|
Re: اليوم ذكرى معركة كرري.. (Re: اسماعيل عبد الله محمد)
|
كرري , ملحمة الصمود و الكرامة ..
تمر علينا هذه الايام ذكرى معركة كرري التي استبسل فيها اجدادنا شمالي ام درمان عاصمة دولة المهدية , قدموا ارواحهم بكل صدق وايمان مهراً للعزة و الكرامة و الاباء , شهد لهم قائد جيوش الغزاة بانه لم ير اشجع منهم بشراً وطأت اقدامهم الثرى , اصبحوا تاج عزٍ وفخار لكل سوداني وسودانية يزين الرؤوس و يجعلها شامخة مشرئبة الى سماوات المجد و الخلود , دماءٌ اريقت في ساحات تلك الجبال ساقية التراب بمعاني الوطنية والذود عن حياض الارض , اصبحت كرري معلماً من معالم صمود شعبنا العزيز و محطة من محطات بناء الامة التي يصعب تجاوزها في خضم التحديات الوطنية المحدقة بنا هذه الايام , وانه لمن الغبطة و السرور ان يكون الفرد منا منتمياً الى هؤلاء الليوث الذين اثاروا الرعب في قلوب المعتدين الآثمين. وبمناسبة شرف ان يكون لك تاريخ شريف وضاء, تحضرني مفاكرة جمعت بيني و بين صديقي الذي استقر بدول اسكندنافيا عدداً من السنين , عندما كنا نقلب صفحات التاريخ الاوروبي الحديث و خاصة عهد هتلر , سالت صديقي : كيف كانت مقاومة الشعوب الاسكندنافية للغزو الهتلري الجبّار ؟ ضحك صديقي الذي يحمل جنسية احدى هذه البلاد المترفة ضحكةً مستهزئة و قال : هؤلاء يستحون من التعرض لتاريخهم ,وبالاخص فترة الرايخ الثالث الذي لم يجد عندهم مقاومة تذكر فدخل ديارهم بكل سهولة ويسر ,عندما نقارن مثل هذه المخازي المتعلقة ببعض الشعوب التي تشاركنا هذا الكوكب مع صفحات تاريخنا البيضاء الخالية من السوء يجب ان ينتاب الفرد منا إحساس الزهو و الفخار , فالحس الوطني يغذيه الموروث الحضاري للأُمة والحقائق التاريخية المتعلقة بصراع البقاء و الاستمرارية , هنالك بعض من بني وطننا درجوا على تناول تاريخ الثورة و الدولة المهدية و بطولاتها بنوع من الاسفاف , ومعظم هؤلاء متأثرون بالمعلومة المشوّهة التي نقلها كُتّاب مخابرات الغزاة عن تلك الحقبة التاريخية المفصلية , فلا يجدر بالوطني الغيور ان يكون مطيّة للدعاية الاجنبية في عملية الاستخفاف بتاريخه المجيد , فالوجدان الجمعي للشعب يجب ان يُقدس الملاحم الوطنية الكبرى و يفرد لها مساحات للاحتفال و التذكير , لا كما نلحظ اليوم من كثير من نسيان لمثل هذه المناسبات الوطنية العظيمة من قبل الدولة والاحزاب و التنظيمات السياسية و الروابط والجمعيات الاجتماعية و الرياضية و الثقافية. مع نفحات ذكريات ملحمة كرري نرسل الرسائل الى المهتمين بالشان السوداني في كلا جانبيه ,الممسك بزمام الامور و المناويء المستشرف لغدٍ افضل , أن إجعلوا من تضحيات أسلافكم الاحرار أرضية صلبة لاعادة رتق نسيج الوطن الذي تفتّق , إفعلوا كما فعل المهدي عليه السلام عندما جمع ما بينه وبين عثمان دقنة و تورشين بالعدل و القسطاس , خلِّصوا الوطن من براثن وحش التفتت و الانقسام و الاصطفاف الجهوي , تواضعوا و انزعوا عن صدوركم و اكتافكم النياشين و الانواط و الالقاب و الرتب و الانتماءات , ضعوا الوطن وليس غير الوطن في اجنداتكم اليومية , واعلموا ان الانسان بلا وطن كالاسماك خارج الانهار و البحار , وانه لا وجود ولا قيمة لأي منا اذا لم تعانق كسلا نيالا و تصافح حلفا كادقلي , ان اطروحة الحوار الوطني لن تحل الازمة الوطنية الخانقة , ولا خارطة الطريق التي رسمها لنا غيرنا , فالحوار استثنى كثيرين و اصبح انتقائياً , اما الخارطة فهي بتوقيع من لا يعرف جغرافيتنا , وليس من الحكمة ان تستدل على الطريق المؤدي الى قريتك بجبال النوبة بشخص قادم من جزر المالديف , فطريق المجد والخلود يمر بمنعرجات التضحية بالروح و التفاني. بلادنا لها جذر ضارب في تراب الانسانية فالنستنهض تلك الجذور البعيدة , لتهز الينا جزع شجرتنا حتى تعيد انبات امثال الزاكي طمل و حمدان ابو عنجة و يونس ولد الدكيم , ذلك الجيل المعطاء المستجيش ضراوة ومصادمة الذي استمات على المباديء مؤمناً فانتقى صدر السماء لشعبنا , انه الجيل الذي هزم المحالات العتيقة ومشى في باحات الخلود بصدره المكشوف حاملاً جراحاته التي زينته وجعلته يتخير اوعر الدروب سائراً فوق الرصاص منافحاً , انه جيل تفرد باعتلاء صهوات الخيول ورمي بالرماح وقذف بها في صدور الغزاة الماكرين , ذلك الجيل وضع لنا كل مقومات الابتكار لبناء حياة جديدة , فهل نحن قادرون على بدء هذا البنيان ؟
| |
|
|
|
|