[/B ] العِصْيانُ المدني .. شوْقُ الشارعِ للحرِّية!
ببزوغ فجر اليوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2016 يدخل إعلان شعبنا العصيان المدني يومه الثالث. كان كاتب هذه السطور قد قال في أكثر من مقال بأنّ شعبنا سيفاجيء العالم هذه المرة بانتفاضة تختلف من حيث التكنيك عن انتفاضتي اكتوبر وأبريل. وقبل أسبوع من إعلان موعد العصيان الحالي رفعت في اكثر من صحيفة إليكترونية مقالاً بعنوان: (إعلنوا العصيان المدني ، فلم يبق لكم سواه)! وللأمانة فإنّ فكرة إعلان العصيان المدني ظلت منذ فترة مثار الحديث عند الكثيرين. ما كنت أتعشم كثيراً في الأحزاب السياسية بخلافاتها وضجيجها السالب أن تنبري لإعلان العصيان المدني، أو أن تنزل للشارع وتقرأ أشواقه. العمل السياسي الحزبي (وأنا هنا أتحدث عن أحزاب المعارضة السودانية التقليدية) لم يفكر في الشارع ولم يفكر في ثورة الهامش العريض إلا من باب التنظير الذي لم يعد عليهم بغير الساحق والماحق. ظلت الأحزاب السودانية التقليدية بعيدة عن هموم الشارع السوداني لعقود. بل ظلت تنظر إلى الثورة السودانية في الهامش العريض وكأنها حدث منفصل. بل كانت نظرة هذه الأحزاب التقليدية إلى ثورة وثوار الهامش لا تخلو من إحساس بالغيرة وكأنما تخشى سحب البساط من تحت أقدامها. وهو نمط من التفكير السياسي الضحل حين نتفكر في الكابوس الجاثم فوق صدورنا ومصير بلادنا. ظل نشاط الأحزاب المعارضة بمعزل عن الشعب. وفي المقابل واصلت العصبة المارقة على اخلاق ودين وطباع شعبنا تسرق وتقتل وتهين وتواصل الحروب على شعبنا. فما من بقعة من أرضنا لم يلحق بها نظام الإسلامويين الأذى، وما من لقمة عيش في طريقها إلى الجوعى لم تمتد أياديهم القذرة لانتشالها ، حتى صار بلدنا بخيراته التي يضرب بها المثل أنموذجاً للفقر والكوارث والحروب! وحين عرف حزب جديد - (معظم عضويته من الشباب) وبعض المنظمات المدنية والنقابات المهنية (الأطباء بالتحديد) الطريق إلى الشارع وخاطبوه بجرأة ، كان سياسيون من تلك الأحزاب ينظرون إلى هذا العمل باعتبار أنه تحرش بالنظام وأنه مغامرة غير مضمونة العواقب! يبدو أن خيال المآتة المسمى بالإنقاذ نجح على مدى 27 سنة في زراعة الرعب في قلوب الكثيرين. لكن الشباب عرفوا الطريق إلى الشارع . خاطبوا الجموع الغفيرة في الأسواق وفي الأماكن العامة. انتفضوا في الجامعات فاستجاب الشارع للنداء ، فقد خاطبوا أشواقه وأمانيه لأول مرة. كتب صاحب هذه السطور في مقال له قبل يومين يقول في هذا الصدد: (لقد عرف الشباب الطريق إلى الشارع وقرأوا لغة الجوعى والمحرومين، فلم ينتظروا إذنا من أحد ليقول لهم بأن ساعة العصيان المدني قد حانت أو لم تحن. احتكموا لسيدي الشعب - المعلم الذي يعرف كيف يجعل فرائص الطغاة ترتجف حين يثور.) لقد تصدى جيل جديد للمرحلة ومتطلباتها – وعلى رأس متطلبات المرحلة إسقاط نظام القتلة واللصوص وقيام وطن حر ديموقراطي ننتمي إليه جميعنا تحت مظلة المواطنة: لنا حقوق وعلينا واجبات. لم يأت نجاح هذا العصيان الذي أذهل الخصوم قبل الأحباب- لم يأت من فراغ. كان شعبنا ينتظر منا : شيبا وشبابا ، سياسيين ونخباً متعلمة أن ننزل ونتسلح به- بالشعب! وحين قالها شبابنا كانت الاستجابة أكبر مما تخيل أكثر الناس تفاؤلاً. بنجاح العصيان عزلنا النظام الفاشي وأتباعه. نحن الآن معسكران لا ثالث لهما: الشعب السوداني الذي صبر على القهر 27 عاماً من جهة وما عرف بنظام الإنقاذ وأعوانه وأجهزة قمعه من جهة أخرى! أقول معسكران لأن لغة المرحلة لا تقبل اللون الرمادي! ومعركة كسر الساعد بيننا وبينهم قد تطول: شعبنا معه الشرعية فالمستقبل للشعوب ، وهم معهم تاريخ خيبتهم الماثل للعالم كله: إهدار وسرقة موارد البلاد ومواصلة الحروب ومصادرة الحريات. * أريد أن أختم بالقول أنّ رحلة العصيان المدني لن تنتهي بمغيب شمس اليوم. كلا وألف كلا يا نظام القتلة وسارقي قوت شعبنا. ما حدث كان مجرد مران (يعني بلغة السينما دي المناظر!). أحسب أنّ تنسيقية ثورة العصيان المدني بقيادة شبابنا وضعت برنامجها لنزال النظام بنفس السلاح على مراحل. العصيان مستمر فيما علمنا ولكنه على مراحل. وقد قلنا ما من شعب أشهر سلاح العصيان المدني إلا وكان سقف مطالبه إسقاط النظام! * صحيح أن شعبنا قد أثبت وعيه الكبير باستخدام هذا السلاح الحضاري - سلاح العصيان المدني. لكن على تنسيقيات الأحياء ومواقع العمل أن تأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. لن ننجر لأي حيلة بالتظاهر والمسيرات في المرحلة الحالية كما يحلم سدنة النظام وفلول أمنه. ربما يأتي يوم التظاهرات، لكنه سيكون مسك الختام. كل ما يجب عمله من الآن فصاعداً الإنضباط التام في ما تبقى من مراحل العصيان المدني وأظن أنه سيتم الإعلان عنها في مدن السودان وقراه في الوقت المناسب. ويا شعبنا.. ما تزال حياً وماردا بين شعوب الأرض. ظن خصومك أنك شبعت موتاً ، فإذا بك ترمي تحت أقدامهم عصا موسى ، لينقلب السحر على الساحر. أنا فخور بأنّي من صلب هذا الشعب، وبأني رضعت الكرامة من ثدي أم سودانية!
11-29-2016, 09:16 AM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065
ربما لا يعرف الكثيون ان اول من استخدم مصطلح العصيان المدني في السودان هو الاستاذ محمود محمد طه وأدرجه في كتابه "قل هذه سبيلي" ١٩٥٢، ومن قبل ذلك في دستور الحزب الجمهوري لعام ١٩٥١.
ياسر
11-29-2016, 11:35 AM
فضيلي جماع
فضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315
هذه معلومة هامة جدا استاذ ياسر الشريف. ولا أستغربها من رجل وضع بصمته في سجل الخالدين دفاعا عن كرامة الإنسان - ليس في تاريخ بلادنا الحديث فحسب ، بل في العالم بأسره. ألا رحم الله الأستاذ الشهيد محمود محمد طه.
11-29-2016, 11:19 PM
فضيلي جماع
فضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة