في رحاب الشاعر بيرا كُورا "قراءة ونصوص"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 03:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2016, 10:06 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في رحاب الشاعر بيرا كُورا "قراءة ونصوص"
                  

11-03-2016, 10:11 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوصandq (Re: Dahab Telbo)


    أَنا كَمَا الرِّيح ...
    لَم أَحظَ بِوَقتٍ كَافِي لِأَختَار مِيلَادِي
    لَكِنِّي اِخترتُ مَوتِي
    فطُوبَى لِلمَوتُ
    وَطُوبَى لِي
    هُنا لِلمَوت مَعنىً واحدٌ
    وَلكِن بَعدُ المَوْت يَصِيرُ لِلمَوت أَلفِ مَعنىً وَ مَعنَى
    هُنا لِلمَوت لَونٌ وَاحِدٌ
    وَلكِن بَعدُ المَوت يَجِيئُ المَوت بِأَلفِ لَون
    فلتَعِدِّي لِي مَا استَطَعتِ مِن شَفَتَيكِ
    و مِن شُذُوذِ العِطْر
    إِنّكِ لَا يَعنِيكِ المَوتُ او الحَياة

    بيرا كُورا
                  

11-03-2016, 10:26 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)


    بطاقة تعريفية
    الاسم : بيرا كُورا
    الجامعة: بحري
    الكلية: الهندسة الزراعية
    المدرسة الشعرية: الشعر الحر
    تاريخ الميلاد: 1994
    المدينة: زالنجي


    http://www.up-00.com/"http://www.up-00.com/"
                  

11-04-2016, 01:34 AM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)

    1



    عندما يتعلق ألامر بالشعر الإنساني والتسمية محض افتراض عبثي جاء نتيجة لاقتطاع أخضر من الرأس "الغليد ده" ومعناه الشعر الذي يهتم بتفاصيل الإنسان المتغيرة، وما يجوش داخل نفسه من شعور، يحتاج المرء للكثير من الخيالات المسافر، والرؤى الثاقبة المترصد لدقائق ألأمور المدسوسة بين ثنايا تعرجات الحرف،كي يستبين شيء يسير من ذلك التشابك الحسي الذي يرمينا فيه هذا النوع من الشعر، وربما احتجنا لتتبع تاريخ الأزمنة التي ولدت فيها نصوصه، فقط لخلق تقارب معقول، يمكّن النفس من الولوج الى جزء من مدلولها حتى يحصل التواصل، ففي الشعر ضرب لا يقصد العقل مطلقا وإنما الوتين، حيث يكون الحرف محسوسا لا مقروءً، وهذا يكون دائما في حالة النصوص التي ولدت نتيجة اضطرابات غير مفهومة عاشتها النفس قبل أن يصورها العقل بكاميرا الحرف، لذلك أحد ما لن يستطيع معرفة الحقيقة الكاملة لقصيدة كـ"مصابيح السما التامن" ولا حتى حميد نفسه، أما فيما يخص حقيقتها الظاهرة كمرثية باكية، مدمية للقلب، تشيع وطن حبيب في جثمان محب، وتعصر التفاصيل العادية لتنتج ذلك الزيت الذي يشعل لهب التوق المقدس فأيضا يظل عصي على قارئ يجهل التفاصيل، سوف لن يتوصل لذلك الصدق المدلوق " بالهبل" في نص المصابيح، بل سوف تبدو له - القارئ الجاهل بالتفاصيل- كهلوسة لا جدوى منها، هذا إذا لم يتهمها بسذاجة الفكرة، وانحلال الحِبكة، في الوقت الذي يقسم مالك تفاصيلها وهو يستعير منطق فني ميكانيكا بأنها قصيدة صممت لتحل محل المفتاح الانجليزي، "ما عليك سوى ضبط مقاس حزنك وستجدها "طق طق". وأخر يسفهها لأنها محاولة فاشلة لربط الوطن بـ"ودالمقبول" ، ثم تجد من يحسها، نعم يحسها فقط ، ومن بعد ذلك لا يستطيع أن يصفها ولا حتى وصف شعوره تجاهها، ومن هؤلاء الحبيب الصادق برباتوف، حيث أنه اقسم بأنها "كاملة".
    الصادق حسين يونس، أو برباتوف كما يحلو لنا وله، قاريء حصيف له يرجع فضل اكتشاف الصلة الوطيدة في الإحساس بين بورخيس-في أكثر من قصيدة- ومصابيح السما، وبذلك تم الفتح المبين فبه عرفنا أنه رغم أنف الترجمة ألا أن اللوعة التي تتركها قصيدة لبورخيس تماثل تماما -في عنفوانها- ما يتركه نص "لأنكثن بوعدي إذاً" للكردي سليم بركات، وفي خط المصابيح رسم أبونا سنغور قصائده، ثم ترك مساحة شاسعة ليضع عليها بقية الاستثنائيين " مُخلاياتهم" السردية،فأرض الخيال لا تضيق بسردها، ولا مخيلات الاستثنائيين تضيق! . هكذا سيظلون يكمنون لدسائس الوجد والتوحد، حتى بيرا كورا اقتنص الكثير جدا رغم وصوله توا لدغل الشعر المكتنز بالطرائد، فبير كورا، قانص ماهر للحب والاجترار، للحرف والبلاغة.
    بيرا كورا؛ أسم غير أعتيادي لسوداني معاصر، فلو أنك لم تضرب " صي" تواريخ الممالك القديمة سوف تجوس كثيرا حول دلالة هذا الاسم، ثم تخلص الى "المرّاقة" المعهودة " أنه أعجمي فألعب به" فمن منهم قرأ التاريخ ولم يقف عند دلالة السلطان محمد الفضل " كورا" كرمز لتشتت سلالة الكيرا التي لم تقم لها قائمة ألا بعزم علي دينار السؤددي، سيظل أسم السلطان حيلة، وحيل الحياة كثيرة،لكنها لا تغلب حيل الشعر، وكلمة "الشعر" في ذاتها كلمة مفتاحية لدلالة تترفع عن التوصيف بذات القدر من التذلل عند التجربة، إذاً الشعر تجربة، ولكل تجربة وصف، وهذا أمر بديهي، سألت بيرا الشاعر عن الشعر ذات مرة فسكت، وهول السؤال مُسكت ولكن ليس لفتى مثله.يقول منكراً علاقته بالشعر:

    لا امتَهِنُ كتابةُ الشِّعر
    ولا أعرفُه حتّى
    كلّ ما في الأمرِ أنّ بينِي و بَينَ الشِّعرِ قِصّة حُب
    و بين الشعرُ و بينِي قصِيدة حُب
    ملحَمةُ عِشقٍ ابدِيّة
    ملحَمةُ عِشقٍ بدأتْ قَبل بِدايةِ هذا الكَون
    فتجَسّد عِشقُنا الميمُونُ وجوداً
    نعِيثُ الآن بينَ ثناياهُ
    ما بَيني و بين الشِّعر ,
    وما بينَ الشِّعرُ و بينِي ... لم يَبدأ
    لكِنّه أبداً لا ينتهِي
    ....
    الشِّعرُ ليسَت مَوهِبتي
    وأنا لَستُ موهِبة للشعر
    كُل ما في الخَمر أنّ بينِي و بين الشّعر علاقة
    لا ادري إنْ كانت شرعِيّة
    فعِند بِدايةِ علاقتنا ـــ التي لمْ تَبدأ ــ
    لم نَذهَب لمأذُون
    ولم يكُن ثمة احدٍ سوايَ و الشِّعر
    لم يُقَدِّم ايٌّ منّا للآخَرِ مهراً
    ولم يكُن ثمّة شئٍ سِوى العِشقِ الذي نُمارِسه
    فعلاقَتنا بدَأتْ عِشقاً
    او بالأحرى كانَتْ عِشقاً مُنذُ الأزَل
    العِشق الهٌ رقيقٌ جِدّاً
    العِشق رُوح جميع الآلِهةِ
    ....
    انا و الشّعر عشِيقان
    نتعرّى على فِراش الإبداع
    نحنُ رُسلُ العِشقِ الى العالم
    نحنُ حدُود الأرض
    وسِرُّ الجَمالِ بأيدينا


    تلبو


    __________________________
    التعديلات لإضافة كلمة "الامر" في السطر الاول وتظبيط فوضى ما بعد ذلك

    (عدل بواسطة Dahab Telbo on 11-04-2016, 08:37 PM)
    (عدل بواسطة Dahab Telbo on 11-04-2016, 08:40 PM)
    (عدل بواسطة Dahab Telbo on 11-04-2016, 08:55 PM)

                  

11-04-2016, 08:56 AM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)


    صَدرُ امرأة , قَبرُ عاشِقْ



    لَيسَت مَحضُ غَبطَة
    إِنَّها الحقِيقَةُ سَافِرةً
    أَنَّ اللّيلُ يكونُ سَائِلاً عند درجةِ مُوسيقى عينَيكِ
    النَّهَر ؟
    قد يكونُ فِي تِلك الزَّاوية مِن الأنِينْ
    فلو أنَّ الطُّبُولُ هَروَلت " خائفة "
    او مِن فَرطِ ما بَدا خلف الغسق ,
    تنَاثرَت ,
    لَكانَ حتفِي ..
    لكنَّها خَبَّأتِ الطريق
    و سَاطَت لنا هَذي الغيوم
    فكان حتفِي ...
    لا المَرِيسةُ أنبَتَتْنِي ,
    و لا المآذن أعتَقَتنِي
    وحدي سلكتُ أوردتي
    و عبرتُ دمائي سيراً على الحنين
    و عند الضِّلع السِتُّون وجَدتُك
    هَبِي أنَّ القَصِيدةُ أخطَأت ,
    لكنِّي جِئتُكِ من سِتُّونَ طريق
    أفلَيس من الثَّمالةِ أن تتساقط القُبَلُ من رِئَتَيَّ , و في هذا التوقيت من الشوق ؟
    إني برئٌ من همسِ الشمسِ ِإليكِ
    من حِنِّ النِّيلِ عليكِ
    برئٌ مِنِّي
    من تَعْرَصَةِ العِطِر
    بريءٌ إلا مِنكِ
    و ألُوذُ بِحَافِيَةِ الآهَةِ من فيضانِ الضوء
    كي لا أنزلقُ صَوب الأخضَرُ مِن ناركِ
    الدَّاخِل فِي خارج صمتِك
    عند الأول من آخر نجمٍ في أُغنيتي
    إلا إنِّك ...
    حوَّشتِ الأُفق بِدَندَنَةٍ ,,, سُبحَانكِ !!
    أفرغتِ القمر من غابِرِ خُطواتِهِ
    فاستلقى مصُروعاً بجانِبِ أنفاسي
    مسكينٌ أنت يا قمر...
    ولكن لا تقلق , أنتَ الآنَ فِي الأرض ...
    ليسَ ثمّة جنجوِيدٌ يتربّصون بِكْ
    لا تقلَقْ
    لن تَكرَهَكَ الاشجارُ لِمُجَرَّدِ أنَّكَ أبيَض
    لا تَقلَق
    لن يخسفكَ إرهَابيٌّ بِذقنٍ ناسِف
    و لن تَغرَق فِي البحرِ الابيضِ المتوسط ,
    و الآن يا وَرِيف , بضَوءِكَ قُل لي
    ما صُورتُنا المَنقُوشةُ فِي مخيلةِ الشمس ؟
    هل عرشُ الله في حِلَّتِكُم ؟
    مسكينٌ هذا القمر
    لا يعِي أنَّه مَهدُور الضوءِ
    مُصابٌ بــ " الكِرَنكْ "
    مسكُوبٌ مِثلِي فِي فَجركِ
    ممسوسٌ مِثلي
    ....
    و رأيتُكِ غداً بِأُذُنيَّ
    كان طعمُكِ كالحِبر مساءً , كَالوَرَق
    وجدتُك تَرتَدِين سبعِ ِسماوات
    لكنَّكِ كُنتِ أدهى و أمَرْ
    كأنامِل الرِّيح تَفتِكُ بالشَّجن
    يا هكَذا لونٌ لا نِهائيّ
    بِنتُ البُهاراتِ أنتِ ؟
    سَاكِنةُ التَّمائِمِ ؟
    كلّ هذِي الشِّفاه من حرفَيكِ
    وكلّ هذا الأنا ,
    مُوثّقاً بالرّقص
    مُنذ قلبٍ لم يبلغ الحُلم
    مُنسدلاً على جِدار عِطرُكِ
    كم كُنتُ نبضاً بلا جُنون
    كمْ لمْ اكُنْ ..
    تُرى كم قصيدة كُتِبت مُنذ بدءِ الخَليقة ؟
    مِقدارُ قُبلة ؟
    بِطولِ اللَّحنِ النَّابِت في خَديكِ ؟
    أُراهِنُ أنَّها مهما بَرِقَت ,
    لن تَبلُغَ شِبراً من وَسْوَسَتِي بِكِ
    فلنُعلِن قلبُك مهرجَاًناً
    ثُم نبحثُ عنِ النَّهرِ بين نَهديكِ
    ثُم نغرَق ...

    بيرا
                  

11-04-2016, 10:04 AM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)


    2
    صَدرُ امرأة , قَبرُ عاشِقْ


    يقول موافي يوسف* عند قراءته الغائبة عن حضرة سيدنا الفيتوري "إنها الأوجاع، الآلام، رُفات الجسد، ظلام الروح...، الالام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعي، ولا تقول، الآلام العائمة بانهزام في بحيرة راكدة من الحزن" حيث يبد باجترار الأوجاع المخلدة في الجسد الذي صار رفات، متخيلا الفيتوري بعينيه المهملتين مطرقا يسمع شكواه ثم يعقب مجيبا ، ربما هذا التشكي يقف على مسافة ما مما نحن بصدد استقراءه في هذا النص " صدر امرأة ، قبر عاشق" هكذا أراد بيرا لقصيدته أن تنادى، فهذا يجعلها أثر جموحا في الوجد، والبكاء، وربما الفراغ السرمدي لسكان القبور، حيث يفاجئنا بفرحه الحقيقة عندما يؤكد في صدر النص


    لَيسَت مَحضُ غَبطَة
    إِنَّها الحقِيقَةُ سَافِرة



    "الحقيقة السافرة"ً تعبير يبدو أكثر وثوقا/نضوجا، تحدي، وحقيقة، قوته في أنه اتى في صيغة قصر والقصر المنفي توكيد ذا دلالة عالية، تُرى ما هذه الحقيقة السافرة، يستطرد كورا:


    أَنَّ اللّيلُ يكونُ سَائِلاً عند درجةِ مُوسيقى عينَيكِ



    الليل في اندلاقه الداكن يشبه سائل منسكب، وجريان الليل محل تقدير عند الشعراء، فلم يعدم الشعر قديما او حديثا من ذكر حركة الليل يقول أمرؤ القيس في جريان الليل " وليل كموج البحر ارخى سدوله** علي بأنواع الهموم ليبتلي" وحديثا يقول الشاعر سامح ابو هنود* "مخاطبا الليل "هيا انتظرني سوف أجمع حاجتي وردا يطوق جيدها المصقولا" ولكن حقيقة كورا السافرة هي ليل يسيل لا ليعذبه كما يقول القيس،او يستعجله كما عند ابي هنود، وإنما ليدوزن نفسه على درجة موسيقى عيني الحبيبة، يا له من سفور استثنائي، وحقيقة تجعل صاحب الليل يعيش تدفق الليل الموسيقي بحبور طاغي، وكما الليل تجري القصيدة في مناحيها المتفرقة لتحيط بالحبيبة إحاطة السوار بالمعصم، فالنهر حاضر، ربما ليجاري سيلان الليل المُدرّج فحين يأتي السؤال هكذا تكثر التكهنات، لنرى:



    النَّهَر ؟
    قد يكونُ فِي تِلك الزَّاوية مِن الأنِينْ
    فلو أنَّ الطُّبُولُ هَروَلت " خائفة "
    او مِن فَرطِ ما بَدا خلف الغسق ,
    تنَاثرَت ,
    لَكانَ حتفِي ..
    لكنَّها خَبَّأتِ الطريق
    و سَاطَت لنا هَذي الغيوم
    فكان حتفِي ...


    فما بين الروع والروعة تناقض عجيب، فعندما تجري بك الأحداث متناقضة، متغايرة، ثم توردك ذات المورد يقع الإشكال، وذلك لأنه يحمل دلالتين متناقضتين، فهو في الألم عديم الجدوى، فطالما الألم واحد فإن التخيير محض اعتباط، أما في الأشياء الممتعة يكون الأمر مغاير؛ عندما يتعلق الأمر بالمتعة فتعدد طرائق إتيانها يشكل فارق كبير، ولكن إذا تركنا كل ذلك جانباً فإن سلاسة الخروج بسؤال اعتراضي، عن شيء له علاقة خفيه بمسار الحديث "التدفق" يشكل مكسب بلاغي، فما زلنا في مأزق التحقق من تلك "الحقيقة السافرة" حتى أتانا هذا الموت المختبئ وراء "سواطة" الغيوم، فالراوي يدري حقيقة من أن السيناريو الأول يؤدي الى "حتفه" بيد أنه تفاجأ بأن الأخير أيضا يقود الى الموت، فهنا يختبئ بريق ما، على الأعين المتلصصة تحسسه، ولكن ماذا يقصد بيرا بهذا الخروج المختلس؟
    هل للأمر علاقة بواقع أخر؟، بعبث الواقع ذلك؟،بأكاذيب،أو حتى نكبة أكبر من موت عاشق؟ فلنرى جنادب السرد القادمة علها تجعلنا نستوضح معالم الطريق.


    لا المَرِيسةُ أنبَتَتْنِي ,
    و لا المآذن أعتَقَتنِي
    وحدي سلكتُ أوردتي
    و عبرتُ دمائي سيراً على الحنين
    و عند الضِّلع السِتُّون وجَدتُك



    هنا ربما يقرأ قارئ غير حصيف مثلي القليل ، كندبات البين، ضنك العشق، ثم طيش الصد. وصد العاشق كموت أقسى من الموت البيولجي، يهدي الى إدمان "المريسة" ويقود الى التبتل أيضا، ولكن ثمة حقيقة أزلية لابد للقارئ حتى وإن كان غير حصيفا مراعاتها، وهي أنه دائما ما تقرأ الحبيبة كاستعارة "كبيرة" يقصدها الشعراء كحيطة قصيرة ليدسوا فيها أشيائهم الخاصة؛ وبيرا كشاعر نكبة، -وأسميه كذلك لأننا جميعا نعيش في عهد النكبة- لابد له من استصحاب شيء اخر ، وهو الشغل الذي يشغل حتى أحجار الأرض هناك، إنه العبث، نعم العبث الأكبر، أو ما اسميه "قيامة العدم" . فتلك الحرب العشواء قيامة مستعجلة للعدم ، لذلك تجد دائما مسام للدخول ،وهو تواجد أخر داخل الدماء التي تسمح ليائس أن يعبر أوردتها دون تصريح، ولا يحتاج عاشق/منكوب غير مكترث للشكليات، فهو مهيأ لخوض اي حماقة، فليس لديه ما يخسره على كل حال.


    هَبِي أنَّ القَصِيدةُ أخطَأت ,
    لكنِّي جِئتُكِ من سِتُّونَ طريق



    وجدتها... وجدتها لو أني من خاض تلك الحماقة الدامية، لما توانيت عن الهتاف هكذا، فليس ارخميدس وحده يستطيع فعل ذلك، في الضلع الستين ومن ستون طريق، رغم ضلال القصيد!، هذا يكفي
    هذا يكفي سيدي كورا.


    أفلَيس من الثَّمالةِ أن تتساقط القُبَلُ من رِئَتَيَّ , و في هذا التوقيت من الشوق ؟
    إِني برئٌ من همسِ الشمسِ ِإليكِ
    من حِنِّ النِّيلِ عليكِ
    برئٌ مِنِّي
    من تَعْرَصَةِ العِطِر
    بريءٌ إلا مِنكِ



    قال قباني مما غناه كاظم الساهر "أشهد أن لا امرأة تجتاحني،في لحظات العشق كالزلزال،تحرقني،تغرقني، تشعلني،تطفئني،تكسرني نصفين كالهلال،وتحتل نفسي أطول احتلال،وأجمل احتلال،إلا أنتِ" هنا توحيد كامل للمحبوبة وإيمان صادق بها، وهناك براءة من كل شيء حولها،سوى ذاتها، فبهاء التصور والتصوير يلتف بصدق الحيلة، وقوة الجذب ، وكلاهما رسول للعشق، ودرويش للحبيبة،بيد أننا نستقصي حبيبة أخرى، نحاول تلمس حقيقتها عن بيرا، فهل نستطيع؟
    هذا غير مهم فألاهم هو التجرد في التزلف للذات أياً كانت.


    و ألُوذُ بِحَافِيَةِ الآهَةِ من فيضانِ الضوء
    كي لا أنزلقُ صَوب الأخضَرُ مِن ناركِ
    الدَّاخِل فِي خارج صمتِك
    عند الأول من آخر نجمٍ في أُغنيتي
    إلا إنِّك ...
    حوَّشتِ الأُفق بِدَندَنَةٍ ,,, سُبحَانكِ !!
    أفرغتِ القمر من غابِرِ خُطواتِهِ
    فاستلقى مصُروعاً بجانِبِ أنفاسي
    مسكينٌ أنت يا قمر...
    ولكن لا تقلق , أنتَ الآنَ فِي الأرض ...
    ليسَ ثمّة جنجوِيدٌ يتربّصون بِكْ
    لا تقلَق
    لن تَكرَهَكَ الاشجارُ لِمُجَرَّدِ أنَّكَ أبيَض
    لا تَقلَق
    لن يخسفكَ إرهَابيٌّ بِذقنٍ ناسِف
    و لن تَغرَق فِي البحرِ الابيضِ المتوسط ,
    و الآن يا وَرِيف , بضَوءِكَ قُل لي
    ما صُورتُنا المَنقُوشةُ فِي مخيلةِ الشمس ؟
    هل عرشُ الله في حِلَّتِكُم ؟
    مسكينٌ هذا القمر
    لا يعِي أنَّه مَهدُور الضوءِ
    مُصابٌ بــ " الكِرَنكْ "
    مسكُوبٌ مِثلِي فِي فَجركِ
    ممسوسٌ مِثلي


    "الداخل في خارج صمتك" "انزلق صوب الأخضر من نارك" دلالات بليغة في رمزيتها الساحرة،" حوَّشتِ الأُفق بِدَندَنَةٍ" توصيف مجازي يوافي الموصوف كمال لن تطوله الواقعية.
    "ليسَ ثمّة جنجوِيدٌ يتربّصون بِكْ" تُرى هل تورط القمر في محنة الشاعر، أم ان المحنة قفزت لتطال القمر المصروع من صعق الحبيبة!، وماذا فعلت الحبيبة بعد صرعها للقمر، هل أكتفت بأحتلال مكانه ،أم واصلت الارتقاء ؟
    هل نقرأ ذلك كإدبار مهزوم! ، ربما تدبر هالك فقد ضاقت الأرض بما رحبت.
    "مصاب بالكِرنك"
    عقاب الأرض التي لفظت الحبيبة/الوطن/ السلام/الايام/الحياة هو الضربا بالأرجل ،الضرب المبرح،المتسرع، ذي الغبار الكثيف؛ كذلك الذي يكون في حلقة رقص الكرنك، وهنا يظهر هدهد سيدنا عاطف خيري في مركب نوح، فالإصابة، بأعراض كهذه لا تتأتى الا في جو مشحون بالحروب وضجة الميلاد الثاني، والأساطير اصدق بكثير من الوقائع. دائما.
    هنا نصل الى هدنة الحرب الأولى على صدر المرأة السماوية ، لنرى رؤى العاشق في قبره، يقول كورا رضي الله عنه:



    و رأيتُكِ غداً بِأُذُنيَّ
    كان طعمُكِ كالحِبر مساءً , كَالوَرَق



    مغالطات العشاق، تناقضات العشق، خوارق الموتى، سمو الحبيبة، هنا ...، وهنا امرأة تُرى بالأذن، وتُستذاق بالكتابة. فهذا البوح سماوي ، وفي السماء تتبدل الأشياء، الموت يغيب الأجساد ولكن له أشياء أخرى يعرفها بيرا عليه السلام في نصه المسمى بالسيرة الذاتية للموت حيث يقول في سيرة الموت" هُنا لِلمَوت مَعنىً واحدٌ،وَلكِن بَعدُ المَوْت يَصِيرُ لِلمَوت أَلفِ مَعنىً وَ مَعنَى" إذاً للموت ألف معنى، وأدوات أخرى في حضرت الولد الاسمر!.



    وجدتُك تَرتَدِين سبعِ ِسماوات
    لكنَّكِ كُنتِ أدهى و أمَرْ
    كأنامِل الرِّيح تَفتِكُ بالشَّجن
    يا هكَذا لونٌ لا نِهائيّ
    بِنتُ البُهاراتِ أنتِ ؟
    سَاكِنةُ التَّمائِمِ ؟
    كلّ هذِي الشِّفاه من حرفَيكِ
    وكلّ هذا الأنا ,
    مُوثّقاً بالرّقص
    مُنذ قلبٍ لم يبلغ الحُلم
    مُنسدلاً على جِدار عِطرُكِ
    كم كُنتُ نبضاً بلا جُنون
    كمْ لمْ اكُنْ ..



    "رباه رباه، هذا الوجد يرتقي للفيض" قرأت هذا التعليق تحت قصيدة مدح لشاعر من بوركينا فاسو أسمه اسحق سيكا، كانت القصيدة مكتوبة بخط "ورش" منمق ومقفية بعناية تطوف حول الممدوح الذي كان رسول الله ثم ترتقي به نحو سموها، كاتب التعليق صديقنا المادح عبد الوهاب ربنا يطراه بالخير، وفيض الحضرات عند السادة الصوفية، لا تدانيه مباهج الدنيا، والذي منه "الكنزية" وهي فاتحة الوجود، وماهيته أيضا، كدلالة غامضة على تسيّد العالم وتسييره، ولأني اطلعت على الدواوين الستة للسيد الكولخي*، أجد أن الدلالات البرزخية في الشعر الوجدي ، تتطابق حد التماهي، ليس مع المحبوب فقط وإنما بين المحب وحرفه،قبل أن تصعد اليه، وهي ميزة النجوى المستحيلة، كما يسميها سيدي أبوعسل* ومن ذلك هذا التعجب المتواجد بكثافة في هذا النص، كقوله " كلّ هذِي الشِّفاه من حرفَيكِ" هنا يختلط ألأمر على القارئ، بين الحقيقة والسؤال، وذلك بسبب الإهمال المقصود لعلامة الترقيم، فسيدنا كُورا أراده ان يكون مأزق هكذا، وهو في الحقيقة تعجب تقريري، يأتي في سياق" سبحانك ما خلقت هذا باطلا" فالجملة هذه تقريرية أكثر من أنها تفكرية، كما مسعى الحديث في أول الآية، حرصا على كبح جماح النهايات غير المحددة.
    ويواصل النص جذبه المضطرب ليس للتقرير فقط، فهو يتساءل كي يقرر، ويمجد حين يقرر ، وهكذا يكون الإيمان والتسليم السرمدي.


    تُرى كم قصيدة كُتِبت مُنذ بدءِ الخَليقة ؟
    مِقدارُ قُبلة ؟
    بِطولِ اللَّحنِ النَّابِت في خَديكِ ؟
    أُراهِنُ أنَّها مهما بَرِقَت ,
    لن تَبلُغَ شِبراً من وَسْوَسَتِي بِكِ
    فلنُعلِن قلبُك مهرجَاناً
    ثُم نبحثُ عنِ النَّهرِ بين نَهديكِ
    ثُم نغرَق ...


    نغرق في سماءك داخل نهر نهديك، تمت ولم تتم الدهشة، سيظل هذا النص محفورا بعمق النهر الذي أغرق شخصيه، هذا اذا سلمنا بأنهما فقط اثنين!.

    تلبو


    _____________________________________________
    هوامش:
    موافي يوسف: شاعر وكاتب سوداني صدر له كتاب "سبع ساعات في رفقة النهر" في سيرة الشاعر الفيتورى، عن مجلة جيل جديد الالكترونية.
    سالم أبو هنود: شاعر /منتدى ادب وأدباء
    إبراهيم إنياس الكولخي: شيخ وشاعر ونحوي سنغالي، لدية كتاب الدواووين الستة في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم
    أبو عسل أحمد السيد: روائي وشاعر سوداني، صدرت له عدة روايات منها " الرحيل ضد الأزمنة الرمادية"


                  

11-04-2016, 09:02 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)



    سِفرُ الألم

    1- الأرْض :

    أين سأضعُ قدميَّ
    الأرضُ جَمـْـــرٌ .......
    الأرضُ عَـــــدم .......
    الأرضُ مزبَلةٌ للحُزن .
    فكيفَ سأنتعِلُ بَسمَتِي العَارِيةُ
    والنِّسيانُ يقتنصُ ما تبِقّى مِن ظلٍ
    ويَمنحُنِي للطِّين

    -2 صَرْخَة :

    أُخَبِّـــئُ حُلمِي و أصرُخ فِي وَجهِ السَّماء :
    _ماذا كنتُ انا ؟
    ايُّ نَجمٍ هذا الذِي تَغوَّطَنِي فِي هذهِ الأرض
    ثُم مَضى؟

    -3 مصَّاص دِماء :

    جفِّتِ اللغةُ في فَمِي
    والشمسُ تَرمقُني كَمَصَّاصِ دِماءٍ
    يَحلَمُ بِسِبرِ أغوارِ طُفولتِي

    4- الزَّمنُ البَوار:

    عادةً حِينمَا يَغِطُّ الإله فِي نومٍ عَمِيق
    تَتَشيأُ الصّلواتُُ حِجَارة
    إنَّهُ الزَّمنُ البَوَار
    حقاً إنَّهُ الزّمنُ البَوَار
    إذِ الحُبُّ سُمٌ مَحلولٌ فِي قُبلة !

    -5 الحَقِيقة :

    الحَقِيقةُ لمْ تَلِد بَعَد
    اسئِلتَها النَّحِيفَةُ والجائِعة
    فالِإنسَانُ مَازالَ فِي طَورِ النُّبُوءة المُبهَمة
    يحتَاجُ ان يَأكُل مِن الشَّجرة التِي اخرجَتهُ مِن الجَنّة .

    6- المَوت :

    فِي الاسوَاق.....
    فِي كُلِّ الاسوَاقِ يُبَاعُ المَوت
    المَوتُ يُبَاعُ بِمَوتٍ آخر وَرْدِيّ اللون
    حتَّى من كُنّ يَعصِرنَ لنا المَرِيسة ...
    الآن يُضَاجِعنَ المَوت

    -7 مَعنَى / بَردْ :

    هُناكَ ثَمَّة مَعنَى
    وثَمَّة بَرد
    والجَائِعُونَ يَفتَرِضُونَهُ أثَرٌ لِمُقتَبلِ النَّشِيد
    فَفِي بِحارٍ قد خلت
    صَكّ النَّهارُ وَجهاً للجُنُون
    لكِنَّنا..... سنَنتَزِعُ الشَّواطِئ
    رُغمَ أنف الرِّيح
    ورُغم أنفِ الصَّارخون فِي وجهِ النَّبِيذْ
    سنَغتسِلُ نَوافِذاً للهَوى فِي رُبُوعِ الصَّمتِ
    رَيثَما نَختَبِزُ المَعاد
    أوَلَسْنَا سِوَى صَرخة الإِله آمُون ؟

    8- طُبُول :

    إفرِيقِيا وَضَعتْ طِفلاً
    كَصَوتٍ خَافِت
    كَوقعِ التَّعاوِيذ عَلى حوافِ أورِدَةِ الخَوف
    بَيدَ أنَّ الدَّهشَة الكُبرى تَكمُن فِي أصواتِ الطُّبولِ الطَّائرة
    وتِلكَ التي على وشَك الإِنتِصار

    9- قَبِيلة البَعاتِيُّون :

    الثورةُ تَمِيمَةٌ فِي عُنقِي
    وقَد اقسَمتُ بِالرّعد
    سآخُذها الى الرّقص
    لِتَحضَر مَوكِب البَعَاتِيين الرَّاحِلُون
    وبَعدَها.....
    نُجرِي طُقُوس خُروجِ الطِّفلِ للضَّوء.

    بيرا
                  

11-06-2016, 08:50 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)


    3

    ذات مرة وأنا أقرأ الحلاج مررت بهذا البيت "يا كلّ كلّي يا سمعي و يا بصري** يا جملتي و تباعيضي و أجزائي" وقفت كثيرا قبل أن ابدأ التلاوة من جديد ثم أتوقف في ذات النقطة، لا اعلم لماذا أحسست بقبضة الفقد، وكأني أُخبر بالهاتف توا بموت الحلاج، وشعر الحلاج يشتمل على انطواءت أكثر من التشابك الذي يظهر في البيت أعلاه، بل هناك نصوص دائرية بالتمام، وهي التي استغلها أعدائه ليغتالوه بها. ومن محاسن العالم أنه يجمعنا بزولة جميلة ذي ريم بنا ، فقط لـ"تقَعِّد" أحاسيس الحلاج جوانا. وهنا يحتاج التجاني يوسف بشير لزول/ة ي/تجعل نفس الشيء ممكن لأنه لم يُكتشف بعد.
    والحلاج ومجنون ليلى يقفان على شاطئ واحد، بيد أن نصف قيس أرضي بينما رفيقه المشنوق سماوي الانتصاف، فالوجد عندما يبلغ الكمال يجبر الروح على تخطي حاجز الفيزياء، فتجعل البساط احمدي مع الضفة الأخرى؛ لذلك جاء تصريح الحلاج " ما في الجِبة غير الله" وما عدم العالم الغافلين الذين اعتقدوا أن الحلاج يقصد ربوبية الله!، فالذات والصفات شيئين منفصلين لو يعلمون!.
    ذات النشوى في التوحد ساقت الكائن الخلوي عثمان البشرى الى صدق لا يقل عن صدق الحلاج في صوت ريم بنا، وريم بنا أضحت بكل ذلك التجرد فقط لأنها تبحث عن ذاتها في ألأشياء، فالإنسان عندما يعيش حالة من الاغتراب اليائس، ثم يحيط به العبوس، يضحُ بعزم الطريدة، فريم تجاهد ثنائية "المنفى والهلاك" عبر سريالية القضية الفلسطينية ومرض السرطان،لذلك يأتي الصوت فيها " من جوه"؛ ذات الشيء عند ود البشرى في نص " حوار مع الله" رغم أن صوت تسجيله اليتيم كان في ظرف غير مواتي " تلفون نوكيا قديم، على قارعة الطريق" لكنه مشبع بالوجد خاصة عندما يقول في المخرج " بيناتنا ما في حساب" تأتي هذه الجملة كنهاية أخوية "لونسة" طويلة ومتينة تقع بين اللوم والمطايبة والتذكير" نعم التذكير الواحد ده" فالمخرج هذا ليس نهاية الحوار؛ ولكنه يغري بالضغط على زر "إيقاف التسجيل" وهنا إن لم يكن عثمان البشرى زاهد حتى عن الزهد؛ لتمكن منه أعدائه، وقتلوه داخل غاباته السردية الكثيفة.
    في نص " لأنكثن بوعدي إذاً" سليم بركات* يتساءل عن ما يفعله الموت بعد عرض للحالة الراهنة قبل صياغة السؤال؛ "لأنكثن بوعدي إذاً، فالشفاه التي تردد الكمال الصاخب تردد الموت.والموفدون إلى هذا الليل ليبنوا أدراجه اللولبيَّة يبعثرون الرخام الذي حملوه.أمَّا المشهد المقام على أنقاض حاله فهو على حاله.والحلة على حالها.والموت وحده الأكثر وحدة بين الأسرى.لكن ما الذي يفعله الموت هنا؟"
    هكذا؛ وكأن الموت يحتاج لعمل إضافي غير إثراء العدم؛ ولكن لنتجاوز كل ذلك لنقول: حتى لو صح افتراض السؤال المتجاوز لبديهية ماهية عمل الموت، سيحتاج المرء لمبرر أكثر مادية يجعله يتقبل الظهور الجديد للموت، كأسير أكثر وحدة؛ فعملية الإعدام التي يتطوع الموت بإنجازها على الدوام ستظل عار لا تمحيه سلاسل الأسر، رغم اجتهاد الراوي، وكأنه يقول "لايمكن لأسير متوحد أن يبحث عن شيء غير الأنس"
    "والحلة على حالها.
    والموت وحده الأكثر وحدة بين الأسرى."
    ثم يتساءل عن عمل الموت ، وللوهلة يبدو التساؤل محض ثرثرة اقتضتها ضرورة من ضرورات السرد، خاصة مع وروده في صدر النص المثخن بالوحدة والاغتراب، بل ذلك الانطباع ضروري للولوج الى المتاهة التي صنعها بركات، يعلو نفس القصيدة ثم يهبط ليعلو ثانية ، وكأنه يريد أن يعلمنا ركوب أمواج من نوع أخر، حين نصل الى النقطة المفصلية ، او ذروة القصيدة في البيت القائل " سأقسم الهبات التي رفعها إليّ الحريق" نجد أن الشاعر زفر نفسه الساخن، أو أن الأثر المُلهم للنص زال، ليترك المَلَكة الشعرية تكمل الطريق، فالنقطة على الرغم من أنها لا تقسم القصيدة الى نصفين متساويين، ورغم أنها تبدو كمخرج أكثر من أنها "ذروة" إلا أن القارئ المنغمس في عذابات الموت والغربة والحرب، او بالإجمال المتاهة، سيجد نفسه يبتسم حالما يعبر هذا البيت، فعندما يقرأ "بين اليقين والفكاهة.سأتقاسم والبرد الضاحك الشتاء أنا اللهبيَّ.تصبحون على خير." يعلم أن كابوس الموت قد أنجلى وأن ما سيأتي هو تضميدا للشرخ الذي أحدثه السرد اللاهث،فنص مثل "لأنكثن" لا يُنتظر منه تطبيب كامل للجراح التي يفتحها لأنها غائرة،متعمقة في غربة خالقه التي لا يلوح لها انتهاء. عندما يصف محمود درويش صاحبه بوصف قطعي " ليس للكردي الا الريح" لن يتوقع سليم بركات انفراج قريب للمحنة،ولا عودة غير طريق البرزخ؛ لذلك يصنع مسكنات بهذا القدر من الهلوسة، وعندما نسقط كل ذلك على أحد نصوص بيرا كورا، نعلم أن الحزن يطابق بالحرف تعريف الصادق الرضي له حين يقول في بكائيته الشهيرة " الحزن لا يتخير الدمع رداء كي ما يسمى في القواميس بكاء" نعم ليس الحزين من يزرف الدمع حتى تدمى مقلتيه فقط، وإنما ذلك الذي يعيش حياة كاملة من البؤس المغلف بطبقه سميكة من الحزن، وبحكم بشريتنا؛ ندرك تماماً أن اعتصار الأحزان يتضخم كلما أرهفنا الحس؛ حين يعتصر الشاعر ألمه ينزل دم القصيد وثم لا يجف أو يتخثر أبداً. يقول كورا:

    أشَيِّدُ قُطِّيَتِي مِن أَشلاءِ اللَّيل
    وأَسقِفُهَا بِمَا تَدَلَّى مِن عِطرُكِ
    أوصِدُها مِن جَمِيع الجِهَاتِ الأَلْف
    حتَّى لا تَشعُر الطُّرُقاتِ بالبَردِ الآتِي مِن تَحتِ إِبطَيكِ
    أَنحَتُ مَوتِي
    أَنفُخُ فِيهِ أُمنِيَتِي العَقِيمَة
    يَطِيرُ مَوتِي
    وَيحُطُّ عَلى كَتفُكِ
    يُغَرِّدُ....
    تَسمَعِينه وحدُكِ
    كَتَثاؤُبِ نَهدَيكِ
    يَقرَأُكِ شَيئاً مِن تَضَارِيسِ الصَّدَى
    و احتِضَار المَطَر
    تَلمَحِينَ إذّاكَ الشُحُوب
    إِخضِرارُ المَسَافة بَينَ المَدِينَة و الغِيَاب
    بِطُولِــــــ ( فََرقََعَة وَسَرابٌ مُعَلّب )
    و أَنا كَمَا الرِّيح ...
    لََم أََحظََ بِوَقتٍ كَافِي لِأَختَار مِيلَادِي
    لَكِنِّي اِخترتُ مَوتِي
    فطُوبَى لِلمَوتُ
    وَطُوبَى لِي
    هُنا لِلمَوت مَعنىً واحدٌ
    وَلكِن بَعدُ المَوْت يَصِيرُ لَِلمَوت أَلفِ مَعنىً وَ مَعنَى

    لا ادري كيف تقاس الأحزان ولكن يظل الشعر مقياس ناقص على الدوام لما يحمله الشاعر من شعور، فلا الحلاج استطاع ترجمة توحده مع نصفه الأخر، ولا المتنبئ وُفق في عكس حنقه على كافور، ولا حميد بكى مصطفى كما ينبغي له، لذلك يصعب علينا تصور الشعور الحقيقي، والذي هو هدف النصوص، والنص الباذخ يتاخم الحقيقة، تماما كما الإنسان وحقيقة العالم.

    بيرا كورا ولد في سفح الجبل الأعظم، ذلك الذي يحمل في جوفه ملايين الأسئلة ، فسكان مدينة " نِيّرتَتَي" يعتقدون في جبل مرة، ليس لذلك الكم الهائل من الأساطير المربوطة به، ولا بسبب تاريخه التليد، وإنما في مياهه التي لا تنقطع، فهو "فيض" وكلمة فيض في القاموس الصوفي لها رهبة عجيبة، سألت عنها شيخ من مشايخ الطريقة التجانية، وذلك عندما كنت اتردد على مكتبة الشيخ موسى عبد الله* بحي الجبل نيالا، قرأت في المكتبة الضخمة معظم كتب الطريقة التجانية مثل "رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرحيم" و"جواهر المعاني" والأخير هو سيرة ذاتية لأحمد التجاني بيد أحد تلامذته، وفيه تتواجد كملة فيض بكثافة مزعجة عبر متنه المسجوع سجعا بديعا،مما يجعلك تيقن بأنها لغز أكبر من دلالتها اللغوية التي نعرفها،لذلك عندما دخلت الغرفة الصغيرة الملاصقة للمكتبة والمخصصة كاستراحة لشرب الشاي الأخضر الذي تقدمه المكتبة لزوارها كضيافة؛ ووجدت شيخ يظهر عليه أرق الاطلاع سألته عنها بعد مراوغة كلامية قصيرة؛ عرفت من الشيخ بأنها تعني الاعتقاد الجازم ببلوغ كمال الشيء، وكذلك يعتقد معظم سكان دارفور في جبل مرة، فكيف بسكان سفحه! ، في قرية البرتقال والتفاح صرخ هذا الفتى صرخته الأولى ليشيد لنا "قُطية" من أشلاء الليل، ثم ينحت موته تحت الآباط ليعلن عن خلق آخر!؛ أناس كُثر قادتهم شياطين السرد الى مغامرة ابتداع قصة محلية للنشوء، وفعلوا ولكن لم تختلف ظروفهم المُختلقة كثيرا عن الرواية الرسمية؛ وأكاد اجزم بأن قليلون جدا أولئك الذين يسمح لهم عالم الخيال بأن ينحتون الموت من مكان كذلك الذي يخبرنا به بيرا، والبرتقال على الرغم من وفرته في كل قرى سفح جبل مره، الا ان سائقي البصات السفرية لطريق "نيالا-الجنينة" جعلوا من " نِيّرتَتَي" مدينته الوحيدة، حيث لا شراء لركابهم الا من سوق القرية المتمدنة، إذاً لا غرابة في أن يقطف شاعرنا فاكهة الكلمات! ، عندما سألته عن علاقته بالشعر، تنكر له بنص شعري، فتيقنت من أن الذي بينه وبين الشعر ليس بالشيء العادي الذي يمكننا أن نوصفه بالعلاقة؛ الذي بينه والشعر حياة، وربما روح، يقول:" لَكِنِّي اِخترتُ مَوتِي،فطُوبَى لِلمَوتُ،وَطُوبَى لِي" طوبى لموتٍ ينال شرف رعاية منحوتة خاصة ، وطوبى لرجلٍ ينحت عدمه.
    إذاً؛ لا مجال للرثاء، لا مجال للشفقة، فبوح مثل هذا يهزم كل شعور ليخلق إحساسه الخاص.
    ذات مرة سألت سيدنا كُورا عن موقف مؤثر في حياته، فاخبرني عن فنتازيا موت الشاعر الاسباني "غارسيا لوركا"، ولوركا الذي عرفته عبر السياب في ديوانه "انشودة المطر" الذي حمل قصيدة تحمل اسمه، لم يكن غارسيا لوركا الذي عرفته في نصوصه البئيسة،ذلك البوح العدمي غير المكترث، فهو هناك موءود؛ شعرا وحياة، فشعره السريالي ابسط ما يوصف به هو المجد.
    قد لا يحتاج المرء لكثير من الحيرة حتى يعرف سبب تعلق بيرا به، فكلاهما عاش تحديات البقاء، والجبروت المنظم، احترقا بلهب النصوص، واعتقدا جازمين في طهارة الموت؛ فمجداه.طوبى للموت!، والملهم في قصة غارسيا كما يراها بيرا هو لحظته الأخيرة؛ عندما أُطلق عليه الرصاص وظل يتلو الشعر الى أن صعدت روحه ويقول كورا في ذلك " هو يتلو ابيات من قصائده بينما يتلون عليه الرصاص" .

    تلبو

    ____________________________________________________________________
    سليم بركات : روائي وشاعر سوري ، صدرت له عدة روايات منها " معسكرات الابد وفقهاء الظلام"
    الشيخ موسى عبدالله: قطب من أقطاب التجانية ، له مجمع اسلامي كبير يحوي مكتبة عامة باذخة بمدينة نيالا
                  

11-06-2016, 09:14 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)

    لأنكثن بوعدي إذاً "النص في اليوتيوب ناقص"




    لأنكثن بوعدي إذاً
    فالشفاه التي تردد الكمال الصاخب تردد الموت.
    والموفدون إلى هذا الليل ليبنوا أدراجه اللولبيَّة يبعثرون الرخام الذي حملوه.
    أمَّا المشهد المقام على أنقاض حاله فهو على حاله.
    والحلة على حالها.
    والموت وحده الأكثر وحدة بين الأسرى.
    لكن ما الذي يفعله الموت هنا؟
    ما الذي يفعله الموت السكران ذو الدوار الأشد وهو يرمي بثيابه إلى الأرواح؟ ما الذي يفعله الموت المسطر بأقلامه على الفكاهة النائمة، كورقة مديدة بين شعر نائم وأنين يقظان؟
    ما الذي يفعله الموت شريكي في هذه البرهة التي تتأصل بجذور كجذور التين، وبراعم من شعاع ينثر المغيب على أثداء شقيقاته؟
    ما الذي يفعله الموت القادم بي إلى هذره؟
    ما الذي يفعله الموت الذي أضجر الشهود بهرجه.
    وخرج مع الخارجين من الباب ذاته يفضي إلى الحياة؟
    ما الذي يفعله بالموت أسيري.
    وأنا الحائر في تدبير زنازين مضيئة تليق بأسراي وبي؟
    أتتمهل الحقيقة في اقترابها من القيد الذي أشد به رسغي إلى رسغ الريح؟
    أما المشهد فليبق على فراغه.
    لأنني سأستعجل في إبرام العقد ذاك.
    الذي يقدم الهواء غريقاً إلى زبدي.
    وسأعلم نفسي مشافهاتها الكبيرة بلسان مقطوع.
    فالأمر كله برهة في يقين منكب على الرتوق كإسكافية.
    سأبوح بي للأرق الذي يبوح بقدره للمياه.
    ستبوح بي.. ستبوح المياه بي للسكون الجالس حافياً أمام مريديه.
    وسأقسم الهبات التي رفعها الحريق إليّ
    بين اليقين والفكاهة.
    سأتقاسم والبرد الضاحك الشتاء أنا اللهبيَّ.
    تصبحون على خير.
    تصبحون على ألقٍ.
    تصبحون على عدم مدرج في قائمة الطعام.
    يالروحي المغلوبة على أمومتها!!
    هذا ما أقوله وأنا أغادركم من الباب الخلفي المفضي إلى الحياة.
    لكن أسراي يبقون هنا في انتظار أن أحرر الأزل من الحُمّى.
    وأسراي ملك مشاغلهم.
    يدبرون لي عذوبة المضي بالخسارة إلى ألقها.
    مباهين بسفن ليست لهم
    يبسطون على الأرض أشرعة من خيال الماء.
    متموجة كأنما تلد الظلال نسلاً من الحبال المشدودة.
    إلى كوثل الفجيعة.
    هكذا إلي ألقها، هكذا الخسارة إلى ألقها.
    بأسرى يتقاذفون الفجر كالوسائد.
    ويتأملون الفردوس المذعورة
    متشبثاً بستارة المسرح.




    تلبو
                  

11-08-2016, 06:21 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)


    ريم بنا عجبت منك مني
                  

11-08-2016, 06:29 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)

    كاهنة المسرح جاهدة وهبة ووجد الحلاج

                  

11-08-2016, 06:38 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رحاب الشاعر بيرا كُورا andquot;قراءة ونصوص (Re: Dahab Telbo)



    4

    لو أفترضنا أن هذا مفتاح ناجع للدخول إلى عوالم شاعرنا الصغير/ الكبير، والغوص في متاهاته السردية؛ سنقرأ من"سفر الالم" وهي القصيدة التي ترجمها الأستاذ صلاح محمد الحسن للغة الفرنسية، عن ألأرض
    1- الأرْض :

    أين سأضعُ قدميَّ
    الأرضُ جَمـْـــرٌ .......
    الأرضُ عَـــــدم .......
    الأرضُ مزبَلةٌ للحُزن .
    فكيفَ سأنتعِلُ بَسمَتِي العَارِيةُ
    والنِّسيانُ يقتنصُ ما تبِقّى مِن ظلٍ
    ويَمنحُنِي للطِّين
    فالعدمية هنا صارخة حتى في تعريف ثوابت العالم التي لها ألف شكل عند المعذبين، والمعذبون بالشعر أكثر سهاد وألم على الإطلاق، حيث انه تتراكم الأشياء، التي تعني "عذاب" مهما حاولت من تحوير تمظهرها، لتلعن الدواخل، وتجثوا على ربى الحزن الاسيف، المتاهات العبثية للمصليين بتلك النار الرخيصة، تؤدي الى عوالم تجعل النفوس تقدس العدم، لذلك يقول سيدنا عاطف " أجمل الناجين من الذبح صار يعبد خنجرا" ، فعندما يصبح الموت هو الملاذ الحتمي، يُعبد؛ وكذلك الحال مع الحزن والمباهج، ومن منا لا يعلم أن ثمانين بالمائة من دوافع الشباب المتشددين، الذين يفجرون أنفسهم في أوروبا هي المباهج التي عاشوها عيانا في ملاهيها الصاخبة.
    الموت ليس مخيفا في ذاته؛ ولكن العدم هو الذي يمنحه سلطة الروع، لذلك عندما يصبح العدم حكم في أرض هي " مزبلة للحزن" يكون للموت ألف مجد ومجد، وبيرا عندما يحاكم النسيان بجعله متربصا بالظلال، يقصد محاكمة المجتمع الذي أضحى بذاكرة اسماك صغيرة، تافهة بالنظر الى عالم البحر الخرافي، ستُمحى من الوجود، هي وذكرياتها عند أول محك للافتراس، إذاً هشاشة المجتمع هي المجرم الأكبر وليس ذلك النسيان، وهنا الرمزية المطلقة، لأنها تُلبد الحقيقة تحت طبقات كثيرة من الرموز، " النسيان/الهشاشة/ ثم الفعل".
    هنا ثمة سؤال سيقفز مفاده" ما هو ذلك (الفعل) المقصود؟"
    تُرى هل سيجيء ذلك اليوم الذي سيجد هذا السؤال من يخرسه، في ظل هذا التيه الذي يعيشه المجتمع السوداني!.
    وهذا التساؤل أيضا ليس للإجابة، الغوص في العوالم البيراوية "طبقات سيدنا بيرا عليه السلام" يحتاج لأكثر من بوست على هذا الفضاء الافتراضي. يحتاج لاستعداد اكبر، لسكون وعمق،لمخيلة موت أصدق من تلك التي تحتفظ بها مؤخرات أدمغتنا.
    ذات ليلة رتيبة، مررت أصبعي على شاشة الهاتف الصغيرة ضاغطا على ارقامها الضوئية لتسمح لي بالمرور نحو أشيائي التي أتسلى بها في المنفى والتي من بينها مواقع التواصل، مكتبة الكترونية،أخر تحديثات التحكم الالى،وأخيرا لعبة البوكيمون قو؛ وأنا أتكئ على الأريكة ويديّ موزعتان بين كأس القهوة والشاشة الضوئية، وقع بصري على نص يغري بأكثر من المطالعة السريعة على حائطه الفيسبوكي، كان هو ذات النص الذي اطلعت علية مرات عدة!، ولكن الإحساس مختلف في تلك الليلة الظلماء، فبعض المرات يكون البين مادا بصر السهاد في ليلة مظلمة ، والليالي المظلمة لها رهبة تدقدق القلب بوخز التذكر، حدث ذلك وأنا اقسم بصري بين الشاشة الصغيرة والسماء التي تنتصر لظلمتها رغم كيد ضياء المدينة الشاهقة، فالإنسان عندما يترك بلده يصبح مصابا باعتباط الحنين؛ فأيما شيء او موقف، ظاهرة، أو حتى تصرف عابر، تستطيع مشاعره أن تجعله موشي بذكرى تخص بلده، حيث لا جديد سوى قداسة البعاد، وسطوة المسافات، سنقرأ النص هنا وهو ذات النص الذي أقتطفنا منه رؤية الموت اعلاه، ولا ريب في أني سأظل أقرأه مرات كثيرة بعد دونما أجبركم على تجشم موته.


    السِّيرةُ الذَّاتِيَّة للمَوت

    بيرا كورا

    أشَيِّدُ قُطِّيَتِي مِن أَشلاءِ اللَّيل
    وأَسقِفُهَا بِمَا تَدَلَّى مِن عِطرُكِ
    أوصِدُها مِن جَمِيع الجِهَاتِ الأَلْف
    حتَّى لا تَشعُر الطُّرُقاتِ بالبَردِ الآتِي مِن تَحتِ إِبطَيكِ
    أَنحَتُ مَوتِي
    أَنفُخُ فِيهِ أُمنِيَتِي العَقِيمَة
    يَطِيرُ مَوتِي
    وَيحُطُّ عَلى كَتفُكِ
    يُغَرِّدُ....
    تَسمَعِينه وحدُكِ
    كَتَثاؤُبِ نَهدَيكِ
    يَقرَأُكِ شَيئاً مِن تَضَارِيسِ الصَّدَى
    و إِِحتِضَار المَطَر
    تَلمَحِينَ إذّاكَ الشُحُوب
    إِخضِرارُ المَسَافة بَينَ المَدِينَة و الغِيَاب
    بِطُولِــــــ ( فََرقََعَة وَسَرابٌ مُعَلّب )
    و أَنا كَمَا الرِّيح ...
    لََم أََحظََ بِوَقتٍ كَافِي لِأَختَار مِيلَادِي
    لَكِنِّي اِخترتُ مَوتِي
    فطُوبَى لِلمَوتُ
    وَطُوبَى لِي
    هُنا لِلمَوت مَعنىً واحدٌ
    وَلكِن بَعدُ المَوْت يَصِيرُ لَِلمَوت أَلفِ مَعنىً وَ مَعنَى
    هُنا لِلمَوت لَونٌ وَاحِدٌ
    وَلكِن بَعدُ المَوت يَجِيئُ المَوت بِأَلفِ لَون
    فلتَعِدِّي لِي مَا استَطَعتِ مِن شَفَتَيكِ
    و مِن شُذُوذِ العِطْر
    إِنّكِ لَا يَعنِيكِ المَوتُ او الحَياة
    بِقَدرِ مَا يَعنِيكِ الحُب
    وَلكِن يا حَبِيبَتِي
    لَا كَرامَة لِعَاشِق ٍحَيّ !
    هَا هِي المَدِينَةُ عَشِيقَةُ الخَوف
    وَإِحتِشَادُ النَّسيَان
    تَبِيعُ صُكُوك الغُفران ِلِلجُوع
    تُمَوسِقُ الدِّمَاء , تُدمِي المُوسِيقَى
    وَ الأَرغِفَةُ تَتَسَوَّلُ العَابِرِينَ بِبَابِهِنَّ تَحَرُّشاً , وَالعَابِرُون يَرُدُّون بِتَقَزُّز ٍ:
    مَعَــــــــــــــــــــــــاذُ الجُوع !
    تَحزَنُ الأَرغِفَةُ , يَهرَعنَ صَوبَ المِرَايا , يَبكِين , يَبكِينَ بِحُرقَة ٍ, مَا عُدنَ يَملِكنَ أَثداءً جَمِيلة , كَمَلاكِ المَوت , يَبكِينَ عُذرِيَّتِهِنَّ , يَبكِينَ حَتَّى تَتَقَلَّمُ أَظَافِرِهِنَّ , يَبكِينَ ثُم يَبكِينَ ثُم يَبكِين, يَنفَرِطُ اللَّيل , تُشهِرُ الرَّوَاكِيبُ إِيمَانها بالشَّمس , تَركَع , تَسجُد , تُسَبِّحُ بِـــــحَرِّ شَمسِهَا
    وَ الشَّمسُ حُبلَى بِأصوَاتِ الُّرصَاص , عَوِيلُ النِّسَاءُ الطُّبُول , صِرَاخُ الأَرضِ مِلءُ السَّمَاء
    غَيرَ َأنَّ أَنَامِلُ السَّمَاءِ مُخَضَّبَة ٌ
    لَا تَدرِي مَا الأَلَم , وَ كُلَِّ مُشتَقَّاتِ الحَنِين
    أَمَّا الوَطَن ؟
    الوَطَنُ كَائِنٌ مِيتَافِيزِيقِي , يَعُوسُ حُضُورَهُ بِدِمَائِنَا , يَتَلصَّصُ عَلى قَصَائِدِ الحُب , يَسرِق , يَزنِي
    يَبكِي , فَيَمُوتُ الأَطفَالُ كَي يَسكُت
    يَضحَكُ , فَيَمُوتُ العَجَائِزُ إِختِنَاقاً
    يَنزِفُ , فَنُعَوِّضُهُ خَمراً
    عُذراً قَصِيدَتِي
    عُذراً حَبِيبَتِي
    فالسّاعة الآن ...
    غَداً ,
    وفي ما مَضى مِن وقتٍ لازِبْ
    تَظَلُّ السّاعةًُ مَوتٌ و مَحضُ " جَنْجَوِيدْ "
    - تَصَدُّإِ الطُّرُقات....
    - تَقَلُّص السَّماءِ فَوقَ " تَابِت "....
    - وَظُهُورُ نَبِيّ ٍفِي مُعَسكَرِ " كَلمَة" ـــ عَنَاوِينٌ بَارِزة في أخبَارِ " رَادِيُو دَبَنقَا " ــــ
    لِهذِهِ الأَرضُ شِفَاهٌ مِن دُخَان
    لكِنِّي يَا حَبِيبَتِي......
    وَبِمَحضِ إِرادَتِي.....
    سَأَمُوت ........
    حَاضِناً هَاتِيكِ السُّجُون
    سَأَمُوتُ عَلى بُعدِ عدَّةِ قُبلَات ٍمِن بَارُودِ الرُّصَاص
    لَا تَبكِينِي
    وَلَا تُكَفِّنِي نَعشِي بِقُمَاش
    بَل كَفِّنِينِي بِقَصَائِدِي
    وَلَا تَقبُرِينِي فِي تَابُوت
    بَل ابذُرِينِي فِي طَبلِِي المَهدُور
    وسِأكُونُ حُرّاً....
    مُحتَقِباً دُمُوعَ ُأمِّي آنَ مَولِدِي
    حُرَّاً ...
    كَمَا الجُوع ,
    كَمَا المَوت . !


    تلبو
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de