ذكرياتي في السبيعنات .. كنت معلماً بالبرقيق الثانوية العام’ وجلسات العصرية من الاسكلندي جون .. موظف الاثار ومساعد شارلي بونيه وآثار الكوشيين في كرمة البلد .. الدفوفة ..
في السابق كان ينظر الى الدفوفة انها منطقة مهجورة تروى عنها حكايات واساطير غريبة وان سكانها من الجن وهي تجلب الاذى واللعنة لمن يقترب منها .. وتقول الاسطورة ان الدفوفة كانت داخل كرمة ومسكونة من قبل سيدة شريرة اسمها ( فاطنة دفوفة ) .. ولأنها تمادت في ايذاء جيرانها فقد وجدت ذات صباح مسكنها خارج نطاق القرية واصبحت معزولة تماماً عن كرمة .. وظلت هذه الاسطورة تثير الرعب في نفس كل من يقترب من الدفوفة .. حتى جاءها العالم السويسري ( شارل بونيه ) مكتشف آثار الكوشيين .. وعرف الناس ان هذه الاثار هي عزهم ومجدهم وانهم ابناء أقوام ساهموا بالعلم والمعرفة في بناء الحضارة الانسانية .. وتغيرت نظرة الناس تجاه الدفوفة كما إزداد احترامهم وتقديرهم للبعثات الاوربية .. ونشأ نوع من التواصل والتقارب بين اهلنا واعضاء هذه البعثات وخاصة مدير اعمال الحملة وهو استكلندي الجنسية ( جون ) .. لقد اندمج جون في مجتمع قريتنا بصورة تدعو للدهشة يجالس الناس يتبادل معهم الاحاديث وكان يجيد العربية افضل من كثير من أهلنا .. وبحكم عمله في تجهيز المواد التموينية للحملة فقد كان في تعامل مباشر مع بائعات البيض والدجاج في سوق البرقيق ( كمبو سوق ) مما جعل علاقة بينه وبين أهلنا وثيقة جداً .. كنت أراقب ( جون ) وهو يساوم في اسعار الدجاج ويدخل يديه بين ريشها ليتأكد من حجمها ووزنها وتسمع منه عبارات مثل ( يفتح الله ) ومن خلفه عمنا ( ود بشير ) مرافقه الخاص وهو يحمل اناء مملوء بالماء لتجربة البيض وفرز الصالح والطالح منه وعندما يشتد النقاش والمساومة بين جون والباعة ينفجر عمنا ( ود بشير ) في نوبة من الضحك حتى تظهر نواجذه الصدأة من آثار ( التمباك ) بل ويتعدى ذلك احياناً للعب دور الوسيط غير النزيه لصالح الخواجة جون مما يعرضه الى مواجهة من بائعات البيض .. وكان جون يلفت الانظار بمجرد دخوله الى السوق بقامته الفارعة ونظارته السوداء وزيه المميز ( عراقي وسروال ) وكان كثير الاعجاب بالمنتجات الزارعية التي تجلب الى سوق البرقيق من مزارع اخواننا الصعايدة في منطقة امبابة بوادي الخليل وخاصة الخضروات الشتوية مثل ( الجزر والبنجر ) جازماً ان هذه النوعية من الخضار من حيث الجودة والطعم غير متوفرة في اي مكان آخر الا في سوق البرقيق .. لم يقتصر اجتماعيات جون على السوق فقط ولكن امتدت لجلسات الانس في القرية وله مناظرات مع ( محمد مركب ) وهو من اشهر مساعدي اللواري في المنطقة وكان ( مركب ) يطلق الكلام على عواهنه لأنه غالباً ما كان خارج الوعي بفعل اشياء يستخدمها .. واكثر ما يثير جون عندما يتحدث ( مركب ) عن المجتمع البريطاني حسب مفهمومة المتواضع وعالمه الخاص ويكرر جملته المعهودة ( يا جون .. قالوا في بلدكم .. مافي بوليس .. والواحد بيعمل على كيفو ) وينهض جون ثائراً وكأنه اصيب في كرامة بلده ويأتي دورنا لنشرح لجون مؤهلات ( مركب ) ومستوى فهمه واداركه للحياة .. عندها يبتسم الرجل ويربت على كتف ( مركب ) التائه في عالمه اللامحدود .. لم يكن جون يتحفظ في تناول الوجبات المحلية وكان يحبذ تناول الفول ولكن مشكلته كانت تكمن في طريقة الاكل التي تبدو وكأنه يخوض معركة حقيقية ومواجهة بكلتا يديه .. هكذا دخل جون في قلوب اهلنا كما كان يدخل بيوتنا ويحضر المناسبات .. وأكثر ما كان يستمتع به هو حضوره جلسات ليالي الشتاء مع ( مركب ) وشلته وهم متحلقون حول مدفأة النار وسط الغرفة .. ولا مانع لديه من تناول قرعة من الدكاي او النبيذ المعتق .. فطابت الاقامة للخواجة جون بيننا الى ان غادر المنطقة مخلفاً أجمل الذكريات التي مازال صداها في العمق وأكاد أستحضر تلك العبارة التي كان يرددها دائما ( مركب قال .. النار فاكهة الشتاء ) .. حقاً كان جون فاكهة ذلك المجتمع البسيط ..
10-19-2016, 01:59 PM
محمد فضل ابراهيم
محمد فضل ابراهيم
تاريخ التسجيل: 02-11-2013
مجموع المشاركات: 194
خاصة جون الاستكندي كان زول خطير خاصة لمن يجي السوق ويشتري البيض كنت أحب اسمع الجدال بينه وبين بائعات البيض أما شارلي بونيه فكان بالجد يحب البلد وناس البلد قبل كم يوم شفتو في التلفزيون والحلقة مسجلة في سويسرا لم يكن المذيع يعلم بطبيعة عمل شارلي بونيه في السودان .. كنت أتمنى أن يجري اللقاء أحد العارفين بالمنطقة .. زمن جميل وذكريات .. شكراً محمد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة