((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة *

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 05:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-01-2006, 02:39 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4202

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة *

    أبريل ..الخامس والعشرون من العام 2004 ، وفى تمام الثامنة وثمان وعشرون دقيقة صباحاً..
    تجلت لوحة فنية بديعة ..تلك هى (يا ساكن الهودج)

    أحسب انها من أروع ما كُتب فى ذلك العام..


    التحية الى الشامخ الأديب جلال داؤود

    وأستميحه عذراً فى إعادة نشر هذا (البوست) مرة أخرى
    حتى يقرأ من لم يقرأ..

    ****

    (عدل بواسطة walid taha on 02-02-2006, 01:43 AM)

                  

02-01-2006, 02:42 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4202

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)

    يا ساكن الهودج .....

    ( هاتف دعاني بأن إخلع نعليك و قف مبهورا فأنت في وادي البوح المقدس لا محالة قد هوى )
    و من حيث أجهل و لا أجهل ،، قلت لبيك
    و رحت أقود راحلتي عبر سنوات التيه ،، أقودها برسن الترقب ،، في صحراء شوقي الظمآن و متاهة قلبي الولهان ،، حافي القدمين ،، معفر الجبين بغبار الأيام و السنين ،، شاخص البصر حَذَر الغدر و المباغتة ،، و القلب ذو وجيب ، أمد أكف ضراعتي علني أجد شجاعة تكفيني النظر إلى حزم النور المنبثقة من شعاع البدر المرتجى.
    لاحت عند الأفق ، كنيزك يفلق دياجير الظلام و يشتت جحافله ، تتهادى بين القافلة و حادي الركب يدندن بمزمار تنساب منه تواشيح التبتل بالأمل.
    تقبع داخل هودج .. خيوطه منسوجة من عبق حروفها ، تجلس خلف أستاره و كأني أراها من وراء حجب ، يشق ضياؤها مسام الليل و دسر الظلام.
    ضجتْ أركاني بصدى حديثها المنساب لحنا.
    أطلتْ عشرات الزنابق في عتاميري التي تشكو الجفاف.
    و صدح الكون بكل ألسنة الطير ، كروانه و بلابله و قماريه.
    و تلونت الدنيا بكل ألوان الطيف ،، بل و بألوان أخرى إنبتقتْ من طيفها الكريستالي المصقول بوهج هواجسي و وميض أوهامي.
    و خُيِلَ إلي أنني فهمت ما تزمجر به الرياح ، و إستمعت متبتلا خاشعا لتسابيح أوراق الشجر و سعفات النخيل في حفيفها و تمايلها بفعل هوج العواصف.
    و مازحتني النجيمات بأن أبشر فقد مضى زمن السهر و التحديق فيها و مناجاتها ، و قالت : لا تخف ،، فهناك آخرين سيبثونني نجواهم و سيشكون إلي عذاباتهم ، إمض في طريقك يا فتى.
    و ما أن بدأتُ رحلتي المجهولة ، أتحسس وقع أقدامي ، أتلفت في حذر ، حتى تفتحت زهرات كانت ذابلة ترنو لدفق الندى الآتي ، و تماسكت حبات الرمال تحت أرجلي ، و هللتْ شجيرات الصنوبر فبدتْ من بين رقراق السراب كدراويش في حلقة إنشاد صوفي يرفعون أكف الضراعة بتوسل يطلبون العون و المدد.
    و تنساب عبر رحلتي أنهار أنغامها المعزوفة على أوتار مشدودة من تلهفي و ترقبي ،، تموسق خطواتي ،، تقتل رتابة أيامي ،، تعيد روزنامة حياتي عشرين عاما للوراء ،، و تعيد لقاموسي القديم كلماته ،، قاموس المراهقة و العشق البريء ،، فأكتب على جدران بيتها ( أشتاق إليك كما يشتاق الزرع للماء ) ، و أرسم على لحاء الشجر قلبا نازفا يخترقه سهم كيوبيد ، و أراها تهديني منديلا مطرزا ترقد على أطرافه الأحرف الأولى من إسمينا.
    تمنيت أن يكون لي هدهد قد نجا من سلالة هدهد سيدنا سليمان الحكيم ، فأبعثه ليأتيني منها بالخبر اليقين ، أنا لا أطمع في قصر ممرد و لا قوارير من فضة أو ذهب أو حورية من الحور العين ،، فقط يقف عند حافة نافذتها و يرسل البصر عبرها و يصيخ السمع ثم يأتيني بما يذهب الظمأ و يقتل هذا العطش في مهده .
    أو أن أكون مالكا لعفريت من الجن يكون للحظة واحدة طوع بناني و رهن إشارتي فيأتيني بها و بمملكتها قبل أن يرتد إلي طرفي.
    ثم ..........
    تلبدت السماء بالغمام و السحب الداكنة و أكفهر وجهها الصافي.
    و لمعتْ البروق في ومضات متلاحقة متسارعة.
    و كركر الرعد في دوي ملأ جنبات الوادي
    فأصاب راحلتي ما جعلها تجفل و تحيد عن الطريق.
    تبعثرتْ الإتجاهات أمامي فلم أعد أدري وجهتي.
    فجفلت الطيور و توقفت عن الشدو الجميل
    و توارت الزنابق بين فتحات تربتها
    و أرْختْ أشجار الصنوبر أياديها المرفوعة
    و جن جنون العاصفة فراحت تعصف يمنة و يسرة و لم أعد أدر ماذا تقول و ماذا تبتغي
    و تمزقت أستار الهودج و تطايرت خيوط نسيجه و بقى هيكله شاهدا على حكاية لم يكتب لها البقاء.
    ترقبت ... ثم إسترقت السمع علني أسمع الهاتف يدعوني مرة أخرى
    و لكني لم أسمع غير صفير الريح على قمم الجبال البعيدة و حبات الرمال تتطاير و تلسع أطرافي ، و أسراب الطيور تحلق بعيدا تبحث عن دوحة آمنة أو واحة ساكنة.
    ( عجبي ................ )
                  

02-01-2006, 02:59 AM

tmbis
<atmbis
تاريخ التسجيل: 10-19-2002
مجموع المشاركات: 24862

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)

    واستميحك عذرا يا وليد واستاذنا ابوجهينة لاعيد نشر هذا البوست الذي ابكاني وكثير من الاصدقاء الذين عرفتهم في تلك الفترة ..
    وهو موجود في صفحة مواضيع توثيقية ومتميزة
    تراتيل على سنا البرق

    ست سنوات مضت منذ أن مددت يدي و أغمضت لها عينيها الإغماضة الأبدية.
    منتصف رمضان ،،، سهرت بجانبها حتى تباشير الفجر ،،. و عندما لاح أول خيط من شعاع شمس فجر اليوم التالي ، كانت قد حلقتْ بجناحيها ،، و أخذ الله أمانته التي أودعها إياها ،، فغادرتْ دنيانا نفسا مطمئنة ،، و نفسا راضية مرضية ،، تتبعها الدعوات بأن يشملها المولى مع عباده في جنته.
    كأنني عرفت أنها سترحل ،، شيء ما سمرني على الكرسي طوال الليل رغم الجهد الذي أصابني طيلة الشهر متنقلا من طبيب لآخر ،، متأرجحا بين الأمل و اليأس .
    تارة يوسوس لي إبليس بإلحاح يشل التفكير بأن الموت لا محالة آتٍ فماذا أنت فاعل ؟ ،،، و أطمْأن نفسي و أهدهدها تارة أخرى بالركون إلى رحمة الله الواسعة و الإرتماء في أحضان الإيمان المطلق في قضاءه و قدره النافذين.
    أحدق في الأجهزة الموصولة بجسدها كشرايين تطفو خارجه.
    صبرتْ كثيرا على المرض. تردد بإستمرار ( الحمد لله على كل حال و لا يشكر على مكروه سواه ).
    شجاعتها أذهلتني ،،، و قوة تحملها فاق الخيال.رغم الألم ،، ما فتئتْ تذكر أهلها ،، و تسأل عن القريب و البعيد ، و تعتذر لي لأنها أرهقتني كثيرا بمرضها.
    كنت أتكلم معها و هي تنصت و ترمقني بنظرات حزينة منكسرة لا حول لها و لا قوة ،، فقد طالت الأجهزة الحلق و الفم فمنعتها من الكلام ، كانت تكتب بيدها اليسرى ما تود إخباري به.
    آخر شيء كتبته : ( خلي بالك من البنات ،، أمانة )
    عند هذه الكلمات أدركت أنها تودعني و تودع هذه الدنيا الفانية.
    سألتها إن كانت تريد رؤية البنات. رفضت بشدة و بإلحاح ،، كانت لا تريد أن تراها البنات بهذا الشكل حتى لا تنطبع حالتها في أذهانهن . رفضتْ حتى أن تسافر لأهلها بالقاهرة ،، ،، لا تحب أن يروها و هي تتألم ،، ترفض نظرات و عبارات الشفقة ،، لديها إيمان راسخ بأن مهمتها فقط أن توزع الأمل و الإبتسامة.
    الطبيب السوداني ،، ربت على كتفي و همس في أذني : لا تفارقها الليلة أبدا. كم قوية هي هذه المرأة ،، فقد قاومت المرض بشكل شجاع و عنيف. ربنا معها و معك.
    نظرتُ إليه بتوسل ،، وددت لو خدعني بكلمات تجعل الأمل يبرق في نفسي و لو كبصيص جذوة نار خابية. تمنيت أن يرمي إلي و لو بقشة هشة وسط خضم أمواج اليأس العاتية كانت تكفيني لكى أتشبث بها و أطفو على سطح الرجاء.
    هز رأسه بأن لا أمل. فغاص قلبي بين أضلعي و أحسست أن شيئا يطبق على رأسي و يعتصره إعتصارا.
    إنتابني شعور بأنني أسبح في فضاء عريض ،، و أنني سأهوى من إرتفاع شاهق دون الإرتطام بالأرض لأعاود السباحة في فضاءات اليأس و القنوط .
    لم أجرؤ على النظر إليها. شخصت ببصري بعيدا أنظر إلى لا شيء.
    ثم عاودني الوسواس بأن الفراق قاب قوسين أو أدنى.
    فأنحنيت فوقها و لثمت جبينها ،، و سارعتُ بمسح دمعة قبل أن تبلل جبينها .خفت أن ترى ضعفي في موقف تحتاج فيه إلى قوتي.
    إختلست نظرة تجاهها.
    وجدتها تنظر إلي و هي بالكاد تبتسم من جانب فمها. تشجعني و هي في أشد الحاجة إلى جرعة تشجيع.
    أضاء نور غريب كل وجهها ، فتوهج ،، و كأن العافية تتجدد فيها . إنه هدوء ما قبل العاصفة.
    شخصتْ ببصرها نحوي طويلا كأنها تملأ ناظريها مني لآخر مرة
    جلست جوارها. أهذه هي النهاية ؟
    و مر شريط الذكريات أمامي سريعا ،، تتزاحم فيه الصور و الرؤى.
    أهذا الجسد المسجى هو جسد تلك الفتاة التي كانت تملأ الدنيا ضجيجا و حبا ؟
    كانت لا تعرف الهدوء ،، شعلة من نشاط و حركة.
    عملها في مجال علاج الأطفال ذوي المشاكل في السمع و النطق لم يجعلها تركن إلى الهدوء بعد عودتها من عملها ، رغم أنه عمل مرهق تماما. تخلع البالطو الأبيض و تبدأ برنامجا آخر يبدأ بالسؤال عن الجيران ،، ثم تبدأ في التخطيط للخروج و السهر في أي حديقة عامة.
    عشقها الأطفال.
    لا تفوت مناسبة دون أن تذهب لتجامل هذه و تزور تلك.
    دائما تقول : الدنيا ما تسواش التراب اللي بنمشي عليه.
    كانت تصر على بيع شقتنا في القاهرة و شراء بيت في الخرطوم ،، أو في أي ركن من السودان ،، كانت تتمنى أن تعيش في قريتي الوادعة على ضفاف النيل ،، لتملأ الماء من النيل و تحش القش و تلتقط البلح المتساقط بفعل الرياح ،، و تحلب الغنم ،، كانت أمنيتها أن تعيش عيشة ريفية هادئة بعيدا عن صخب القاهرة و الرياض. كانت تستمع إلى وصف الأهل القادمين من إجازاتهم بقريتنا فتسارع و تسألهم عن كل شيء بالقرية . تستمع إليهم و هي مبهورة.
    خالتي التي أتت لزيارتنا بالرياض ،، كانت لا تعرف غير كلمات عربية قليلة لا تتعدى أصابع اليد،، كنت أستغرب عندما أجدها ( تتونس ) معها بالساعات ،، تضحكان ،، و هما في المطبخ ،، أنام و أصحو أحيانا لأجدهما تتسامران ،، و خالتي تتكلم معها ( بعربي مكسر ،، نصفه رطانة و نصفه عربي من تأليفها الخاص ) .
    خالتك دي و الله زى العسل.
    لا تعرف معنى إدخار المال ،، تؤمن بالمثل ( أصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب ).
    رأيتها أول مرة في مناسبة زواج.تتنقل بين المدعوين كفراشة توزع عبق الأزهار ، تمازح هذه و تضحك مع تلك و تهمس في أذن أخرى.
    رأيتها فتقدمت منها و ألقيت عليها التحية ، فردتْ بحرارة و كأنها تعرفني ،، و جلسنا نتحادث دون أن نشعر بالوقت حتى مغادرة آخر مدعو. كأننا نعرف بعضنا البعض منذ زمن طويل. نسينا أننا في مناسبة عامة و أن هناك أناس حولنا. جلست في حضرتها بكل عفوية ،، و إنطلقتْ هي تحكي و تحكي ،، و أنا أبادلها الحكاية بمثلها ،، و تضحك من لهجتي و تقول :
    إنت صعيدي على السكين.
    شيء ما في دواخلها نفذ إلى أعماقي. بروحها الشفافة ،، فالذي في قلبها على لسانها.
    صاحب الدعوة أتانا ليحدثنا بأن كل المدعوين قد إنصرفوا.
    ضحكنا كثيرا لهذا الحدث.
    تعمدت زيارتها بمكان عملها بأعذار مختلقة.
    و يوما ،، دون مقدمات طلبت يدها للزواج.
    ترددتْ ،، ثم طلبتْ مهلة لتفكر.
    هاتفتني بالموافقة ،، و طلبتْ حضوري لمقر عملها.
    نادت على كل زملاءها و زميلاتها قائلة : مش عارفة إيه اللي خلاني أوافق عليه بالسرعة دي.
    تزوجتها في منتصف رمضان ،، و رحلتْ عن الدنيا في نفس اليوم من شهر رمضان بعد خمس سنوات.
    سريعة التكيف مع الناس ،، تختصر الكلفة في ثوان معدودة ،، من أول مقابلة مع أي إمرأة تكون قد أضافتها لقائمة صديقاتها الحميمات .
    تطبعتْ بطبائعنا ،، تعلمتْ فنون مطبخنا ،، توشحتْ بالثوب السوداني. تفنَنتْ في نقش ( الحنة ) ،، كانت تأتيها كراتين من السودان ملأى بحاجيات سودانية بعد كل إجازة يعود فيها العائدون من هناك ، فهى كانت قد أدمنت الويكة و القنقليز و النبق ،، و عشقتْ عطورنا. أما عشقها الكبير فكان الإستماع لمصطفي سيدأحمد. كانت تقول أن صوته ينقلها إلى عالم آخر فتنسى أنها تعيش و تتنفس. كانت تبكي و هي تستمع لأغانيه ،، فلا تستطيع إكمال أغنية واحدة بشكل متواصل.
    فوجئت بعدد السودانيات اللائي كن يبكين بحرارة يوم مماتها،، نساء لم أكن أعرفهن .
    إنقلبتْ شقتي إلى بيت ( بكا ) سوداني و كأننا في حى من أحياء الخرطوم أو قرية من قرانا .
    بعد أن تم دفنها عصر ذلك اليوم ،، طلب مني شيخ وقور أن لا أغادر مكان قبرها سريعا لأن الميت يسمع دبيب خطوات أهله و هم يغادرون ،، طلب مني أن أجلس و أدعو لها.
    جلست على ركبتى طويلا على حافة قبرها ،، لم أجد ما أدعو به ،، ضاع كل الكلام من رأسي ،، كأن ذهني قد أصبح مثل ورقة بيضاء. وقفت ،، خطوت بعيدا لأغادر ،، ثم رجعت و دعوت لها طويلا ،، إنطلق الدعاء مثل شلال متدفق ، لا أدري كيف أسعفتني ذاكرتي بكل هذا السيل المنهمر من الدعاء النابع من أعماقي. زخات من الدعاء الصادق و أنا أستحضرها أمامي.
    سمعتُ من أناس لا أعرفهم قصصا عن مساعدتها لهم ،، لم تكن تخبرني بما تفعله تجاه مساعدة الآخرين.
    كانت تقول أن جدها عمدة صعيدي ،، و أن طبائع السودانيين تشبه إلى حد كبير طبائع أهلها الصعايدة.
    ليلتها بالمستشفى ،، إنتفض جسدها ،، هرولت إليها ،، أشارت إلى الورقة و القلم
    كتبتْ ما معناه أنها رأت رجلا غريبا يمر من أمامها و هو يلبس ثوبا أبيضا ناصع البياض.
    وقفت أتلفت حولي ،، لم يكن هناك أحد غيرنا. شعرت بخوف و رهبة ،،، غرفة الإنعاش تبدو كثلاجة كبيرة ،، و الأجهزة تدق في رأسي بشكل رتيب كموسيقى حزينة ،،،، و هي تكتب بتكرار و إصرار أنها رأته يمر من أمامها عدة مرات.
    قرأت آية الكرسي و اضعا يدي على جبينها. شعرت أنني أقف على عتبة عالم آخر معها ،، و أنها ستودعني على بوابة هذا العالم لأعود مرة أخرى إلى دنيانا.
    كان قد تكرر لديها حلم واحد كثيرا بعد زواجي منها. كانت ترى أنها طائر يقف على غصن شجرة عالية ،، يغرد ثم يختفي صوته فيقع هامدا على الأرض.
    قرأت كل كتب تفسير الأحلام ،، لم أجد ما يشفي غليلي في تفسير حلمها.
    عرفت معناه بعد أن فارقتني سريعا ، كطائر مهاجر يقف على غصن شجرة يتدلى بالقرب من النافذة ،، فيغرد ثم ينطلق في رحلة مجهولة ،، فتتابعه بنظرك حتى يختفي في الأفق البعيد ، فتظل أصداء تغريده تتردد بين جنباتك كموسيقى خلفية لمشهد موغل في الحزن و اللوعة و الفجيعة.
    سريعة الإنفعال ،، و لكن غضبها لا يعدو أن يكون تجهما في وجهها ثم سرعان ما تعود إلى طبيعتها و كأن شيئا لم يكن.
    أشارت لي بيدها أن أذهب لأرتاح.
    جلست على الكرسي بجانبها ،، غفوت قليلا بسبب الإرهاق جراء السهر المتواصل لعدة ليال ،، أيقظتني الممرضة قرب الفجر ،، ،، كانت أنفاسها تتلاحق ،، و عيناها زائغتان و لكن دونما خوف أو وجل ،، هرولتْ الممرضة إلى الطبيب ،،، إقتربتُ منها ،، أمسكتْ بيدي ،، ضغطتْ على يدي بقوة ،، عيناها كانتا تقولان الكثير و الكثير ،، و لكنني أجزم بأنها كانت توصيني على بنتيها للمرة الأخيرة ،،، صار جسدها باردا كالثلج ،، نظرتْ إلي طويلا ، عرفتٌ أنها نظرة مودع ،، و سالت منها دمعة كبيرة حتى إستقرت خلف عنقها ،، إرتخت يدها رويدا رويدا ،، و إرتسمت إبتسامة وادعة على جانب فمها ،، و أشاحت بوجهها للناحية الأخرى ،، و توقف قلبها الكبير عن الخفقان ،، و كفَتْ الأجهزة عن الضجيج ،، و ران صمت مهيب على الغرفة ،، مددت يدي و أغمضت عينيها بحركة آلية ،، و مددت الغطاء عليها ،، و أنا بين مصدق و مكذب ،، و كأنني سأغطيها لتنام و تصحو ، لتقول : صباح الخير.
    لأول مرة أمد يدي و أغمض عيني ميت.
    رغم الحزن الجاثم على الصدر ،، و الرغبة في إطلاق بركان البكاء ،، إلا أنني شعرت بهالة مضيئة من الإطمئنان على وجهها تدعوني أن أصبر و أحتسب و أن أصمد لأن أمامي أمانة لا بد أن أؤديها لها.
    للموت سطوة ،، و في الموت حكمة ،، لا يعلم سره إلا الملك الجبار.
    من التراب إلى التراب . و لله في خلقه شئون.
    فله الحمد و عظيم الثناء. و الرحمة لكل أم تركتْ صغارا.
    تداعت هذه الذكرى الأليمة بعد كل هذه السنوات ، عندما سألتني صغرى البنات اليوم و هي تطيل النظر إلى صورة أمها التي تضعها على طاولتها الصغيرة :

    كيف كان صوت أمي ؟
                  

02-01-2006, 04:31 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4202

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: tmbis)

    العزيز علاء ..
    مع هذا الكم الهائل من الحزن والقدرة على التعبير عنه تجدنى أزداد إحتراماً وإعجاباً بهذا الرجل


    هو إبداع فريد حين يحفه الصدق

    التحية للأستاذ جلال داؤود وعُذراً إن اثرنا شئ طواه قدراً من النسيان


    ودى وإحترامى

    وشكراً علاء للمرور
                  

02-01-2006, 03:36 AM

ود المايقوما

تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 1314

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)

    الاعزاء / وليد وتامبا فعلا مااروع كتابات ابوجهينة . لكم التحية على اعادة النشر .



    وتحياتي للرائع ابوجهينة
                  

02-02-2006, 01:41 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4202

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: ود المايقوما)

    الأخ ود المايقوما تحية صباحية

    وشكراً لمرورك
                  

02-02-2006, 01:46 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22487

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)

    وليد طه الحبوب

    تحياتي العطرة

    يوم شكرك ما يجي ..
    و لكن إختيارك صادف نفس أسباب كتابتي للموضوع .. تصدق ؟؟
    سبحان الله .. كأنك تقرأ أفكاري ..
    سلمت
                  

02-02-2006, 02:03 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4202

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: ابو جهينة)

    سلمت سيدي
    التحية لك إينما كنت
    ونلتقى


    ودى
                  

02-02-2006, 09:34 AM

مهيرة
<aمهيرة
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 944

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)

    مايكتبه المبدع ابو جهينة..درر فريدة...تحتار ايها تختار

    تحياتى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de