بونا ملوال تغنى بالانفصال ورقص مع سلطة الخرطوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 08:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-31-2006, 09:05 AM

ياسر حسن المبارك
<aياسر حسن المبارك
تاريخ التسجيل: 03-07-2005
مجموع المشاركات: 60

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بونا ملوال تغنى بالانفصال ورقص مع سلطة الخرطوم

    هذة بعض مقالات بونا ملوال السابقة قبل تولية حقيبة وزاراة شئون مجلس الوزراء وقبل موت الراحل د.جون قرنق أقرا وقارن

    شعار (السودان الجديد) والوحدة
    بقلم: بونا ملوال
    مبدأ دعاية السلع في التجارة هو الإقناع والتكرار. المنتجات التي يتم الإعلان عنها تكراراً لديها فرصة أفضل للفت أنظار المستهلك رغم أن نوعية السلعة ربما لا تكون جيدة كما في الإعلان. زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان- ربما استوعب هذا المبدأ الدعائي بإفراط- وهذا إضرار بمصلحة جنوب السودان السياسية. والآن وقد ألقت دارفور بظلالها على محادثات السلام حول الجنوب ، فربما يكون هناك بعض المجال للتوضيح العلني لتلك القضايا. هذا الكاتب يعتقد أن الوقت قد حان لمناقشة تلك القضايا في العلن حتى لا يسير شعب جنوب السودان وهم نائمون نحو حرب دون تعريف الأهداف.
    عندما بدأت حرب 1963 كان السودانيون الجنوبيون غاضبين جداً على الطريقة التي نقض بها الجنرال جعفر نميري اتفاقية أديس أبابا 1972 التي منحت البلاد كلها عشرة أعوام من السلام. اعتبر غالبية السودانيين الجنوبيين فعل نميري ليس فقط كحنث آخر للاتفاق مع الجنوب من جانب الشمال ولكن أيضاً كآخر قشة. ليس على شخص -لم يكن جندياً أبداً ولم يحارب أبداً من أجل شعب بالسلاح- أن يحكم حول ما حققت الحرب.. ولكن غالبية السودانيين الجنوبيين كانوا يأملون أن يكون للجيش الشعبي أثر سياسي وعسكري في علاقاتهم مع الحكومات في الخرطوم. تمنى الكثيرون أنه إذا تطلب الأمر التفاوض مع الحكومة -أن هذه الأمور لابد من التفاوض عليها- فإن على جنوب السودان أن يتفاوض وهو جالس على منطقته الجغرافية كما كانت في الحدود مع شمال السودان في 1 يناير 1956 ولا يُتهم أبداً بأنه توسعي وللمرة الثانية، ماذا حدث ولماذا يفاوض جنوب السودان اليوم دون سيطرة عسكرية على جنوب السودان الجغرافي. إنني سوف اقتصر نفسي فقط على القضايا السياسية التي ادعى الحق الشرعي في إبداء رأيي الشخصي فيها.
    إن الواجب الرئيسي الأول لأية حركة تحرير في اعتقادي هو الإفصاح بوضوح والإعلان على نطاق واسع للقضية السياسية التي من أجلها يتعين على الناس أن يحملوا السلاح ويموتوا في سبيلها. فقط الإفصاح المقنع لأهداف الحرب هو الذي يحشد مجتمعاً لتلك القضية. ولحسن حظ قيادة الجيش الشعبي فإن الغضب في جنوب السودان ضد الشمال كان شديداً جداً لدرجة أنه كان كافياً لإخفاء أجندة شخصية بحتة. زعيم الحركة الشعبية يتباهى أنه كان فقط ينظم غوغاء غاضبين من السودانيين الجنوبيين كقوة مقاتلة. إن ذلك التأييد للجيش الشعبي في جنوب السودان الذي يعتبر «السودان الجديد» تطلعات سياسية للجنوب هو علامة نجاح هذه الخدعة السياسية.
    بينما كانت فكرة «السودان الجديد» حشد المجموعة غير العربية في السودان الأوسع للإستيلاء على السلطة من العرب فإن ذلك كان يمكن تحقيقه فقط عبر الحرب. ليس هناك وسيلة لحشد الناس على أسس عنصرية للإستيلاء على السلطة دون حرب -ما لم يتحقق ذلك عبر عملية ديمقراطية تتطلب تنظيماً وتعبئة من نوع مختلف تماماً عن الحرب. التنظيم ديمقراطياً ليس ممكناً إذا كان زعيم الحركة كارهاً للعملية السياسية كما يكره زعيم الحركة الشعبية. «السودان الجديد» إذن وصفه للحرب؛ حرب أبدية.
    حتى إذا فوت المرء حقيقة أن الحاكم العسكري الإثيوبي منجستو هيلاماريام الذي وفر للجيش الشعبي مساندة عسكرية ولوجستية ضخمة لم يكن مقتنعاً بتأييد حركة انفصالية في جنوب السودان؛ وعلى افتراض أن غالبية الشباب السودانيين الجنوبيين اليوم الذين أصبحوا جنوداً في الجيش الشعبي اعتقدوا أنهم كانوا ذاهبين للقتال في صفوفه -كان من الممكن إقناع منجستو بمساعدة الجنوب تحت أجندة جنوبية صرفة دون تحديدها بإصطلاح انفصال. منجستو لم يساعد الجنوب لأنه اقتنع بعدالة قضية الجنوب ولا لأنه كان يحب السودانيين الجنوبيين. منجستو فعل ما فعله لأن نظامه رأى أن الخرطوم تساعد الحركتين المتمردتين في إثيوبيا -جبهة التحرير الأريترية وجبهة التحرير التيقرية ضد نظامه. الشيوعية ربما كانت لها علاقة بالأمر إذ ادعت قيادة الجيش الشعبي الشيوعية.
    كان هذا خلال الحرب الباردة عندما اعتبرت «الديمقراطيات الغربية» إثيوبيا منجستو نظاماً شيوعياً يجب إزالته من السلطة. بهذه الخلفية من النجاح الغربي ضد الشيوعية في أوائل التسعينات انتعشت حركتا التمرد في إثيوبيا. فقد تمتعتا بمساندة قوية وتعاون من جانب الغرب لهزيمة منجستو. كم من الظروف السياسية العالمية الشبيهة مرت طوال السنوات الماضية دون أن يستغل زعيم الجيش الشعبي أي واحد من تلك الظروف لمصلحة شعب جنوب السودان؟
    إذا كان زعيم الجيش الشعبي حريصاً حقاً على استغلال الفرص فإن أفضلها كان عملية سلام إيقاد ذاتها. طوال الأحد عشر عاماً تباطأ زعيم الجيش الشعبي في عملية سلام إيقاد رافضاً تحديد مصلحة الجنوب والتفاوض عليها بحسن نية عندما انحصر تفويض عملية سلام الإيقاد على جنوب السودان دون أي ذكر لـ «السودان الجديد». إن السنوات الإحدى عشرة من البحث عن سلام في الجنوب تحت رعاية إيقاد لا تشمل فترة مشابهة قبل ذلك التي تشمل جولتي أبوجا لمفاوضات السلام. خلال كل ذلك الوقت تجنب زعيم الجيش الشعبي مفاوضات جادة لأنها كانت قاصرة على الجنوب وبدا غير مكترث أو غير مستعد للتفاوض لمصلحة الجنوب.
    فضلاً عن شعار «السودان الجديد» الذي لا يمكن تحقيقه وبالتالي الفارغ فإن زعيم الجيش الشعبي كذلك بدا مهتماً فقط أولاً ببناء حركته كحركة سياسية وحيدة لجنوب السودان. ولتحقيق ذلك الهدف بدأ تطبيق حملة اغتيالات سياسية لشخصيات سودانية جنوبية وقيادات سياسية وشمل ذلك منع حرية التعبير التي اشتهر بها السودانيون الجنوبيون، لم يسمح لأي شخص التفكير بحرية. على الكل أن يفعلوا كما يريد الزعيم. كان الماضي قذراً وقبيحاً وكان (على الجميع) أن يتبرأوا منه. فقط الزعيم تحدث وفقط ما كان يقوله الرئيس كان يتردد في الصدى. إنها كانت سياسة مبنية على الفشل وفعلاً فشلت في النهاية. فقط السكان المدنيون في جنوب السودان الذين لا ينتمون الى الجيش الشعبي الذين تعذبوا باسم الثورة والذين لم يدركوا الإخفاقات الداخلية لما كانوا يعتقدون أنها كانت حركتهم التحررية -ظلوا يأملون أن الأمور سوف تتغير. في غياب السلوك القويم والمحاسبة في تكوين الجيش الشعبي فإن أي شخص يملك بندقية اعتمد عليها في كل شئ. نتج عن ذلك الفشل الصاخب انقسامات في الجيش الشعبي شاهدناها كلنا في أوائل التسعينات عندما أُطيح بمنجستو ولم يعد هناك أي شخص آخر يمكن الاعتماد عليه للمساعدة. ولحسن حظه عندما حدث الانشقاق أنشأ الزعيم بنجاح آلية دعاية مبنية على تدفق منتظم للأكاذيب ومزيد من الأكاذيب.
    ما كان يريده الجنوب في بداية حرب التحرير الجديدة في العام 1983 هو تحديد أهداف الحرب. هل حمل شعب جنوب السودان السلاح لإعادة علاقة مع شمال السودان شبيهة بتلك التي تراجع عنها الجنرال نميري تحت اتفاقية أديس أبابا أم شى آخر؟ وهل كان ذلك «الشئ الآخر»«السودان الجديد»؟ غالبية المحاربين من رجال ونساء الجيش الشعبي بدوا قانعين باعتقادهم أن «السودان الجديد» - شعار قائدهم- كان نفس الشئ الذي كانوا يتمنون لجنوب السودان. ولكنهم لم يكونوا مستعدين لقول ما هو بالضبط ما كانوا يريدونه لأنفسهم ولشعبهم. إن الزعيم الذي ألف شعار «السودان الجديد» كان سعيداً لأنه لم يُسأل حول برنامجه السياسي.
    كثيرون في الجيش الشعبي الذين تجرأوا على انتقاد ذلك الاتجاه لم يعودوا موجودين بيننا، دُمروا وبعضهم لم نسمع عنهم أبداً لأنهم تجرأوا وانتقدوا حكمة الزعيم. عندما كان للزعيم مزاج جيد للدردشة مع جنوده حول هذه الأسئلة الجادة عن التحرير فقد كان يرد عليهم الزعيم بذلك الكلام الشهير حول تحرير الجنوب حتى كوستي في شمال السودان. (عندما نصل كوستي على الذين يريدون تحرير الجنوب فقط أن يتوقفوا هناك، أما أنا فسأواصل مع أولئك الذين يرغبون متابعتي لتحريرالشمال لتكملة تحرير كل السودان لإنشاء «السودان الجديد») أين يقف شعار «السودان الجديد» اليوم في أعقاب حقائق جديدة في السودان -بعد دارفور وبعد ما لا نعرفه حتى الآن؟
    إن جنوب السودان معلق اليوم على شعارات فارغة. أعلن الزعيم انه بالحرب حقق نصف ما كان يبغيه - خلق «السودان الجديد». أما النصف الآخر فسيكتمل بالاستيلاء على سلطة الدولة عبر اتفاقية السلام. ولتحقيق ذلك فقد أكد الزعيم أنه سوف يحتفظ بسلطة الجنوب في يده شخصياً بتوليه لثلاثة مناصب بعد اتفاقية السلام: النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس حكومة جنوب السودان، قائد جيش خاص ينفق عليه جنوب السودان.
    يبقى موقف شمال السودان غير الواضح حول «السودان الجديد» لأنه ليس نفس الشئ كما الوحدة بين الجنوب والشمال. ولكنه شعار للإستيلاء على السلطة في كل أنحاء السودان. مسألة الوحدة أو عدمها تظل مسألة نقاش بين الجنوب والشمال. بروتوكول مشاكوس الموقع في كينيا في 20 يوليو 2002م منح فترة انتقالية مداها ستة أعوام. هذه هي الفترة التي يتعين فيها على الشمال والجنوب أن يعملا يداً في يدٍ لفعل ما يكفي لتغيير موقف الجنوب لصالح الوحدة. ولكن هناك أعداداً متزايدة من السودانيين الشماليين الذين يعتقدون أنه ما لم يُلزِم الجنوب نفسه بالوحدة مع الشمال قبل بداية الفترة الانتقالية -فلا داعي لمضيعة الوقت والموارد. إن هذا ابتزاز سياسي خام. هذه جماعة من السودانيين الشماليين وليست أقلية صغيرة مهما بلغ الخيال- تريد تحقيق الوحدة مع الجنوب بثمن رخيص. إن هذا لا يمكن أن يحدث ولن يحدث، إن الوحدة لها ثمنها. إنها ليست رخيصة.
    في الأسبوع القادم سوف نتحدث عن ماذا سنفعل كلنا جميعاً- شماليين وجنوبيين- لتحقيق سلام حقيقي؟
    ترجمة/ أحمد حسن محمد صالح


    أفضل نظام حكم للسودان
    بقلم: بونا ملوال
    طرح متمردو دارفور إقتراحاً متطرفاً ولكنه مثير للاهتمام في ذروة الأزمة في ذلك الاقليم من بلادنا . ويبدو أنه لم يجد استجابة من احد دعك من أخذ المسألة محمل الجد - وبالذات الحكومة التي طرح لها هذا الإقتراح أصلاً. انها طبعاً الحكومة هي التي عليها أن ترد عندما يطرح والاقتراح في مفاوضاتها مع المتمردين - إذا عرضوا (الاقتراح) رسمياً.
    ان مشكلة السودان دائما ان الاقتراحات الجيدة تطرح في ذروة الخلافات ولذلك فان الطرف الآخر يرفضها دون تردد مع أنها ربما تكون مفيدة ، هذا ما حدث عندما تجاهلت (حكومات الخرطوم) الفدريشن (الحكم الفدرالي) عندما طرحه الجنوب . وكان يمكن لذلك النظام في الحكم - إذا تم تبنيه في الخمسينات - أن يحل كل مشاكل السودان . وصفت الفدرالية بأنها اسم آخر للانفصال.
    والآن لأن دماءً بشرية كثيرة قد أهدرت والمشاعر ضعيفة - أصبحت الفدرالية حلاً مباشراً حتى بالنسبة لأولئك الذين طرحوها أصلا - مع أنها تطبق حالياً بطريقة عقيمة بواسطة أولئك الذين رفضوها في السابق.
    متمردو دارفور إقترحوا عودة السودان لتقسيم المناطق الى تسعة اقاليم- مديريات السودان التسعة الاستعمارية القديمة ؛ وان تعتبر كلاً من الاقاليم التسعة ولاية فدرالية - كياناً إدارياً وسياسياً ؟ وكل كيان يحكم كوحدة مستقلة ببرلمان منتخب خاص به ومجلس وزراء يرأسه رئيس ولاية إقليمي أو رئيس وزراء ويكون رئيس الحكومة الاقليمية في كل من الاقاليم التسعة نائباً لرئيس الجمهورية القومي كمنصب شرفي وان لا يكون هناك أي نائب رئيس جمهورية آخر وان يتناوب نواب رئيس الجمهورية الاقليميون التسعة على منصب نائب رئيس الجمهورية في المركز حسب الحاجة - ويكون لكل من الأقاليم التسعة برلمان منتخب بنسبة محددة حسب عدد سكان كل إقليم يسرى ذلك على كل الاقاليم التسعة . وبكلمات أخرى فان عضوية كل برلمان اقليمي تحدد بعدد سكانه - مثلاً إذا مثل مقعد برلماني 50 ألف نسمة فان ذلك يسري على كل الاقاليم - يتكون البرلمان القومي من مجلسين مجلس النواب ومجلس الشيوخ ويتكون مجلس الشيوخ من تمثيل إقليمي متساوٍ - فلنقل عشرة من كل إقليم ؟ يكون لكل اقليم جهاز قضائي فدرالي مستقل ومحكمة عليا فدرالية ؛ وان تصبح المحكمة العليا الفدرالية محكمة الاستئناف والمحكمة الدستورية القومية كملاذ أخير (للاستئناف) بالطبع هذا اقتراح مطروح للتفاوض ولم يتطرق لمسائل سياسية ودستورية كثيرة بالتفصيل . مثلاً الاقتراح لا يذكر ما هي السلطات التي تستمتع بها الاقاليم التسعة وأية سلطات ستبقى لدى السلطة المركزية.
    اذا كان هناك أية فرصة لنجاح النظام الفدرالي أو أي شكل آخر من أشكال الحكم الذاتي كنظام حكم في السودان وحتى فقط للفترة الانتقالية - فيجب أن يكون دقيقاً حول كيفية تقسيم السلطات بين المركز والاقاليم. ان من أطول مآسي السودان أن كل من يتولى الحكم في المركز اعتبر السلطة حقاً له ولا يربطها مع بقية البلاد . لست واحداً من أولئك الذين يعتقدون أنه ما زال هناك الكثير من المصداقية في نظام الحكم في السودان ما يثير الآلام في الانسان.
    انني إذن أترك الخيارات مفتوحة حول مستقبل السودان وحتى حول هذا الاقتراح المثير الذي طرحه متمردو دارفور. ولكن اذا كان لذلك المستقبل أي أمل أو فرصة فيجب ان يبدأ نقاش على نحو جدي حول كيفية ادارة البلاد. ولتحقيق ذلك (في رأيي) يجب قبول حقيقة أن كل واحد منا ينتمي إلى اقليم في السودان قدم منه وان كل أهل اقليم لهم الحق في ممارسة السلطة على أنفسهم وان الأقاليم وحدها تعرف ما هو أفضل لشعبه ولاقليمه وانه طالما كان تقسيم السلطات بين الاقاليم عادلاً ومتساوياً فلا حاجة لأي واحد ان يتظلم وأن دور الحكومة المركزية يتركز على التنسيق بين أقاليم الأمة المختلفة حتى لا يتخلف أي واحد منها كثيراً فيما يتعلق بالتنمية وممارسة السلطات التي ترد ضماناتها في الدستور . وعندئذ ستكون الأمور على ما يرام بتجربة جديدة حول كيفية تقسيم السلطة . وعلى ذلك يصبح الدستور القومي منسقاً لعملية تقسيم سلطة متفق عليه بين الأقاليم المختلفة ، مثلا لا أحد يعتقد أن ثمة خلافا سوف ينشأ بين الأقاليم والمركز حول من سيكون مسيطراً على الشئون الخارجية ؛ الدفاع ؛ التخطيط الاقتصادي القومي : إذا قنع (رئيس الدولة) مهما يكن شخصه بتلك السلطات الاضافية التي لا تملك الأقاليم أهلية لممارستها فان ذلك سوف يشكل تقدما كبيراً ، على الأقاليم أن توضح ما نوع السلطات التي تحتاجها لذاتها كي تكون قادرة على حكم مناطقها ومواطنيها بكفاءة : ما يتبقى من السلطات تؤول الى المركز . فمثلاً من السخف لأي واحد من المركز تعيين الولاة أو رؤساء حكومات الأقاليم بدلاً من اولئك الاشخاص المنتخبين بواسطة مواطنيهم حيث ان حكام الولايات سيكونون مسؤولين أمام مواطنيهم . المحاسبة أيضاً في قلب مشاكل السودان. الناس في الاقاليم لا يعتقدون ان من يتولى قمة الحكم في المركز مسئول أمامهم . انهم لا يعرفونه أو يعرفونها وفي كثير من الحالات لا يشاركون في انتخابه أو انتخابها كرئيس حكومة في المركز . إذا أصر ذلك النظام على فرض رئاسة الحكومة الاقليمية على أهل الاقاليم بالتعيين فان ولاء اولئك المعينين بهذه الطريقة فسيكون بقدر كبير لأولئك الذين عينوهم بدلاً عن المواطنين الذين يفترض أن الولاة المعينين يقومون بخدمتهم حتى بأقصى درجات حسن النية فإن ذلك النظام لن يكون عادلاً أبداً .
    اذا كان اقتراح متمردي دارفور والاقتراحات الشخصية الاضافية صالحاً للتنفيذ والأهم من ذلك اذا كانت حكومة السودان مهتمة بنقاش عام لتلك القضايا - فان الحكومة وحدها مؤهلة للسير بهذا النقاش الى الأمام ليس فقط بقبول تلك الاقتراحات من متمردي دارفور - أولا كبرنامج عمل لوقف القتال في دارفور - ولكن أيضاً وقف اطلاق النار في كل جبهات القتال على أساس أن ثمة حواراً قومياً يتم ترتيبه حول تلك القضايا . ثانياً على الحكومة أن تنشيء هيئة حوار وطني تمثل كل أقاليم السودان وكل جماعاتها السياسية. يجب تحديد جدول زمني في غضونه يعقد مؤتمر حوار وطني حول نقاشات الحل السياسي لمشاكل السودان . فاذا توصل مؤتمر الحوار الوطني لاتفاق سياسي على كل قضايا الحكم يمكن ان يحول ذلك المؤتمر الى لجنة دستور قومي لصياغة الاتفاق السياسي كي يصبح (في نهاية المطاف) دستوراً مؤقتاً.
    وبينما تتولى لجنة الدستور القومي مهمة صياغة دستور مؤقت من وثيقة الحوار الوطني - يتم تعيين لجنة ثالثة لمباشرة أعمالها - لجنة الانتخابات القومية. في غضون ستة أشهر من اكتمال الدستور القومي المؤقت تجري انتخابات قومية في كل انحاء السودان . بين القضايا التي ستحسمها الانتخابات القومية الدستور القومي المؤقت.
    على العملية الانتخابية أن تؤكد أو ترفض الدستور ، الناخبون سوف يقررون كذلك بشأن البرلمانات الإقليمية ورؤساء الحكومات الاقليمية ورئيس الدولة القومية وحول ما اذا كان مؤتمر الحوار الوطني ولجنة الدستور القومي كلاهما سيقرران يكون اختيار رئيس الدولة عبر انتخابات عامة. بحكمتها فان اللجنتين يمكنهما أن تقررا أن تكون المجالس الاقليمية والبرلمان القومي هما المجموعات الانتخابية لاختيار رئيس الدولة . هناك مميزات مهمة لهذا النوع من نظام اختيار رئيس الدولة اذا اردنا جعل الفدرالية الجديدة في السودان نظاماً قوياً في الدولة التي أصبحت ضعيفة نتيجة لزمن طويل من فشل الحكومات . أولاً من السهل اعفاء رئيس الدولة (من منصبه) إذا إستاءت أغلبية الاقاليم من أدائه أو اذا حدث سوء تصرف أو جريمة إدارية. ليس من السهل إعفاء رئيس دولة منتخب لاسباب سياسية . إختيار رئيس دولة عبر هيئات إقليمية منتخبة والبرلمان القومي بالتضامن سوف يقوي الاقاليم في الترتيبات الفدرالية الجديدة .
    كما رأينا آنفا فان النظام المطروح ربما يبدو مزعجاً للبعض ولكنه ليس كذلك. بداية أنه يمنح مشاركة شعبية واسعة جداً وهذا وحده سبب مهم للمثابرة مع هذه الاقتراحات . ثانياً العديد من هذه الاجراءات يمكن أن تسير بالتتابع ولن تكون مزعجة كما تبدو . فمثلاً لا يتعين أن تبدأ لجنة الدستور القومي عملها حتى ينهى مؤتمر الحوار الوطني عمله . في أي حال في هذا الاقتراح مؤتمر الحوار الوطني هو الذي سيحول نفسه إلى لجنة الدستور القومي. موظفو الهيئتين والمؤسسات التنفيذية كلها ستبقى كما هي لاداء المهمتين على مستويات ومراحل مختلفة.
    ثالثاً : الانتخابات وهي المرحلة الثالثة والأخيرة لتلك الاجراءات وأكثرها تعددية - ستكون الاجراء الختامي ولكن الانتخابات تسير على نفس المنوال. فمثلاً المواطنون المؤهلون للتصويت سيكون هم كذلك في انتخابات المجالس الاقليمية ورؤساء الحكومات الإقليمية والبرلمان القومي ورئيس الدولة القومي إذا تقرر اختياره بالانتخاب المباشر بدلاً عن عبر المجالس. فقط سيكون حجم العمل الورقي ضخماً في هذه المرحلة لأنه من الضروري فصل العمل الورقي لكل مرحلة وقسم في هذه العملية السياسية.
    اذا كان الطرفان (الحكومة ومتمردو دارفور) جادين للوصول الى حل سياسي لأزمة دارفور عليهما أن يوافقا بسرعة مباديء واطار هذا الاقتراح وعلى وقف أطلاق النار واشراك كل القوى السياسية في البلاد حول كيفية البدء في حوار وطني حول تلك القضايا . يبدو أن البديل سيكون استمرار الحرب في دارفو بكل التدمير المحزن الذي يمكن تجنبه - التهديد الخارجي ويلازمه التدخل العسكري . وبعد كل الذي حدث في البلاد فالمأمول ان أولئك السودانيين الذين بيدهم القرار في الوقت الحاضر سوف يوسعون رؤاهم للكارثة الكبيرة التي تواجه البلاد ليس من الضعف أبداً اذا قرر المرء في صالح السلام لمصلحة شعبه.
    والآن هناك القضية المهمة اين يقع حق شعب جنوب السودان لتقرير المصير في اقتراح متمردي دارفور الذي اوافق عليه تماماً. غالبية السودانيين يعرفون أنني مدافع قوي عن تقرير مصير الجنوب قبل كل شيء حق تقرير المصير إتفق عليه في بروتوكول سلام منفصل - بروتوكول مشاكوس للسلام بتاريخ 20 يوليو 2002م .
    اقتراح متمردي دارفور لايتناقض مع ولا يسعى لتغيير بروتوكول مشاكوس أو اتفاقية سلام جنوب السودان التي تم التفاوض عليها في كينيا. بل ان اقتراح دارفور يتضمن مشاكوس بطريقة ضمنية قوية - على الأقل في غضون الفترة الانتقالية .
    كما هو مفصل هنا كرأي شخصي - فان اقتراح دارفور يمكن إستخدامه فقط كحل سياسي يجب اختباره خلال فترة انتقالية ، عملية سلام الايقاد حول الجنوب هي أيضاً مبنية على فترة انتقالية ، بروتوكول مشاكوس ذاته يمنح فترة انتقالية تدوم ستة اعوام في غضونها تحاول البلاد الحفاظ على وحدتها. إن رأيي الشخصي حول اقتراح دارفور والمفصل في هذا المقال هو أن يختبر خلال الفترة الانتقالية كاتفاق مؤقت للقطر كله . وبما أن بروتوكول مشاكوس أيضاً يمنح فترة انتقالية فانني لا أرى أي تناقض لأي شيء يطرح لدارفور أو القطر كله .
    هناك نواح في اقتراح متمردي دارفور تدخل تحسناً في بروتوكول مشاكوس وهو سبب آخر لماذا أوافق على الطرح الدارفوري. أولاً ان اقتراح دارفور يجعل الديمقراطية واللامركزية قضيتين مركزيتين . بروتوكول مشاكوس واتفاقية سلام إيقاد كلاهما يركزان السلطة في يدي فرد واحد.
    ويبدو أنهما يخلقان سيطرة مركزية لنظام حكم في جنوب السودان بدلاً من اللامركزية إنها مشاكل عانت منها كل أقاليم السودان تحت حكم لا مركزي كان غافلاً عن مشاكل الاقاليم وهي تناضل للتشبث بالسلطة في المركز. ان على السودانيين الجنوبيين أن يقرروا اذا كانوا يريدون مضيعة ستة أعوام أخرى وهم يختبرون (جدوى) سيطرة مركزية للسلطة على يدي فرد واحد أو (يفضلون) الديمقراطية اللامركزية كما يقترح متمردو دارفور وفي نهاية الأمر كل ما أفعله في هذا العمود هو تأييد اقتراح جيد يبدو أنه يؤكد أن لا أي فرد أو أي اقليم أو أية جماعة سياسية سيكونون من السطوة بحيث يهيمن على الرأي السياسي لأي اقليم أو شعب . اذا شعر السودانيون الجنوبيون انهم غير ملائمين لدرجة أنهم يفضلون هيمنة شئونهم وسيطرتها من المركز على يد فرد واحد فهذا حقهم تماماً !
    إنني لا أرى إطلاقاً أي خطأ في اشتراك الجنوب مع ثلاثة نواب رئيس جمهورية كقادة منتخبين بشعبهم - أو حتى عشرة نواب رئيس.
    ان الأمر هنا لا يتعلق بالمنصب ولكن بالمشاركة في المسئولية السياسية على المستويات الاقليمية والقومية.
    بموجب اقتراح دارفور فإن رؤساء الحكومات الاقليمية في مختلف اقاليم السودان سيكونون فقط نواب رئيس جمهورية شرف ( EX - OFFICIO) رئيس الجمهورية عملهم الحقيقي كرؤساء لاقاليمهم في الجنوب منتخبون بواسطة شعبهم بدلاً من تعيينهم بواسطة فرد واحد في الخرطوم أو أينما كانت عاصمة جنوب السودان.
    سوف يقرره شخص واحد يعتقد السودانيون الجنوبيون أنه عليم بكل شيء.
    وحسب اقتراح دارفور الذي أؤيده كلية لن يكون هناك استفتاء في شمال السودان عندما يتم اجازة الدستور القومي في استفتاء قومي يلي الانتخابات العامة الأولى في كل انحاء البلاد . لا أدري ماهية الاطار الزمني الذي يفكر فيه متمردو دارفور للانتخابات الاولى لاجازة هذه الأمور- ولكنني اعتقد شخصياً أن كل هذه الأشياء سوف تستغرق ما بين 18 شهراً وسنتين كحد أقصى. عملية ايقاد تتحدث عن إنتخابات بطريقة فضفاضة لأن المفاوضين في نيفاشا ليسوا حريصين على الانتخابات خلال الفترة الانتقالية.
    وهنا مرة أخرى يشكل اقتراح دارفور مخرجاً لجنوب السودان. انه ينقذ الجنوب من التعامل مع نظام يفاوض بالنيابة عنه شخص لا يحرص على الديمقراطية والذي اذا ترك لوحده لاجراء انتخابات في جنوب السودان (وهذا ماسيحصل حيث أن نظام حكم جنوب السودان سيكون تحت سيطرته حسب بروتوكولات السلام الموقعة حتى الآن) فانه سيقوم بتزوير تلك الانتخابات لصالحه . أي شخص في الدنيا سيفعل ذلك اذا حالفه الحظ كما هو حاصل في جنوب السودان اليوم ليس سهلاً على أي نظام حتى بالنسبة لنظام الجيش الشعبي الفاسد ان يزور الانتخابات تماماً - إذا نظمت بطريقة متعددة الأوجه كما يقترح متمردو دارفور . لماذا لا يريد أي شخص في جنوب السودان ليس له أية مصلحة في تأييد ذلك النظام السياسي الفاسد بقيادة الجيش الشعبي -تأييد اقتراح دارفور ؟
    السؤال الحقيقي في ذهني : هل تريد حكومة السودان مع كل الضغوط الدولية التي تنهال عليها حول دارفور ومع رغبتها المبرهنة مسبقاً على الموافقة على سلام الجنوب - ان تحل كل المشاكل السياسية التي تواجه السودان حلاً نهائياً ام لا ؟ اذا كانت حكومة السودان حريصة على حل سياسي شامل في السودان - فان علينا أن نمضي قدماً باقتراح متمردي دارفور وننقذ البلاد من الآلام الاضافية.
    * ترجمة : احمد حسن محمد صالح


    شكر وتقدير لمجتمع نبيل
    بقلم: بونا ملوال
    في ابريل الماضي قررت ان ازور الخرطوم للمرة الاولى بعد غياب دام قرابة ستة عشراً عاماً.. كان ذلك قراراً شخصياً عاطفياً ـ عاطفياً


    نفس القدر مثيراً للجدل السياسي. كان قراراً شخصياً متعمداً ـ عواقبه الاجتماعية كانت واضحة بالنسبة لي منذ البداية. كانت هناك معارضة وتأييد بقدر متساوي.
    هذا هو المقال الثاني في العمود الغر الذي قبلت كتابته كل اسبوع في «الرأي العام» للتعبير عن شكري وتقديري وعرفان للجميل لما كان من تدفق للترحيب والكرم والعاطفة من كل ضروب الحياة في المجتمع السوداني شمالي وجنوبي، عام وخاص. ذلك يؤكد لي مكاني السعيد جداً في مجتمعي، المجتمع السوداني. لم اكن ساعرف كيف ان المرء يمكن ان ينال احتراماً بهذا القدر من العاطفة في مجتمعه دون مثل تلك الزيارة.
    صحيح انني كنت مسئولاً عاماً (حكومياً) في وطني كنت احاول ان اقوم بواجبي العام بنفس الشفافية والنزاهة عندما عبرت عن رأيي العلني في قضايا عامة.. على كل ان عودتي الى البلاد في ابريل والمناسبات العامة والخاصة التي اقيمت على شرفي ـ جعلتني اتذكر المثل الدينكاوي الاسطوري :«يا الهي دعني امرض في هذه اللحظة حتى اعرف من هو شخصي «صديقي» الحقيقي. المرض والموت والمناسبات الاخرى الحزينة القاسية هي افضل اللحظات في كل المجتمعات عندما يخرج الناس لاظهار الحب والتأييد والعاطفة لشخص يعتبرونه عزيزاً. ارغب باخلاص ان انقل عبر هذا المقال القصير في «الرأي العام» عرفاني الغامر لشعب السودان على ذلك الترحيب الرائع بعودتي. لن افسد بمحاولة سرد قائمة المناسبات الكثيرة على شرفي طوال شهر من الاحتفالات والولائم وتدفق العواطف الشخصية والرسمية تجاه شخصي الضعيف.
    على كل حال يتعين علىّ ان اتوجه بشكري الخاص للرئيس عمر البشير وحكومته لترحيبه الشخصي المبهج وترحيب كل القياديين في حكومته خلال عودتي الى الوطن في ابريل، اريد ان اخص الحكومة (بهذا الشكر) لسبب معروف وهو انني ابتعدت عن السودان لما يقارب ستة عشر عاماً لانني اختلفت تماماً مع سياساتها. وكشخص كانت لديه المقدرة والاهلية لفضح هذه الحكومة وما كنت اعتبره عيوباً ـ فإنني لم ابخل باي جهد في السنوات الاخيرة الستة عشر لفعل ذلك بالضبط .. اذا بقيت هذه الحكومة في السلطة اليوم لستة عشر عاماً اخرى بنفس الطريقة فانه ذلك لن يكون لانني لم احاول المساعدة في ازالتها.
    ان الرئيس البشير وحكومته لا يدينون لي بشئ ومع ذلك كرئيس دولة ــ عبر الرئيس البشير قاعة المجلس الوطني الذي دُعي لافتتاحه وتقدم لتحيتي عندما علم بوجودي باشارة ترحيب كريم من رئيس المجلس. الرئيس كسر قواعد البروتوكول بسيره عبر القاعة ومن ثم يتجه نحو مقعدي ليحيني ويرحب بي.
    اول مقابلة لي للمشير البشير كان في عام 1994م في كمبالا خلال اول جلسة رسمية لرؤساء الايقاد الاربعة، المشير يذكر بحنان انه كان قد زار منزلي مع بعض اقربائي اصدقائه في الجيش السوداني عندما كنت في الحكومة في السبعينات. ولكنني لا اتذكر شخصياً ايا من ذلك لان المشير واصحابه ـ اقربائي ـ كانوا على ما يبدو يزورون في ظروف مزدحمة بالمناسبات الرسمية. إننا لم نعرف بعضنا بالطريقة اللائقة في تلك المناسبات.
    كان لقاء كمبالا هو الذي اتذكره جيداً لانه كان حديثاً طويلاً خلال العشاء عن مشاكل السودان. وعندئذ دعاني المشير البشير للعودة الى السودان وللمشاركة الكاملة في الحياة العامة في البلاد وللمساعدة باية طريقة تمكنني في حل المشاكل الكثيرة التي تواجه البلاد. وفي نهاية الترحيب العاطفي الحار وتحيته لي في المجلس الوطني في ابريل قال لي الرئيس البشير انه انتظر عشر سنوات لتلك اللحظة لتحيتي في وطني والترحيب بعودتي الى البلاد.
    ردي لدعوة الرئيس البشير في كمبالا للعودة للوطن قبل عشرة اعوام انه كان عندما يستدعي الحال دعوة مواطن مثلي العودة لوطنه من رئيس دولة مثله ـ فان ذلك يدل ان هناك ثمة خطأ خطير في البلاد. واضيف عندئذ لماذا اذاً لا نعمل (لدرء) الخطأ ونعمل على حله وان اي مواطن سوداني لا يحتاج الى دعوة للعودة الى الوطن؟!
    فلماذا عدت الى البلاد في ابريل دون دعوة اخرى من الرئيس البشير او حكومة السودان؟ وهل تم حل كل القضايا التي عارضت الحكومة حولها؟ ان كلمتي للرئيس البشير في كمبالا عام 1994م نعمل سوياً لحل مشكلة السودان. عندما عدت الى الخرطوم في ابريل كان هناك جو من الامل العظيم يغمر السودان وشعبه ان السلام بين الجنوب والشمال على الابواب.
    بعملية السلام التي كانت قائمة في كينيا كان الرئيس البشير قد بدأ بفعل شئ لحل مشاكل السودان. انه يفعل ذلك ربما بدوني، ولكن ذلك لا يهم انه رئيس الدولة وانا لا. ومع انني اختلف مع الرئيس البشير وحكومته وكل الذين يساعدون السودان لتحقيق السلام بينهم لجنة ايقاد وشركاء الايقاد لاقتصار مفاوضات السلام على طرفين فقط في السودان ـ بدلاً عن اشراك كل ظلال الرأي السياسي في البلاد.
    انني ادرك ان عملية سلام الايقاد قد قطعت شوطاً في مواجهة النزاع في السودان، فاذا كان عدم اشراك الآخرين في عملية السلام مشكلة فان ذلك سوف يكون مشكلة تطبيق. واولئك الذين ابعدوا الآخرين سيتحملون مسئولية تطبيق اية اتفاقية سلام يوقعونها بينهم. وفي النهاية ربما لا يكون ذلك امراً سيئاً بالنسبة لاولئك الذين استبعدوا عمداً من اتفاقية السلام اذ انهم لن يحاسبوا في فشل شئ لم يكونوا طرفاً فيه.
    اجريت احاديث خاصة عدة مرات مع الرئيس البشير في الخرطوم في ابريل بعد تلك المقابلة في المجلس الوطني في اعقاب عودتي الى السودان. بطبيعة الحال ان فحوى تلك الاحاديث مع الرئيس لا تتلاءم مع هذا الحديث الموجه الى قراء «الرأي العام» ولكن ما قلته للرئيس البشير تكراراً في تلك الاحاديث الخاصة ان ما حفزني للعودة الى البلاد في هذا الوقت وحتى قبل اختتام اتفاقية السلام النهائي ـ هو حقيقة ان حكومته قبلت حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.
    قلت له بالنسبة لي فان بروتوكول مشاكوس للسلام الذي ابرم في 20 يوليو 2002م صالح كاية اتفاقية سلام، وان بروتوكول مشاكوس ايضاً يمنح فترة انتقالية ست سنوات يحاول خلالها الشعب السوداني ـ جنوباً وشمالاً ـ مرة أخرى حل (مشاكل) علاقاتهم حتى يتم تأمين وحدة البلاد.
    ادرك ان كثيراً من اصدقائي الشماليين ياخذون على انني مدافع متحمس لتقرير مصير جنوب السودان، هذا لا يزعجني اطلاقاً لانه اذا كان الشمال قد قبل الفدريشن «الحكم الفدرالي» وطبقه في الخمسينات من القرن الماضي بدلاً عن اعتبار الفدريشن زوراً انفصالاً ـ فان بلادنا لم تكن قد دخلت فيما فيه نحن الآن. ان تقرير المصير يجسد الوحدة ايضاً وليس فقط الانفصال، ولكن لسوء الحظ يبدو ان اصدقائي الشماليين يريدون الوحدة بثمن بخس. فبعد كل تلك الاشياء المريعة التي حدثت في العلاقات بين الجزئين من بلادنا لن يحدث اي شئ بثمن بخس مرة اخرى في السودان. ان ذلك الموقف المستمر في طلب الاشياء رخيصة سوف يشجع الانفصال، اذا اراد الشمال اصلاح اخطاء الماضي حتى دون ان يعترف ان كثيراً من الاخطاء قد ارتكبت على بعضنا البعض طوال السنين الماضية ــ فان الحكم حول الانفصال لم يصدر بعد ولا داعي لكل ذلك القلق ما لم يضمر المرء فكره ان لا اخطاء قد ارتكبت وان ليست هناك حاجة الى تصحيحها.
    وبعد قولي هذا كنت قد وعدت الشعب السوداني انني عدت الى الوطن لتشجيع عملية السلام، وللاشارة الى اولئك الذين يتفاوضون السلام في نيفاشا فانني والاغلبية الساحقةمن الشعب السوداني في حاجة للسلام وباسرع فرصة . وعلى المفاوضين ان يسرعوا. تدخلت دارفور بوقاحة وانتزعت الاضواء من نيفاشا، تقديرات عليمة تقول انه اذا استردت عملية سلام الجنوب عافيتها اصلاً، فان ذلك لن يكون قبل فبراير القادم. ان هذا الموعد النهائي مشوق حقاً.
    الامريكيون الذين كانوا منخرطين بعمق في عملية سلام نيفاشا حول جنوب السودان الآن منهمكون بثقلهم في دارفور وفي شئون اخرى في اماكن اخرى. الامريكيون الآن هم الممارسون الرئيسيون للضغط على حكومة السودان حول دارفور. كل الدلائل تشير ان الامريكيين يبدون مستعدين للتخلي عن عملية سلام الجنوب لتعقب الحكومة اولاً في دارفور.
    الامريكيون الآن غارقون عميقاً في انتخاباتهم الرئاسية. من يدري كيف ستبدو خارطة العالم السياسية بعد فبراير؟ ـ وبالاخص (اذا فاز جون كيري) وحتى اذا اعيد انتخاب جورج دبليو بوش رئيساً للولايات المتحدة في العام القادم فلا سبيل لمعرفة كيف تتغير سياساته في الادارة الثانية ازاء السودان. مهما تكن تقديرات المعلقين السياسيين حول تلك المسائل ـ دعني اؤكد لاصدقائي الشخصيين ولمتمني الخير للسودان ان قراري زيارة الخرطوم في ابريل لم اتخذها دون تفكير عميق، وصلت الى قناعة انه يتعين على السودانيين ان يعملوا سوياً لحلحلة الوعكة التي اصابت بلادنا. لا يمكن ان نفعل ذلك بالحرب ـ ان الحرب ببساطة تمكن زعماء الحرب ذوي الاجندة الشخصية تحصين انفسهم.
    حل مشاكل السودان لن يتم عبر تدخل عسكري اجنبي مهما تكن قوة ذلك التدخل. ان اخفاقات مثل تلك الجهود في اماكن اخرى من العالم واضحة جداً للعيان.
    اولئك الذين يحملون آراء حول تلك المسائل السودانية عليهم ان يجلسوا سوياً ويحاوروا بجدية رسم مستقبل بلادنا وشعبها. ان مثل ذلك الحوار ليس له مكان في الخارج. بعد ان شعرت شخصياً خلال زيارتي للخرطوم في ابريل ان هناك اجماعاً قومياً واسعاً ازاء السلام في البلاد ـ قررت العودة مرة اخرى للاقامة الدائمة في الخرطوم.
    خمسة عشر عاماً في المنفى بالطبع ليست اعواماً قصيرة (انهاء وجودي) في الخارج والاستقرار مرة اخرى في الخرطوم سيأخذ بعض الوقت. يتعين على ان استعد لما يمكن ان اسميه بيتاً في الخرطوم والعمل جار في هذا الاتجاه، بكل العرفان والشكر لكم اريد منكم ان تعرفوا انني عدت فعلاً الى الوطن في ابريل الماضي. اذا كنت مقيماً في الخارج حتى الآن فان ذلك بسبب امور شخصية علىّ ان احلها.
    اريد منكم ان تعرفوا انني معكم روحياً بالكامل وفي غضون ذلك آمل ان هذا العمود الصغير في «الرأي العام» سوف يذكركم بي كل اسبوع حتى عودتي النهائية الى الوطن.
    ترجمة: أحمد حسن محمد صالح

    دارفور والتدخـــــل الأجنبي العسكــــري في الســــودان
    بقلم: بونا ملوال
    عندما دعاني رئيس تحرير «الرأي العام» صديقي العزيز ادريس حسن لاول مرة ان اكون واحداً من كتاب الاعمدة المنتظمين - كانت هناك مفاوضات مضجرة تدور حول نزاع جنوب السودان الذي طال امده.
    قاومت الدعوة لفترة طويلة لانني لم اشأ ان تفسر وجهات نظري في المفاوضات على انها تعطيل لعملية السلام. شخصياً كنت اريد نجاح عملية السلام بعد كل تلك المعاناة التي تحملها السودان وشعبه فانهم يستحقون السلام. ان شعور كل سوداني ازاء السلام متفق عليه تماماً وكل سوداني في كل مناحي الحياة يريد السلام لبلاده. وكل شخص مستعد تماماً للتنازل عن شيء يملكه لتحقيق ذلك السلام الثمين. اتمنى ان اكون قادراً على قول نفس الشيء عن القيادة السياسية التي تتفاوض لذلك السلام. ان المرء يتمنى لو استمع الزعماء السودانيون الذين يتفاضون في كينيا الى الرغبة القومية للسلام ويستجيبون لها.
    ولكن رغم الالحاح القومي الواضح على زعماء البلاد للمضي قدماً لتحقيق السلام إلا اننا نرى كيف ان تلك المفاوضات في كينيا اخذت تقريباً اسلوباً شخصياً بحتاً. لقد استهلكت شهور طويلة- اذا لم نقل سنوات- للتفاوض حول ما سيؤول الى الزعماء افراداً من سلطات ومنافع نتيجة للسلام المرتقب. الآن حاقت بالسودان مأساة جديدة في دارفور. بل ان دارفور قد اغرقت مفاوضات نيفاشا للسلام في كينيا ان ذلك ربما يخدم بعض الغرض لاحداث صدمة لضمائر الزعماء السودانيين ان البلاد تعاني من مرض ختامي ما لم يتنازل كل واحد منهم عن شيء يعتبر كل واحد منهم سلطة شخصية يخصه. لتجنب هذا الداء الذي اصاب البلاد ويمكن معالجته.
    وبعد تفكير طويل قررت قبول دعوة «الرأي العام» لبدء عمود اسبوعي منتظم بهذه المشاركة الاولى طبعاً المأساة الانسانية التي تحيق بدارفور قد القت بظلالها على كل شيء في السودان ومن الغباء ان ابدأ بكتابة رأيي عن السودان اليوم دون الرجوع اولاً الى دارفور، ولهذا فان هذا المقال يقدم لقراء «الرأي العام» وجهة نظري حول مأساة دارفور. ولكنني اود الاعتذار بداية أن هذا المقال لا يطرح رأياً حول كيفية حل قضية دارفور. هذا لان المرء لابد ان يقبل ان سودان اليوم ذا النزاعات المسلحة الكثيرة- فان رأياً يجيء من شخصي لا يملك مليشيا مسلحة خاصة به لايبدو انه يساوي الشيء الكثير.
    ومع ذلك فان ملايين كثيرة منا نحن السودانيين الذين لا يقودون جنوداً لابد ان يؤخذوا في الاعتبار اذا اعلنا رأينا بوضوح وبطريقة مباشرة. رأيي الشخصي عن حل محتمل لمشكلتنا القومية يأتي لاحقاً في هذه السلسلة من المقالات ابتداء من اليوم.
    السؤال الذي يهمني هو : هل قوضت دارفور مباحثات السلام حول جنوب السودان لدرجة ان اصبح من غير المحتمل ان يعاد تنشيط تلك المفاوضات؟ وهل تم تنسيق «مشكلة» دارفور بالتزامن كي تقوض محادثات «نيفاشا» حول الجنوب؟ ان امراء الحرب في السودان يعرفون جيداً كيف يثيرون المشاكل عندما لا يريدون المضي قدماً في شأن يمكن ان يكون صالحاً لشعب السودان. ان الدولة السودانية اصبحت قطعة زجاج هشة جداً في ما يتعلق بالنزاع العسكري. ماذا اذا نجحت دارفور الآن في ارغام حكومة السودان على الجلوس على مائدة المفاوضات بشروطها الخاصة لان زعماء التمرد في دارفور قد نجحوا فعلا في حشد القوى الدولية لجانبهم.
    دعنا ننسى في الوقت الحاضر جنوب السودان- فبعض اجزاء مشاكله يجب وضعها على عتبة زعيم المنظمة الذي يتفاوض نيابة عنه لان ذلك الزعيم سبق ان فوت كل فرصة ممكنة منذ العام 1989م لتحقيق السلام لشعبه. ونسأل : ماذا لو بدأ اهل الشرق حرباً من منتصف المفاوضات حول دارفور - ومعروف ان اهل الشرق يشتكون من تظلمات مماثلة ضد حكومة السودان ويملكون اسلحة كثيرة وجيراناً لعدو الخرطوم اللدود - اريتريا؟ كيف سيكون رد فعل شعب السودان لمثل ذلك الحدث المحتمل، وبالاخص عندما يقرر الرأي العام العالمي مرة اخرى استعداده للانتقال من مفاوضات سلام دارفور لممارسة الضغط على الخرطوم حول مشكلة شرق السودان لاسباب انسانية أو اية ذريعة اخرى؟ متمردو دارفور اعلنوا مسبقاً ان الخرطوم تستمع فقط لصوت البندقية. كما ان دارفور قد برهنت ان نجاحاً سلبياً واحداً في ارض المعركة يمكن ان ينهي تقدماً ايجابياً في مكان آخر في السودان.
    انه امر فظيع حقاً ان قائد جيش تحرير جنوب السودان يلعب بالنار التي تحرق دارفور بنتائج مرعبة لشعب ذلك الاقليم بدلاً عن التركيز على السعي لعملية السلام مع الحكومة حول جنوب السودان بحسن النية. هناك اشارات متداولة منذ فترة ان زعيم الجيش الشعبي يقف وراء حركة تمرد في دارفور - جيش تحرير السودان- احدث حليف سياسي «لجون قرنق» في شمال السودان- حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه د. حسن عبدالله الترابي الذي وقع معه اتفاقاً هو ايضاً له صلة بحركة التمرد الثانية في دارفور حركة العدل والمساواة الاسلامية.
    فضلاً عن التلميحات فان تصريحات زعيم الجيش الشعبي العلنية تفضح باصرار موقفه ازاء دارفور ذات مرة هدد «حكومة» الخرطوم حول خلاف بسيط في نيفاشا ان الخرطوم «كائنة» في بيت مصنوع من الزجاج. كان هذا في وقت تحول فيه النزاع في دارفور الى حرب . ثانياً عندما ذهب النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الذي يفاوض السلام مع زعيم الجيش الشعبي الى الخرطوم لايام قليلة للتشاور مع حكومته وهو ممارسة مقبولة جداً في كل المفاوضات سافر زعيم الجيش الشعبي الى اريتريا وقابل زعماء متمردي دارفور وادلى بتصريح حربي. ما نوع مثل تلك الرسالة التي يبعثها شخص من المفترض ان يكون شريكا في السلام مع حكومة السودان؟
    واخيراً نسب الى زعيم الجيش الشعبي في وسائل الاعلام قوله انه يريد ارسال عدد قوات يعادل تلك التي ترسلها حكومة السودان.. كل منهما.. «000ر10» جندي اضافة لـ «000ر10» اخرى من الولايات المتحدة لتجريد السلاح من المليشيات العربية في دارفور ولحفظ السلام هناك. وحتى قبل توقيع اتفاق نهائي للسلام مع الخرطوم فان زعيم الجيش الشعبي يعتبر نفسه ويتصرف كرئيس دولة له مقدرة على التدخل في نزاعات لا تخصه.
    ومع ان مأساة دارفور مستهجنة جداً اذا نظرنا للتكاليف البشرية- إلا انها لا تساوي شيئاً مقارنة بالفقدان المأساوي لارواح الملايين من شعب جنوب السودان نتيجة لحرب يقودها زعيم الجيش الشعبي. انه لم يتحدث ابداً ولو لمرة واحدة، بدعوة المجتمع الدولي لانقاذ ارواح مواطني جنوب السودان الابرياء، دعك من فعل اي شيء حيالهم بنفس الطريقة التي حشد بها زعماء التمرد في دارفور استجابة دولية لمعاناة شعبهم.
    ان ظاهرة الانقلاب على المدنيين الابرياء الذين لا حول لهم ولا قوة عندما تواجه حكومة الخرطوم تمرداً ما- ليست حكراً على الحكومة الحالية كل الحكومات في الخرطوم استخدمت تكتيكات مستعملة الآن في دارفور لسحق ارادة المظلومين. السودانيون الجنوبيون يدركون ذلك جيداً. ان دور الجنوب في دارفور لو كان هناك اي دور جنوبي اصلاً يجب ان يكون سعياً لحل سياسي للنزاع هناك وليس لاثارته وتشجيعه.
    للاسف مهما تكن اوهام زعيم الجيش الشعبي فان جنوب السودان دون ان يكون هناك سلام في الجنوب فانه سيكون اقليماً مدمراً بالحرب وزعيم الجيش الشعبي لن يكون قادراً على مساعدة اي شخص آخر في السودان.
    لايمكن انهاء هذا المقال قبل ان اقول شيئاً عن تدخل اجنبي عسكري محتمل في دارفور الذي يتحدث عنه الناس كثيراً هذه الايام اذا حدث تدخل اجنبي عسكري في دارفور فانه لن يكون قاصراً على دارفور وان دارفور جزء من السودان. ويتعين على كل السودانيين ان يعارضوا اي تدخل اجنبي عسكري في شؤونهم الداخلية. ان مثل ذلك التدخل من جانب دول قوية تأتي من اماكن بعيدة لفرض حلولها الذاتية لمشاكلنا لها ابعاد خطيرة ليس فقط على الشعب السوداني ولكن ايضا على القارة الافريقية.
    ونظراً للاضطهاد الذي يعاني منه الانسان العادي في السودان والاستبداد الذي مارسته الحكومات على الشعب السوداني فلا عجب ان كثيراً من السودانيين سيمارسون على الاقل لعبة عدم المبالاة ازاء اي حديث عن تدخل اجنبي عسكري في البلاد ولكن يشك المرء اذا كان في امكان مثل ذلك التدخل الاجنبي حل النزاعات السودانية. ان التدخل الاجنبي ربما يحل نزاعات على المدى القصير شاملاً في الدرجة الاولى وقف القتال ومعاناة الابرياء في دارفور . ولكن ذلك التدخل لن يحل مشاكل الحكم طويلة الاجل. وهي مشاكل السودان المركزية بالاضافة الى ذلك فان التدخل الاجنبي العسكري ربما تنتج عنه حزمة مشاكل اخرى ربما تعقد مشاكل الشعب السوداني الموجودة حالياً.
    ان نفس الناس الذي يعانون اليوم ربما يضطرون غداً لحمل السلاح لمقاومة ذلك التدخل العسكري فالسودان كان في الماضي مستعمرة. اسلافه قرروا انهاء ذلك الحكم والاحتلال الاجنبي. صحيح ان الحكم الاجنبي لم ينته نهاية سعيدة لشعب السودان وكثيرون منهم ربما يتمنون عودة الاستعمار في ساعة كربهم ولكن الدول لا تعود بتاريخها الى الوراء كما يعتقد اولئك السودانيون هذه الايام بسبب كثرة المشاكل التي نشأت خلال مايزيد عن خمسين عاماً من استغلال لازمة الفشل.
    التدخل الاجنبي الوحيد الذي يلقى الترحيب دائماً هو التدخل الانساني السلمي. تدخل من الافضل ان لا تقوده قوة عسكرية مانحة، مثل عملية شريان الحياة في السودان التابعة للامم المتحدة استفاد جنوب السودان كثيراً من مثل ذلك التدخل طوال السنوات الماضية فدون مثل ذلك التدخل الانساني فان ملايين كثيرة من ارواح البشر كانت ستذهب هباء في جنوب السودان.
    حالياً دارفور في حاجة ماسة لمثل ذلك النوع من التدخل الانساني. نرحب بتدخل صغير مفوض من الامم المتحدة لحماية ممرات مواد الاغاثة الانسانية ولحماية المدنيين في دارفور شريطة ان تكون بالكامل عملية اممية وعلى الاقطار الاجنبية مهما وكيفما تقول ان نواياها نبيلة ان ترسل قواتها الى السودان تحت رعاية الامم المتحدة أو الاتحاد الافريقي.
    هناك المثل القائل ليست هناك وجبة غذاء مجانية في العمل «بيزنيس» ان هذا صحيح تماماً في الشؤون الدولية. كل الامم مدفوعة بالمصلحة الذاتية ولدى كل واحدة منها اجندتها القوية في اي شيء تفعله في الخارج . السودانيون اختاروا استقلالهم قبل نحو خمسين عاما اذا كانت النزاعات في جنوب السودان والآن في دارفور دليلاً على الحاجة للفطرة السليمة فيتعين على امراء الحرب في السودان ان يرخوا قبضتهم عن البندقية اكثر وعليهم ايضا ان يشركوا كل شخص لديه وجهة نظر سياسية للجلوس لحل المشكلة.
    ان اي تدخل اجنبي عسكري لن يحل المشكلة نيابة عنا ما لم نرغب كلنا في المصالحة انني اعارض بشدة اي تدخل اجنبي عسكري في السودان تحت اية ذريعة وفي اي جزء من البلاد اما بالنسبة لاستخدام المليشيات القبلية لسحق التمرد فان ذلك يخلق مزيداً من المشاكل للحكومة والدولة ما لم تتغير تلك السياسة فبينما تنكر حكومة السودان استخدام المليشيات العربية لوقف التمرد في دارفور فان تلك الممارسة هي سياسة حكومية معترف بها منذ امد وليس فقط من جانب الحكومة الحالية.
    ان احدى المشاكل الغريبة التي تواجه هذه الحكومة مع المليشيات العربية في دارفور في هذا الوقت ان استخدام المليشيات القبلية الآن اخذت طابعا عرقياً انتقامياً بشعاً لان الدين قد تم ابعاده من المعادلة في دارفور. في جنوب السودان استخدمت المليشيات العربية باسم الاسلام لشن حرب مقدسة «الجهاد» ضد الكفار في الجنوب بل ان كثيرين من جنود الحكومة الذين صبوا غليل الانتقام على السكان المدنيين في الجنوب كانوا مسلمين من غير العرب في دارفور. ولكن نسبة لتدني مستواهم التعليمي والتمييز عموماً في دواوين الدولة فان شعب دارفور شكلوا نسبة اعلى في الجيش السوداني والحال هكذا فان حكومة السودان الآن ربما تجد صعوبة شدي دة لفرض ولاء جنودها الحكوميين الذين ينتمون الى دارفور لسحق تمرد هناك يقوم به اخوانهم ضد الحكومة . هذا ربما يفسر الاستخدام المتزايد للمليشيات القبلية العربية لانهاء التمرد الحالي في دارفور.
    وبعد ان قلنا هذا عن استخدام المليشيات القبلية في الحرب ضد المتمردين اينما كان التمرد نشطاً في السودان فيتعين علينا جميعاً ان لا نتجاهل ان هناك على الدوام نزاعات محلية بين القبائل الافريقية في دارفور وهي بالدرجة الاولى زراعية تفلح الارض من اجل العيش والعرب الرحل الذين يملكون الماشية ويتجولون في الارض مع ماشيتهم بحثاً عن الماء والكلأ تلك النزاعات موجودة منذ الازل بين الرعاة والمزارعين. الماشية لا تحترم الزراعة وتسبب اضراراً لمحاصيل المزارعين وتسبب نزاعاً بين المجموعتين . ان ذلك النوع من النزاع عادة يمكن حله. المشكلة تنشأ عندما تحاول مجموعة سواء كانت في شكل قبائل أو مجموعة عرقية التغول على حق الآخرين. ان هذه المسائل للاسف الشديد تتعقد بالسياسة الفاشلة بين الحكومة والمجتمعات.
    مشكلة دارفور مثل جنوب السودان قبلها ان ممثلي الحكومة المحليين في تلك البلدان استخدموا دائما جماعات يعتبرونها موالية لهم ولحكومة الخرطوم لقمع حقوق الجماعات الاخرى. والنتيجة هو حتمية انهيار القانون والنظام - وحتى القتل العمد ونزوح المدنيين المغلوبين على امرهم من قراهم كما تشهد البلاد حالياً في دارفور حفظ القانون والنظام وتأمين ارواح وممتلكات مواطني هذا القطر كل المواطنين هو مسؤولية الدولة لا مفر من هذه الحقيقة القاسية عندما ينظر الى حكم القانون على انه قد انفرط كما هو حاصل اليوم في دارفور فان هناك رد فعل من اي حكومة هذا بالضبط ما نراه حاصلاً اليوم في دارفور.
    لقد آن الاوان للحكومة السودانية ومسؤوليها كي يتعلموا حقيقة ان دولة بعينها لم تعد حرة الى حد انها تستطيع السماح باعدام دون محاكمة اي عدد من مواطنيها على يد قواتها ذاتها أو على يد مجموعة قومية اخرى دون عواقب من جانب بقية العالم. من الافضل التعامل بالعدل مع اي انتهاكات لحقوق الانسان داخل الدولة فضلاً عن انكارها أو تجاهلها أو يتوقع المرء نوعاً من التدخل رغم انف السيادة.
    ترجمة: احمد حسن محمد صالح
                  

01-31-2006, 10:17 AM

charles deng

تاريخ التسجيل: 09-27-2005
مجموع المشاركات: 503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بونا ملوال تغنى بالانفصال ورقص مع سلطة الخرطوم (Re: ياسر حسن المبارك)

    Dear Yassir
    Whatever Bona Malwal is saying these days cannot be taken seriously. Bona, to southerners, has been a nationalist and has a long spectacular history of struggle. However, his unfounded and unjustified enmity to Garang has made him to fall into an abyss, and lately joined the NIF camp. A true nationalist should not react in the way Bona has reacted to the dominant and charismatic personality of Garang in Southern politics. The way to fight this dominant personality, even after his death, is not to join the enemy, but to struggle with him or with his ideas on the same turf. Bona by joing the NIF has lost his support base, the South, although our hero did not live to enjoy his triumph over Bona.
    Bona must have watched with awe the huge reception Garang had on July 8, 2005, just 21 days before his untimely death. A serious politician like Bona should have been proud of what he saw that on that very day, a southern politician could draw a huge crowd of more than five million Sudanese, not in Juba, but in Khartoum. Apparently, this has not convinced our Bona to rethink his methods of opposition to Garang
                  

01-31-2006, 10:35 AM

nour tawir
<anour tawir
تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 17638

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بونا ملوال تغنى بالانفصال ورقص مع سلطة الخرطوم (Re: charles deng)

    يا مثبت العقل والدين..

    يا رب..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de