قَرارٌ مُفاجئٌ بوقف النشاط الدعوي الخطابي في الأسواق والأماكن العامة، القرار الصادر من وزارة الإرشاد والأوقاف تمّ تعميمه على الولايات وأصبح في وضع التنفيذ. رغم أنّ من التوضيحات التي سيقت بخُصُوص القرار قالت إنّ القرار لا يخص جماعة دون أخرى، بمعنى أنّ القرار يشمل الصوفية والسلفية وأنصار السنة، لكن المعلوم أنّ المجموعات التي اعتمدت هذا الأسلوب في الدعوة والوعظ، هي الجماعات السلفية. مبرِّرات القرار تقول إنّ الوعظ في الأماكن العامة تَسبّب في "فِتن" كادت تتولد منها بوادر عنف واضطرابات أمنية، مُعتبراً أنّ الحديث الديني في الأسواق والطرقات فيه احتقارٌ وامتهانٌ لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
ظَلّت علاقة الجماعات السلفية بالإنقاذ تتأرجح بين الحليف تارةً والعدو تارةً أخرى، لكن التقارب كان لافتاً، منذ سنوات ما بعد مُفاصلة الإسلاميين والتي قضت بخروج عرّاب الحركة الإسلامية د. حسن الترابي، تحوّل ذلك التقارب إلى حالة أقرب للشراكة الكاملة فاستطاعت بعض هذه المجموعات أن تُشكِّل مجموعات ضغط على الحكومة في كَثيرٍ من القرارات التي كَثيراً ما تُدخل الدولة في مآزق تكلفة الخروج منها تكون باهظة، وقد بدا واضحاً مَدَى قُوتها وسطوتها، ولا تزال الحَملة الشعواء التي انتظمت بعض المساجد في أعقاب اتفاقية الحُريات الأربع بين الخرطوم وجوبا حَاضرَةً في الأذهان.
بالمُقابل استخدمت السلطة بمهارة هذه الجماعات في بعض معاركها الداخلية ضد مُعارضيها، فحينما كان معسكر المنشية في أوج معارضته، لم تَتَوَانَ هذه الجماعات في تكفير الترابي الذي كان يُطلق الفتوى تلو الفتوى، كما أنها استخدمتها في مَعاركها الخارجية مع المجتمع الدولي باعتبارها كرت ضغط تُلوِّح به الخرطوم وقتما شاءت.
خلال السنوات القليلة الماضية ومع التغييرات الكبيرة التي انتظمت الإقليم على خلفية بُرُوز التنظيم الأعنف، المعروف بالدولة الإسلامية واشتداد الصراع المسلح في العراق وسوريا وليبيا إثر ذلك، برز ملفا الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وباتا القضية الأبرز بالنسبة للغرب.
السُّودان بطبيعة تاريخه القريب المَعروف بعلاقاته بالجماعات المُتطرِّفة، كما أنّ موقعه الجُغرافي يمثل معبراً مُهمّاً لتسلل المُهاجرين، القضية التي تُؤرِّق دول أوروبا...هنا، يُنتظر من السودان دورٌ محوريٌّ وهذا ما أدركته المُعارضة وربما قادها إلى التوقيع على خارطة الطريق حينما علمت أنّ المُجتمع الدولي ينتظر من حكومة السودان دَوراً مُهمّاً في هذه المرحلة المُهمّة.
قرارات وزارة الإرشاد تأتي تزامناً مع مؤتمر ترتب له الخرطوم، يحمل عنوان مُكافحة الإرهاب، صحيحٌ، ربما تكون العلاقة ابتداءً بعيدة للربط بينهما، لكن إذا ما أخذنا في الاعتبار حَيثيات القرار وما قبله وما هو مُخطّط له، فالخلاصة أنّ الهدف هو أنّ الحكومة لا تريد (إزعاجاً)، كما أنّ المطلوب خطاب ديني جديد كلياً، وهذا ما حدث في عدد من الدول التي أعادت ضبط الخطاب في المساجد، لكن هل الخرطوم مُؤهّلَة للصمود حيال هذه القرارات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة