لم يمُرّ يومان على زيارة الفريق "محمود حجازي" - رئيس أركان الجيش المصري، المسؤول عن الملف الليبي - لقيادة جيش اللواء "خليفة حفتر" في "بنغازي"، وعقد لقاءات مع أطراف ليبية مختلفة قيل: إنها لـ "إنهاء الأزمة في ليبيا"، حتى أعلنت "القوة الثالثة لتأمين الجنوب الليبي" - التابعة لوزارة الدفاع الليبية - عن توجيه ضربة قاصمة لقوات "حفتر" في قاعدة "براك الشاطئ" جنوب ليبيا. الهجوم الذي قامت به قوات مشتركة وسيطرت على القاعدة قبل أن تُغادرها، قامت به قوات اللواء 13 التابع لوزارة الدفاع في طرابلس مع ثوار ليبيا على قوات "اللواء 12 مجحفل" التابع لقوات "الكرامة" والذي يقُوده "محمد بن نايل" التابع لجيش "حفتر"، وأدَّتْ لمقتل 141 من جنود "حفتر"، وبعض المدنيين. وعلى حين ذكر موقع "بنغازي بوست" القريب من حكومة طرابلس، أن نتائج اقتحام القوة الثالثة لقاعدة "براك الشاطئ" هي: غنم 57 آلية، ومخازن ذخيرة بأنواعها، وطائرتين ميغ 21، ووقوع أكثر من 40 أسيراً و98 قتيلاً من قوات "حفتر"، اعترف الناطق الرسمي باسم قوات "حفتر" (القوات المسلحة العربية الليبية) العقيد "أحمد المسماري"، في مؤتمر صحفي الجمعة، أن 141 قُتلوا في الهجوم منهم 86 من اللواء 12. لماذا "براك الشاطئ"؟ وتقع مدينة "براك" التي تقع فيها القاعدة العسكرية على بعد 59 كم عن مدينة "سبها"، وعلى بعد نحو 700 كيلو مترا جنوبي العاصمة طرابلس، وسبق أن انطلقت من هذه القاعدة هجمات جوية على قوات وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني الموجودة في "قاعدة تمنهنت" التي يسعى "حفتر" للسيطرة عليها. وسبق للواء "12 مجحفل" التابع لجيش "حفتر" الإعلان مؤخراً عن عملية عسكرية باسم "الرمال المتحركة" بهدف "تحرير" جنوب البلاد، وحاولت قوات اللواء مراراً السيطرة على قاعدة "تمنهنت" الجوية شمال مدينة "سبها" دون جدوى، حيث تُوجد قوات ثوار ليبيا وجيش وزارة الدفاع التابع لطرابلس وللمجلس الرئاسي في حكومة "فايز السراج". بالمقابل أعلنت حينها القوة الثالثة التابعة لحكومة الوفاق، والتي ينتمي معظم أفرادها إلى مدينة "مصراتة"، وتتولّى منذ مدة طويلة حماية جنوب البلاد، عن عملية مضادة أسمتها "الأمل الموعود"، هي العملية الأخيرة التي وجهت فيها ضربة قاسية لقوات "حفتر" في قاعدة "براك الشاطئ". ويتهم جيشُ "حفتر" الذي يُطلَق عليه "الجيش الوطني الليبي"، القوةَ الثالثة التابعة لوزارة الدفاع في طرابلس بالتحالف مع قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" التي حاولت أكثر من مرة الهجوم على مدينة "بنغازي"، وتمكّنت لفترة قصيرة من احتلال اثنين من موانئ تصدير النفط في منطقة الهلال النفطي، قبل أن تستعيدهم قوات "حفتر" بمساندة ضربات جوية من مصر والإمارات. انهيار اتفاق حفتر - السراج ويُشكّل الهجوم الأخير انهياراً كبيراً لاتفاق المُصالحة الذي رعته مصر، وعقده "حفتر" و"السراج" في الإمارات، حيث تسعي القاهرة وأبو ظبي لإبرام مصالحة بين المجلس الرئاسي المؤقت بزعامة "فايز السراج"، وحكومة "طبرق" التي عيّنت "حفتر" قائداً للجيش الليبي التابع لها. لذلك أدانت وزارة الخارجية المصرية والجامعة العربية، الجمعة، بأشد العبارات "الهجوم الإرهابي الوحشي للمليشيات الإرهابية" على قاعدة "براك الشاطئ" الجوية بجنوب ليبيا والذي قالت: إنه راح ضحيته أكثر من مائة جندي ومدني. وأكّدت الخارجية المصرية على "ضرورة عدم رهن الوضع السياسي الليبي بيد مجموعات غير شرعية تحاول انتزاع دور سياسي عبر اقتراف عمليات إرهابية تتعاون في تنفيذها مع تنظيمات وعناصر إرهابية، ومن خلال دعم وتمويل خارجي من قبل بعض الدول". وإزاء التهديدات من جانب "حفتر" بالانتقام عبر استئناف قصف مدينة وقاعدة "تمنهنت" وما حولها والذي كان سبباً في الهجوم على "براك الشاطئ"، وخشية انهيار الاتفاق بين "حفتر" و"السراج"، أدان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية الهجوم على قاعدة "براك الشاطئ" الجوية. واعتبر المجلس هذا الهجوم "تصعيداً عسكرياً" وأوعز بفتح تحقيق بشأنه، وقال بيان لرئيس المجلس الرئاسي "فايز السراج": إنه أصدر تعليماته لجهات الاختصاص بالتحقيق؛ لمعرفة ملابسات ما حدث في قاعدة "براك"، ومحاسبة مَن يدّعي تبعيته لحكومة الوفاق. ونفتْ وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني بقيادة "مهدي البرغثي" إصدار أي تعليمات بالتقدم أو الهجوم على قاعدة "براك الشاطئ" في بيان على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، وقالت: إنها ستقوم بتحقيق شامل في ملابسات ما حدث بقاعدة "براك الشاطئ" الجوية، ولكنها رفضت إدانة الهجوم. وحمَّلَت الوزارة مسؤولية الهجوم على قاعدة "براك" لمن قالت: إنه "بدأ قصف قاعدة تمنهنت بالطيران والمدفعية والاعتداء عليها وقتل وجرح الأبرياء من المدنيين والعسكريين في قاعدة تمنهنت وفي مدينة سبها". ويُشير تحميل المسؤولية هذا إلى قوات "حفتر"، التي حاولت قبل أسابيع السيطرة على قاعدة "تمنهنت" الجوية وتقصفها باستمرار. دلالات الهجوم ويمكن تلخيص دلالات الهجوم فيما يلي: 1. الهجوم أثبتَ ضعفَ وهشاشة قوات "حفتر"، واختراقها، فهو الثاني خلال شهرين الذي تتكبَّد فيه قواته خسائر كبيرة بعد خسارتها موقعين للنفط في الهلال النفطي، وفي الحالتين انسحب المهاجمون لصعوبة السيطرة على هذه المناطق، وفي الحالتين أيضاً تحدَّث "حفتر" عن "خيانة". 2. الهجوم بمثابة صفعة للجهود المصرية والإماراتية لدعم قوات "حفتر" عسكرياً من جهة، وسعيهما لجمع "حفتر" و"السراج" سوياً ضد قوات ثوار ليبيا التي يغلُب عليها قبيلة "مصراتة" والتيارات الإسلامية الذين بدأوا الثورة ضد القذافي، ومؤشراً على أن التقارب بين "حفتر" و"السراج" لا يزال بعيداً. 3. وقوع الهجوم بعد يومين من زيارة رئيس الأركان المصري لـ "حفتر"، والتشاور حول سبل حماية منطقة الحدود المصرية الجنوبية التي شهدت مؤخراً تدمير الجيش المصري لعشرات العربات المسلحة القادمة من جهة حدود ليبيا، يُظهر أن رهان القاهرة على "حفتر" لا يزال خاسراً وأنه لابد من أخذ القوى الأخرى في الحسبان في حال الرغبة في إبرام اتفاق سلام ومصالحة، والسيطرة على منطقة الحدود بصورة طبيعية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست