|
جريمة ترحيل الفلاشا
|
جريمة ترحيل الفلاشا كما رواها كمال الجزولي
ارتبط اسم كمال الجزولي بموضوع «الفلاشا» نريد ان نعرف ملابسات هذه القضية من كل جوانبها. - في أواخر العام 84 وفي أجواء الديكتاتوريات وأجواء القمع يحدث تعتيم كبير على المعلومة فلا تستطيع ان تحصل عليها في الداخل ولكن تعلمها من الخارج,, فقد فوجئ الشعب السوداني بإذاعة «بي, بي, سي» تتحدث عن عمليات تهريب منظمة عبر مطار الخرطوم ليهود الفلاشا يتم ترحيلهم الى إسرائيل عبر مطار روما وان النظام السوداني ضالع في هذه العملية وهي تتم تحت اشراف المخابرات الأميركية. هذا الكلام بالنسبة لنا كان غريبا جدا خاصة وان النظام أصدر بيانات نفي وتكذيب على لسان وزيري الثقافة والإعلام والخارجية قالا فيها ان السودان مستهدف لأن توجهه اسلامي ويطبق الشريعة الاسلامية, ولكن هذه الأكاذيب لم تستمر طويلا حيث كانت في ديسمبر 84 ويناير 85 وفي أبريل 85 حدثت الانتفاضة وألقي القبض على قادة أجهزة الأمن وزج بهم في السجون وكنت في السجن في هذه الأيام وأطلق سراحي يوم 6 أبريل وهو يوم انحياز القوات المسلحة برئاسة سوار الذهب الى الجماهير الثائرة ونفضت يدها عن نظام مايو. وعاشت البلاد فترة عصيبة في هذه الأيام حيث لم تكن هناك سلطة وقد سافرت الى القاهرة للمشاركة في إحدى الندوات الخاصة بحقوق الإنسان في العالم العربي ولكن سرعان ما أرسل النائب العام في السودان حيث اختار محامين له من بين من يثق فيهم وكنت أنا من بين هؤلاء المحامين وأبلغت من النائب العام انه تم تشكيل لجان تحقيق في عدد من القضايا المهمة التي يطالب الشعب بالتحقيق فيها وفي مقدمها «تهريب يهود الفلاشا».
بدأنا التحقيق من ظلام كامل وذلك لأن نظام الأمن والمخابرات السوداني في عهد نميري أخفى معالمها تماما ولا يوجد أي خيط آنذاك يمكن إن يضع أيدينا على شيء,, حتى المستندات التي عثرنا عليها كانت كلها عبارة عن رموز وشيفرات يصعب فكها وكل من جرى التحقيق معهم نفوا الموضوع إلى إن شعر رئيس جهاز الأمن أن الرئيس النميري أنقذ نفسه وبقي في مصر وتركهم يواجهون المحاكمة والتحقيق وتحمل المسؤولية, واستخدمنا أسلوب المساومة معه الى ان قال في التحقيق: «أنا لا أعرف شيئا لأنني لست كادرا أمنيا أنا لواء جيش وجعفر نميري أتى بي من الجيش لأكون نائبا له ورئيساً لجهاز الأمن، ولذا فأنا لا أعلم شيئا والذي يعلم هم العقداء والعمداء في أجهزة الأمن. في اليوم نفسه عقدنا اجتماعا برئاسة المحامي الكبير الصادق الشابي وتشاورنا ووصلنا الى ضرورة ابلاغ هؤلاء العقداء بما قال رئيس الجهاز واتفقنا معهم على ان نجعلهم «شهود ملك» وان يتم منحهم العفو إذا قالوا الحقيقة كاملة ولم يخفوا عنا أي شيء.
واستدعينا العقيد الفاتح عروة وطرحنا الموضوع عليه فغضب مما قاله نائب رئيس الجمهورية عمر الطيب وقرر التعاون معنا مقابل العفو عنه إلا انه اشترط منح نفس العفو لزملائه الباقين وحدثت مواجهة بينهم وبين نائب رئيس الجمهورية حملوه فيها المسؤولية, ومنذ هذه اللحظة بدأت التحريات تأخذ شكلها الطبيعي. المعلومات التي حصلنا عليها وموثقة جاءت من أماكن وخزانات لم تكن معروفة أفادت أن جعفر نميري التقى ارييل شارون في نيروبي سراً عام 84 وتباحث معه في هذا الموضوع وأبدى نميري موافقته مقابل مبلغ بخس يقدر بنحو مليوني دولار توضع في حساب عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية في جنيف ومبلغ اكبر منه في حساب جعفر نميري خارج السودان واعتقد ان هذا المبلغ هو الذي عاش منه في مصر, ولكن شارون طالبه في الوقت ذاته بأن يتخلص من جماعة الأخوان المسلمين ووافق نميري على ذلك. وعاد النميري من نيروبي بعد لقاء شارون وسلم الطيب هذا الملف فقام على الفور بزيارة للولايات المتحدة حيث التقى برئيس جهاز الاستخبارات الأميركية آنذاك لبحث التعاون في إتمام هذا الموضوع الذي بدأت اجراءاته التنفيذية. واختار عمر محمد الطيب العقيد الفاتح عروة ليكون معه في هذه المهمة خاصة وان عروة كان قد تدرب تدريبا عالياً في جهاز «الس, آي إيه» ومعه عقيد آخر اسمه موسى اسماعيل والاثنان يعملان تحت إمرة لواء اسمه عثمان السيد رئيس إدارة الاستخبارات الخارجية الذي تعمد الطيب إبعاده عن هذا الموضوع والتعامل مباشرة مع عقداء اصغر لاحاطة الموضوع بسرية تامة. واتضح لنا بعد ذلك ان جهاز الامن السوداني ممثلاً في هذه المجموعة كانت كلها وبكل امكانياتها في الخرطوم تعمل تحت اشراف جهاز الموساد. واكتشفنا ان شركة سياحية وهمية استأجرت أحد المصايف في شمال بورسودان يسمى «مصيف عروس» وكان كل افرادها من الموساد, وكانت الطائرات تقوم بنقل إعداد كبيرة من يهود الفلاشا من أحد المطارات المهجورة منذ الحرب العالمية شرق السودان الى روما مباشرة, وآخرون كان يتم نقلهم عبر «باصات» من شرق السودان قرب الحدود مع أثيوبيا الى مطار الخرطوم فجراً ومنه الى روما ثم من هناك الى اسرائيل. وقد بلورنا كافة الادلة التي حصلنا عليها والاعترافات التي أدلى بها افراد جهاز الأمن السوداني واقمنا قرار الاتهام بناء على معلومات وقرائن موثقة وصدر الحكم بادانة عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية رئيس جهاز الأمن بالسجن لاكثر من سبعين عاما وفصلنا محاكمة النميري باعتباره هارباً والمفروض ان قرار اتهامه وملف هذه القضية مازال قائماً وعلى النظام السوداني أن يحقق معه باعتباره المسؤول الأول والرأس المدبر لهذا الموضوع وكل ما يهمنا في هذا الموضوع اننا برأنا ذمة الشعب السوداني مما حدث وتمت إدانة جعفر النميري ونظامه وهذا هو الأهم.
المصدر : أمجد- سودان نت
|
|
|
|
|
|