلة وهو زعيم الزيادية وحليف بني جرار. ومن مات مات ومن عاد عاد. وقٌتل الفارسان دون مرماهما. وقٌتل في المعركة موسي ود جلي فارس وزعيم بني جرار في معركة قوز التمامي. وقد وقفت عند القوز وصورته. فقصة موسى ود جلي قصة لي معها ثأر وسأكتبها أو أقتل دونها, وقد بدأت والطيب كتابة هذه القصة ونشرنا الحلقة الأولي في مجلة "العربي الأفريقي" التي أصدرها السيد عبد الرحمن السلاوي وترأست تحريرها في 1979. ولم يحتملها نظام نميري وأٌوقفت بعد العدد الأول. الضل الوقف ما زاد. وبكت حمد ود شتان زوجته بمناحة يجدها القاريء في كتابي "فرسان كنجرت" صفحة 129.
    لم أجد من بين مذكراتي الحقلية ذكراً للطيب. وهي مذكرات كنت أدونها قبل أن أخلد إلى النوم أكتب فيها مجريات يومي واستنتاجاتي مما يدور حولي وخططي لمواصلة عملي. وهي مما توصي به كتب منهج الفلكلور والأنثربولوجيا. وهي مفيدة جداً بشهادتي أيضاً متى جئيت لتحليل مادة الحقل. وربما أنساني أنس الطيب خلال زيارتنا القصير أن أقوم بهذه التبعة المهنية. ولا زلت اذكر يوماً كنا نسال فيه عن مضارب الكبيشاب ولم نعرف لهم موضعاً ودخنا دوخة. فقال لي الطيب مرهقاً :" يعني لو إسرائيل عاوز تضرب عرب الكبيشاب تدوخ دوختنا دي واللا شنو؟". وكان ذلك في أعقاب هزيمة يونيو 1967.
    ولما لم أجد يوميات الطيب معي بدا لي أن أنشر يومية اخرى من عملي الميداني إجلالاً لخاطره وللمهنة التي أعطاها عمراً قصيراً عجيباً . وهي تذكرة لشبابنا عن ثمن الحب العظيم وتكلفته. واليومية التي انتخبتها تحكي عن أيام لي اولى بين الكبابيش وقد تشوش قادتهم من جهتي. فقد كان مصير الإدارة الأهلية في كف عفريت بعد ثورة اكتوبر 1964 ولم يسعدهم ان يأتيهم من الخرطوم رسولاً ربما تجسس عليهم. ثم انقشع هذا الظل الثقيل من الشك والريبة. وعدنا بفضل الله والوطنية أخواناً . وسيرى القاريء ليوميتي انزعاجي الباكر لهذا الجفاء المشروع.


    أم سنطة، شمال كردفان
    الخميس 29/12/1966




    قبل أن نتوجه إلى العرس الذي أرشدنا إليه (من حولنا) قررنا أن نذهب إلى بئر دويح . كان غرضي المجاملة لا أكثر لأن القبيلة ليست فرعا من الكبابيش موضوع بحثي وإن كانت تختلط بهم اختلاطا واضحا . والمجاملة نابعة من أني وفي أيام توتري الأولى وأبان محاولاتي لكسر الحلقة من حولي اتجهت بقدمي نحو بئرهم ووعدتهم بالمجيء إليهم. واكتشفت أخيرا أنهم أقلية قبلية وانشغلت عنهم يومها وحدثوني أنهم قد استعدوا في اليوم المحدد ولم آت. آلمني ذلك وإرضاء لهم توجهت لأسجل منهم دوباي البئر. كانوا طبيعيين في تسجيلهم. لم يمس المشهد الواقعي لدوباي البئر إلا أثر طفيف للافتعال وانسجموا غاية الانسجام سوى أن كان يحدث أن أثنين منهما كانا يشتبكان في الدوباي في المرة الواحدة ربما عجلة للتسجيل . روحهم طيبة. النمَ عندهم يختلف عن النمَ في بئر ود جريو (أولاد عون ) . ذهبنا إلى السوق لنكتشف أن الزواج غداً وأن السِهار (الحفل السابق لبوم العرس) سيكون اليوم فقمنا بترتيب أمرنا وذهبنا مع الأخ عبد الرحمن خليفة التاجر .
    أول صلة مع التجار كانت حين عرضت عليهم أن نحملهم بالعربة إلى دكة شيخ محمد المر وكيل ناظر الكبابيش بدلاً من أن يشدوا الجمال .تقبلوا الدعوة وتحركنا نحو الدكة. انتظرنا الشيح محمد وكان في استقبالنا شيخ على (ابن اخيه) الذي بدأ – فيما أظن – يتحرر من ريبته فينا وراح يسألنا ونجيب عليه .. ونسأله أيضاً ويجيب . وفي بيت الشيخ إبراهيم على التوم (أخو المر) أو الشيخ على 3 بنادق .. البيت مقولب ولكنه يبدو أنه لم يكتمل . .. سألنا الشيخ محمد إن كنا ننوي أن نقنص ... أصر علينا أن نجلس على الكراسي وأبديت شعوراً قوياً بأن أجلس معهم على السجاد ولكنه لم يقتنع مطلقاً برغم تكرار محاولاتي .
    برجوعنا إلى السوق دخلت في دكان عبد الرحمن وشهدت عملية البيع والشراء ... زجاجة السمن برطلين من السكر وأوقيتين من الشاي وقرش بلح ... فتاة حلوة ورائعة الملامح تطلب "جٌبة" وتحمل القماش إلى زميلة لها وتسألها وإن لم يكن هذا أجمل من الذي اشترته "...." مباهاة . كانت تتكيء على زميلتها كأن التاريخ والزمان قد انقضيا وكأن فيتنام لم تكن. في المتجر عاجات ومازالت هذه الزينة موضوعاً للغزل. حمل اليَ حسن خيرالله، السائق، وعبد الباقي، المصور، بريمة وهو من الذين يؤدون دوباي البئر وكان رائعا في التسجيل .. ليست هناك رهبة ربما لأنهم لا يدورون عن المسجل شيئا .
    في منزل الشيخ على أمسكت بطفل الشيخ محمد .. طفل لم يتجاوز الخمس أعوام. في عنقه كمية من الزينة .. قطعة فرع مثقوبة ومعلقة بخيط، حجاب في داخل صندوق من الصفيح مربع، ومشاهرة من الفضة .
    وعدنا .... وقضينا المساء في الخمول العادي. ذهبنا إلى الحمام في الدونكي وعدنا لنجد خير الله قد ذبح النعجة التي أهدانا الشيخ لها . اكتشفت أنهم لا ينفخون الذبيحة لكي يسهل عليه سلخ الجلد ... يقولون أن هذا حرام .. سألت حسن هل تعملون الشطارة. لم يعرف للكلمة معنى وبعد الشرح قال لي "أم تبر" .وكشف عن يده ووجدتها هناك .وقال أنهم يستعملون القصب في حفرها .
    في السادسة والنصف تحركنا إلى دكان عبد الرحمن اكتشفت لهولي أن لا سِهار اليوم عند أولاد أبو شاية لأنهم حادون على امرأة توفت من قبل شهر . وحتى الظهر كان الكل يتحدث عن السِهار وهاهو السهار ملغي كأن المرأة قد توفت في ما بعد الظهر .. ما الذي يجري في الخفاء ؟ هل لا يرحبون بنا ؟ ماذا يريدون ؟ دار رأسي بمختلف الأسئلة وجئت بعبد الرحمن التاجر لتناول العشاء معنا . غشي بنا بيتين أنيقين من القماش ليسأل عن (المكروه عمداً) فلم يجد فيهما شيء ... سألته هل هذه بارات هذا البلد ... فأجاب ضاحكا بالإيجاب .
    جاء الشيخ حسن ناظر عموم الكبابيش. ما زال يتكلم عن شحنة (المكروه عمداً) القادمة من الفاشر . كانت جلسة ممتعة بالشعر والشرح وبخاصة في أنواع الغزلان وعرفت أن أم حقو غزال نصفه الأعلى أحمر والأسفل أبيض وله قرون كالغزال طويلة وتمتد إلى الأمام باعتدال .. والمَي نوع من الغزلان كالغنم قصار وقرونه معكوفة كالخروف وأن الحٌمرة ريل أحمر وله صيحان (خطان) زرق بجانب واحد . الشعراء يصفون المحبوبة بالمي والحمرة في الابتعاد والناي. أم حقو (. . . ) تسكن في قلب الصحراء حيث لا عشب ولا شجر .
    و المي يصعد إلى السام وهو الصخرة ذات الزواية القائمة الشاهقة التي لا يرقى إليها غير الكوع الأرقط (النمر) والطير . تحدثنا عن الغنم والجمال وعن المرأة التي لم تحس بالراحة إلا حين تركت رعية الغنم إلى الجمال. ورعية الضأن شقية لأنها لا تعطي صاحبها نوماً. فهي بطئية الحركة وحين تنتشر يهرع صاحبها ويطاردها . وتحدثنا عن إدريس الغلياني (كان بطل تلك الأيام لأسباب شرحها يطول) واكتشفت أن الشيخ محمد المر شاعر مهول وأن ما كتبه كاتب محكمته وهو دودين كان منه ... ينبغي أن أتسلل إلي الشيخ . عرفت أنه يرغب أن يستمع إلى تسجيل التريح وهو الرواي الرئيسي لتاريخ الكبابيش . هذا خيط فيجدر بي أن أمسك به. تحدثنا أيضا عن ود كجام الذي هو الآن في جبرة الشيخ وعن بعض أشعار ود جودة وشيخ حسن يحفظ لهما الكثير كانت أمسية لا بأس بها . مكروه ولحم وغناء أحمد عمر الرباطابي .
                  

05-16-2007, 03:54 PM

شهاب الفاتح عثمان
<aشهاب الفاتح عثمان
تاريخ التسجيل: 08-27-2006
مجموع المشاركات: 11937

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    ]ما انجح وصول المطر المحمل بذكريات علامتنا الطيب ,,,

    بدايات قويه , ونحن بانتظار تواصل موسيقى ايقاع الهطول .!>


    شكرا على المجهود
                  

05-16-2007, 07:27 PM

HOPEFUL
<aHOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: شهاب الفاتح عثمان)

    أصدقاء الجمال

    الشوق وأشياء اخرى لكم

    00000


    جمال
                  

05-17-2007, 09:20 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: شهاب الفاتح عثمان)

    الاخ شهاب
    شكرا جزيلا
    برجاء اضافة كل مايقع تحت يدك من مواد عن الراحل
    مودتى وتقديرى
                  

05-17-2007, 12:04 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    جمال هوبفل
    عودا حميدا مستطاب
    مودتى وتقديرى
                  

05-19-2007, 07:38 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    بصدد تلخيص الاوراق
    مودتى وتقديرى
                  

05-25-2007, 06:54 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    ذو علاقة..بوجه من الوجوه

    الى منصور المفتاح وشيعته...مِران على الصبر الجميل !!!
    المعرفة شاقة ووعرة الدروب... والمرء كلما ازداد معرفة ازداد جهداً.. إذ كلما تكشفت له أبوابها استبان أن ثمة معارف أخرى تغيب عنه، وسبراً للأغوار... ثم الناس أنفسهم حال تلقيهم المعرفة وصنوفها ليسوا سواء، هم عندها أنماط مختلفة ودرجات ومراتب..
    الطريق إلى سوحها محفوف بالمخاطر، والتحقق في ضرب من ضروبها والترقي يقتضي صدقاً وحساسية وخلوص نية.. القراءة وسيلتها والكتابة عمدتها والبذل في سبيلها أمر صعب ربما دونه خرط القتاد إلا لذوي العزائم الرفيعة.
    في إحدى بنايات عثمان أحمد عثمان في مصر الجديدة جلست ذات صباح في رحاب الدكتور منصور خالد في حوار صحافي حول شخصيته المثيرة للجدل أطرح أسئلة في بناء الذات ومكونات الشخصية وحوافزها الإبداعية.. سألته عن أب روب و(البقعة) وأغاني الحقيبة وأماديح السادة السمانية وحامد أب عصاةً سيف، وعن أترابه وزملاء الدراسة والطلب وفريق الهلال.. ثم.. أسفاره الطويلة واغترابه و(أسفاره) في سجل التاريخ للسودان، وأحزابه وتنوعه الثقافي ومدوناته العميقة التي استنجزها وسحر البيان... سألته.. برغم ارتباطاته الكونية وأعماله أن كيف تأتى له قراءة ما قرأ وكتابة ما كتب من مجلدات، وهي إضافة ثرة للمكتبة السودانية!.
    الدكتور منصور أجابني: (أنا أقرأ وأكتب كيفما اتفق في حلي والتسفار.. أقرأ طول اليوم.. كان ذلك في الماضي. أما الآن وقد تقدم بي العمر فإني أقرأ وأكتب من التاسعة صباحاً وحتى الحادية عشرة ليلاً، إلا أن ما يقطع خلوتي حديثي إليك هذا، أو لتناول وجبة أو للرد على اتصال)..
    إذاً.. وثم.. وبعد، فإن الدكتور منصور يقرأ أكثر من ثلثي يومنا الممحوق هذا... طاقة مذهلة وذاكرة مهيبة والحمد لله، بيد أني أقرأ بشق الأنفس ساعتين في اليوم وأقرأ مسروراً حوار الدكتور عبدالله علي إبراهيم في حديثه إليه في (أوراق) وذاك حوار ذو شجون لا تثريب علينا أن ننظر ما وراءه من كدح في مسالك العلوم والصبر على المعرفة.
    أقرأ هنا وهناك.. كتابات عديدة في صحافتنا وأخبار ومطابع تستنسخ عدداً من الإصدارات وفي بعضها أذى، هنا في الخرطوم والنفري وصاحب الحكم العطائية يحصنانني كل صباح على أن (أدفن ذكري في باطن الخمول)، لأن المعرفة معراج يتطلب قريباً من جهد العارفين وصبرهم وعطاياهم، وللوصل لذات ولذات.. أفكر ملياً.. بيد أن حظ النفس الكذوب للذكر وحسن الأحدوثة يجرجرني جرجرة إلى معاودة الكتابة مرة أخرى، و(أوراق) تغريني إغراء بجذوة متقدة يذكي أوارها سادة أماجد أمثال الدكتور عبد الله وآخرين وتحقيقات هادفة.
    ثم..
    اجترار الذكرى وبعض الأسى والذكرى الأليمة لفقدي صديقي الجميل عبد المنعم قطبي واستثارة أحزان شاعرنا العظيم الأستاذ هاشم صديق في (ألو منعم) الشهيرة وهي بين يدي أقرؤها هذه الأيام.. المرحوم قطبي لطالما أعانني على القراءة والكتاب وأنا أجلس إليه نتجاذب حواراً عبقرياً في الأدب والسياسة وتاريخنا الدائري.. قطبي حاورته لخالدة الذكر صحيفة (ظلال)، وفي إجابته عن سؤال القراءة والكتابة قال: (أبدأ يومي بها وأختمه.. أبدأ بقراءة الصحف والمجلات الصادرة هذا الصباح... أقرؤها جميعاً بلا استثناء؛ الأخبار والاقتصاد والمنوعات والرياضة والأعمدة والمقالات... النقد بشقيه الرياضي والفني -يضحك - وأقرأ حتى الوفيات والمحاكم والإعلانات جميعاً.. أقرأ نحواً من خمس عشرة صحيفة سودانية... أفعل ذلك كل صباح لأن في قراءتها مراناً على الصبر الجميل).
    وبعدئذ...
    فقد مات قطبي الكاتب العظيم والقارئ النهم.. مات ومكتبة أم درمان المركزية في ذمة التاريخ...والصحف تصدر كل يوم، ومجلس الصحافة ماكث في مقامه والمعرفة مقام.. والكتابة!!.
    ________________________________
    **مجلة(اوراق)ابريل2007
                  

05-25-2007, 11:57 PM

abdualkader mekal
<aabdualkader mekal
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 62

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    الى منصور المفتاح وشيعته...مِران على الصبر الجميل !!!
    المعرفة شاقة ووعرة الدروب... والمرء كلما ازداد معرفة ازداد جهداً.. إذ كلما تكشفت له أبوابها استبان أن ثمة معارف أخرى تغيب عنه.

    صديقى المبدع الشفيف محمد عكاشة ، توثيق رائع ومجهود جبار ، فبالفعل نحن’ يا أخى فى أشد الحاجة للرجوع إلى ذلك الزمن الجميل وأؤلائك النفر من المبدعين ، لأنه بالفعل كلما تكشفت لنا المعرفة إستبنا إن ثمة معارف تغيب’ عنا ، فشكراً ندياً على منحنا هذا المتكأ البديع ، لك الود وعبرك إلى كل المتداخلين .
    تخريمة:
    أشتاقك دوماً كما تشتاقك قاهرة المعز مع تحياتى لحمودى والأسرة ، فأبقى واصل مع كل الحب .
                  

05-26-2007, 12:52 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: abdualkader mekal)

    الاخ
    عبدالقادر ميكال
    صديقى ..كيفك والقاهرة
    ارجو ان تستمر فى الكتابة والتوثيق
    مودتى وتقديرى
                  

05-30-2007, 07:26 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    نواصل
    مودتى وتقديرى
                  

06-02-2007, 12:15 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: مطر قادم)

    Quote: هناك الكثير مما يستوجب القول عن حفظ ذكر الرجل ومأثرته. ووددت لو أنه مات في غير موسم فول أم غدي ليكون حديثنا عن الولاء لذكراه قولاً لا يطير شعاعاً بعد رفع الفراش السياسي عليه. ولكن مما يلطف فقد الطيب أنه حين مات كان شرفه كمثقف فوق الشبهات وعلمه مما يمكث في الأرض ورفقته غزيرة لأنه لم يشترط لتعاطي الثقافة شهادة موثقة أو لساناً متحذلقاً. لقد جعل الأميين صناع ثقافة وسألهم بتواضع جم أن يملوها عليه. وفعلوا وفعل. وزدنا بذلك إنسانية هي ما يبقي على هذا البلد الطيب برغم الشرور التي أحدقت به طويلا.
                  

06-03-2007, 12:26 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: مطر قادم)

    ولقد حوى المعرض المصاحب لحفل تابين الراحل مقتنيات نادرة ومخطوطات قديمة وازياء واكسسوارات لعدد من القبائل فى السودان كان يحتفظ بهااضافة لعرض فيديو من (صور شعبية) البرنامج التلفزيونى الذى كان يقدمه..
                  

07-16-2007, 01:26 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: مطر قادم)

    .............................................
                  

07-29-2007, 10:23 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    شكراجمعية الفلكلور
    شكراجزيلا
                  

05-30-2007, 10:31 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    البروفسور يوسف فضل حسن فى كلمته قال ..
    (ان الراحل الطيب محمد الطيب اضافة لشعبة ابحاث السودان وهو فوق ذاكرته النضرة فى الحفظ والاسترجاع وسرعة البديهة فهو صاحب مقدرات عبقرية فى الاستماع لمجالسيه وجمع خبراتهم الشعبية..ولقد التحق الطيب بالشعبة وزامله وقتها حريز واحمد عبدالرحيم نصر وعبدالله على ابراهيم(جميعا حصلوا على الاستاذية)ولعله من الموضوعية ان نذكر هنا ان علم الفلكلور تلك الفترة لم يكن قد تأسس على ماهوعليه اليوم..لم يكن هناك متخصصون فى هذا الضرب وكان الفلكلور يمر بمرحلة التجريب والخطأ والتصحيح وقد ساعد الطيب هذا الظرف التاريخى فاندمج هولاء الاكاديميين الذين وان تفوقوا عليه فى الحرفية الاكاديمية فربما بذهم بمعرفته الواسعة باصول وضروب التراث السودانى وكنا نتساوى جميعا فى قلة معرفتنا بالفلكلور كعلم حينذاك..
    ولقد اسهمت الوحدة فى تعزيز موهبته واكسبته المهارات اللازمة لينطلق فى رحلة جمعه وبالمقابل اسهم الطيب فى اعطاء السند الشعبى والرواج الاعلامى للدراسات الفلكلورية التى كانت تقوم بها شعبة ابحاث السودان..وقد انتبه الطيب منذ وقت مبكر للفلكلور السودانى بشقيه الشفوى والمادى..فكتب عن صناعة الفخار وصيد السمك والجبنة كما كتب عن المسيد والاندايةوالامثال الشعبية وشعر المديح ونثر درره فى كتبه وفى المجلات الدورية والصحف وفى الاذاعة والتلفاز..)
                  

05-31-2007, 11:09 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    قريبا منه..
    مـحجــوب شـــريف...إشـــعاع ذاتي !!!
    البشر مجبولون على حب الذات وعلى الأثرة وشح النفس .... مارك توين في مبحثه عن ماهية الإنسان يخلص الى أن أفعاله مهما تسامت مقاصدها رغبة في استدامة الحب ومحض الخيرات فهي لا تعدو أن تكون جلبا للمصالح بوجه من الوجوه ... المرء يجتهد في تشذيب نفسه وترقية أفعاله سوى انه بلا ريب يرجو معه الذكر الحسن وردة فعل الناس عنه ..
    مارك توين لم ينهض وفقا لمناهج الكنيسة في السلوك ولم يك سالكا طرائق الأديان بأية حال غير أن بالحياة طريقان يشقان على كثير من الناس ويشقون بهما إلا ذوي الاختصاص .. طريق العارفين طريق ...والفن مثله .. والصوفي يتعذب وهو يتلذذ برضا المحبوب وبسخطه سواء والأمل باب والعرفان ... يرجو في تجلياته وجه الذات العلية... والعطايا النورانية غايته ومقصوده.. ويذهل في ذا السبيل عن كل شئ ... كل شئ ...سوى انه في إكثاره من التأملات واستغاثاته وانشغاله عن الأغيار تتفتح له الأبواب الموصدة ويبلغ عنان السماء جذلان مسرورا ....
    وفى الفن كلما أوغل المرء برفق وأخلص نياته تسعفه بعضا من موهبة ورغبة في التمهر الإضافي يجد المرء ما يطلب ... هو حال لايقبل أنصاف الحلول إما أن تكون فنانا أو تضرب عنه صفحا وفى الحياة متسع ...
    الفنانون والمدعون في السودان حالة استثناء ....الدكتور احمد عبد العال يثقب نجومية المبدعين في بلدي بخرا ئد بديعة من الآراء .. ليس ثمة نجوم في السودان.. لان النجومية حالة إشعاع ذاتي تضئ ولا تخبو .. كل الذي يضج في الساحة ماهم ألا رتائن وفوانيس منطفئة على ذاتها .. هكذا يتحدث د. عبد العال ولمثل هذه الآراء الصريحة يتصدى أمثاله ...
    حمزة عوض الله صديقنا اللدود وهو يملا الصفحات بحديث حول إمكاناته وقدراته من بين مذيعي ومذيعات السودان قاطبة .. يقول وجهة نظره بلا مواربة من اتهامات الناس له بالنرجسية التي تتلبس المبدعين .. والنرجسي هو الذي لا ينفك يتملى في صورته على سطح الماء .. حمزة عوض الله يتقبله الناس أو يرفضونه هو ذا قدرات وحضور وتطلع مستمر الى البذل والتجويد في العطاء ...
    ثم يمضى الزمان ...
    وفى مصر القريبة إلينا تقوم لصناعة النجوم مؤسسات ودولة ونفوذ .. هو عمل يستثمر في ثقافة البلاد وحضارتها والتسويق.. وكذا في دول العالم المتحضر,,, والنجم ولو كان شعبولا يسبق اسمه لقب " الأستاذ " وتُناط به مهام وادوار ويحتفي به الناس ... سوى أننا في بلد المصيبات العجيبة,,, إذ يفد الساسة وأمراء الحركات الى دوحة ظليلة غير عابئين بشئ ...
    الفنون .. سادتي .. هي وسيلتنا نحو البناء والتنمية وصوتنا النافذ في الآفاق .
    صديقي الشاعر العظيم محجوب شريف.. متعك الله بالصحة والعافية ... والنجم بمقاييس الدكتور احمد عبد العال !!!!
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    مجلة(اوراق) عدد مايو2007
                  

06-27-2007, 07:50 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    كان احتفاء مهيبا بذكرى الرجل ذاك النهار..
    قاعة الشارقة لبست حلة زاهية وأخذت زينتها وهى تزدهى فى حبور مع ثلة من اساطين
    الادب والفكر والحجا يتلون شيئا من سيرته ويقدمون كشفا بمساهماته الثرة
    والنوعية التى رفد بها صحائف البحث فى السودان وخرائد التوثيق للتراث والفنون
    الشعبية فى رحلته المضنية التى توفر لها حياته فى زمان باكر..
    من آلاء ربنا وعطاياه انى نعمت بصحبته زمانا طويلا منذ الصبا وانا التفت اليه
    وحضوره المتوثب فى ديوان جدى الشيخ الزين بحى العباسية بام درمان العامر بالذين
    هم امثاله وقت الضحى وعند الاصيل اذ كان يسكن الى جوارنا...
    التقيه والناس كأن على رؤؤسهم الطير يصيخون السمع الى حكاياته ورواياته ينثر
    دررا ويصل حاضر هم بالماضى ويبحث لنا عن موطء قدم فى المستقبل..
    ثم ..هو فى المساء يطلع علينا يقدم (صورا) بديعة من الفنون(الشعبية) عبر
    تطوافه فى ربوع السودان مما هو اغناء لوحدتنا ولمعنى تنوعنا الثقافى دون تزيد
    منه او ادعاء ان قد جاء بشىء مما لاتستطعه الاوائل..
    وبعدها..
    ظللت لعقدين من الزمان فى صحبته يختصنى واخرين من جيلى بشذرات من المعرفة
    والاداب وتاريخ الفنون واثر بالغ يهدى سبيل البحث والاستقصاء دون ان يمن او
    يستكثر...امضى معه حذو القذة بالقذة الى محاضراته ومحاريبه ومعارفه الموثقة
    ...ثم هو يقدم ماعنده فى طريقة عرض جاذبة..
    ذات يوم..وفى مسرح كلية الموسيقا والدراما قدم لنا محاضرة عملية عن (الطار ) فى
    سرد ممتع ومقاربات عميقة وربط ذلك بعلم الموسيقى واساتذة الموسيقى يذهلون
    ويبدون اعجابا شديدا بالرجل وماقدم من عرض ومعرفة...
    رحل الرجل وفى النفس حسرة..
    الاستاذ الطيب محمد الطيب
    فى السادس عشر من مايو2007 بعد الميلاد اقامت جمعية الفلكلور يوما مفتوحا
    لاحياء ذكراه...تخذته الجمعية واعضئه والعضوات سانحة لاعلان انشطتها فى اشارة
    ذات اهمية تقصدتها وليت شعرى تفعل للانتقال بالباحثين السودانيين فى هكذا مجال
    الى مرحلة التوثيق فى عصر(السليكونيات) بدلا عن المشافهة المجانية واتصال
    السند المتواتر الكسول..
    المحتفى بذكراه ومكانته تفطن منذ زمان بعيد الى اهمية التوثيق فى بحثه المقدس
    عن الانسان السودانى يكشف عن خصائصه وسماته وملامح تحضره...يفعل ذلك بالتطواف
    فى اصقاع نائية ..بعيدة وفى ظل ظروف بالغة التعقيد لا يمل ولا تهن عزيمته
    ولايبالى بوعورة الطريق وخطر المهمة وندرة المصادر ..كان الطيب..عمدة البحث
    الميدانى وركيزته..عمل قدر امكاناته لتوثيق التراث عبر الكتب التى اصدرها وعبر
    الصورة والصوت مما تحفل به مكتبة التلفزيون السودانى فى (صوره الشعبية)
    ومشاركاته فى برامج عديدة..
    جمعية الفلكلور والدكتور سيدحامدحريز بمايبذلونه من جهد مقدر يترجاهم الناس
    لاكثر من هذا وفى سيرة الرجل واسهاماته عزاء وحافز..مطلوب منهم اكثر من ذلك
    للتوثيق لتراثنا والتعريف به على الرغم من ان جهد الرجل يدل على صعاب بالغة سوى
    ان ارادة العمل والعزيمة تحفز على تجاوز الصعاب ومانيل المطالب بالتمنى مثلما
    كان يستدل الراحل الكبير وهو يحضنى على اشياء كثيرة....
    رحم الله الاستاذ الطيب...رحمة واسعة..
    [email protected]


    ــــــــــــــــــــــ
    مجلة (اوراق)مايو2007
                  

07-21-2007, 03:42 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    ...........................................
                  

05-19-2007, 06:20 PM

عبدالله داش

تاريخ التسجيل: 02-17-2007
مجموع المشاركات: 1454

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)


    عكاشه

    فى أقرب أبعاد النظر راجيك

    تحياتى
    مع الأشواق

    (عدل بواسطة عبدالله داش on 05-19-2007, 06:33 PM)

                  

05-20-2007, 08:18 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: عبدالله داش)

    هاك دى كمان وحا نشيل منك مقدمتك لبوست عبدالله صنع فى أمدرمان بقلم دكتور عبدالله على إبراهيم


    رحم الله ذلك الباحثه طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب


    مواصلة لما بدأه دكتور عبدالله على إبراهيم بالراى العام تحت عنوان الطيب محمد الطيب: عبادة في الهرج...
    وردا لبعض الإخوه

    أستاذى السنى تلك الكتابه الآسره والمؤثره بأسيل خدها وفارع عودها الخيروزى وفاخر وفاره إهابها وبهى أبهة طلعتها ليست بيدى ولكن بيد ساحر الكلم ولاجم جنها الدكتور عبدالله على إبراهيم الذى كرب كرابته وبكاه ذلك الذى فجعنا فيه الطيب محمد الطيب بحرقة المكلوم والمفجوع والمخلوع من خطف المنايا لعزيز لذيذ لهجه وسديد وقويم نهجه ومبهج وهاج راقى حرفه الذى حفر به بحرفة أهل الفن مخزون التراث المختبئ كمجهول تاريخنا القديم والحديث وأخرجه دررا نوادرا من الأحاجى والأقاصيص ودون سائر الفنون والنغم والرقص ودون لباذليها فعرض أدفرينى برزم دلوكته وحكامات الجعليين وطنابرة الشايقيه والبديريه وجرارى دار ريح ونحسات الجموعيه ونوبات الصوفيه ونقارات المسيريه وآل دارفور فصل الأحساب والأنساب وغاص فى أدب الإندايه أرخ لعلم الأنثربولجى بعفويه وتقنيه عاليه فجالس سلاطين النيليين ومكوك بنى شنقول وشيوخ الهمج
    جالس البازا والوطاويط والقمز سجل فكاهة الرباطاب ودقق المناصير وخصال البجا أرخ للداجو وللتنجر ولتاما والفور والقمر والميدوب طاف ديار حامد والجوامعه والكواهله والهواوير والمسبعات والكبابيش وقف على البنايات والضرائح والقباب إستنطق أولاد الماحى وأولاد البرعى وكل مداديح أومداح السودان قدم وصفا تصويريا للنفير والفزعه كتب وصور عادات الزواج والطهور والبكاء تحدث عن القرع والرقص بالسيف عند فقد الخواص لم يترك كبيرة ولا صغيرة فى تراثنا إلا وقرع بابها بلهف وشغف الإنسان الباحث ولم يترك للفرنجة نقطة ليأتون بها ثم رحل كما قال باكيه فى زمن صار السيف لغير ماكان له والوصل غير الذى كان رحم الله ذلك الرجل بما أبقى من علم وما خلف من معارف وما صافح من أياد وما أضحك من أنفس وما أشجى من قلوب ذلك الرجل الوطن الذى صنت لرطانات والسن ولهجات ووقف على تفاصيل العادات والموروثات وعرضها لمشاهديه وقرائه وكانت هيبة التجويد ورهبة الإستجابه لذلك البسيط العميق
    والواضح الظاهر الخفى والمعسول بحنكة غنته وإيحاءات جسده وبصره ونفوذ بصيرته الحاضره والمحضره لموضوعها بزهنيه فراسيه تصويريه تحليليه وقاده
    تتداعى المعلومات منه كتداعى صور المايكروفيش وكتداعى أفلام كاميرات التصوير تعكس بحذافيرية وحرفيه كل ما زودت به
    ويا وجعنا وذياك الشنفرى يتفلت منا كحلم الضحى يسرقه ضؤ السهراجه الذى ينفذ عبر رقراق الشباك أوالراكوبه وتصحى والرقبه معسمه والعرق ألجم الروح وأزعجها ذهب الطيب إلى عالم مثله وترك لنا تركة لا ندرى كيف نضاريها ونبقى عليها ونستثمرها ترك الطيب ما يوحد قلوب هذه الأمه ذلك المدرس الفرد والمدرسة الفريده والتى سنظل ننهل من معينها إلى ما شاء الله وليت وزير الثقافة أن يؤسس جناحا خاصا به وبما خلفه بمتحف التراث بأحدث وسائل الحفظ والعرض وأحدث تقنيات التكنلوجى وأن يحمل إسمه وذلك أيضا إشارة يا أيها الأمير ويا على عثمان محمد صالح وإنتصار صغيرون وفدوى عبدالرحمن على طه وأمين مصلحة الثقافه وأمين الوثائق وكل ذوى الإهتمام والحرص بتلك الثروه التى سيكون مصيرها الهلاك إن لم نوليهاإهتمامنا ورعايتنا فمن ذلك الرجل عرفنا السويبه وعرفنا فوائدها عرفنا القسيبه والمطموره وعرفنا الساقيه والسلباق والدونكه والقواديس عرفنا الطباقه والبروش وأنواعها وكل فنون الزعف ألا رحم الله ذلك الرجل رحمة واسعه وأسكنه الفردوس
    إضافة لبذل الرجل رفضه لوظيفة يرى أنه ليس أهل لهاوإنما هو لما سخر له ونذر حياته من أجله البحث والتدوين والتقصى والتدقيق فى كل شوارد التراث ووارد الثقافات المتباينه فى مجتمعنا القوس قزحى بخيره الذى لا يراه جلنا ولكن خبر حقيقته ذلك الحصيف وحقنه فى حق تدوينه ووضعه فى سحارات حفظه ووكرها فى قطيع دانوب جالوصه من ضرب لازب العنج وقال لأهل البحوث فينا بعد أن تاكى باب ذلك القطيع هيت لكم والويل لمن يقطع
    قميصه من دبر تاركا ذلك المخزون تأففا وجهلا
    إن ذلك الرجل أمة فى ما كان فيه عصامى حادب ومثابر فاق النمل فى حرفته
    بنفس طويل صبر به لتتبع من يحملون الجوز ومن ينشلون من العد ومن يساهرون على الدونكه ليسقون النعناع والكسبره والشمار وصبر كصبر الدواب التى إمتطاها وبلغ بها ما يبلغ بشق الأنفس لكى يخلف لنا ذلك المخزون الثمين المفيد العاكس لحقب وعادات وتقاليد علنا نصونها ونرعاها لأنها تعنى الوطن ومكانها الفؤاد نعم أخى قد أرخ ذلك العملاق للإندايه وصور أجوائها وصف دلقها ووصف قرعته ترعى ووصف صرر الدقه والملح وفلخ البصل وطرق الشواء وصف كرم الكرماء فيها وخبر بخل البخلاء عرف راياتها ودواخل مجتمعها ونوع سعيتها آكلة المسكاب والحصى ووصف بنابر جلستها وليالى طربها ومآسى غدرها حتى نكون على بينة من حقيقتها
    ألا رحم الله ذلك الباحثه طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب وأسكنه فسيح جناته

    منصور عبدالله المفتاح

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 05-20-2007, 08:32 AM)

                  

05-21-2007, 08:07 AM

جعفر عبد المطلب
<aجعفر عبد المطلب
تاريخ التسجيل: 10-01-2005
مجموع المشاركات: 285

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: munswor almophtah)

    الأستاذ محمد عكاشة لك المودة : ليتني استطيع ان اذودك بما قيل عن صديقي الراحل الطيب محمد الطيب فى تابيننا له بالنادي السوداني فى ابو ظبي . كتاباتك تعجبني ويحتاجها قراء هذا المنبر من ابناء هذا الجيل ليتعرفوا على ملامح السودان في زمانه الباهي . قال لي صديق ان اذاعة امدرمان قد اعادت حلقة مدينةالدامر عندما كان الراحل الطيب ضيفي في برنامج ( ايقاعات المدائن ) ومثله الراحل العطبراوي ايضا كان ضيفا في مدينة عطبرة . اكثر مايحززني انني لم احتفظ بتسجيلات لا( لمرافيء الغربة) ولا (ايقاعات المدائن )! ربما يحول هذا الحزن الي فرح صديقي معتصم فضل الذي يجلس على قمة هذا الجهاز حاليا.

    (عدل بواسطة جعفر عبد المطلب on 05-21-2007, 10:03 AM)

                  

05-27-2007, 08:57 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: جعفر عبد المطلب)

    الاستاذ جعفر
    تحياتى..
    اسهاماتك مقدرة ومحفوظة لتوثيق التراث..
    وحلقتك مع الراحل اعيدبثها ولو اسعفتنى مكتبة الاذاعة بالحلقة فساقوم بتلخيصهاهنا
    مودتى وتقديرى
                  

05-23-2007, 12:24 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: عبدالله داش)

    Quote: فى أقرب أبعاد النظر راجيك

    عبدالله داش
    تحياتى ياصديق..
    وارجو ان تكون بخير
    مودتى وتقديرى
                  

05-26-2007, 03:41 AM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    الاستاذ محمد عكاشة

    شكرا لهذه الكتابة والتي هي بعض من شؤون حتي..
    قلمك يعيدني لالق الادب والقدرة علي فذلكة الحرف وهذا
    من جمائل الذهن، وقديما قيل الدهن في العتاقي..
    نشترك في حبنا لحروف منصور خالد وهي من القضيد الذي يهم..
    اشتاق لتلك الايام، حيث جلسات النجيب
    وتخريجات احمد عبدالوهاب والسيدح وحسن البطري، وترتيبات الهندي..والحواجز المحيطية بينا وبينكم
    تجمعن منع الوصال..إذا الشوق بحر
    ودام ابداعاكم للتلفزيون ولا تنسي الصحافة وأنت "ودها" والزبير حدثني بالامس إنك غرقت في التلفزيون..ولم تنتبه ل "زول"..يا راجل ارفف بنفسك من هجر الصحافة..وأنت لها بالاوبة يوما..ويا جمال صلاح احمد ابراهيم"بسام العشيات الوفي"
    مع ودي
                  

05-26-2007, 11:10 AM

عاصم الطيب قرشى

تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: صلاح شعيب)


    محمد عكاشة ورفاق السير العطرة

    مرور لتأكيد المحبة والسلام

    ودعما لخيط يغزل من وفاء أوفياء لاوفياء.

    التحية لكم ولمن تجالسون روحه .


    _______________________________________

    الاخ محمد عكاشة أرجوك بلغ عنى التحايا

    للاخ السر السيد وشوق شديد لا أعلم له سببا.
                  

05-28-2007, 08:29 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: صلاح شعيب)

    [QUOTE]اشتاق لتلك الايام، حيث جلسات النجيب
    وتخريجات احمد عبدالوهاب والسيدح وحسن البطري، وترتيبات الهندي..والحواجز المحيطية بينا وبينكم
    تجمعن منع الوصال..إذا الشوق بحر

الحبيب صلاح
كنت مع النجيب قبل اسبوع
والحديث عن تلك الايام..وفيصل الباقر ومحجوب شريف
مودتى وتقديرى

(عدل بواسطة محمد عكاشة on 05-28-2007, 12:46 PM)

                  

05-28-2007, 12:48 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    عاااااااااصم الطيب
    وينك ياشاب
    كيفك..
    مودتى وتقديرى
                  

05-29-2007, 08:56 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    حول سيرة الطيب ..
    نحكى
    مودتى وتقديرى
                  

06-02-2007, 08:41 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    نواصل..
    فى سيرة الطيب محمد الطيب
    مودتى وتقديرى
                  

06-05-2007, 10:01 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    مزيد من الحوار لالقاء الضوء فى سيرة الرجل
    مودتى وتقديرى
                  

06-13-2007, 08:12 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    فى رحاب الاستاذ الطيب محمد الطيب
    مودتى وتقديرى
                  

06-17-2007, 08:54 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    الى الارشيف
    مودتى وتقديرى
                  

06-21-2007, 08:11 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    فى سيرة الطيب..حتى المنبر القادم
    ثمت مايمكن ان يقال بشانه..كثيراجدا..
    مودتى وتقديرى
                  

06-25-2007, 10:41 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    عام جديد
    عدنا
    مودتى وتقديرى
                  

07-12-2007, 12:53 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    مودتى وتقديرى
                  

07-16-2007, 01:56 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    الأستاذ الطيب محمد الطيب
    يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٍ في الأرضِ بما ينفعُ الناسَ

    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    مضت سبع سنوات عجاف من عمر الألفية الثالثة، وكان حصادها خصماً على قائمة الأدباء والمبدعين في بلادي، إذ فقدَ السودان خلالها ثلة خيِّرة من سدنة تراثه الشعبي، أسهمت في جمع مفرداته، وتوثيقها، وعرضها على الأهلين مقروءةً ومسموعةً ومرئيةً. من أولئك النفر الخيِّر البروفسير عبد الله الطيب المجذوب الذي رحل عنا في التاسع عشر من يونيو 2003م، والبروفسير محمد إبراهيم أبوسليم الذي غيبه الردى في السابع من فبراير 2004م، والشاعر عمر الحسين محمد خير الذي مات كما مات الجاحظ وسط كتبه وأوراقه ومراجعه في الفاتح من يونيو 2005م، والعلامة البروفسير عون الشريف قاسم الذي شد عصا الترحال إلى دار الخلود في العشرين من يناير 2006م.
    وقبل أن تندمل جراحات الأدب الشعبي المكلوم وتكفكف دموع صوره الشعبية، ها نحن نودع الأستاذ الطيب محمد الطيب الذي كان هودجاً جامعاً لتراث الحضر والريف، وواسطة عقد بين الذين احترفوا دراسة التراث الشعبي صنعةً وبين أولئك الذين كانوا يروونه سليقة. لقد حدثت وفاته في السادس من فبراير 2007م، أي في موسم "أم غدي وزمان الهرج" كما يرى صديقه الدكتور عبد الله علي إبراهيم، حيث "أن العُصب المسلحة ظلت تأخذ بخناق الوطن، وأن الشركاء متماسكون الحِززّ في جوبا، أو مدلون بدلوهم بزخات الرصاص في أركان النقاش الجامعية، ورائحة السحت تزكم الأنوف وتكسر خاطر الناس. "وفي هذا الزمن البخس توفي الأستاذ الطيب محمد الطيب، وكان الدكتور عبد الله علي إبراهيم يخشى أن يتحول رثاؤه إلى هامش في صراع السلطة بين الإنقاذ وخصومها، لكن بفضل تقريضه وتقريض الأوفياء من أمثاله - وأذكر منهم مرتضى الغالي، ومنصور عبد الله المفتاح، وبكري الصائغ، والكيِّك، ورباح الصادق المهدي، وكمال الجزولي، وعصمت العالم، وحيدر المكاشفي، ومحمد محمد خير، ومحمد سعيد محمد الحسن، والقائمة تطول- تحول مأتم الأستاذ الطيب محمد الطيب وليالي عزائه في السودان وعبر الأثير إلى ساحة إطراء أدبي يتبارى فيها الذين عرفوه عن كثب، وأوفوا الكيل والميزان في سرد محاسنه، وأولئك الذين أعجبوا بأسهامه التراثي السابل، وأرادوا أن يسجلوا له كلمة عرفان تثمِّن عطاءه الماكث في الإرض بما ينفع الناس.

    الطيب ورحلة الكسب والعطاء:
    وُلِدَ الطيب في أسرة كان ديدنها الترحال في طلب العلم، حيث هاجر أصولها قديماً إلى قرية نوري بريفي مروي، تلك القرية التي كانت تعج بخلاوى القرآن وارتال طلاب العلم، واستقروا بها فترةً من الزمن، امتدت إلى ميلاد الجد الثاني للطيب، الفكي أحمد أبو القاسم من أم شايقية، وبعدها عادت الأسرة إلى وطنها الأم بالمقرن ريفي الدامر، حيث تزوج محمد الطيب حفيد الفكي أحمد أبو القاسم من حبوبة بنت علي محمد شبر من العكد الكبوشاب، وأنجب منها الطيب عام 1934م، وبعد ميلاد الطيب تواتر عقائق أخوته الصغار ذكوراً وإناثاً إلى أن بلغت ثلاث عشرة عقيقةً.
    بدأ الصبي الطيب حياته العلمية بخلوة المقرن حيث حَفِظ القرآن، وبعدها درس الكُتَّاب والوسطى في مدينة أتبرا (عطبرة)، إلا أن هذا القسط المتواضع من التعليم المدني لم يشجعه على ولوج حياة الأفندية في كنف الدولة وراتبها المحدود، بل جعله يؤثر العمل الحر تشاشاً (تاجراً) في سوق الدامر، وأحياناً مندوباً لأهل المقرن في مجلس ريفي شندي. وفي بيئة الدامر التي كانت حافلةً بتراث أهل السودان وتواصل البدو والحضر تفتقت قريحته على سماع المأثورات التراثية التي كانت تُروى سليقةً، ويتفنن الرواة في رسم صورها الجمالية حول نفرٍ من أعلام الفروسية أمثال عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، وطه الضرير، والطيب ود ضحوية، ويبالغون في سرد كرامات مشايخ الصوفية والأولياء الصالحين مدحاً وإنشاداً في حولية الشيخ المجذوب والمحافل المماثلة لها. في وسط هذا الزخم التراثي الزاخر بمآثر أهل السودان كان يتوهج نجم السيّدة فاطمة بنت فاطمة جدة الطيب من جهة أبيه، ويقول الطيب عنها: إنها كانت امرأة لها شخصيتها المميزة بين نساء قريتها، لأنه يُقال إن أهل أمها فقراء "يروبون الماء"، ومن ثم أضحت لها مكانةً اجتماعيةً كبيرةً وسط أهل المقرن وزوارهم، وكانت مسموعة الكلمة، نافذة الإشارة على الكبار والصغار. كان الناس يتحلَّقون حولها كل أمسية لسماع الأحاجي والقصص والحكايات المشوقة التي كانت ترويها بأسلوب درامي جذَّاب.
    في ذات النسق يوثق الطيب لمشاهد خاصة كان لها وقعها في نفسه وهو حاضر حضوراً مادياً ومعنوياً في حلقة جدته فاطمة بنت فاطمة، إذ يقول: "لا أنسى المواقف التي كانت تتطلب أن يؤدي البطل فيها مقطعاً غنائياً، كانت تتمهل وتتهدج في ترديد وترجيع الأغنية بصوتها الرنان، ومن ضمن حكايتها لنا قصة الشيخ فرح، وود أب زهانة، وكنا نحسب أن الشيخ مثل الغول، والسعلوة، والدكع، وفاطمة، والقصب الأحمر." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 19). وجميع هذه المصطلحات تصب في معين القصص الشعبية المعروفة في وسط السودان، والتي تُصنَّف ضمن قائمة الأحاجي السودانية التي وثق لها البروفسير عبد الله الطيب طيَّب الله ثراه.
    بفضل هذا الحضور التراثي في دامر المجذوب توطَّنت نفس الطيب محمد الطيب على حب الفلكلور، الذي دفعه إلى تطليق أشغاله الحرة ونذر نفسه وجهده وماله لجمع الأدب الشعبي. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "وفجأة ظهر بيننا الطيب قاطع حبلو من الدامر ... لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمية، ولست متأكداً إلى يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس، وكان واضحاً أنه رجل نير ولكنه صفر اليدين من الشهادات... ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا مناً بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له، وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفةً لم تخطر على بال بيروقراطي، وهي وظيفة جامع فلكلور بأجر مُجمّد قيمته خمسون جنيهاً، وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة، ووفرت له الشعبة عربة جيب 5خ 8731، ومسجلاً ألمانياً ماركة قرندوق، وسائقاً دنقلاوياً أنيساً هو السيّد حسن خير الله، ودفتر بنـزين صالح لملىء تنك العربة [أي خزان الوقود] أو شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان."
    هنا حزمةٌ من الأسئلة تطرح نفسها: مَنْ هم أولئك النفر الكريم الذين تحدث الأخ عبد الله علي إبراهيم عنهم بأريحية وتواضع جم؟ وما هي الشعبة التي جمعتهم بين ظهرانيها، وأهلَّتهم ليحترفوا صنعة التراث الشعبي وينعموا بصحبة الطيب محمد الطيب؟ الشعبة التي رمز الدكتور عبدالله إليها هي شعبة أبحاث السودان التي كانت قلباً نابضاً في كلية الآداب جامعة الخرطوم آنذاك. لقد أُسست شعبة أبحاث السودان عام 1964م، وكان هدفها الأساس جمع التراث السوداني وتوثيقه، وظل البروفسير يوسف فضل حسن يقف على رأس هذه الشعبة الناشئة حقبةً من الزمن، حيث جلب إليها نفراً من طلاب التراث السوداني، بعد أن طوَّع لهم شروط التعيين الوظيفي بجامعة الخرطوم، معطياً الأولية للكفاءة المهنية والاستعداد الفلكلوري. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "لم أكن أنا مثلاً ممن تنطبق عليهم شروط التعيين أكاديمياً بالجامعة. ولم يخطر ليوسف فضل تعييني خلال تلقي العلم على يديه في معادل درجة الشرف في التاريخ، ولكنه سمعني يوماً أتحدث عن الفلكلور بإذاعة أم درمان وسرعان ما عرض عليَّ أن انضم لشعبة أبحاث السودان... ومن جهة أخرى كان سيد حُريز في طريقه ليصبح محاضراً بشعبة الإنجليزي بالجامعة حتى قرأ يوسف رسالته عن طقوس الحياة والموت في السودان فالتمس من الجامعة تحويله إلى شعبة أبحاث السودان. وكذلك الحال مع أحمد عبد الرحيم الذي بدأ بالفلسفة، ثم كتب عن فلسفة الأخلاق عند النوبة النيمانق بالدلنج، فلم تتأخر عنه حفاوة يوسف." فالبروفسير يوسف فضل حسن والبروفسير سيد حامد حُرير والبروفسير أحمد عبد الرحيم نصر هم أولئك النفر الذين تحدث الدكتور عبد الله عنهم بأريحية وتواضع جم، وهم الذين قامت على أكتافهم شعبة أبحاث السودان، وهم الذين انضم إليهم الأستاذ الطيب محمد الطيب عام 1965م، وبذلك استطاعت شعبة أبحاث السودان، التي رُفعت في عام 1972م إلى معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، أن تجمع بين جوانحها كفاءة التأهيل المهني المكتسب من مؤسسات التعليم المدني وكفاءة التأهيل المهني المُنساب من أفواه حدأة التراث الشعبي ورواته.
    لا جدال أن تعيين الأستاذ الطيب في وظيفة جامع فلكلور كان نقلةً نوعيةً أحدثها عرفاء الفلكلور في شعبة أبحاث السودان، ومنها انطلق الطيب يجوب البلاد طولاً وعرضاً في تحقيق هوايته المفضلة وفي جمع تراث أهل السودان من صدور الحُفَّاظ والوثائق التاريخية. وأبلغ شاهد رحلاته الماكوكية في جمع تراث البطاحين ونسج خيوط سيرة الشيخ فرح ود تكتوك، وفي هذا يقول الأستاذ الطيب:
    "كلفتني شعبة أبحاث السودان سنة 1970م أن أعد كتاباً عن حياة البطاحين، وشرعت في جمع المعلومات الأولية عنهم، وحسب خطة شعبة أبحاث السودان ينبغي علي أن أطوف عليهم في أماكنهم، وبدأت بعاصمتهم أبو دليق وما حولها، ثم أبرق، وأب زليق، والمايقوما، والحاج يوسف، ثم زرت قراهم الواقعة شرق النيل الأزرق مثل ود ساقرته والفعج. ثم ذهبت إلى سنار، وجبل موية، والمناقل، ثم أربجي، والسديرة، وبقية أطراف الجزيرة المروية، وتسنى لي خلال هذه الرحلات التي دامت حوالي عشرة شهور جمع معلومات عن البطاحين كمجموعة، وكان كل مرة أسأل فيها الرواة والمحدثين عن أخبار أسلافهم يرتفع اسم الشيخ ود تكتوك شامخاً قوياً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20). فلا غرو أن هذا النص يعكس قدرة الأستاذ الطيب الخلاقة في جمع المعلومات التراثية، واسترساله في ربط جزئياتها، والشاهد أن الجمع بين التراث الشعبي لقبيلة البطاحين وسيرة الشيخ فرح ود تكتوك البطحاني قد حفزه لمواصلة بحث آخر عن سيرة الشيخ فرح وآثاره، في هذا يقول الطيب: "وزرت بعدئذٍ سنار وما حولها ست مرات، وفي كل مرة كنت أجد بعض المعلومات الجديدة عنه. وبعد أن حصلت على تلك الروايات الشفهية رحت أسأل عن بعض آثاره المحفوظة ولم يخيب أهل الفضل ظني. فوجدت بضع مخطوطات تحدثت عن سيرته ودونت أقواله، وكان أهمها مخطوط الشريف الهندي المسمي (تاج الزمان في تاريخ السودان)، باب تراجم الأولياء، وكذلك مخطوط الشيخ الحسن محمد طلحة بود ساقرته ناحية رفاعة، وأوراق فرح القاسم، كساب الجعلين، والأخير من أحفاد الشيخ فرح وأكثرهم حفظاً لمأثورات الشيخ، وبحوزته وثائق مهمة جداً أطلعني عليها مشكوراً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20-21).
    هذا هو الطيب جامع الفلكلور، وصاحب المنهج الفريد الذي وصفته المهندسة رباح الصادق المهدي بأنه: "خلطة غريبة، فلو وصفته بأنه مؤرخ محلي كما تصف مضابط التاريخ ... كذَّبك حسه النقدي من حين لآخر... ولو قلت أنه عالم أكاديمي لرد عليك أنه لا يتبع في نهجه الوسائل الأكاديمية المعهود في التعامل مع المأثورات الشفهية مثلما فعل جان جاك فنسيان في نهج التعامل مع المأثورات كتاريخ." ويعضد هذه الفرضَّية أيضاً قول الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي صحب الطيب في بعض رحلاته الميدانية بقوله: "لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر، أو زيارة، على تعرف الناس عليه بالفطرة، وإقبالهم عليه كشركاء في مشروعه، يسألونه عن الأنساب، أو صحة نطق اسم مدينة، أو مزارات ولي. وكنت استمع حواراتهم معه يديرونها على قدم المساواة. وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له، بل ومناصرته له. لم يكن الطيب قادراً عن ينجز أكثر صور شعبية لولا سخاء مشايخ وتجار وأحباب مولوا زياراته الميدانية لبقاعهم واحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية، لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غني بهذه الصحبة عن تكفف الدولة العادلة أو الظالمة."
    في ضوء هذه التزكيات الحاذقة نخلص إلى أن الطيب كان جامع فلكلور مدرب، وله إلمام واسع بتاريخ السودان وجغرافيته، وعلى قدر كبير من تفكيك طلاسم العادات والتقاليد واللجهات العامية، وفوق هذا وذاك كان يتمتع بحيويةٍ خلاقة، وحدس فني ذواق لا يخذله البتة، ولباقة جعلت الناس يتجاوبون معه، ويشاركونه في مشروعه التراثي، ويطلعونه على مكتنـزات تراثهم الشعبي التي تكنَّها صدورهم، وتحفظها وثائقهم الخاصة التي يحيطونها بهالة من القدسية. وقد أهلَّ هذا الرصيد الفني والمعرفي الطيب ليكون نسيج وحده، لم يكن مقلداً مجتراً، بل كان أصيلاً مبدعاً، تجاوز قيود الموروث وتقنيات الحداثة في منهجه البحثي، وفي تعامله الراقي مع مأثورات التراث السوداني. وبفضل عطائه السابل وحضوره الكثيف في ساحات العمل الفلكوري لم تعد صورة الفلكلور بعده كما كانت قبله، لأنه، كما يرى محمد محمد خير، كان مشروعاً ثقافياً "يتسع لاحتواء مليون ميل مربع من الدويبت، والشاشاي، والتُم التُم، والكمبلا والجابودي، وتراث الشلك، والنقارة، وأهازيج الحكَّامات، وطارات المديح، وأمثال دارفور الشعبية."

    برنامج صور شعبية:
    توسط الطيب هذا الكم الهائل من التراث ومأثوراته، ونثر منه صوراً شعبيةً لـمَّاحةً عرضها منجمةً عبر شاشة تلفزيون السودان البلورية، وكسب بعرضه لهذه الأنساق والأنماط التراثية تقدير الناس له، لأنه فتح بصائرهم، كما يقول إبراهيم عبد القيوم، إلى وطن "مشحون برصيد تاريخي عزيز وغالٍ، وإن إنسانه عظيم ومتفرد، وإن تاريخ هذا الإنسان يفرض أن يبذل من أجله الكثير من الجهد والوقت." وحسب رواية الكيك فإن علاقة الطيب بالإذاعة والتلفزيون يرجع تاريخها إلى برنامج "التراث السوداني" الذي كان يقدمه الأستاذ محجوب كرار رحمه الله عبر إذاعة أمدرمان، وفي إحدى حلقات برنامجه الشعبي استضاف الأستاذ الطيب محمد الطيب وقدمه إلى جمهور المستمعين السودانيين باعتباره علماً من أعلام السودان المهمومين بالوطن وثقافته وتراثه، وبعد ذلك ظل الطيب زبوناً معتمداً عند محجوب كرار، تواصلت لقاءاته، وتجدد عطاؤه، وانداحت دائرة مستمعيه، وما فتيئ الطيب محفوفاً بحفاوة مستمعيه إلى أن أطل عليهم عبر شاشة برنامجه التلفزيوني الموسوم بـ: "صور شعبية". ومن خلال هذا البرامج استطاع الطيب أن يعرض صوراً شعبيةً حيةً، تعبر عن حياة الناس وأنساق تواصلهم الاجتماعي في كل بقاع السودان، بما في ذلك أفراحهم وأتراحهم دون كذب ولا رياء، وكانت هذه الصور تحمل قيماً روحيةً صادقةً، وفنوناً أدبيةً شعبيةً، وموسيقى ورقصاً، وطُرَفاً من أدبيات الحصاد وأهازيج الرعاة، ونماذجاً من أدوات الحكم والولاية، وفنيات الحِرَف التي يطلق المثقافتية عليها مجازاً الحِرَف الهامشية. وفي الوقت نفسه كانت هذه الصور الشعبية تحمل قيماً اجتماعيةً تسهم في خلق قوالب انفعالية وسلوكية تعين المجتمع على توثيق عُرى ترابطه وحل كثير من مشكلاته الآنية، وتساعد أيضاً في فهم العلل الكامنة وراء الأحداث التاريخية، والتشنجات الجهوية والفئوية المصاحبة لإفرازات القرارات السياسية في السودان.

    الطيب والسلطة:
    كان الطيب محمد الطيب أنصارياً قلباً وقالباً، ويتجلى هذا الانتماء السياسي-العقدي في لباسه الأنصاري، وفي صونه لبيعة الأنصار التي قطعها مع إمامهم وزعامتهم السياسية. وبالرغم من الإحن والشدائد التي ألمت بهذه الطائفة إلا أن الطيب "لم يبعهم بغالٍ أو مرتخصٍ لينال حظوة النظم الكارهة لهم"، بل ظل وفياً لبيعته، دون أن يخلط وفاءه الأنصاري برسالته التراثية التي كانت تسمو زهواً فوق هامات الانتماء السياسي، وتتجاوز فخراً تشنجات التعصب الديني، وترقى بماهيتها الوظيفة عن الشبهات العرقية، لأن جمهورها أهل السودان، ومادتها تراث أهل السودان. ويثمن الدكتور عبدالله علي إبراهيم هذا الموقف الفذ بقوله: "لم يرهن الطيب خير لبلدنا وثقافتنا على فضل الحكومات أو الدكتاتوريات ...، بل كان دخَّالاً خرَّاجاً في نصوص هذه الثقافة، يبلغها غلاباً. تقلبت بلدنا بين دكتاتوريات مديدة العمر ولم يعدم الطيب أبداً بصارة ليعمل بها أو بدونها لنيل مراده. ولم يترخص أبداً في أداء واجبه الثقافي... فكان شرفه كمثقف فوق الشبهات، وعلمه مما يمكث في الأرض."
    لم يكن غزل السلطة السياسية جزءاً من أدبيات الطيب وتطلعاته المشروعة، ولم تكن سلطة العمل الديواني هاجسه المنشود، بل كان ينبذها، لأنها من وجهة نظره مدعاةً للكسل وقتل الإبداع البشري وتجلياته. ويتبلور موقفه من سلطة العمل الديوانية في الرواية التالية للأستاذ بكري الصائغ: "علاقتي بالمرحوم الطيب محمد الطيب تعود إلى سنوات السبعينيات عندما كنا موظفين بوزارة الثقافة والإعلام... وأذكر قصة تقول أن السيَّد علي شمو قد قرر تعيين الطيب محمد الطيب مديراً لمصلحة الثقافة في ضوء عملية تغيرات هدف منها شمو تولي الكفاءات الوظائف العليا وإدارات المصالح. وما أن جاء خطاب الإخطار للمرحوم بتولي أعباء مصلحة الثقافة حتى رأينا المرحوم قد انزعج تماماً من هذا التعيين، وأبدى اعتراضه على تولي هذا المنصب، وسعى لمقابلة الوزير، واعتذر له عن الوظيفة الجديدة العالية المكانة، وكانت حجته أنها وظيفة مكتبية تقتل الإبداع، وتحرمه التجوال، والبحث والتقصي في مجاهل العادات والتقاليد السودانية، وإنها وظيفة مـُمِلة، ليس فيها أي إبداعات أو اكتشافات أدبية، طلَّق الطيب الوظيفة، وانطلق ينقب في مجاهل عالمه" المملوء بالكشوفات التراثية.
    نلحظ أيضاً أن الخصومة السياسية بين الأنصار والشيوعيين لم تقف عائقاً أمام عطاء الطيب وتطلعاته التراثية، فصديق عمره عبد الله علي إبراهيم كان من كوادر الرفاق النشطة، بيد أن اختلاف الرأي السياسي لم يفسد وداً استقام ميسمه بين الرجلين. وفي هذا يفصح الأستاذ كمال الجزولي بأن عبد الله علي إبراهيم قد قدمه هو وزميله شوقي عزالدين إلى الطيب محمد الطيب عام 1973م، ووقتها كان عبدالله مفرغاً لمسؤوليات العمل الثقافي للحزب الشيوعي، وشوقي عز الدين مفصولاً للتو من العمل بمعهد الموسيقي والمسرح. وفي هذا الظرف السياسي الحالك توثقت عُرى الصداقة بين الطيب والرفاق، ويقول الجزولي لسان حالهم: "كنا نقصد أحياناً داره ببري مع الأصدقاء، ونقضي الأمسيات في حوارات ساخنة حول هموم الثقافة، فكان يستقبلنا هاشاً باشاً، ويكرم وفادتنا غير هيَّاب ولا وَجِل من كوننا كنا مجموعة من الشباب (المدموغين) في الوسط الثقافي بالتمرد، أو حتى من كون صديقه عبد الله بالذات كان مختفياً ومطلوباً من الأجهزة الأمنية." وصداقته مع الرفاق لم تقف عند هذا الحد، بل بلغت شأواً أعظم من ذلك، حيث شخصت بعض شواهدها في صحبته لكمال الجزولي وشوقي عز الدين في إحدى رحلاته الميدانية لمسيد ود الفادني، ليثبت لهما أن مسرح "الرجل الواحد" لم يكن نبتاً حداثياً كما كانا يظنان، بل هو فن متجذر في أدبيات المسرح السوداني الشعبي قبل أن تعتدل قامته في مسارح الغرب والفرنجة. وفي مسيد ود الفادني استُقبل الرفاق في صحن المسجد، وأولم لهم السادة الفادنية بوليمة تكفي لعشرة أضعافهم في ساحة المسجد الرحبة، حيث جلس سيد المسرح الواحد حاج الصديق على أحد العناقريب الفارهة التي أُعدت لضيافة الأستاذ الطيب والوفد المصاحب له من الرفاق، ثم بعد ذلك بدأ حاج الصديق يعرض بعض القفشات المسرحية، والصور المغلوبة التي تجسد واقع الحياة في شوارع المدينة والقرية، وفي بيوت الأغنياء والفقراء، وواقع المزارع عندما يحل أجل سداد ديونه، وأحياناً يقلد لهم باقتدار وسلاسة بكاء الرضيع، وثغاء الماعز، وزمجرة مفتش الغيط المحتشد بسلطته، وسخط المزارع المغلوب على أمره، وزفات الحجيج المادحة إلى الأراضي المقدسة. كل هذه المشاهد ومثيلاتها كانت تعرض في مسيد ود الفادني، والرفاق وغيرهم من الحضور يموجون بالضحك، ضحكاً كالبكاء كما يقول كمال الجزولي، والطيب يختلصهم بنظرات مفادها أن مسرح الرجل الواحد لم يكن حكراً على المسارح الغربية، بل أن السودان يزخر بمثل هذه النماذج منذ أمد بعيد. وكانت تلك الليلة الفادنية حسب إفادات الرفاق تمثل "أعلى درجة من درجات الفرح يستطيع إنسان أن يهبها لإنسان."
    هذا هو الطيب المتسامح مع نفسه تسامحاً جعله يوطِّن لشرعية التواصل مع الآخر، وقد بلغ هذا التسامح ذروته عندما ألف كتاب "الإنداية" وأردفه بمصنف آخر عن "المسيد". فالإنداية هي دار المجون، كما تصفها الأستاذة رباح الصادق المهدي، والمسيد هو دار التُقى والصلاح، وبين الدارين بون شاسع. والإنداية كما قدم لها الطيب "من الأمور التي لا يصح الحديث عنها في عرف المجتمع السوداني إلا في مقام الذم، وهي من أجل ذلك لا تجاور سكناهم، بل تُقصى إلى أطراف القرى والمدن، وقد تضرب في الخلا، يطلق عليها في معظم الأحيان اسم "الجو". ولا يرتادها إلا طبقة خاصة لا تجد القبول عند غيرها من الناس." فالطيب أراد بهذا السفر الفريد في موضوعه أن يزيل هذه الغشاوة من أذهان الناس، ويعرض أدبيات الإنداية عرضاً موضوعياً باعتبارها مظهراً من مظاهر الحياة السودانية، لها سلبياتها وإيجابياتها، وينبغي أن يُعالج أمرها بطريقةٍ علميةٍ بعيداً عن التشنج والعواطف الدينية الجياشة. ويقول البروفيسور عون الشريف قاسم في تقديمه لكتاب الإنداية: "ولكنك بمجرد أن تتصفح الكتاب وتسبر غوره تجد لدهشتك أن المخبر غير المظهر. وسرعان ما يكتشف القارئ أن الإنداية التي يتحدثها عنها الكتاب ما هي إلا مظهر خاص من مظاهر الحياة السودانية، وهي ككل المؤسسات الاجتماعية لها نظامها الخاص وتقاليدها وقيمها التي يلتزم بها من يرتادونها ويذمون من يخرجها عليها، وبالبحث الميداني المتعمق الذي استغرق ست سنوات طاف فيها المؤلف على معظم أنحاء السودان فخرج بحصيلة من المعرفة ينقلها لك هذا الكتاب الرائع." وحقاً أن كتاب الإنداية كتاب رائع وجدير بالإطلاع، لأن الطيب أفلح في اختيار موضوعه، وفي تناوله لأدبيات الإنداية تناولاً علمياً دون أن يكون متأثراً بأدبيات المهدية التي ترى في الدخان حرمة، فما بالك والإنداية التي تعاقر فيها الخمر أم الكبائر جهاراً نهاراً.

    المرأة في قاموس الطيب الشعبي :
    لم يكن الطيب سادن ثقافة ذكورية، بل كان نصيراً للمرأة من خلال واقع تراثها الشعبي ومأثوراته المتنوعة، لذا فقد أفرد لها حيزاً مهولاً في إصداراته المطبوعة وصوره الشعبية ومحاضراته العامة. فنجده مثلاً يثمِّن دور النساء العابدات الراسخات في العلم أمثال: بتول بنت اليعقوباب، وفاطمة بنت جابر، وعائشة بنت أبودليق، ويوثق أيضاً لتاريخ المجاهدات اللائى كان لهن دور مشهود في ساحات الوغى والحروبات الضروس، وتأتي في مقدمة هؤلاء الشاعرة مهيرة بنت الملك عبود التي كانت تمجد قومها الشايقية، وتشحذ هممهم، وتحثهم على محاربة الأتراك الغزاة، ويتجلى هذا الموقف البطولي في المقاطع المأثورة التالية التي أنشدتها مهيرة في ذلك المقام:

    الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر
    قدامن عقيدهم بالأغر دفر
    جنياتنا الأسود الليلة تتنتر
    يالباشا الغشيم قولى جدادك كَرْ

    وفي المهدية يوثق الطيب لمجاهدات الشاعرة بنت المكاوي التي كانت معجبة بشخصية الإمام المهدي في حربه ضد الأتراك، وكانت ترى في بسالة أنصاره عزة نفس ونكران ذات، لذا فقد أنشدتهم قائلةً:

    طبل العز ضرب هوينه في البرزَّة
    غير طبل أم كبان أنا ما بشوف عزَّه
    وإن طال الوبر واسيه بالجزَّة
    وإن ما عم نيل ما فرَّخت وزَّة

    ولم ينس الطيب دور الحكَّامات أمثال بنت مسيمس التي مدحت الزبير باشا ود رحمة عندما نُفي إلى جبل طارق بالمغرب قائلةً:

    في السودان قبيل ... ما بشبهوك بالناس
    يا جبل الدهب ... الصافي ماك نحاس
    بارود انتصارك ... في غمزة الكبَّاس
    خليت المجوس ... ألين من القرطاس

    وعلى ذات المنوال والنسق وثَّق الطيب للشاعرة بنونة بنت المك التي رثت أخاها عمارة رثاءً حزيناً ومؤلماً، لأنه كان مصاباً بداء الجدري الذي أقعده عن القتال وأماته متيةً لا تليق بالأبطال، لأن المصاب بالجدري لا يغسل جسده، بل يذرى عليه الرماد خوفاً من العدوى، وحول هذه الميتة "أم رماداً شح" تقول بنونة:

    ما دايرا لك الميتة ... أم رماداً شح
    دايراك يوم لقاء ... بدميك تتوشح
    الميت مسولب ... العجاج يكتح
    أحيَّا علي ... سيفو البسوي التَّح

    فلا جدال أن الحديث ذو شجون عن أدبيات النساء الوارد ذكرها في إصدارات الطيب وصوره الشعبية، لكن المقام لا يسمح بالإطالة، والشواهد المذكورة كفيلة بتأكيد صدقية الفرضية التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الفقرة.

    الطيب في منـزلة بين المنـزلتين:
    بالرغم من هذا العطاء الثر، إلا أن الطيب قضى أيامه الأخيرة طريح الفراش بمستشفى السلاح الطبي بأمدرمان، حيث زارته جموع من الأصدقاء والمعجبين بفنه، ومن ضمن هؤلاء الأستاذ كمال الجزولي الذي وصف لحظاته الأخيرة بشيء من الحزن والأسى: "وكنت قد زرته أخر مرة بصحبة بعض الأصدقاء، إبان رقدته الأخيرة بالمستشفي العسكري، حسبناه للوهلة الأولى نائماً، فكدنا ننسحب بهدوء لولاء أن زوجته عاجلتنا بالتمر، قائلةً: "ليس نائماً، هو فقط على هذا الحال منذ أن جئنا به إلى هنا، ولكن رؤيتكم ستسعده." ثم يصف الجزولي واقع الحال بقوله: "فتح عينه ببطء، وبدأ كما ولو كان يهم بالكلام، سوى أنه طفق يُسرح نظراته الوادعة في وجوهنا ولا ينبس ببنت شفة، رغم إلحافنا في مشاغبته، وكم كان في زمانه ... منتجاً حاذقاً لبهار الإخوانيات اللاذع وعطرها النفاذ." ويصف هذا المشهد أيضاً الدكتور مرتضى الغالي في كلمته الحزينة التي سبقت وفاة الطيب، إذ يقول عنه: "وهو في منـزلة بين المنـزلتين، بين هجمة الداء الأولى العصيبة والغادرة وبين بطء الوصول إلى أطراف العافية والعودة إلى دنيا الناس، حيث إنه حالياً على تخوم الصحو والإفاقة والإغفال، ولا يعلم أحد (لا قدر الله) إمكان الانتكاسة التي يمكن أن تسترد بعضاً من مساحات الإبلال والشفاء، و[لكن نتمنى له] استرداد مقدرة النطق والسير على مناكب الحياة مرة أخرى، ليواصل ما بدأه من مشوار في إذكاء نيران المعرفة التي تخرج منه (دخاخين دخاخين) على رواية طبقات ود ضيف الله، لأنه يتكئ على رصيد ضخم يمتلئ به صدره وعقله."
    ثم ينتقل الدكتور مرتضى من هذا المشهد الحزين والطامع في رحمة الله إلى فقرة مهمة، أحسبها مناسبة في خاتمة هذه الرسالة العرفانية، إذ يقول: ومما يزيد قيمة رصيد الطيب المعرفي، "أنه يأتي في معظمه من باب المشاهدات، والسياحة، والمسوح الحقلية، والمعايشة الراصدة، والرحلات التي تضرب فيها أكباد المستحيل من أجل الوقوف على أثر، أو حجر، أو أمثولة، أو مسدار، أو طقس حياة، معيداً لنا في حياتنا المعاصرة نموذج العلماء الموسوعيين الذين يتتبعون حصاد المعرفة التي لا ترتادها قدم."
    فهذا هو الأستاذ العلامة الطيب محمد الطيب الذي فقدناه في السادس من فبراير عام 2007م، فإن الواجب الأدبي يحتم علينا، كما يقترح الأستاذ منصور عبدالله المفتاح، أن نجمع تراثه وآثاره الكاملة في قاعة تحمل اسمه، ويكون مقرها إما في دار الوثائق القومية، أو مصلحة الثقافة، أو متحف السودان القومي. وهناك أيضاً أربعة مؤلفات تحت الطبع يجب أن تخرج إلى دائرة الضوء، وتجد موقعها في المكتبة السودانية والعربية على حد سواء، وهي: بيت البكاء؛ وتاريخ المديح النبوي في السودان؛ والصعاليك العرب في السودان؛ والإبل في السودان.
    ألا رحم الله الطيب محمد الطيب رحمةً واسعةً بقدر ما أمتع، وآنس، وأعطى، وبذل، وأنفق من جهد ومال ووقت في سبيل الارتقاء بمسيرة التراث السوداني، وتطوير خدمات الأدب الشعبي، فلعمري لا أجد الكلمات المناسبة التي تفي استحقاقات رثائه، وجرد فاتورة عطائه الماكث في الأرض، ولكن أضعف الإيمان أن اختم هذه الكلمة بأبيات من أشعار ابن الوردي في الرثاء:

    سراجٌ في العلومِ أضاءَ دهراً على الدنيا لغيبته ظــلامُ
    تعطَّلت المكارمُ والمعــالي وماتَ العلمُ وارتفعَ الطغـامُ
                  

07-17-2007, 08:37 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: Ahmed Abushouk)

    لوحة بديعة..شكرا جزيلا..استاذنا احمدابوشوك..
    Quote: الأستاذ الطيب محمد الطيب
    يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٍ في الأرضِ بما ينفعُ الناسَ

    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    مضت سبع سنوات عجاف من عمر الألفية الثالثة، وكان حصادها خصماً على قائمة الأدباء والمبدعين في بلادي، إذ فقدَ السودان خلالها ثلة خيِّرة من سدنة تراثه الشعبي، أسهمت في جمع مفرداته، وتوثيقها، وعرضها على الأهلين مقروءةً ومسموعةً ومرئيةً. من أولئك النفر الخيِّر البروفسير عبد الله الطيب المجذوب الذي رحل عنا في التاسع عشر من يونيو 2003م، والبروفسير محمد إبراهيم أبوسليم الذي غيبه الردى في السابع من فبراير 2004م، والشاعر عمر الحسين محمد خير الذي مات كما مات الجاحظ وسط كتبه وأوراقه ومراجعه في الفاتح من يونيو 2005م، والعلامة البروفسير عون الشريف قاسم الذي شد عصا الترحال إلى دار الخلود في العشرين من يناير 2006م.
    وقبل أن تندمل جراحات الأدب الشعبي المكلوم وتكفكف دموع صوره الشعبية، ها نحن نودع الأستاذ الطيب محمد الطيب الذي كان هودجاً جامعاً لتراث الحضر والريف، وواسطة عقد بين الذين احترفوا دراسة التراث الشعبي صنعةً وبين أولئك الذين كانوا يروونه سليقة. لقد حدثت وفاته في السادس من فبراير 2007م، أي في موسم "أم غدي وزمان الهرج" كما يرى صديقه الدكتور عبد الله علي إبراهيم، حيث "أن العُصب المسلحة ظلت تأخذ بخناق الوطن، وأن الشركاء متماسكون الحِززّ في جوبا، أو مدلون بدلوهم بزخات الرصاص في أركان النقاش الجامعية، ورائحة السحت تزكم الأنوف وتكسر خاطر الناس. "وفي هذا الزمن البخس توفي الأستاذ الطيب محمد الطيب، وكان الدكتور عبد الله علي إبراهيم يخشى أن يتحول رثاؤه إلى هامش في صراع السلطة بين الإنقاذ وخصومها، لكن بفضل تقريضه وتقريض الأوفياء من أمثاله - وأذكر منهم مرتضى الغالي، ومنصور عبد الله المفتاح، وبكري الصائغ، والكيِّك، ورباح الصادق المهدي، وكمال الجزولي، وعصمت العالم، وحيدر المكاشفي، ومحمد محمد خير، ومحمد سعيد محمد الحسن، والقائمة تطول- تحول مأتم الأستاذ الطيب محمد الطيب وليالي عزائه في السودان وعبر الأثير إلى ساحة إطراء أدبي يتبارى فيها الذين عرفوه عن كثب، وأوفوا الكيل والميزان في سرد محاسنه، وأولئك الذين أعجبوا بأسهامه التراثي السابل، وأرادوا أن يسجلوا له كلمة عرفان تثمِّن عطاءه الماكث في الإرض بما ينفع الناس.

    الطيب ورحلة الكسب والعطاء:
    وُلِدَ الطيب في أسرة كان ديدنها الترحال في طلب العلم، حيث هاجر أصولها قديماً إلى قرية نوري بريفي مروي، تلك القرية التي كانت تعج بخلاوى القرآن وارتال طلاب العلم، واستقروا بها فترةً من الزمن، امتدت إلى ميلاد الجد الثاني للطيب، الفكي أحمد أبو القاسم من أم شايقية، وبعدها عادت الأسرة إلى وطنها الأم بالمقرن ريفي الدامر، حيث تزوج محمد الطيب حفيد الفكي أحمد أبو القاسم من حبوبة بنت علي محمد شبر من العكد الكبوشاب، وأنجب منها الطيب عام 1934م، وبعد ميلاد الطيب تواتر عقائق أخوته الصغار ذكوراً وإناثاً إلى أن بلغت ثلاث عشرة عقيقةً.
    بدأ الصبي الطيب حياته العلمية بخلوة المقرن حيث حَفِظ القرآن، وبعدها درس الكُتَّاب والوسطى في مدينة أتبرا (عطبرة)، إلا أن هذا القسط المتواضع من التعليم المدني لم يشجعه على ولوج حياة الأفندية في كنف الدولة وراتبها المحدود، بل جعله يؤثر العمل الحر تشاشاً (تاجراً) في سوق الدامر، وأحياناً مندوباً لأهل المقرن في مجلس ريفي شندي. وفي بيئة الدامر التي كانت حافلةً بتراث أهل السودان وتواصل البدو والحضر تفتقت قريحته على سماع المأثورات التراثية التي كانت تُروى سليقةً، ويتفنن الرواة في رسم صورها الجمالية حول نفرٍ من أعلام الفروسية أمثال عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، وطه الضرير، والطيب ود ضحوية، ويبالغون في سرد كرامات مشايخ الصوفية والأولياء الصالحين مدحاً وإنشاداً في حولية الشيخ المجذوب والمحافل المماثلة لها. في وسط هذا الزخم التراثي الزاخر بمآثر أهل السودان كان يتوهج نجم السيّدة فاطمة بنت فاطمة جدة الطيب من جهة أبيه، ويقول الطيب عنها: إنها كانت امرأة لها شخصيتها المميزة بين نساء قريتها، لأنه يُقال إن أهل أمها فقراء "يروبون الماء"، ومن ثم أضحت لها مكانةً اجتماعيةً كبيرةً وسط أهل المقرن وزوارهم، وكانت مسموعة الكلمة، نافذة الإشارة على الكبار والصغار. كان الناس يتحلَّقون حولها كل أمسية لسماع الأحاجي والقصص والحكايات المشوقة التي كانت ترويها بأسلوب درامي جذَّاب.
    في ذات النسق يوثق الطيب لمشاهد خاصة كان لها وقعها في نفسه وهو حاضر حضوراً مادياً ومعنوياً في حلقة جدته فاطمة بنت فاطمة، إذ يقول: "لا أنسى المواقف التي كانت تتطلب أن يؤدي البطل فيها مقطعاً غنائياً، كانت تتمهل وتتهدج في ترديد وترجيع الأغنية بصوتها الرنان، ومن ضمن حكايتها لنا قصة الشيخ فرح، وود أب زهانة، وكنا نحسب أن الشيخ مثل الغول، والسعلوة، والدكع، وفاطمة، والقصب الأحمر." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 19). وجميع هذه المصطلحات تصب في معين القصص الشعبية المعروفة في وسط السودان، والتي تُصنَّف ضمن قائمة الأحاجي السودانية التي وثق لها البروفسير عبد الله الطيب طيَّب الله ثراه.
    بفضل هذا الحضور التراثي في دامر المجذوب توطَّنت نفس الطيب محمد الطيب على حب الفلكلور، الذي دفعه إلى تطليق أشغاله الحرة ونذر نفسه وجهده وماله لجمع الأدب الشعبي. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "وفجأة ظهر بيننا الطيب قاطع حبلو من الدامر ... لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمية، ولست متأكداً إلى يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس، وكان واضحاً أنه رجل نير ولكنه صفر اليدين من الشهادات... ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا مناً بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له، وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفةً لم تخطر على بال بيروقراطي، وهي وظيفة جامع فلكلور بأجر مُجمّد قيمته خمسون جنيهاً، وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة، ووفرت له الشعبة عربة جيب 5خ 8731، ومسجلاً ألمانياً ماركة قرندوق، وسائقاً دنقلاوياً أنيساً هو السيّد حسن خير الله، ودفتر بنـزين صالح لملىء تنك العربة [أي خزان الوقود] أو شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان."
    هنا حزمةٌ من الأسئلة تطرح نفسها: مَنْ هم أولئك النفر الكريم الذين تحدث الأخ عبد الله علي إبراهيم عنهم بأريحية وتواضع جم؟ وما هي الشعبة التي جمعتهم بين ظهرانيها، وأهلَّتهم ليحترفوا صنعة التراث الشعبي وينعموا بصحبة الطيب محمد الطيب؟ الشعبة التي رمز الدكتور عبدالله إليها هي شعبة أبحاث السودان التي كانت قلباً نابضاً في كلية الآداب جامعة الخرطوم آنذاك. لقد أُسست شعبة أبحاث السودان عام 1964م، وكان هدفها الأساس جمع التراث السوداني وتوثيقه، وظل البروفسير يوسف فضل حسن يقف على رأس هذه الشعبة الناشئة حقبةً من الزمن، حيث جلب إليها نفراً من طلاب التراث السوداني، بعد أن طوَّع لهم شروط التعيين الوظيفي بجامعة الخرطوم، معطياً الأولية للكفاءة المهنية والاستعداد الفلكلوري. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "لم أكن أنا مثلاً ممن تنطبق عليهم شروط التعيين أكاديمياً بالجامعة. ولم يخطر ليوسف فضل تعييني خلال تلقي العلم على يديه في معادل درجة الشرف في التاريخ، ولكنه سمعني يوماً أتحدث عن الفلكلور بإذاعة أم درمان وسرعان ما عرض عليَّ أن انضم لشعبة أبحاث السودان... ومن جهة أخرى كان سيد حُريز في طريقه ليصبح محاضراً بشعبة الإنجليزي بالجامعة حتى قرأ يوسف رسالته عن طقوس الحياة والموت في السودان فالتمس من الجامعة تحويله إلى شعبة أبحاث السودان. وكذلك الحال مع أحمد عبد الرحيم الذي بدأ بالفلسفة، ثم كتب عن فلسفة الأخلاق عند النوبة النيمانق بالدلنج، فلم تتأخر عنه حفاوة يوسف." فالبروفسير يوسف فضل حسن والبروفسير سيد حامد حُرير والبروفسير أحمد عبد الرحيم نصر هم أولئك النفر الذين تحدث الدكتور عبد الله عنهم بأريحية وتواضع جم، وهم الذين قامت على أكتافهم شعبة أبحاث السودان، وهم الذين انضم إليهم الأستاذ الطيب محمد الطيب عام 1965م، وبذلك استطاعت شعبة أبحاث السودان، التي رُفعت في عام 1972م إلى معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، أن تجمع بين جوانحها كفاءة التأهيل المهني المكتسب من مؤسسات التعليم المدني وكفاءة التأهيل المهني المُنساب من أفواه حدأة التراث الشعبي ورواته.
    لا جدال أن تعيين الأستاذ الطيب في وظيفة جامع فلكلور كان نقلةً نوعيةً أحدثها عرفاء الفلكلور في شعبة أبحاث السودان، ومنها انطلق الطيب يجوب البلاد طولاً وعرضاً في تحقيق هوايته المفضلة وفي جمع تراث أهل السودان من صدور الحُفَّاظ والوثائق التاريخية. وأبلغ شاهد رحلاته الماكوكية في جمع تراث البطاحين ونسج خيوط سيرة الشيخ فرح ود تكتوك، وفي هذا يقول الأستاذ الطيب:
    "كلفتني شعبة أبحاث السودان سنة 1970م أن أعد كتاباً عن حياة البطاحين، وشرعت في جمع المعلومات الأولية عنهم، وحسب خطة شعبة أبحاث السودان ينبغي علي أن أطوف عليهم في أماكنهم، وبدأت بعاصمتهم أبو دليق وما حولها، ثم أبرق، وأب زليق، والمايقوما، والحاج يوسف، ثم زرت قراهم الواقعة شرق النيل الأزرق مثل ود ساقرته والفعج. ثم ذهبت إلى سنار، وجبل موية، والمناقل، ثم أربجي، والسديرة، وبقية أطراف الجزيرة المروية، وتسنى لي خلال هذه الرحلات التي دامت حوالي عشرة شهور جمع معلومات عن البطاحين كمجموعة، وكان كل مرة أسأل فيها الرواة والمحدثين عن أخبار أسلافهم يرتفع اسم الشيخ ود تكتوك شامخاً قوياً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20). فلا غرو أن هذا النص يعكس قدرة الأستاذ الطيب الخلاقة في جمع المعلومات التراثية، واسترساله في ربط جزئياتها، والشاهد أن الجمع بين التراث الشعبي لقبيلة البطاحين وسيرة الشيخ فرح ود تكتوك البطحاني قد حفزه لمواصلة بحث آخر عن سيرة الشيخ فرح وآثاره، في هذا يقول الطيب: "وزرت بعدئذٍ سنار وما حولها ست مرات، وفي كل مرة كنت أجد بعض المعلومات الجديدة عنه. وبعد أن حصلت على تلك الروايات الشفهية رحت أسأل عن بعض آثاره المحفوظة ولم يخيب أهل الفضل ظني. فوجدت بضع مخطوطات تحدثت عن سيرته ودونت أقواله، وكان أهمها مخطوط الشريف الهندي المسمي (تاج الزمان في تاريخ السودان)، باب تراجم الأولياء، وكذلك مخطوط الشيخ الحسن محمد طلحة بود ساقرته ناحية رفاعة، وأوراق فرح القاسم، كساب الجعلين، والأخير من أحفاد الشيخ فرح وأكثرهم حفظاً لمأثورات الشيخ، وبحوزته وثائق مهمة جداً أطلعني عليها مشكوراً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20-21).
    هذا هو الطيب جامع الفلكلور، وصاحب المنهج الفريد الذي وصفته المهندسة رباح الصادق المهدي بأنه: "خلطة غريبة، فلو وصفته بأنه مؤرخ محلي كما تصف مضابط التاريخ ... كذَّبك حسه النقدي من حين لآخر... ولو قلت أنه عالم أكاديمي لرد عليك أنه لا يتبع في نهجه الوسائل الأكاديمية المعهود في التعامل مع المأثورات الشفهية مثلما فعل جان جاك فنسيان في نهج التعامل مع المأثورات كتاريخ." ويعضد هذه الفرضَّية أيضاً قول الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي صحب الطيب في بعض رحلاته الميدانية بقوله: "لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر، أو زيارة، على تعرف الناس عليه بالفطرة، وإقبالهم عليه كشركاء في مشروعه، يسألونه عن الأنساب، أو صحة نطق اسم مدينة، أو مزارات ولي. وكنت استمع حواراتهم معه يديرونها على قدم المساواة. وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له، بل ومناصرته له. لم يكن الطيب قادراً عن ينجز أكثر صور شعبية لولا سخاء مشايخ وتجار وأحباب مولوا زياراته الميدانية لبقاعهم واحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية، لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غني بهذه الصحبة عن تكفف الدولة العادلة أو الظالمة."
    في ضوء هذه التزكيات الحاذقة نخلص إلى أن الطيب كان جامع فلكلور مدرب، وله إلمام واسع بتاريخ السودان وجغرافيته، وعلى قدر كبير من تفكيك طلاسم العادات والتقاليد واللجهات العامية، وفوق هذا وذاك كان يتمتع بحيويةٍ خلاقة، وحدس فني ذواق لا يخذله البتة، ولباقة جعلت الناس يتجاوبون معه، ويشاركونه في مشروعه التراثي، ويطلعونه على مكتنـزات تراثهم الشعبي التي تكنَّها صدورهم، وتحفظها وثائقهم الخاصة التي يحيطونها بهالة من القدسية. وقد أهلَّ هذا الرصيد الفني والمعرفي الطيب ليكون نسيج وحده، لم يكن مقلداً مجتراً، بل كان أصيلاً مبدعاً، تجاوز قيود الموروث وتقنيات الحداثة في منهجه البحثي، وفي تعامله الراقي مع مأثورات التراث السوداني. وبفضل عطائه السابل وحضوره الكثيف في ساحات العمل الفلكوري لم تعد صورة الفلكلور بعده كما كانت قبله، لأنه، كما يرى محمد محمد خير، كان مشروعاً ثقافياً "يتسع لاحتواء مليون ميل مربع من الدويبت، والشاشاي، والتُم التُم، والكمبلا والجابودي، وتراث الشلك، والنقارة، وأهازيج الحكَّامات، وطارات المديح، وأمثال دارفور الشعبية."

    برنامج صور شعبية:
    توسط الطيب هذا الكم الهائل من التراث ومأثوراته، ونثر منه صوراً شعبيةً لـمَّاحةً عرضها منجمةً عبر شاشة تلفزيون السودان البلورية، وكسب بعرضه لهذه الأنساق والأنماط التراثية تقدير الناس له، لأنه فتح بصائرهم، كما يقول إبراهيم عبد القيوم، إلى وطن "مشحون برصيد تاريخي عزيز وغالٍ، وإن إنسانه عظيم ومتفرد، وإن تاريخ هذا الإنسان يفرض أن يبذل من أجله الكثير من الجهد والوقت." وحسب رواية الكيك فإن علاقة الطيب بالإذاعة والتلفزيون يرجع تاريخها إلى برنامج "التراث السوداني" الذي كان يقدمه الأستاذ محجوب كرار رحمه الله عبر إذاعة أمدرمان، وفي إحدى حلقات برنامجه الشعبي استضاف الأستاذ الطيب محمد الطيب وقدمه إلى جمهور المستمعين السودانيين باعتباره علماً من أعلام السودان المهمومين بالوطن وثقافته وتراثه، وبعد ذلك ظل الطيب زبوناً معتمداً عند محجوب كرار، تواصلت لقاءاته، وتجدد عطاؤه، وانداحت دائرة مستمعيه، وما فتيئ الطيب محفوفاً بحفاوة مستمعيه إلى أن أطل عليهم عبر شاشة برنامجه التلفزيوني الموسوم بـ: "صور شعبية". ومن خلال هذا البرامج استطاع الطيب أن يعرض صوراً شعبيةً حيةً، تعبر عن حياة الناس وأنساق تواصلهم الاجتماعي في كل بقاع السودان، بما في ذلك أفراحهم وأتراحهم دون كذب ولا رياء، وكانت هذه الصور تحمل قيماً روحيةً صادقةً، وفنوناً أدبيةً شعبيةً، وموسيقى ورقصاً، وطُرَفاً من أدبيات الحصاد وأهازيج الرعاة، ونماذجاً من أدوات الحكم والولاية، وفنيات الحِرَف التي يطلق المثقافتية عليها مجازاً الحِرَف الهامشية. وفي الوقت نفسه كانت هذه الصور الشعبية تحمل قيماً اجتماعيةً تسهم في خلق قوالب انفعالية وسلوكية تعين المجتمع على توثيق عُرى ترابطه وحل كثير من مشكلاته الآنية، وتساعد أيضاً في فهم العلل الكامنة وراء الأحداث التاريخية، والتشنجات الجهوية والفئوية المصاحبة لإفرازات القرارات السياسية في السودان.

    الطيب والسلطة:
    كان الطيب محمد الطيب أنصارياً قلباً وقالباً، ويتجلى هذا الانتماء السياسي-العقدي في لباسه الأنصاري، وفي صونه لبيعة الأنصار التي قطعها مع إمامهم وزعامتهم السياسية. وبالرغم من الإحن والشدائد التي ألمت بهذه الطائفة إلا أن الطيب "لم يبعهم بغالٍ أو مرتخصٍ لينال حظوة النظم الكارهة لهم"، بل ظل وفياً لبيعته، دون أن يخلط وفاءه الأنصاري برسالته التراثية التي كانت تسمو زهواً فوق هامات الانتماء السياسي، وتتجاوز فخراً تشنجات التعصب الديني، وترقى بماهيتها الوظيفة عن الشبهات العرقية، لأن جمهورها أهل السودان، ومادتها تراث أهل السودان. ويثمن الدكتور عبدالله علي إبراهيم هذا الموقف الفذ بقوله: "لم يرهن الطيب خير لبلدنا وثقافتنا على فضل الحكومات أو الدكتاتوريات ...، بل كان دخَّالاً خرَّاجاً في نصوص هذه الثقافة، يبلغها غلاباً. تقلبت بلدنا بين دكتاتوريات مديدة العمر ولم يعدم الطيب أبداً بصارة ليعمل بها أو بدونها لنيل مراده. ولم يترخص أبداً في أداء واجبه الثقافي... فكان شرفه كمثقف فوق الشبهات، وعلمه مما يمكث في الأرض."
    لم يكن غزل السلطة السياسية جزءاً من أدبيات الطيب وتطلعاته المشروعة، ولم تكن سلطة العمل الديواني هاجسه المنشود، بل كان ينبذها، لأنها من وجهة نظره مدعاةً للكسل وقتل الإبداع البشري وتجلياته. ويتبلور موقفه من سلطة العمل الديوانية في الرواية التالية للأستاذ بكري الصائغ: "علاقتي بالمرحوم الطيب محمد الطيب تعود إلى سنوات السبعينيات عندما كنا موظفين بوزارة الثقافة والإعلام... وأذكر قصة تقول أن السيَّد علي شمو قد قرر تعيين الطيب محمد الطيب مديراً لمصلحة الثقافة في ضوء عملية تغيرات هدف منها شمو تولي الكفاءات الوظائف العليا وإدارات المصالح. وما أن جاء خطاب الإخطار للمرحوم بتولي أعباء مصلحة الثقافة حتى رأينا المرحوم قد انزعج تماماً من هذا التعيين، وأبدى اعتراضه على تولي هذا المنصب، وسعى لمقابلة الوزير، واعتذر له عن الوظيفة الجديدة العالية المكانة، وكانت حجته أنها وظيفة مكتبية تقتل الإبداع، وتحرمه التجوال، والبحث والتقصي في مجاهل العادات والتقاليد السودانية، وإنها وظيفة مـُمِلة، ليس فيها أي إبداعات أو اكتشافات أدبية، طلَّق الطيب الوظيفة، وانطلق ينقب في مجاهل عالمه" المملوء بالكشوفات التراثية.
    نلحظ أيضاً أن الخصومة السياسية بين الأنصار والشيوعيين لم تقف عائقاً أمام عطاء الطيب وتطلعاته التراثية، فصديق عمره عبد الله علي إبراهيم كان من كوادر الرفاق النشطة، بيد أن اختلاف الرأي السياسي لم يفسد وداً استقام ميسمه بين الرجلين. وفي هذا يفصح الأستاذ كمال الجزولي بأن عبد الله علي إبراهيم قد قدمه هو وزميله شوقي عزالدين إلى الطيب محمد الطيب عام 1973م، ووقتها كان عبدالله مفرغاً لمسؤوليات العمل الثقافي للحزب الشيوعي، وشوقي عز الدين مفصولاً للتو من العمل بمعهد الموسيقي والمسرح. وفي هذا الظرف السياسي الحالك توثقت عُرى الصداقة بين الطيب والرفاق، ويقول الجزولي لسان حالهم: "كنا نقصد أحياناً داره ببري مع الأصدقاء، ونقضي الأمسيات في حوارات ساخنة حول هموم الثقافة، فكان يستقبلنا هاشاً باشاً، ويكرم وفادتنا غير هيَّاب ولا وَجِل من كوننا كنا مجموعة من الشباب (المدموغين) في الوسط الثقافي بالتمرد، أو حتى من كون صديقه عبد الله بالذات كان مختفياً ومطلوباً من الأجهزة الأمنية." وصداقته مع الرفاق لم تقف عند هذا الحد، بل بلغت شأواً أعظم من ذلك، حيث شخصت بعض شواهدها في صحبته لكمال الجزولي وشوقي عز الدين في إحدى رحلاته الميدانية لمسيد ود الفادني، ليثبت لهما أن مسرح "الرجل الواحد" لم يكن نبتاً حداثياً كما كانا يظنان، بل هو فن متجذر في أدبيات المسرح السوداني الشعبي قبل أن تعتدل قامته في مسارح الغرب والفرنجة. وفي مسيد ود الفادني استُقبل الرفاق في صحن المسجد، وأولم لهم السادة الفادنية بوليمة تكفي لعشرة أضعافهم في ساحة المسجد الرحبة، حيث جلس سيد المسرح الواحد حاج الصديق على أحد العناقريب الفارهة التي أُعدت لضيافة الأستاذ الطيب والوفد المصاحب له من الرفاق، ثم بعد ذلك بدأ حاج الصديق يعرض بعض القفشات المسرحية، والصور المغلوبة التي تجسد واقع الحياة في شوارع المدينة والقرية، وفي بيوت الأغنياء والفقراء، وواقع المزارع عندما يحل أجل سداد ديونه، وأحياناً يقلد لهم باقتدار وسلاسة بكاء الرضيع، وثغاء الماعز، وزمجرة مفتش الغيط المحتشد بسلطته، وسخط المزارع المغلوب على أمره، وزفات الحجيج المادحة إلى الأراضي المقدسة. كل هذه المشاهد ومثيلاتها كانت تعرض في مسيد ود الفادني، والرفاق وغيرهم من الحضور يموجون بالضحك، ضحكاً كالبكاء كما يقول كمال الجزولي، والطيب يختلصهم بنظرات مفادها أن مسرح الرجل الواحد لم يكن حكراً على المسارح الغربية، بل أن السودان يزخر بمثل هذه النماذج منذ أمد بعيد. وكانت تلك الليلة الفادنية حسب إفادات الرفاق تمثل "أعلى درجة من درجات الفرح يستطيع إنسان أن يهبها لإنسان."
    هذا هو الطيب المتسامح مع نفسه تسامحاً جعله يوطِّن لشرعية التواصل مع الآخر، وقد بلغ هذا التسامح ذروته عندما ألف كتاب "الإنداية" وأردفه بمصنف آخر عن "المسيد". فالإنداية هي دار المجون، كما تصفها الأستاذة رباح الصادق المهدي، والمسيد هو دار التُقى والصلاح، وبين الدارين بون شاسع. والإنداية كما قدم لها الطيب "من الأمور التي لا يصح الحديث عنها في عرف المجتمع السوداني إلا في مقام الذم، وهي من أجل ذلك لا تجاور سكناهم، بل تُقصى إلى أطراف القرى والمدن، وقد تضرب في الخلا، يطلق عليها في معظم الأحيان اسم "الجو". ولا يرتادها إلا طبقة خاصة لا تجد القبول عند غيرها من الناس." فالطيب أراد بهذا السفر الفريد في موضوعه أن يزيل هذه الغشاوة من أذهان الناس، ويعرض أدبيات الإنداية عرضاً موضوعياً باعتبارها مظهراً من مظاهر الحياة السودانية، لها سلبياتها وإيجابياتها، وينبغي أن يُعالج أمرها بطريقةٍ علميةٍ بعيداً عن التشنج والعواطف الدينية الجياشة. ويقول البروفيسور عون الشريف قاسم في تقديمه لكتاب الإنداية: "ولكنك بمجرد أن تتصفح الكتاب وتسبر غوره تجد لدهشتك أن المخبر غير المظهر. وسرعان ما يكتشف القارئ أن الإنداية التي يتحدثها عنها الكتاب ما هي إلا مظهر خاص من مظاهر الحياة السودانية، وهي ككل المؤسسات الاجتماعية لها نظامها الخاص وتقاليدها وقيمها التي يلتزم بها من يرتادونها ويذمون من يخرجها عليها، وبالبحث الميداني المتعمق الذي استغرق ست سنوات طاف فيها المؤلف على معظم أنحاء السودان فخرج بحصيلة من المعرفة ينقلها لك هذا الكتاب الرائع." وحقاً أن كتاب الإنداية كتاب رائع وجدير بالإطلاع، لأن الطيب أفلح في اختيار موضوعه، وفي تناوله لأدبيات الإنداية تناولاً علمياً دون أن يكون متأثراً بأدبيات المهدية التي ترى في الدخان حرمة، فما بالك والإنداية التي تعاقر فيها الخمر أم الكبائر جهاراً نهاراً.

    المرأة في قاموس الطيب الشعبي :
    لم يكن الطيب سادن ثقافة ذكورية، بل كان نصيراً للمرأة من خلال واقع تراثها الشعبي ومأثوراته المتنوعة، لذا فقد أفرد لها حيزاً مهولاً في إصداراته المطبوعة وصوره الشعبية ومحاضراته العامة. فنجده مثلاً يثمِّن دور النساء العابدات الراسخات في العلم أمثال: بتول بنت اليعقوباب، وفاطمة بنت جابر، وعائشة بنت أبودليق، ويوثق أيضاً لتاريخ المجاهدات اللائى كان لهن دور مشهود في ساحات الوغى والحروبات الضروس، وتأتي في مقدمة هؤلاء الشاعرة مهيرة بنت الملك عبود التي كانت تمجد قومها الشايقية، وتشحذ هممهم، وتحثهم على محاربة الأتراك الغزاة، ويتجلى هذا الموقف البطولي في المقاطع المأثورة التالية التي أنشدتها مهيرة في ذلك المقام:

    الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر
    قدامن عقيدهم بالأغر دفر
    جنياتنا الأسود الليلة تتنتر
    يالباشا الغشيم قولى جدادك كَرْ

    وفي المهدية يوثق الطيب لمجاهدات الشاعرة بنت المكاوي التي كانت معجبة بشخصية الإمام المهدي في حربه ضد الأتراك، وكانت ترى في بسالة أنصاره عزة نفس ونكران ذات، لذا فقد أنشدتهم قائلةً:

    طبل العز ضرب هوينه في البرزَّة
    غير طبل أم كبان أنا ما بشوف عزَّه
    وإن طال الوبر واسيه بالجزَّة
    وإن ما عم نيل ما فرَّخت وزَّة

    ولم ينس الطيب دور الحكَّامات أمثال بنت مسيمس التي مدحت الزبير باشا ود رحمة عندما نُفي إلى جبل طارق بالمغرب قائلةً:

    في السودان قبيل ... ما بشبهوك بالناس
    يا جبل الدهب ... الصافي ماك نحاس
    بارود انتصارك ... في غمزة الكبَّاس
    خليت المجوس ... ألين من القرطاس

    وعلى ذات المنوال والنسق وثَّق الطيب للشاعرة بنونة بنت المك التي رثت أخاها عمارة رثاءً حزيناً ومؤلماً، لأنه كان مصاباً بداء الجدري الذي أقعده عن القتال وأماته متيةً لا تليق بالأبطال، لأن المصاب بالجدري لا يغسل جسده، بل يذرى عليه الرماد خوفاً من العدوى، وحول هذه الميتة "أم رماداً شح" تقول بنونة:

    ما دايرا لك الميتة ... أم رماداً شح
    دايراك يوم لقاء ... بدميك تتوشح
    الميت مسولب ... العجاج يكتح
    أحيَّا علي ... سيفو البسوي التَّح

    فلا جدال أن الحديث ذو شجون عن أدبيات النساء الوارد ذكرها في إصدارات الطيب وصوره الشعبية، لكن المقام لا يسمح بالإطالة، والشواهد المذكورة كفيلة بتأكيد صدقية الفرضية التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الفقرة.

    الطيب في منـزلة بين المنـزلتين:
    بالرغم من هذا العطاء الثر، إلا أن الطيب قضى أيامه الأخيرة طريح الفراش بمستشفى السلاح الطبي بأمدرمان، حيث زارته جموع من الأصدقاء والمعجبين بفنه، ومن ضمن هؤلاء الأستاذ كمال الجزولي الذي وصف لحظاته الأخيرة بشيء من الحزن والأسى: "وكنت قد زرته أخر مرة بصحبة بعض الأصدقاء، إبان رقدته الأخيرة بالمستشفي العسكري، حسبناه للوهلة الأولى نائماً، فكدنا ننسحب بهدوء لولاء أن زوجته عاجلتنا بالتمر، قائلةً: "ليس نائماً، هو فقط على هذا الحال منذ أن جئنا به إلى هنا، ولكن رؤيتكم ستسعده." ثم يصف الجزولي واقع الحال بقوله: "فتح عينه ببطء، وبدأ كما ولو كان يهم بالكلام، سوى أنه طفق يُسرح نظراته الوادعة في وجوهنا ولا ينبس ببنت شفة، رغم إلحافنا في مشاغبته، وكم كان في زمانه ... منتجاً حاذقاً لبهار الإخوانيات اللاذع وعطرها النفاذ." ويصف هذا المشهد أيضاً الدكتور مرتضى الغالي في كلمته الحزينة التي سبقت وفاة الطيب، إذ يقول عنه: "وهو في منـزلة بين المنـزلتين، بين هجمة الداء الأولى العصيبة والغادرة وبين بطء الوصول إلى أطراف العافية والعودة إلى دنيا الناس، حيث إنه حالياً على تخوم الصحو والإفاقة والإغفال، ولا يعلم أحد (لا قدر الله) إمكان الانتكاسة التي يمكن أن تسترد بعضاً من مساحات الإبلال والشفاء، و[لكن نتمنى له] استرداد مقدرة النطق والسير على مناكب الحياة مرة أخرى، ليواصل ما بدأه من مشوار في إذكاء نيران المعرفة التي تخرج منه (دخاخين دخاخين) على رواية طبقات ود ضيف الله، لأنه يتكئ على رصيد ضخم يمتلئ به صدره وعقله."
    ثم ينتقل الدكتور مرتضى من هذا المشهد الحزين والطامع في رحمة الله إلى فقرة مهمة، أحسبها مناسبة في خاتمة هذه الرسالة العرفانية، إذ يقول: ومما يزيد قيمة رصيد الطيب المعرفي، "أنه يأتي في معظمه من باب المشاهدات، والسياحة، والمسوح الحقلية، والمعايشة الراصدة، والرحلات التي تضرب فيها أكباد المستحيل من أجل الوقوف على أثر، أو حجر، أو أمثولة، أو مسدار، أو طقس حياة، معيداً لنا في حياتنا المعاصرة نموذج العلماء الموسوعيين الذين يتتبعون حصاد المعرفة التي لا ترتادها قدم."
    فهذا هو الأستاذ العلامة الطيب محمد الطيب الذي فقدناه في السادس من فبراير عام 2007م، فإن الواجب الأدبي يحتم علينا، كما يقترح الأستاذ منصور عبدالله المفتاح، أن نجمع تراثه وآثاره الكاملة في قاعة تحمل اسمه، ويكون مقرها إما في دار الوثائق القومية، أو مصلحة الثقافة، أو متحف السودان القومي. وهناك أيضاً أربعة مؤلفات تحت الطبع يجب أن تخرج إلى دائرة الضوء، وتجد موقعها في المكتبة السودانية والعربية على حد سواء، وهي: بيت البكاء؛ وتاريخ المديح النبوي في السودان؛ والصعاليك العرب في السودان؛ والإبل في السودان.
    ألا رحم الله الطيب محمد الطيب رحمةً واسعةً بقدر ما أمتع، وآنس، وأعطى، وبذل، وأنفق من جهد ومال ووقت في سبيل الارتقاء بمسيرة التراث السوداني، وتطوير خدمات الأدب الشعبي، فلعمري لا أجد الكلمات المناسبة التي تفي استحقاقات رثائه، وجرد فاتورة عطائه الماكث في الأرض، ولكن أضعف الإيمان أن اختم هذه الكلمة بأبيات من أشعار ابن الوردي في الرثاء:

    سراجٌ في العلومِ أضاءَ دهراً على الدنيا لغيبته ظــلامُ
    تعطَّلت المكارمُ والمعــالي وماتَ العلمُ وارتفعَ الطغـامُ
                  

07-18-2007, 05:23 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    ............................................
                  

07-26-2007, 09:58 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    مودتى وتقديرى
                  

09-19-2007, 11:30 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صـاحب الانـداية ..سـمح النفـس..بســام العـشيات الـوفى !! (Re: محمد عكاشة)

    مودتى وتقديرى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de