Quote: الرئيسية صحيفة الراكوبة
اخبار السودان اليوم | صحيفة الراكوبة : موجة جديدة تتحدث بلغة مهاجمة للإعلام وتحميل الأقلام وزر الاختلالات في معادلة تقديم الخدمات الصحية في البلاد.. معركة مأمون والصحافة
صحيفة الراكوبة منذ 5 ساعات ارسل لصديق نسخة للطباعة
اخبار السودان اليوم | صحيفة الراكوبة : موجة جديدة تتحدث بلغة مهاجمة للإعلام وتحميل الأقلام وزر الاختلالات في معادلة تقديم الخدمات الصحية في البلاد.. معركة مأمون والصحافة
الخرطوم – الزين عثمان
دون أن تترك لك مساحة لتكذيب ما تراه، تنقل وسائط الإعلام الاجتماعي صورة الصحافي الجنوب سوداني أفندي جوزيف وهو يعاني آثار التعذيب من قبل سلطات حكومة الجنوب. أفندي يعاود السلطات مرة أخرى بعد أن تم إطلاق سراحه قبل أن يختفي عن الأنظار ويظهر هذه المرة بالقرب من المقابر في مدينة جوبا.
أن تقبر الأحلام بواقع صحافي يقود البلاد نحو بر الأمان أمر بات من المعلوم بحكم الواقع دون أن يرسم الصحافيون والكتاب خارطة طريقهم نحو ما يبتغون.
على بعد خطوات من الاتحاد العام للصحافيين السودانيين وعند ملتقى النيلين كان وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة يقرن موقفه المعلن من عدم الرضاء عن الصحافة بالقول حين يتهم بعض الصحافيين بـ(الكذب) وأن 20% من الأخبار المتعلقة بتتبع وزارة الصحة وأنشطة الأطباء هي أخبار لأغراض.. كان الوزير يطلق اتهاماته في وجود رئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي الذي حملت الأنباء مغادرته ندوة آثار التغطية الصحافية للقضايا الصحية قبل انتهائها.
المفارقة ليست في أن يسيء وزير للصحافة؛ فهو أمر معلوم من المعركة اليومية بالضرورة. المفارقة هي أن الوزير نفسه يمكن أن تضيف له صفة ذات علاقة بالصحافة، حين تنعته بالناشر لامتلاكه صحيفة يومية. السؤال هنا: لماذا يستثمر الوزير في صناعة الكذب والأخبار المغرضة؟!
بعيداً عن الإجابة عن هذا السؤال فإن الأرشيف يقول بأن مهاجمة وزير الصحة بولاية الخرطوم للصحافة أمر لا يبدو جديداً أو أنه من المعتاد عليه، مما دفع البعض للقول بأن ثمة موجة جديدة لا تتحدث بغير لغة مهاجمة الإعلام وتحميل الأقلام وزر الاختلالات في معادلة تقديم الخدمات الصحية في البلاد. الأمر لا يتوقف عند التصريحات التي تنقلها الصحافة المغضوب عليها وإنما يضاف له رصيد ضخم من القضايا بين مأمون حميدة والصحافة.
يقول حسين خوجلي رئيس تحرير صحيفة ألوان بأن (الصحافي.. الصحافي هو ذلك الذي لا ترضى عنه الأجهزة التنفيذية).. خوجلي يؤكد على أن ثمة تضادا بالضرورة بين الوزراء والصحافيين وأنه حين تغيب هذه الشعرة فعلى الصحافي تحسس سنة قلمه والبدء من جديد.. "الصحافة هي مهنة إظهار عيوبهم"، وهو ما يرفضونه.. هكذا تبدو القراءة الأولية لحديث الوزير، فإن الرجل الذي تلقى إشادات بما يقوم به من قمة هرم الجهاز التنفيذي، عز عليه أن تنتاشه الانتقادات الصحافية. بل إن البعض مضى أكثر من ذلك حين اتهم الرجل بتضخم الذات التي لا تسمح للصحافيين بانتقاده تحت أي مبرر، ما يعني أن معركة مأمون حميدة مع الصحافة هي معركة قديمة تتجدد كل حين.
يقول مراقبون بأن المعركة بين مأمون حميدة والصحافة هي معركة تتعلق بتقديم الخدمات الصحية مع تباين الرؤى؛ ففي الوقت الذي يرى الصحافيون فيه ضرورة وجود خدمة صحية مجانية يتمتع بها المواطنون كما كان يحدث سابقاً يمضي الرجل في اتجاه آخر وهو ما يجعل الكثيرين ينظرون إليه باعتباره مستثمراً في المجال الصحي بالإشارة لما يمتلكه من مؤسسات صحية في القطاع الخاص.. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد وإنما يتواصل عبر معادلة نقل الخدمات الصحية للأطراف، وهي الاستراتيجية التي يتبناها الوزير في مقابل رؤية الآخرين للأمر بأنه لا يعدو كونه تفكيكا لمؤسسات صحية عريقة مثل مستشفى الخرطوم لصالح المؤسسات الخاصة.
وينفي أحد الصحافيين الذين يغطون دوائر الصحة عنهم تهمة الكذب ويضيف الزميل بأن: من لا يرى من الغربال هو في الحقيقة أعمى، وأن الكثيرون يرون بعيون عدم الرضاء ما يحدث داخل القطاع الصحي والطريقة التي تقدم بها الخدمات الصحية للمواطنين.
"تم إخراج التصريحات من سياقها".. هذا إن لم يتم إنكارها في الأساس من قبل المسؤولين في معاركهم مع الصحافة.. اتهامها بأنها تنقل صورة غير حقيقية للأوضاع السائدة في البلاد.. أو أنها تختلق قصصا وأكاذيب بغية تحقيق أغراض معينة، بحسب ما جاء في اتهام وزير الصحة في ندوة تتعلق بالتغطيات الصحافية لأنشطة الصحة.. وهو الأمر الذي يعتبره البعض محاولة لصرف الأنظار عن المعركة الحقيقية للصحافي، وذلك بالعمل الدؤوب من أجل المساهمة في تطوير الخدمة الطبية، أو في إبراز أوجه القصور في الأداء العام داخل الوزارة، أو من قبل الوزير الذي أخبرت الصحافة الشعب عنه، بأنه يعمل دون مقابل مادي، وأنه قام بالتبرع براتبه لأجل عيون أطفال دار المايقوما مجهولي الأبوين.
المفارقة تبدو أنه وفي ذات اليوم الذي كانت تحتشد فيه الصحف بإساءات وزير الصحة للصحافيين كان أطباء قسم الجراحة في مكان آخر يقفون من أجل تحصيل حق زملائهم المتهمين بجريمة قتل عمد فقط لأنهم قاموا بالبر بقسمهم وقدموا الإسعافات لمريض يستحقها.
يتأوه أفندي من سياط التعذيب والحريق في جسده ويقف صحافيو التيار في محطة انتظار العودة لمغازلة قرائهم.. مؤكد أن الصحافيين يضحكون عقب قراءتهم خبر الوزير المكتوب في كمبيوتراتهم ويواصلون مسيرتهم من أجل أن يضحك الشعب أخيراً.. تلك هي الحقيقة غير القابلة للنفي.
اليوم التالي