|
المرأة الغرائبية الشكل 000قصة
|
المرأة الغرائبية الشكل كما يقولون، فالحديث ذو شجون 0 حدثني يوسف ود الفكي ، بصير القرية، نقلا عن شاهد العيان المادح المشهور صاحب الصوت الشجي ، السماني ود حاج مضوي0أنّه ذات ليلة من ليالي حلقات الطار،العامرة بالمدائح والأذكار، روى لهم فيما روى من سالف الأخبار، قصة المرأة الغرائبية الشكل 0 حيث أخبرهم قائلا : أيّها السّادة ، يومها وقت سماعي لرواية هذه القصة، كنت جالسا في فناء القبة الخضراء ،أسمع وأرى 0 وكان ذلك العام ، عام" الحولية " ، وكان ذلك اليوم ، يوما مشهودا ، حيث توافد الخلق فيه من كل فج عميق صوب قبة الشيخ دفع الله ود الحبر0وكانوا في أشدّ الحماس، تارة يضربون النوبة ضربا، وأخرى يدقون طبول النحاس0 وقد جاءوا زمرا من أقصى الشمال على ظهور الدواب ومتن القطار، ومنهم من قـدموا للقرية من جهة الصعيد راكبين اللواري, وآخرون جاءوا أفواجا أفواجا من الضفة الأخرى عابرين النهر على بطون المراكب 0 000 وهكذا أيّها السادة, منذ صباح ذلك اليوم , ظلت مواكب تلك الوفود تتوالى على القرية وتصل ، وهى تحمل معها الهدايا والعطايا والنذور0 وسرعان ما امتلأت ساحـة القبة ، بالمريدين والزوار، وبأصحاب أذكار النّوبة، ومُداح حلقات الطار, وبالدراويش ذوي الجلابيب الخضراء المرقعة ، وبالأطفال, وأعيان أهل القرية ، ورجال الطرق الصوفية ، وبالرايات والأعلام والكشكوش ، والأهلة0 أمّا ساحة " الخلوة " , فقد امتلأت, بالذبائح ، والدواب والأعراب, والمحاصيل, والثيران والخرفان0 وسط جموع هؤلاء الخلق , كان راوي القرية المعروف موسى الأعرج , جالسا في فناء القبة الخضراء ، يتفيأ ظل شجرة اللالوب الضخمة0 كان يحدث الزوار والمريدين عن كرامات ولي الله الشيخ دفع الله ود الحبر0 وفي نهاية الأمر ، روى لهم فيما روى ، قصة المرأة الغرائبية الشكل0 حيث سمعته يقول ، وكان ذا صوت قوي جهور: ـ أيّها السادة ، تلك المرأة الغرائبية الشكل , واستنادا على ما ورد على لسان شهود العيان الّذين ألقوا عليها النظرة الأولى يوم أن جاءت إلى القرية , كانت خلاصة أوصافها كالآتي : غرائبية الشكل , نحيلة الجسم ، جاحظة العينين ، ذات أنف عريض أفطس ، أرنبية الشفايف، أمهقية اللون ، منكوشة الشعر، محدودبة الظهر ، تميل قامتها إلى القصر0 أمّا فكها الأسفل فقد كان يحمل صفين من الأسنان الصفراء المخلفة المترادف بعضها فوق بعض 0 وكان وجهها طافحا بالبثور، وفي غاية القبح كأنّ أصابه داء الجدري0 كان أهل القرية يسمونها بخادم الخليفة, أما في السر فقد كانوا يلقبونها بـ " خُـمْسُ ضكر " 0 أمّا الخليفة فقد كان يناديها بالمبروكة , غير أنّ نساء القرية كُن يسمينها بالممسوخة أو المسخوطة ، ولم تكن تجالسهن أو تخالطهن في فرح أو كره 0ومنذ قدومها للقرية نذرت نفسها لخدمة الخلوة والخليفة ، حيث كانت تسرج حماره العالي الأبيض , وتمسك باللجام ، وتفسح له الدرب 0 كانت كالمقطوعة من شجرة ، إذ لم يعرف لها أهل أو عشيرة 0وكان أهل القرية لا يعلمون من أين جاءت ؟؟0 ولا يعرفون عنها كثير شيء , سوى أنّهم أصبحوا ذات ليلة من ليالي الخريف , كانت السماء فيها موشحة بأرتال الغيوم والسواد, ثم تراكم السحاب وصار ودقا ذا رعــد وبرق وهاج , ثم بعد العسر أسفر المخاض عن هطول الأمطار الغزيرة 0وعندما أصبح الصباح والصباح رباح , خرج أهل القرية كالعادة , يتفقدون البيوت والممتلكات , ليعرفوا مدى الضرر الذي أحدثته بها تلك الأمطار العجيبة ,لاسيما وقـد كانت على غير العادة , مصحوبة بسقوط الحجارة الثلجية متناثرة من السماء 0 وبالعواصف الهوجاء ، والصواعق،والزوابع الرعدية 0 في البدء نظروا إلى سقوف بيوت الجالوص المتهاوية, ثم تفقدوا المحاصيل الزراعية المخزنة بالقطاطي, وغشوا الزرائب , وأحصوا قطعان الماشية0 و فيماَ زال البحث جار على قدم و ساق, لحصر الخسائر في الأرواح والممتلكات , والإعلان عن المفقودات ,حينئذ وهم مافتئوا يطوفون بين حطام البيوت, و تخوم التلال , ويكثـفـون نطاق بحثهم الدؤوب0 عثروا على تلك المرأة الغرائبية الشكل مختبئة وسط أشجار المقابر0 كانت رثّة الثياب , شاحبة الوجه , وعلى عينيها ترتسم آثار الخوف والفزع 0 أمّا قدماها فقد كانتا مخضبتين بالطين , وساقاها ملطختين بالوحل حتى الركبتين , أضف إلى ذلك فقد كانت مُحمرّة العينين يكاد يتطاير منهما الشرر, حتى أنّ القوم حسبوها أول الأمر، امرأة معتوهة , كما ظنوا أنّ بها مس من الجن , ومما عزز لديهم هذا الاعتقاد و رسخ في أذهانهم سوء الظن , أنّ نهر النيل يومئذ كان هائجا ، وقد تعكر ماؤه وحمّر , وبلغ بين عشية وضحاها ذروة الدميرة0 000 وهكذا أيّها السادة, منذ طلوع الفجر ، وانبلاج ضوء الشمس على كافة أرجاء القرية , شاع بين الناس نبأ العثور على تلك المرأة الغرائبية الشكل 0وكان ذلك الخبر ، حدثا زلزل كيان أهل القرية0 وسرعان ما تناقلته وكالات أنباء ألسن النساء بالقيل والقال , وكثرة السؤال , ولم تنج من ذلك حتى ألسن الأطفال الذين ما إن علموا بالنبأ حتى تملكهم الرعب , وأصابهم الذعر , وضاقت بهم الأرض , وخلت منهم الأزقة , و تركوا اللعب بالطرقات , واحتموا من شدة الفزع بأحضان أمهاتهم ، ظنا منهم أنّها " البعاتي " 0 غير أنّ الرعب قـد بلغ أقصى مداه بين معشر النساء , إذ سُـرعان ما سرى بينهن إعصار إشاعة هائلة قوية , تشير إلى أنّ دليل القرية , بشير ود عبد الجليل , قصاص الأثر الذائع الصيت , تتبع آثار أقدامها في الوحل والطين ، فوجد أنّ لها قدم تشبه آثار أقدام البشر على سطح الكوكب الأرضي ، أمّا الأخرى فقد كانت ذات حافر مثل حوافر الحمير 0وكان لهذا الخبر الجلل ، عظيم الأثر بين المرجفات من النساء ، حيث امتنعن في ذلك اليوم عن ورود الماء من بئر القبة ، ولم يكتفين بذلك , بل أطلقن سيلا من الإشاعات المغرضة , ثبت فيما بعد أنّها كانت كلها عارية تماما من الصحة 0 حيث زعمن في إحداها أنّ تلك الساحرة الشريرة , قـد التهمت في جنح الليل ، حمار الخليفة العالي الأبيض ، الذي كان حينما يمشي في الدرب ، يطوى المسافات طيا كأنّه البُراق ، ولا يسبقه أجعص حمار بالبلدة 0 وكان لهذا الحدث المشتعل دويا هائلا , تضاعف على إثره إحساسهن بالخطر, و فورا اتسعت بينهن دائرة الخوف , وعم الصخب والرعب كافة أرجاء القرية0 ولكن أيّها السادة ، ما إن انتصف ذاك النهار , و فرغ الرجال من مهمة البحث حتى فيما وراء أشجار الغابة والمقابر، وبطون الأودية ، و فيافي الصحراء ، وتخوم التلال , وعادوا منهكين إلى البيوت , حينئذ ذهب زبـد تلك الإشاعات هباء , ومكثت الحقيقة على سطح الأرض 0وعلمت أولئك النسوة المرجفات أنّ تلك المرأة الغرائبية الشكل ، والتي جيء بها إلى الخلوة , ما هي في الحقيقة إلا امرأة مثلهن فحسب0 وحقا أيّها السّادة ، كانت تلك المرأة الغرائبية الشكل، غريبة الأطوار، فقد كانت تتزيأ بلباس الرجال0 حيث ترتدي قميص دمورية , وسروالا " قدم الحمام" , وتنتعل " مركوبا " , وتتأبط عصا غليظة , وفي ذراعها الأيسر تلبس سكين الذراع أسوة بأولئك الرجال العتاة الأشرار0 و رغم أنّ وجودها في البدء كان نشازا وسط حاشية رجال القرية الأخيار0 إلا أنّ الناس ياسادتي ، و بمرور الأيام وكما زين لهم الشيطان , ألفوا وجودها وصاروا لا يتحاشونها , وكنا ونحن صغار نراها في مواسم الأعياد الدينية , تصول و تجول وسط حاشية الرجال , بل أصبحت تصحب الخليفة في الحل و الترحال 0 عثمان عوض
|
|
|
|
|
|