في شارع (صك العملة) ومن الناحية الجنوبية الغربية للمنطقة الصناعية ، ونحو الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل كنت أعبر من ذلك الطريق وأنا في طريق العودة من مستشفى علياء ، أضواء السيارة سقطت على أعين طفل صغير جلس متكوما من البرد أمام إحدى أبواب الزنك ، الطفل لا يتجاوز عمره السادسة كان يجلس القرفصاء في ظلام رهيب.
المنطقة برمتها يلفها الظلام ولا أثر للحياة بها.
بعد قليل اتجه إليه مجموعة من الصبية منهم من هو في نفس عمره ومن هو أكبر بعدد من السنوات جلسوا إلى جانبه لا يلوون على شيء.
لم أتوقف ولم أذهب لمحادثتهم ؛ لأن كل السيناريوهات السيئة كانت حاضرة في ذهني ، التوقف -نفسه- في مثل هذا التوقيت أمر غير مأمون العواقب في ذلك المكان.
ولكن بدا واضحا أنهم ضمن مجموعة الأطفال المشردين ، والذين يعيشون في الجملونات التي تعج بها تلك المنطقة.
غير بعيد من ذلك المكان ، وعند تقاطع إشارة القسم الجنوبي في المثلث الشمالي حاولت عقد صداقات مع مجموعة من المشردين ، وفي أول محاولة لتجاذب الونسة معهم انطلقت ألفاظ من أحدهم ، وهو يسب طفلا آخر إصابتني بالقشعريرة ، وشعرت بالتقيوء ، وأني احتاج إلى غسل أذني جيدا بالصابون .. ألفاظ أقل ما يقال عنها إنها خادشة للحياء ، ومثيرة للاشمئزاز .
الغريب في الأمر أن أكبرهم لا يتجاوز العاشرة من العمر ، لكنهم رغم هذا يتقنون كل الألفاظ القذرة ، والكلام البذيء.
منحت أحدهم قبيل انصرافي حقيبة مدرسية كانت في حوزتي فحدثت معركة بينهم كادت تزهق فيها الأرواح ، وبعد مضي أسبوع مررت بإشارة القسم الجنوبي فوجدته يفترش ذات الحقيبة تحت رأسه وهو نائم ، فإلى أين عساه يأخذها فلا مأوى ولا أسرة .. تحت الكبري مسكنه ، وبين أعمدة الإنارة والأسفلت غرفته ، وعلى الرصيف سريره .. ومن عوادم السيارات غطاؤه .
على بعد خطوات من ذلك المشهد ، وفي الشارع المنحني والمؤدي إلى نادي الأسرة يقبع الكثير من المشردين من الجنسين ، الكثير من الذكور ، والقليل من الإناث ، يعيشون حياة أقرب إلى الجحيم ، يبدأون صباحهم بمص واستنشاق السلسيون ، ثم يتناولون إفطارهم من مكب النفايات ، ويبدأون عملهم بممارسة الشحاتة على الأستوبات ، ثم يتناولون وجبة الغداء من أكياس القمامة في المطاعم ، و يخلدون إلى النوم في المباني المهجورة ، لا يغمض لهم جفن مع تناوب كبارهم اغتصاب صغارهم.
وهكذا تبدأ رحلة اليوم التالي ما بين المخدرات والشحاتة والاغتصاب.
كنت أتمنى أن تمنحنا وزارة الداخلية ، ووزارة الرعاية الاجتماعية الرقم الحقيقي لعدد المشردين -فقط- في ولاية الخرطوم.
فحسب علمي أن العدد تجاوز القدرة على السيطرة عليه.
خارج السور :
يحدث كل هذا البلاء والتفكك ، وتضيع من بين أيدينا اللبنة الأساسية لمستقبل الأطفال ، ونقدم إلى العالم أسوأ أنموذج لضحايا الحروب والحمل غير الشرعي .
كل هذا والدولة والشعب مشغولون جدا .. مشغولون بمحاسن كبي حرجل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة