|
|
 ما سر محاولات شيخ شاطوط جذب عبد المنعم عبد العال حميده لطريق القوم
|
مدينة ودمدني السني بكل ثقلها الديني والثقافي والرياضي والسياسي وتاريخها التليد تنسب إلى العارف بالله السيخ محمد بن الشيخ مدني بن القاضي دشين ( قاضي العدالة الشهير – راجع طبقات ود ضيف الله ) ، وسمي بالسني لشدة موافقته واتبّاعه للسنة النبوية المطهرة وكان أعلم وأزهد وأكثر أهل زمانه عبادة وعبودية وعبودة كيف لا وقد صحب فريد زمانه الشيخ دفع الله بن محمد إدريس العركي الشهير المعروف
( بالمصوبن - لشدة نظافته ونقاوته وطهارته حتى أن الذباب لا يرك عليه ولا يقع له ظل على الأرض ولا يرك الطير على ضريحه - وراثة نبوية كما يعلم ذلك من شمائله صلى الله عليه وسلم – العلماء ورثة الأنبياء ، ومدده إلي يوم القيامة كما ذكر ذلك سيدي الشيخ الأكبر الطيب بن البشير ، لأنّ إستمداده من حضرة إسمه تعالى الحي القيوم - وكل ولي يستمد خصيصته من إسم واحد أما الشيخ الطيب فله كل الأسماء طرق وهذا ما جعله سلطان الأولياء بلا منازع ) ، ولما زار السيد محمد عثمان الميرغني -أطال الله عمره ونفعنا به وهدى أعداءه - ضريح الشيخ ود مدني السني في أواخر القرن الماضي وبمجرد خروجه من القبة تفجر الماء من مثوى الشيخ السني فتدافع عليه الناس تبركا وكان من بينهم زميلان لي بالبنك بودمدني شربا من النبع الأسنى وشهداها كرامة للمقبور والزائر الشريف الحسيب النسيب .
في مثل هذا الجو الصوفي الراقي الأخاذ ترعرع شيخنا الفذ / محمد عبد الرحمن شاطوط ( حي ود أزرق ) إلى أن قدم ودمدني كعادته كل عام الشيخ البشير من أبو قمري – ريفي الحوش – وكان مقر إقامته دار نور الدائم الكرنكي رحمة الله على الجميع ،وهو مجاور لمنزل شيخ شاطوط ، فأشار الشيخ البشير على والد شيخ شاطوط وكان من جملة حيرانه أنه سيولد له ولد يعتدل به ركن الطريقة بود مدني بعد اعوجاج ، فلما كان العام القادم عرض على الشيخ البشير مولوده فقال له : ليس هو ذاك ، ثم جاءه من بعد بالمولود الجديد الآخر وكان هو محمد فأخذه وقبله وقال له نعم هذا هو الإبن المبارك
فشب الشيخ على التقوى والصلاح تحفه الرعاية وتخدمه أعين العناية حتى بلغ شبابه وأخذ الطريقة على يد الشيخ البشير وتزوج ابنته ( فاتصل نسبه بعمادها الأكبر أحمد الطيب عن طريق الشيخ الجيلي بطابت ثم والده الشيخ عبد المحمود الحفيان بن الشيخ نور الدائم بن الشيخ أحمد الطيب راجل ام مرح ) وهذه سلسلة قصيرة منيرة – وقد قيل من لا نسب له فهو لقيط .
- وظل شيخ شاطوط يخدم طريق أبائة السمانية نيفا وسبعين عاما بعد أن أخذ قسطا وآفرا من الفقه والعلوم الإسلامية والعربية على نمط التربية الذي كان سائدا في بلادنا ، حيث كان الفقه عماد الطريقة فتجد الواحد منهم ربما يختم مختصر خليل أو رسالة بن أبي زيد القيرواني أو أقرب المسالك ( أهم مراجع الفقه المالكي ) مرات ومرات ربما تصل العشرين عند البعض فضلا عن حفظ القرآن المجيد دون العاشرة وكان هذا ديدن الأشياخ منذ أن دخل الإسلام السودان وإنك لتلمس ذلك بجلاء بمطالعة طبقات ود ضيف الله . وهذا هو الأساس المتين الذي بني عليه التصوف أصلا - من تصوف ولم يتفقه فقد تفسق - وقولهم الفقه شرط صحة في التصوف . ومكتبة شيخ شاطوط الضخمة أكبر شاهد على فقهه .
- لقد أرسى الشيخ رحمه الله تعالى مدرسة فريدة في التربية الصوفية تقوم على تعميق عرى الإيمان وتفقيه الطلاب والأخذ بأسباب العصر النافعة والنظام وحسن التكسب وعلو الهمة وصلة الإخوان والأحباب وإقامة الشعائر والليالي وإطعام الطعام ومداواة المرضى بالقرآن والإستخارة وتخير النافع للمريد إلخ ، ومن ثم فقد كانت للشيخ بودمدني أربعة مواقع لدروسه في الفقه والتوحيد – بود أزرق والعشير وحي مايو والدباغة فانظر حكمته ونفاذ بصيرته في التوزيع الجغرافي وتبليغ الرسالة وبسطها , وقد حضرت عددا منها بفضل الله تعالة أيام إقامتي بود مدني في الثمانينات فرأيت منه العجب العجاب ، فمن شدة النظام لا تتأخر السيارات لحظة عن التحرك لموقع الدرس لأي فرد كائن ما كان من بعد صلاة العشاء ، ومجلس الدرس يسوده السكون والخشوع كأنما على رؤسهم الطير ، والشيخ يجيب بعد الدرس على أي سؤال كان حتى غرائب مفردات العربية التي يسأل عنها بعض الدراويش و بلسان ملكون وكعادتهم في أطراف المجلس البعيدة حتي يشفق القريب من الشيخ على شيخه من الحرج فيفاجيء الشيخ الجميع بأحسن إجابه وإتمها – إنه ما يصطلحون على تسميته بكشف الحواس الباطنة ( كنت عينه التي يبصر بها 000) وذوق الأنوار – للقلب لسان نوراني يتذوق به المعاني فسرعان ما يفهم مراد القائل ويحيط النور بمحيط أجزائه ، ولقد رأيت الشيخ رحمه الله في جميع دروسه يجيب على أي سؤال وفي جميع فروع العلوم الإسلامية – طبعا ليس في التباديل والتوافيق – انتم أعلم بشئون دنياكم - وقد قرر المتصوفة أنه ما اتخذ الله وليا جاهلا و لو اتخذه لعلمه
( قيل علم الخشية والورع وليس بالضرورة العلوم التفصيلية المعروفة التي ربما وجدت عند المتأخرين دون المتقدمين ) .
- وكان الشيخ يروح على مريدية بليالي الذكر الجهري والإنشاد الديني وضحوياتها
وحتى لما بلغ المائة كان أكثر الذاكرين قوة ونشاطا كأنه إبن الثلاثين وكان يقول: الذاكر قوته قوة عشرة ، ويمازح أصحابه ويمازحوه ويناقشهم هونا في كل أمور دنياهم ويناقشوه حتى في السياسة ، وسمعت الناس عنده ذات يوم يتبرمون من شأن الإنقاذ وضنك العيش وتعسف ديواني الضرائب والزكاة فقال لهم : لولا لطف مولانا ديل كان قطسوا حجر الناس !!! ومع ذلك لم يكن يشوش على الحكام ولا يعاكسهم بل كان سلما لهم صبرا عليهم يصلونه ويوقرونه .
وكان يؤلف قصائد الإنشاد ويحول كثيرا من أغاني الحقيبة لمعني يرق ويطرب له حتى الطير في الهواء فانجذب إليه أئمة الحقيبة بود مدني وقدمائهم فعطروا ليالي المدينة وانجذ الشباب نحوها إنجذاب الذباب نحو العسل ( جنة الفردوس يا النبي يا طه ندخل الجنة نلقى فيها الراحة ) ولما تأتي هذه الأنشودة في آخر الليلة يأتي الشباب متسللين على عجل من الحي والأحياء المجاورة ، ثم لا يلبثوا أن يندرجوا في سلكه فيصبغهم بصبغته الراقية ويختم عليهم بخاتمه السماني البهي .
وشهدت يوما ضحوي برع فيه عمالقة الحقيبة القدماء وهم يصدحون بنصوص قديمة حولها للشيخ لمعاني عظيمة حول النبي والمدينة تكاد تذوب منها الأعضاء طربا وتزهق الأرواح (شارك فيها إسماعيل الأمين وغيره ) حتي الدينكا والشلك جذبهم اللحن البديع والإيقاع الفريد فزحفوا شيئا فشيئا حتى لامسوا الحلقة الكبيرة فهمس ولي العهد الشيخ مبارك رحمه الله تعالى إلى مجاوره وكنت قريبا منهما أنّ دعوة هؤلاء للإسلام بمثل هذا أفضل من عمل الفقيه ألف عام في غابات الجنوب أو هنا . وبمثل هذا أسهم الصوفيه في نشر الإسلام في القارة السمراء .
- وكان أهل ودمدني يفدون إلى الشيخ لأجل التداوي من الأسقام والعلل وأعراض الحياة ومشاكلها فيجدون عنده البلسم الشافي بأقل جهد وأيسر أسلوب ، وكانت رقيته كسرا من الثانية وتفله نذرا لا يحمله الهواء لبلوغه أشرف منازل الرجال أهل الوصال والأحوال وكنت ممن حظي بنصيب وافر من ذلك وبفضل الله ثم بركته زال عني ألم فم المعدة العنيد بمجرد ملامسة اصبعه للمحل ولم يلامس وتفله كأنه ما تفل- سبحان الله - وكان تلامذته – بأمره – يطبعون البخرات بالختّامة من كثرة الطلب عليها وحصول النفع التام وتشتمل فقط على البسملة وبمجرد إستعمالي لها مرة واحدة تخلصت نهائيا وقطعيا من الملاريا المعربدة إلى أن قدمت السعودية بعد سبعة أعوام قبيل وفاته المفاجئة بيومين فقط
- وحزنت حزنا شديدا على رحيله ولاحقا عند ملاقاة تلميذه الشيخ / خليفة ود شيخ العرب المعروف بود مدني رحمه الله تعالى بادلني مشاعر الحزن وذكر لي أنّه هو الذي تولى غسل الشيخ بيده حسب طلب خليفته وابنه شيخ مبارك رحمه الله تعالى – كما غسل من قبل إبن شيخ شاطوط الأكبر - و إنتقل المبارك للرفيق الأعلى بعد سنوات قليلة عقب الشيخ وكان الشيخ قد أعده سنين طويلة للخلافة واستخلفه في الإمامة وبعض دروس العلم وإدارة المناسبات ولله عاقبة الأمور ، وسرعان ما استخلف بعد مواراة الشيخ الثرى وجئته معزيا ومودعا للسفر للسعودية للعمل فقام أمام الوفود على قدميه مودعا وهامسا في أذني أن أجيب فيزا لإبنه مبارك المحاسب مثلي ولكن سرعان ما أصبح المغترب الإفتراضي حضورا في حضرة اهل الله تعالى وشيخا كبيرا لطريقة كبيرة إنه شيخ الفاتح نائب مدير ضرائب ودمدني أيده الله تعالى وأقام به ركن الطريقة وعماد الحقيقة والشريعة . ولما سألت الشيخ خليفة عن شيخنا الجديد وكيف سيكون حال الطريقة بعد آبائة الغر الميامين الأحيو طريق الأولين وجدته مستبشرا متهلل الوجه فقال لي: شيخ الفاتح شيخ بهجة ، ولما جاء مشهد الذاكرين بالتلفاز من ودمدني يؤمهم شيخ الفاتح رأيته تحفه الأنوار ويؤميء بمحياه إلى عظيم الأسرار . ولما زرته في إجازة العام 2002م عزيته في فقد والده المبارك ومهنئا بالخلافة التي هي ثقل عظيم وجلست أسطر مرثية في جده الشيخ شاطوط فتسلمها مشكورا وحولها لمن يلزم لوضعها في محلها. ولا زلت أذكر يوم لفوا العمامة على رأس خليفة جدبد في ضحوي الشيخ وبأمره فانفجر الخليفة ببكاء يكاد يهوي به البدن ويسمعه البعيد فصاحت به عجوز حول الحلقة : يا ولدي ما لك ما خلفوك ؟؟ وما درت أنها الأمانة التي أشفقن منها الجبال وأببين أن يحملنها !!
- ويطول الكلام في مناقب الشيخ وكراماته العجيبة التي لا يسعنا المكان والوقت لتسطيرها وهي كثيرة متنوعة قديما وحديثا وأعظم كرامته الإستقامة على الشريعة الغراء وإجابة الدعاء وانكباب الخلق عليه . وكلما ذكرته في ليلي رايته في منامي كعهده لطيفا رحيما وفيا رحمه الله وقدس سره وجعل البركة في خليفته الباهي الأنور الشيخ الفاتح .
- وعندما لقيت زميلي القديم بالبنوك عمنا وحبيبنا عبد المنعم عبد العال حميده رحمة الله الهامعة على أبيه الذي فقدناه قريبا- وجالت خواطرنا حول شيخ شاطوط ذكر لي أن الشيخ كثيرا ما كان يقول له : تعال نديك الطريق . ولكن كل ميسر لما خلق له ، فما كان يعرض عنه إباية وحرمانا من نعيم الطريق ولكن لحكمة الحكيم فكم من عامل في فجاج الحياة يعمل خارج جبة التصوف النمطية وحياته كلها تصوف وتجرد وصدق وهمة وسمو رسالة يبثها بين الناس ، هكذا كان حال إبن عبد العال مذ عرفناه في باركليز إلى أن لقيناه في الرياض في الهم العام والبذل العام والصدق العام وهذا ما يعني الفطن الحاذق ولهذا جرى خلفه شيخ شاطوط إن صح التعبير الرياضي بخلاف العادة أن يجري التلميذ نحو الشيخ وكما قال الشيخ تاج الدين البهاري جئت من العراق عشان ود عبد الصادق لينشر طريقة الجيلان في ربوع السودان لما راى ببصيرته النافذته نبوغه وصلاح قلبه
آباك الغر المحجلين
القدلو بسر تاج الدين
والسلام
|
|
 
|
|
|
|
الرشيد حسن خضر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست