06:47 AM July, 02 2016 سودانيز اون لاين سيف الدين بابكر-السعودية - الرياض مكتبتى رابط مختصر
Quote: قد رأينا من خلق السودان على العموم الخفة و الطيش و كثرة الطرب
فتجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع
موصوفين بالحمق في كل قطر
والسبب الصحيح في ذلك أنه تقرر في موضعه من الحكمة
أن طبيعة الفرح و السرور هي انتشار الروح الحيواني و تفشيه و طبيعة الحزن بالعكس وهو انقباضه و تكاثفه.
و تقرر أن الحرارة مفشية للهواء و البخار مخلخلة له زائدة في كميته
و لهذا يجد المنتشي من الفرح و السرور مالا يعبر عنه
و ذلك بما يداخل بخار الروح في القلب من الحرارة العزيزية التي تبعثها سورة الخمر في الروح من مزاجه
فيتفشى الروح وتجيء طبيعة الفرح
وكذلك نجد المتنعمين بالحمامات إذا تنفسوا في هوائها و اتصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخنت لذلك حدث لهم فرح و ربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور.
و لما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار و استولى الحر على أمزجتهم و في أصل تكوينهم
كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم و إقليمهم
فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حراً
فتكون أكثر تفشياً فتكون أسرع فرحاً و سروراً و أكثر انبساطاً
و يجيء الطيش على أثر هذه
وكذلك يلحق بهم قليلا أهل البلاد البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر و أشعته
كانت حصتهم من توابع الحرارة في الفرح و الخفة موجودة أكثر من بلاد التلول و الجبال الباردة
و قد نجد يسيراً من ذلك في أهل البلاد الجزيرية من الإقليم الثالث لتوفر الحرارة فيها و في هوائها لأنها عريقة في الجنوب عن الأرياف و التلول
و اعتبر ذلك أيضاً بأهل مصر فإنها مثل عرض البلاد الجزيرية أو قريباً منها كيف غلب الفرح عليهم و الخفة و الغفلة عن العواقب
حتى أنهم لا يدخرون أقوات سنتهم و لا شهرهم و عامةً مأكلهم من أسواقهم.
و لما كانت فاس من بلاد المغرب بالعكس منها في التوغل في التلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقين إطراق الحزن
و كيف أفرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة و يباكر الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شيئاً من مدخره
وتتبع ذلك في الأقاليم و البلدان تجد في الأخلاق أثراً من كيفيات الهواء و الله الخلاق العليم
و قد تعرض المسعودي للبحث عن السبب في خفة السودان و طيشهم و كثرة الطرب فيهم
و حاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنه نقل عن جالينوس و يعقوب بن إسحاق الكندي أن ذلك لضعف أدمغتهم و ما نشأ عنه من ضعف عقولهم و هذا كلام لا محصل له و لا برهان فيه
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة