لقد واجه الدين عدوين لدودين: هما المخطط اليهودي، والمخطط المادي الشيوعي الناتج في البداية عن المخطط اليهودي والمتمم له. أما المخطط اليهودي فلا شك أن اليهود وهم يريدون استحمار الجوييم يعرفون تماما أنه لا سبيل لهم إلى استعباد البشر إلا بمحو دينهم وسلخهم من عقائدهم وأخلاقهم لأن اليهود عرفوا أنه لا سبيل لهم إلى تحقيق مآربهم ما دام للبشر دين وأخلاق وتراث يرجعون إليها واليهود أعدى أعداء البشرية على امتداد تاريخهم وحروبهم معهم لا تنقطع ومؤامراتهم ضدهم لا حد لها فهم سراق العقائد والأخلاق والأموال. وأما العداء الشيوعي فهو امتداد طبيعي لعداء اليهود مضافا إليه الحقد على الدين وأهله وعلى سائر البشر الذين لم يستسلموا لطغيانهم وحينما وقفت الكنيسة في صف الإقطاعيين والرأسماليين ضد النفوذ الشيوعي جاعلين الدين شعارا لهم في حرب الشيوعية تضاعف حقد الملاحدة على الدين وعلى كل من يمثله واستفاد الملاحدة فوائد كثيرة من وقفة الكنيسة إلى جانب الاستبداديين حيث أغروا الناس بعداوة الدين وأهله. واشتد حقدهم على نسبة أي حق أو عدل أو خير إلى الله عز وجل فقد سخروا من كل من يعتقد ذلك ورموه بأنواع السباب إذ ليس هناك – في ميزانهم – حق وعدل وخير وتوجيه من الله تعالى. إذ أن كل ما يصدر عن الناس من تصرفات إنما هي نتيجة للأحوال الاقتصادية وتغيراتها المتلاحقة دون أن يكون هناك توجيه غيبي يسير الكون أو تظهر الأخلاق عن طريقه. وهم يرتاحون لنسبة الحق والعدل إلى الشيوعية ولكنهما محرمان نسبتهما إلى الله تعالى ولكن الله عز وجل متم نوره ولو كره الكافرون وقد أذلهم الله تعالى أيما ذل. ومن الجدير بالذكر أن الملاحدة قد يتظاهرون أحيانا بذكر كلمات الدين والتدين فيظن من لا يعرف أهدافهم أنهم يريدون ذكر الدين والرضى به بينما هم في الواقع في غاية البعد عن هذا الفهم السليم ولهذا يقول المفكر المسلم وحيد الدين خان: "إنه على الرغم من أن كلمة "الدين" موجودة في التفسير الجديد للدين ولكن الدين هنا في صورته الحقيقية والعملية لا يختلف عن الإلحاد الكامل في شيء". " في ضوضاء هذه الدراسة الاجتماعية والتاريخية المزعومة يضيع أصل الدين في هذا التفسير المستحدث فيصبح الدين مجرد ظاهرة اجتماعية ويفقد قيمته الحقيقية في توجيه الحياة والمجتمع وهداية الإنسان لما فيه خيره في الدنيا والآخرة" (1) . وتارة يرجع أولئك الملاحدة تفسير الدين حسب خرافاتهم إلى قابلية الشخص واستعداده الذهني لإدراك شتى الصور التي يتخيلها بعد ذلك دينا، كالشاعر الذي يتصور أشياء في خياله اللاشعوري وهذه تسمى نبوة عند بعض كبارهم. ويرى محرر دائرة معارف العلوم الاجتماعية أنه يمكن تشبيه الدين بالفن من حيث أن الفنان يتمتع بذوق غير عادي في الأمور الفنية فكذلك رجل الدين يتمتع بنظرة قوية وأذن صاغية فيصل بتجاربه إلى معرفة الدين. مع أنهم قد أقروا بأن الدين لا تدخل معرفته تحت التجارب – كما تقدم – وهم يهدفون من وراء هذا السخف إلى إنكار النبوات الإلهية ويقرر "ت. ر. مايلز": أن الدين إذا قصد به ما بعد الطبيعة، أي القول بأنه وحي من الله تعالى فإنه حينئذ يفقد معناه الحقيقي أما إذا أريد بالدين معنى مجازيا بمعنى قوة الذكاء والإلهام فإنه حينئذ يكون معناه مقبولا لدى الأشخاص الذين يتصفون بقابليتهم للتدين. ويرى "اليكسيس كاريل" أن التدين إنما يصل إليه الإنسان بجهوده الشخصية وتطلعه إلى ذلك مثله مثل الشخص الذي يريد أن يصبح مصارعا فيستعد لتقوية بدنه بالرياضة وترويض أعضائه فكذلك المتدين يصل بصقل روحه وتهذيبها إلى التدين الذي يقتنع به (2) . وهذا التفسير للدين خرافة وسذاجة وذلك لأنه يعتبر مصدر الدين قوة تخيل البشر وسمو ذكائهم لا أنه من الله تعالى أو عن وحيه إذ لا وجود لذلك في قاموس إلحادهم فكيف يكون الدين من خيال البشر وله هذه المكانة في النفوس منذ أن وجدت البشرية إلى أن تنتهي؟ ألم تظهر روايات وقصص وكتابات خيالية لا حدود لها؟ ثم تنتهي في مدة وجيزة ولم يعد أحد يتأثر بها مع أنها أحيانا نابعة من أعماق كبار الشعراء الذين يسميهم الملحدون أنبياء ومن أعماق كبار أصحاب الفكر والأدب ثم كيف تجمع البشرية على احترام التدين إلى هذا الحد لو كان ما يقوله الملحدون صحيحا من أن التدين خيالات وفن؟ ولماذا نجح الأنبياء على طول الأزمنة وبقي ما خلفوه حيا في قلوب الناس بينما تموت أفكار البشر وتنسى، بل وتمل على مر الزمان رغم تفنن أصحابها في الفصاحة كذلك يقال لهم لو كان التدين يرجع إلى الذكاء لكان لكل شخص دين يخصه يتوافق مع ذكائه وذوقه لاختلاف الناس في الذكاء و في الرغبات ولما أمكن التفريق بين من يعمل الخير ومن يعمل الشر لأن الخير والشر يصبحان لا ضابط لهما لاختلاف العقول والأديان من فرد إلى فرد. وهل الواقع يدل على هذا؟ أم أنه يدل على أن الناس يشتركون في دين حتى ينسخه الله بغيره كما هو الحال في الأديان المنزلة على امتداد تاريخ البشر؟ كما أن هذا التفسير الإلحادي للدين يجعل كلمة النبوة أو ختم النبوة أمر لا معنى له لأن النبوة إنما هي مجموعة صور خيالية جميلة لا أن هناك إلها هو الذي يختار لها الشخص الذي يريده وهو مفهوم شاذ بالنسبة لما أطبق عليه عامة الناس وهل يصح أن يلتفت إلى كلام ملحد في آخر الأزمان ويغفل إطباق تلك الملايين التي لا يعلم عددها إلا الله وحده فاتضح أن كل تفسيرات الملاحدة للدين أو استعمالهم لكلمة دين إنما يراد بذلك إما المغالطة أو النفاق، وأما أن نسميها سذاجة لبعدهم عن معرفة الدين وجهلهم بكل حقائقه فهم لا يفرقون بين الاتجاه الخاص بالدين وبين الاتجاهات الجاهلية التي أفرزتها عقول جاهلة ادعت معرفة كل شيء ومن أعجب الأمور أن يسموا الدين الذي أطبقت البشرية على تقبله خيالات ويسمون إلحادهم وخيالاتهم التي يردها العقل والواقع يسمونها علمية وأين الثرى من الثريا؟ إن تفسير الملاحدة للتدين عن الإنسان كله كذب وافتراض وهمي خيالي فقد تصوروا في خيالهم أن نشأة الإنسانية وظهور التدين عنده ونشأة القيم والأخلاق إنما قامت على المادة وحدها ومن المعلوم بداهة أنه مرت قرون عديدة والبشرية كلهم على التدين و على التعلق بإله قادر مهما اختلفت عباداتهم وعقائدهم وعبارتهم فهل يلغي كل ذلك الاتفاق في تلك القرون السحيقة التي لا يعلمها إلا الله ويؤخذ فيها برأي الملاحدة الشاذين، هذا ليس بمنطق صحيح أبدا وهل ما تصوروه من تطور الإنسان بسبب المادة يعضده دليل عقلي – إذ لا يوجد لهم دليل شرعي – إنه مجرد تحكم أن يقسموا البشر إلى مجتمعات بدائية ومجتمعات زراعية ومجتمعات صناعية وأن التدين في كل مرحلة كانت له أسبابه المادية، إنه تحكم كاذب فمن أين لهم صحته، وهل شهدوا خلق السموات أو الأرض أو خلق أنفسهم؟!! لقد جازف هؤلاء الملاحدة وافترضوا ما لم يحيطوا بعلمه وطرقوا ما لا مجال لهم فيه وكذبوا البشر قاطبة. وكذبوا الواقع الذي يشهد بتفاهة تفسيرهم للتدين ولكل القيم الإنسانية الثابتة بما فيها التدين الصحيح ومن يصدقهم في أن الصفات الثابتة في الإنسان سببها الجوانب الاقتصادية ومن يصدقهم أن الرغبات الجنسية وحب الانتقام والثأر والإحساس بالرحمة والحزن والفرح والبخل والكرم إنما يعود إلى الناحية المادية فقط دون أن تكون تلك الصفات وغيرها صفات أساسية في فطرة الإنسان. تلك الفطرة التي حاربتها الشيوعية اليهودية لكي يسهل عليهم استعباد البشر وإخراجهم الجوييم عن شريعة الله تعالى إلى شريعتهم الحاقدة على جميع البشر. نعم إن الإنسان حينما يقف عاجزا عن معرفة سر هذا الكون ويتفكر في خلق الله والأرض والنجوم وسائر الأفلاك وتتابع الليل والنهار والحياة والموت وسائر ما أوجده الله في هذا الكون إذا فعل الإنسان ذلك يجد نفسه عاجزا عن إدراك كل هذا، وحينئذ يعرف بفطرته أن هناك موجد عظيم لهذا الكون هو أقوى منه يستحق أن يخضع له وأن يعبده ويرجو ثوابه ويخاف عقابه، لا أن يعتقد أن المادة خلقته فإن التفكر في كل ذلك يهدي إلى الاعتراف بخالق عظيم قدير حكيم لا شأن للمادة معه بل هي مخلوقة له حدثت بعد أن لم تكن، وهذا هو ما اعترف به الملاحدة في أنفسهم وجحدوه ظاهرا تعصبا لنظرياتهم الفاسدة وقد ذكر الله عز وجل كثيرا من عجائب هذا الكون ورغب الناس في التفكر فيه واستخلاص العبر فذكر سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ويقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:10- 18] ويقول تعالى: أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَأَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:58-74] ويقول تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37] وهذه الآيات وغيرها تجعل الإنسان يقف على حقيقة وجوده ووجود من حوله ووجود هذا الكون كله وما فيه توقفه على مصدر التدين ومستحق العبودية وتشبع فطرته عن كل تساؤلاته حول هذه الحياة وما بعدها في العالم الآخر وتثير في فطرته ما كان كامنا في التوجه إلى خالق هذه الحياة وإلى الرغبة الكامنة في الالتجاء إليه والخضوع والعبادة له، وهذه الفطرة هي التي يشعر الإنسان بواسطتها عظمة الله والرغبة في الخضوع له والدليل على ذلك أنه لم يخل جيل من الأجيال على امتداد التاريخ من التدين والتوجه إلى الله وهذا ما أخبر الله عز وجل عنه: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِير [فاطر:24] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] وهذا هو الحق ولا اعتبار لكلام الشاذين الساقطين الملاحدة الممسوخين الذين: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]، الذين حاربوا الدين النصراني ظانين أنه الدين الصحيح ثم غمرتهم النشوة بانتصارهم عليه وما علموا أنهم إنما حاربوا دينا مزيفا كاذبا من وضع الطغاة المشركين عباد الصليب وأحبار الشيطان ولهم أن يحاربوا كل الجاهليات ومن ضمنها هذا الدين ولكنهم انحرفوا عن مكان المعركة الحقيقية فحاربوا النور وغيروا الحقائق لينفسوا عن غيظهم وحقدهم الشديد على طغاة الكنيسة الذين أذاقوهم ألوان الذل وشر الاستعباد وليحققوا أيضا ما تطمح إليه اليهودية العالمية ويجب أن يعلم أولئك الأشرار أنه ما من فترة مرت من فترات حياة البشر إلا وكان توحيد الله نورا وضاء لم يخل منه مجتمع في يوم من أيام حياة البشر لم يكن للفن ولا للفنانين فيه أي شيء يذكر ولا للفكر أو التجربة أي دخل كما يدعون. وأما ما يذكره الملاحدة من أن الإقطاعيين والرأسماليين كانوا يستخدمون الدين كمخدر للجماهير ليرضوا بالذل والظلم عليهم في مقابل أن يعيشوا في جنة الله في الآخرة فهذا أمر قد يكون وقع كذلك. ولكن ما هي العلاقة بين الدين الحق وبين فجور طغاة الكنيسة وجشع الرأسماليين المرابين، بل كان الأولى أن يوجه اللوم إلى أولئك الذين رضوا بهذا الحال ولم يبحثوا عن مخرج لهم أو عن صحة تلك الوعود من أولئك المنتفعين أو أن يخاصموا أولئك الأشرار الجشعين ويصلحوا الأمور لا أن يحاربوا الله ورسله وهل يجب أن يلغى الدين لمجرد استغلال أولئك الأشرار له، وما هو ذنب الدين إن لم يحكم ولم يستشر بل وضع في قفص الاتهام دون رحمة أو لين ولماذا يحمل تبعة أخطاء الآخرين بل أخطاء أعدائه، وما هو السر في أن الملاحدة لم يرجعوا إلى الدين حتى بعد أن تبين لهم أن طغاة الكنيسة والرأسماليين والإقطاعيين سلبوا الناس عقولهم وتفكيرهم باسمه وهو منهم بريء. إن الجواب واضح وهو أن الملاحدة قد بيتوا النية لمحاربة الدين ليستغلوا الناس هم أيضا باسم الإلحاد الذي سموه تقدما ورفاهية وغير ذلك من الأسماء الكاذبة وقدسوه ليحل محل الكنيسة والكل ظالمون ومخادعون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة