|
حول (مرض السلطة)..
|
01:36 PM August, 01 2016 سودانيز اون لاين المعز ادريس-Canada مكتبتى رابط مختصر (A)
"هناك ما يسمى بالأمراض المهنية , تلك الأمراض التى يصاب بها أصحاب مهنة معينة نتيجة تعرضهم لمخاطر ممارسة هذه المهنة خاصة إذا مارسوها لفترات طويلة , فمثلا يصاب عمال المناجم والمحاجر بأمراض الصدر , ويصاب الفلاحون بالبلهارسيا ويصاب الجراحون بالإلتهاب الكبدى ..... وهكذا , وبناءا على هذا يبرز تساؤل : ما هى الأمراض التى يمكن أن تصيب أصحاب السلطة ؟ وماهى تداعيات هذه الأمراض عليهم وعلى من هم تحت سلطتهم ؟ وما هى وسائل الوقاية والعلاج من هذه الأمراض ؟ أذكر زميلا قابلته حين كنت أعمل فى السعودية وتزاورنا مرات عديدة وترسخت علاقتنا ثم كلل هذا بأن ذهبنا للحج سويا وقضينا يوما من أجمل أيام عمرنا على عرفات وكان طيبا وودودا , ومرت سنوات وافترقنا , ثم إذا بى ألتقى به فى مصر فأندفعت نحوه بحرارة العلاقة السابقة ودفئها لأسلم عليه كما اعتدنا من قبل ولكننى فوجئت به يستقبلنى ببرود ولمحت فى عينيه تعاليا وسلم على بأطراف أصابعه وتحدث من أنفه ولست أذكر من كلامه شيئا إلا قوله بأنه أصبح رئيسا للقسم فى تخصصه , وكانت هذه – بحمد الله – آخر مرة ألقاه فيها .
شاب آخر عرفته منذ كان صغيرا وهو من أسرة طيبة وتربى على أخلاقيات عالية وعمل ضابط شرطة فى أحد الأماكن , وجمعتنى به الظروف فى مكان عمله فلا حظت استخدامه لألفاظ نابية لم أعهدها فيه من قبل , وكأنه فهم ما يدور فى ذهنى فبادر بتبديد حيرتى قائلا : " ما علهش يا دكتور أصل دول عيال ولاد .... ما ينفعش التعامل معاهعم بالذوق , الواحد فيهم أمه ....... وييجى يعمل لنا فيها محترم , دول ما يجوش إلا بضرب الجزمة " , ففزعت من هذا التغيير , ولم أدر أأعذره أم ألومه , ولكن المؤكد أننى فضلت عدم اللقاء به بعد ذلك .
شغلنى التغيير الذى لاحظته على هذين الشخصين وغيرهما من أصحاب السلطة فى مستوياتها المختلفة , وفهمت عزوفى عن الإقتراب من أى صاحب سلطة حتى ولو كان من أعز أصدقائى , وحاولت أن أجد تفسيرا علميا لما يحدث للناس حين يصبحون فى موقع سلطة , وكان أقرب شئ يعطينى تفسيرا سريعا هو نظرية المجال التى مفادها أن الإنسان يختلف باختلاف المجال الذى يتواجد فيه , وبما أن المجال السلطوى يحوى " فولتا " عاليا ومجالا مغناطيسيا هائلا , وهالة مبهرة لذلك نتوقع تغييرا فى الشخصيات التى تتواجد داخله خاصة إذا كانت القيمة الحقيقية لهذه الشخصيات متدنية فهى فى هذه الحالة تفقد ثباتها الضعيف من البداية , ولكى أقرب لك عزيزى القارئ هذه الفكرة تذكر أى يوم حاولت فيه الإقتراب من شخصية مهمة وتذكر كيف كنت تشعر بأن الجو مكهرب فى الدائرة المحيطة بهذه الشخصية , تلك الدائرة التى يزداد اتساعها بقدر أهمية سلطته .
وقد انشغل عالمان كبيران بدراسة هذا الأمر فحاول نيقولا مكيافيلى تصور سيكولوجية السلطة من خلال كتابه " الأمير " , وحاول جوستاف لوبون تصور سيكولوجية الجماهير (الخاضعة للسلطة ) من خلال كتاب " سيكولوجية الجماهير " , وقد صدم العالمان الوعى الإنسانى العام بما كتباه , حيث صور مكيافيلى سلطة الأمير منقطعة الصلة عن أى قواعد أخلاقية وأطلق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة " ورأى أن السلطة دائما قاسية وغاشمة وظالمة ومستغلة وأن هذا من حقها ولو لم تفعل ذلك لاستضعفتها الجماهير وسحقتها , وصور جوستاف لوبون الجماهير على أنها كائن غير منطقى يميل للإستهواء والإستلاب وتتحكم فيه عواطفه واحتياجاته البدائية وأن هذا الكائن الجماهيرى حين يثور يصبح أكثر عدوانا وطغيان من الفرد .
ولكى نفهم أمراض السلطة سنضطر للعودة قليلا للوراء لكى نفهم خصائص السلطة وأنماطها ." د. محمد مهدي
(B)
"كثيراً ممن كتبوا عن ربيع الثورات العربية، وقيموا أحداثها، توجهوا باللوم للطغاة العرب الذين هان عليهم دماء أبنائهم، ودخلوا في دائرة جدل عقيم مع رؤوس هذه الأنظمة الغارقة في الفساد والطغيان.. لكن فات هذه الطائفة من كتابنا الأجلاء أن يحسبوا حساب إصابة هذه الطغمة الحاكمة الفاسدة بمرض "السلطة"الذي يتبدى في مجموعة من الأعراض لا تنفع معها لغة الإقناع ولا منطق الحكمة السائر بين الناس قاطبة.
"مرض السلطة"مرض غريب في أعراضه، غريب في تطوراته، غريب حتى في نوعية البشر المعرضون للإصابة به، ولو تفهما كل هذه الظروف والملابسات لسهل علينا تفسير سلوكيات الطغمة الحاكمة المصابة بهذا المرض، ولأحسنا قراءة الواقع والظروف التي تمر بشعوبهم المنكوبة، وبالتالي أعدنا صياغة لغة الحوار مع هؤلاء المرضى، وأجدنا اختيار القرارات والتصرفات المناسبة للتعامل مع هذه الشرذمة المكروهة والغارق في الطغيان.
يقول د. يوسف نور عوض: "إن العالم العربي يعيش مشكلة في الحكم وفي تكوين الدول، ويكـفي أن ننظر إلى دول مثل مصر واليمن وليبيا والسودان وسورية والجـزائر وغيرها لنجد حكاماً لا يعتبرون أنفسهم يقومون بمهام سياسية محددة، بل يعتبرون أنفسهم موظفين في وظائف مدى الحياة، يستعينون بقادة الجيوش والإمكانات المالية الضخمة من أجل الاستمرار في أداء أدوارهمدون التنبه إلى أن الدولة هي في الأساس نظام موجه لخير المواطنين، ولا شك أنه من حقأي مواطن أن يصل إلى مركز القيادة من أجل أن يحقق مصالح شعبه بشرط ألا يصبح الوصول إلى مركز القيادةهدفاً في حد ذاته، ويصبح بالتالي من حق أزلامه والمقربين منه". (1)
خالد سعد النجار
أواصل..
|
|
|
|
|
|