صديقي ودخالة د جون قرنق . مارك دينق أتيم من أروع الجنوبسودانين الذين ألتقيتهم في حياتي....كان مهندس طيران شديد الحذق والمهارة والتميز المهني والأكاديمي والأخلاقي ..... يكبر قريبه د قرنق بعشر سنوات ..ولد كما ابن خالته د قرنق بقرية اونقلي بالقرب من بور حاضرة ولاية جونقلي الحالية ومنطلق التمرد الثاني الذي أشهر بنادقه في وجه قيادته عندما عن لها نقل الكتيبة 105 لمدينة شندي. تعرفت عليه عام 1994 في بداية عملي بمطار الخرطوم في هنقر أو حظيرة طائرات الأمم المتحدة.....إجتاز مارك معاينة لإختيار مهندس للعمل في صيانة طائرات اليونيسف كانت حامية الوطيس لدرجة تدفق المنافسين خارج قاعة المعاينات.... فالعمل في هكذا وظيفة بالأمم المتحدة شديد الإغراء مجزي العائد دولاري المرتب علاوة علي الإمتيازات الموازية من علاج بالخارج وتأمين إجتماعي يصرف عن صاحبه عوادي الدهر وتكشيرة الأزمنة القبيحة والمدن المتجهمة عندما تدلهم الامور... جاء مارك لهذه الوظيفة محمولا علي أجنحة التفوق والتميز .كان شديد الإعتداد بنفسه وقدراته كسائر أبناء الدينكا وبالذات فخذهم sub-clan دينكا بور فالدينكا كالألمان واليهود يؤمنون بتفوقهم العرقي Supremacy علي بقية خلق الله ....الدينكا يصفون غير بني جلدتهم بالجور وتعني في لغتهم الشخص الغريب فقطاع كبير من مساكنيهم في بحر الغزال يطلقون عليهم جور شول وجور بيل والعرب يسمونهم بجور مثيانق. غلاة الالمان يطلقون علي غيرهم من البشر untermenchen أو الناس دون البشر Sub-humans بالذات في نسختهم النازية الهتلرية... أما اليهود فيطلقون علي الآخرين الأغيار Gentiles ومفردة دينكا ( (مونجانق ) بالذات تلخص هذه النظرة الإستعلائية للآخر العرقي ف Monjieng عبارة من مقطعين تعني رجال الناس .دائما ما حدثنا التاريخ ان الإبادات الجماعية Genocide وإستئصال الآخر فيزيائيا تبدأ أولا بإطلاق الألقاب المحقرة والحاطة للقدر والمنزلة والكرامة Degrading nicknames . وفي إبادة رواندا أبريل 1994خير دليل عندما أطلق الهوتو وهم الأغلبية مهضومة الحقوق disenfranchised علي الأقلية المتنفذة من التوتسي لفظة الصراصير cockroaches. بل انشاءوا لهذا الغرض إذاعة كراهية hate radio عرفت بكانجورا كانت تتقيأ البذاءات العنصرية ليل نهار وتحض علي إراقة دماء التوتسي وحتي المعتدلين من الهوتو .....يشير الناشطون والمراقبون من أهل السياسة في بلادنا إلي تطابق نهج إنتباهة الطيب مصطفي الخال الرئاسي وكانجورا هوتو رواندا حذو النعل بالنعل.. صديقي مارك الذي رافقته سبع أعوام كان مدخلي إلي فهم وحب عميق لجنوب السودان وأهله فهو شعلة من المعارف وتراكم الخبرات والتجارب.... كان قارئ نهم يمسك المفك The screwdriver بيمناه والكتاب بيسراه ....بحر في أنثروبولجيا الشعوب ....سافر معظم بلاد الدنيا وغشي معظم معاهد هندسة الطيران النادرة التوفر في دول العالم الثالث وفي كل دولة له حكايات ومواقف ومقالب لا تقل عن حكايات شوقي بدري في روعتها وظرفها وغرائبيتها وتستحق رفع حواجب الدهشة وفغر الأفواه وجحظ الأعين اندهاشا واعجابا ... حكي لي أنه عندما زار ألمانيا لحضور دورة في صيانة الهيلكوبتر في أواخر الستينيات ونزل في فندق أراد دخول الحمام لكنه لم يستطع استخدامه وهو مهندس الطيران الماهر من شدة حداثته وتعقيد تركيبه .الرجل كان محبا للالمان لدرجة الول وتزوج وطلق من شقراواتهم ...يجيد الألمانية وهو من حببني في دراستها والعمل علي تجويدها وكان كثيرا ما يتغني بنشيد السلام الألماني الهتلري Deutschland ist uber allies ألمانيا فوق الجميع .....كان يقول بفخر إنه عندما كانت ترسله شركة شيفرون الأميركية العاملة وقتها في السودان في نهاية السبعينيات لحضور كورسات طائرة التوينوتر يستقبله في المطار سائق خواجة خاص chauffeur بربطة عنق زاهية ويكون حاملا أسمه مطبوعا في يافطة يمتشقها في صالة الوصول وعندما يظفر به يناديه بإسمه مسبوقا بالمستر مارك ويفتح له مقعد السيارة الخلفي كما يفعل مع كبار الشخصيات vip ويعقد المقارنات بينه ومواطنيه السودانيين عندما يسافرون الي دول الغرب إذ تبلتعهم دهشة المطارات وتوهاناتها المرهقة ويكونون مجرد وجوه بائسةمغمورة في محيطات زحامها اللاهث . كان مارك مدهشا ومختلفا في جميع أشياءه . يتمشي في الاسواق ويركب المواصلات وهو القادر علي إغتناء أفخم ماركات السيارات ....حكي لي أنه ذات مرة كان يركب مواصلات بري ذات البصات الزرقاء المتهالكة المقاعد والشائخة المحركات. جلس قرب رجل ثرثار كثير الشكوي من أحوال سودان التسعينات الموسومة بالزلزلة الإقتصادية والإجتماعية بعد إرسال أرتال من السودانيين إلي كرسي القماش الابيض والعطالة والمنافي وجعلهم يصارعون لؤم المدن وتوحش أسواقها الجشعة وذلك بسيف الصالح العام غير الحاد الشفرات وسياسة التحرير الاقتصادي التي تولي كبرها الاستقراطي الإسلاموي غير الرحيم عبد الرحيم حمدي... والتي أدت الي أن تأكل بعض حرائر السودان باثداءهن التي كانت قبل الإنقاذ حصانا من أكف اللامسين وعبث العابثين.مسح جار صديقي مارك الثرثار ركاب البص بنظرة فاحصة وكفته نظرة إلي هيئة مارك الموحية بالدعة والثراء المادي شر إرهاق عينيه المتعبتين بالبحلقة والتحديق فسأله غير عابئا بمفاهيم انتهاك الخصوصيه privacy عن مايتقاضاه من مرتب اجابه مارك إنه يتقاضى 10الف دولارا نهض الرجل كمن لسعته عقرب قائلا بزمجرة واضحة "المرتب دا اشتري البص دا بركابو " ! كان مارك دينق فخورا بخرطوميته إذ ظل حتي وفاته يسكن في أعرق أحيائها بري والذي يقع علي مرمي حجر من أرض المعارض والهابي لاند واللتان كانتا ماكفئان موضوعيان للاسفيقاص Las vegas وديسني لاند الأمريكيتين . يمسك بخناق إي شخص عندما يحس بانه يتبجح ويتبوبر بعاصميته فهو ولجها في بداية الخمسينيات عندما كان في شرخ الصبا .رده اللاذع جاهز علي حواف شفتيه " والله انا لما جيت البلد دي كان فيها حمامين سايفون واحد بتاع الإمام عبد الرحمن المهدي والتاني بتاع السيد علي الميرغني ". يدخن مارك السجائر بشراهة مثيرة للشفقة وأحيانا كثيرة تنطفئ سيجارة البنسون بين تضاريس أصبعيه السبابة والوسطي ولايعبأ كثيرا باحتراقهما حد التفحم ولا بإهداء السيجارة للهواء مجانا فأخواتها يربضن باطمئنان في حرز العلبة التي لا تفارق جيب صدره الأيسر مشرأبة بصفترها اللامعة .... كان لا يشاركنا اكل الحلة المدنكلة ذات الروائح اللذيذة المحفزة لسيلان بحار اللعاب والمخترقة لسميك الحيطان الاسمنية الصلدة لانه رجل لبني فقط ....يأتي صباحا متأبطا جركانته ذات اللبن غير المنزوع الدسم حتي أصبحت علامة مميزة Trademark وبعدا رابعا لأبعاد الشخصية الثلاث المعتادة. من أجمل ما آنسني به عن قبيلته الدينكا إنهم يتوافرون علي أخلاقيات رفيعة في قواعد الاشتباك والقتال بين الأفراد . rules and ethics of engagement ... فأنت لا تبارز من يقل عنك وزنا وقامة وأن فعلت ذلك قفلت الي أهلك ملوما مدحورا مشيعا بأسوأ انواع التعنيف والتقريع.... .وفي مفارقة بيولوجية مثيرة قال لي أنهم كانوا في الرقصات القبلية التي كثيرا ما يؤدونها وهم عراة من الجنسين كما ولدتهم امهاتهم حذاري ان تترك العنان لعضوك الذكري ان يستجيب لنداء الطبيعة فتملتيء أوردته بالدم ويهم بدخول أمكنة لا مناص له منها بفعل هذه الإثارة اللاارداية ...انت هنا يمكن أن تفقد حياتك وأن نجوت لاكتك الألسن اللاعنة وتنمط بعبارة ( سحارة ) وتصبح شخص غير مرغوب فيه personanongrat في القبيلة وهكذا امكنة يصعب علي الشاب الفطام من لبن ارتيادها اللذيذ .ومن الأشياء التي اعجبتني في حكاوي مارك الدينكاوية حرمة فراش الزوجية فغير مسموح لك مطلقا وحتي ان كنت ضيفا عزيزا علي الاسرة بأن تجلس في هذا السرير .وهو يعير كثيرا نحن الشمالييون بعدم مراعاة هذه الجزئية في فنون الإتيكيت وقواعد السلوك الاجتماعي..نبهناه بخطل إطلاقه كلمة ود الحكومة علي أي رجل شمالي تعرف به لأنها تعني اللقيط .كان يراها نوع من السخرية علي نفوذ أهل الشمال وإستئثارهم بنصيب الأسد من السلطة والثروة .اندهش جدا ولم يكف عن إستخدامها لأنها جرت علي لسانه. فجعت عام 2005 وقبل أن تدخل اتفاقية نيفاشا حيز التنفيذ والتي هلل لها صديقي مارك وانتظرها طويلا بموته مغدورا وفي عملية أشبه بالاغتيال منها الي القتل لم اري لها مثيلا في اعنف الافلام تراجيدية . فقد وجد الرجل امام باب منزله وفي ذات الكرسي الذي اعتاد الجلوس عليه كل مساء مقتولا....كشف ذلك المارة الذين اعتادوا مشغالاته ومزاحه المحبب .قاموا بتحيته فلم يرد ولما دنوا منه ظنوه نائما ولكن الرجل لم يعتاد النوم باكرا وهو لا يعقد المصالحات مع الكيمياء المغافلة أحيانا درجة الحمل علي النوم .اخذوه علي عجل الي المشرحة وجدوا ان طريقة القتل فريدة لم يسجل مثلها في اضابير الشرطة ولم ترد في تقارير مشارح السودان .مات طعنا ولكن بلا دماء خارجية.استخدمت أداة قتل دقيقة السماكة شديدة الحدة مررت بمهارة قاتل شديد الاحتراف Hit man عبر نخاعه الشوكي أسفل العنق. كان مارك تغرقه اللهفة وتلفه الأماني العراض والتوقعات الكبيرة بسودان موحد ويقول لنا مرارا انه واثق من قدرات ابن خالته د جون قرنق في تحقيق ذلك .نم بسلام في قبرك صديقي النبيل مارك دينق اتيم كوات. الأمين عبد الكريم مداي
12-01-2018, 01:56 PM
محمد البشرى الخضر محمد البشرى الخضر
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 28869
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الأمين عبد الكريم
محمد البشرى الخضر
حامد عبدالله
احمد حمودى
نعمات عماد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست