الثقافة هي ما يرثه الانسان من أسلافه و ما تنتقل إليه من خصائص و عادات خاصة بأبويه و مجتمعه ، كالديانة و اللغة و الملبس و المأكل و غيرها من الخصائص التي تنتقل طوعاً بحكم البيئة التي بها ينشأ الانسان . بينما الحضارة هي درجة من التطور تصل إليها الثقافة لتنتج علوماً و فنوناً و عادات تشكل إسهاماً في مسيرة ثقافة الانسان عموماً دون شرط الانتماء الى ذات البيئة و دون أن يرثها طواعية بحكم النشأة .. لذلك ، فإن كل شعوب الأرض ، صغرت أو كبرت ، تمتلك ما يمكن تسميته بالثقافة و لكنها لا تمتلك جميعها ما يمكن أن نسميه حضارة ، لارتباط مفهوم الحضارة بالإسهام في مسيرة تطور الانسان على كوكب الأرض .. برتراند راسل ١٨٧٢- ١٩٧٠ كان أول من تنبه إلى مفهوم مركزية الحضارة و نبه له ، و يقوم مفهوم مركزية الحضارة على نظرية الاعتداد و التراتبية ، إعتداد كل أصحاب حضارة بأنفسهم و إعتبار أنفسهم مركزاً لهذا الكون و أصحاب القدح المعلى في منجزات الانسانية و أصحاب المعتقدات الصحيحة قطعياً ، مما يجعلهم يضعون أنفسهم في مقدمة شعوب الارض في شتى المجالات و يقودهم إلى تعظيم ذواتهم كمساهم أكبر في التاريخ الإنساني و وضع الاخر في مرتبة أقل بوصفه صاحب الثقافة الأدنى و الديانة غير الصحيحة و الإسهام الأقل .. نبه برتراند راسل إلى خطأ مفهوم مركزية الحضارة الأوربية التي تعتبر ( درة تاج الحضارات الانسانية ) و أعتبرها راسل نتاجاً طبيعياً لمنجزات الحضارات الانسانية الاخرى ،فكل أصحاب الحضارات القديمة و الحديثة يعتبرون أنفسهم أصحاب الإسهام الأكبر في مسيرة الحضارة الانسانية بوجه عام ..
إذاً فإن الفارق بين الثقافة و الحضارة ، هو أن الثقافة ماعون جامع للعادات و التقاليد و الفلكلور و الفنون و الآداب و تشمل حتى المأكولات و المشروبات و الملبوسات و المعمار و التشريع ، و كل ما يميز قومية أو شعب أو أمة عّن غيرها و يمكن أن تكون هنالك ثقافة جامعة لعدة ثقافات فرعية شريطة أن يكون هنالك ما يجمع أهل الثقافات الفرعية و يجعل منهم كتلة سكانية واحدة أو قومية واحدة أو أمة واحدة ، عوامل الجمع هذه تتعدد بين اللغة الواحدة أو الديانة الواحدة أو الرقعة الجغرافية الواحد أو الأصل العرقي الواحد . و ليست كل ثقافة هي حضارة ، فكل شعوب العالم تمتلك ثقافة و كل مجموعة سكانية تمتلك ثقافتها الخاصة و لكن بالقطع ليست جميعها شعوب ذات حضارة ، رغم أن الثقافة جزء من مكونات الحضارة . الحضارة هي منظومة أشمل يمكنها إستيعاب الاخر المختلف دون التأثير على خصوصيته الثقافية و يمكنها أيضاً أن تُصدر إلى الاخر دون إنتقاله إلى مركز الحضارة المعنية . و الحضارة تعتمد على القوة ، ليست القوة العسكرية فحسب و إنما القوة الناعمة المتمثّلة في منظومة ثقافية مرنة ليست ذات خصوصية مغلقة و إنما ذات خصائص يمكن أن يتبناها أهل الثقافات الأخرى دون أن يؤثر ذلك على خصوصيتهم الثقافية . لذلك درج المؤرخون على الحديث عّن الحضارات الكبرى الأربعة الأكثر عراقةً و قدماً ، حضارة وادي النيل - حضارة بلاد الرافدين - حضارة نهر الصين الأصفر و حضارة نهر السند الهندية .. و الملاحظ أنها جميعها حضارات نهرية ، و لم تنشأ حضارات أخرى معاصرة ، رغم وجود شعوب أخرى ذات ثقافات مختلفة في ذات الحقبة التاريخية ، و نشأت بعدها حضارات بحرية مثل حضارة اليونان و حضارة فينيقيا . ثم نشأت بعد ذلك حضارات لاحقة يمكننا تسميتها حضارة القوة المحضة و التي أسهمت بدورها في سيادة ثقافة القوي .. نواصل ،،،
05-29-2018, 09:07 PM
سفيان بشير نابرى
سفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة