بأس المركز ومكر الهامش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 01:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-06-2016, 04:46 PM

عليش الريدة
<aعليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بأس المركز ومكر الهامش

    03:46 PM Feb, 06 2016

    سودانيز اون لاين
    عليش الريدة-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بأس المركز ومكر الهامش

    استمرأت المدينة الكبرى علي أن تتمطى وتفتح فمها لآخره, كلما اعترتها تلك الرغبـــة المتكررة في التثاؤب ,لم يكن من اهتماماتها المعتادة محاولة تقديم بعض من حفنــــات الأدب والكياسة لأخواتها وأبنائهن , وحتي الأم المترهلة والتي يشبه دورها دور الخادمة في أفـــلام توم وجيري الكارتونية التقليدية, كانت تجد من تلك المدينة فـــــــــــــي أغلب الأحيان , العقوق الظاهر ونزعات الاستئثار والجحود.. لذلك كثيرا ما تندر ت بعض الأوســـاط والتي قد تكون بدورها لا تتحلى بالمعقولية الكافية بتلك الأم وأطلقت عليها لقـــــــب الأمة التي ولدت ربتها..ورغما عن صفاتها تلك, والتي يري كثير من الناس أنها أبعـــد ما تكون عن الضياء الذى ينبعث من الالتزام الحقيقي بالمسئولية , فإن سحر تلك المدينة البهي كان بقوته العالية مثل الجاذبية الأرضية , يرغم الجميع علي الالتصاق به شآءوا أم أبوا, وهو لا يميز في ذلك بين البشر, والمعادن, والمواشي, وأطعمة أصدقاء الحيوان, والسوس, والمال,وحتى الأدب ,وكل تلك الأشياء التي إن كشف أمرها فستكون هي بلاشك فضيحة من فضائح العصر المدوية...لذلك تندرت تلك الأوساط التي قد تكـــــــون لا تتحلى بالمعقولية الكافية , مرة أخرى بأن الهجرة لتلك المدينة الكبرى لم تستثن حتــــي أسراب البعوض وجيوش الضفادع , التي ظنت كما ظن الجميع أن الحياة هناك أكـــثر ألقا وأوفر مزايا .
    ومن شتات الأسر التي تكونت بفعل ذلك السحرالبهي, نشأت أسرة صغيرة ومبتدئــــــة, عمادها هو الموظف عصام علي عمر, الذي تزوج من ابنة خاله قبل ثلاثة أعـــــــوام , والآن هو يستأجر منزلا صغيرا بالدائرة الخارجية الواسعة لتلك المدينة الكـــــــــبرى.. ورغم أن المنزل كان كافيا جدا له ولزوجته وطفله الصغير , الا أن المعاناة كانــــــت تكمن عندما تتناوشهم هجمات الضيوف الشرسة ,وفي الواقع أن الفواصل القصــــيرة والتي تنعدم أحيانا, بين تلك الهجمات, جعلت البيت يبدو كأنه متحف شهير في ذروة موسم السياحة ,أو مستشفى خلوي في ذروة موسم الكوليرا...أو ربما ضريح شيخ ما يزال سابحا في مديات بعيدة من الكرامات.
                  

02-06-2016, 07:30 PM

عليش الريدة
<aعليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بأس المركز ومكر الهامش (Re: عليش الريدة)

    وكان عصام قد قدم إلي المدينة لأول مرة من قريته النائية قبل خمسة عشر عاماً , جاء لأنه قد قبل في الجامعة الأهم في تلك المدينة ,ولصعوبة السكن الداخلي بتلك الجامعة, ولقلة امكانيات أسرته اضطر إلى أن يسكن مع أسرة خاله , وبعد أن تخرج ساعداه تفوقه الأكاديمي و حظه المدهش, على العثور علي وظيفة معقولة وذات مستقبل مبشّر,وبعد أن سلخ عدة سنوات في مهنته , كافأ تلك الأسرة بأن تزوج إحدي بناتها , ومضت حياته
    الزوجية علي ما يرام , فصفاء زوجته جمعت بين الصفتين الذهبيتين : الجذور القروية القريبة, ونشأة المدينة الحضرية , لذلك استطاعت أن تنال رضاءه وإعجابه بسهولة تامة , ولم يكن يحدث بينهما أي نوع من أنواع المشاكل, عدا الشئ القليل والطبيعي الذي لا يخلو منه أي بيت.
    لكن رغم استقراره الأسري والمهني, إلا أن عصام كان علي الدوام فريسة للهواجس التي لا تنتهي , فالمرتب المحدود, والغلاء الطاحن, والواجبات الاجتماعية تجاه عائلته الكبيرة في القرية , وتجاه الأهل الذين يزورون المدينة باستمرار , كل تلك الأمور جعلت من رأسه مرجلا يغلي بالأفكار والتخيلات التي تنجرف نحو البؤر السوداء والمأساوية.. كان يصحو باكرا ويبدأ مباشرة في القيام بالإجراءات الروتينية, التي تكفل له الوصول لمكان عمله في الوقت المناسب, وتنتهي تلك الإجراءات بإعداده بنفسه لكوب الشاي المخلوط باللبن, واستوت ثمرة التطبع المدني في هذا التنازل الذي يقدمه لزوجته في كل صباح , ولأنه لا يطلب أي مشروبات في مكتبه خلاف الماء القراح , حرصا علي التوفير من جانب, وسدا لباب الجدل مع عامل البوفيه, الذي دائما ما يصر علي الزيادة في الكمية الحقيقية للمشروبات التي طُلبت, وخاصة تلك التي تسدد قيمتها عند آخر الشهر, ولأن زوجته لم تكن من النساء اللائي يتمتعن بالقدرة علي مفارقة الفراش, قبل أن تعلن الشمس بارتفاع واضح عن إطلالتها علي الأرض, لذلك كان لا يجد حرج في تقديم ذلك التنازل عند كل صباح , وبمجرد أن يرتشف الجرعة الأخيرة من كوب الشاي, يتجه مباشرة نحو الشارع لتبدأ أولي الخطوات إلي ساحة العمل الكؤود , محاذرا في كل يوم أن يتعرض لأي مواقف قد تدخله في نفق الاحتكاكات برؤسائه, فهو يحرص علي الوصول لمكان العمل قبل ربع ساعة علي الأقل من الزمن الرسمي , و لا يغادر إلا بعد مضي مثلها علي الأقل بعد النهاية الرسمية للعمل , وكان يحرص جدا علي التطبيق الحرفي للتوجيهات والضوابط المنظمة , بل كثيرا ما كان يزيد عليها فضلا من عنده , ولم تكن لديه أية اهتمامات جانبية يمكن أن تتسبب له في متاعب ملازمة , أو آراء قد يساء فهمها , فهو لا يحب كرة القدم وليس لديه فريق يشجعه , وهو لا يحب السياسة وليس لديه حزب يمكن أن يتهم بالميل إليه , وهو بطبيعة الحال لا ينتمي لأي جماعة دينية, وسطية كانت أم طرفية, وهو كذلك ليس لديه الطموح الظاهر في إبراز القدرات التي قد تعتبر ذات طابع تنافسي للذين هم في الدرجات الأعلى , لذلك فإن عصام كان دائما في الركن المظلم الذي يصعب علي المشاكل أن تراه رغما عن الأعين الثاقبة التي حظيت بها.
                  

02-07-2016, 01:38 PM

عليش الريدة
<aعليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بأس المركز ومكر الهامش (Re: عليش الريدة)

    لكن بالرغم من تلك السلامة الدائمة التي يهنأ بها إلا أن رأسه كان مرجلا مستمر الغليان بالأفكار والتخيلات التي تنجرف نحو البؤر السوداء والمأساوية .. وكانت العطلات هي مصدر راحته الكبرى لأنه كان يصر جدا علي أن يقضوها بالقرية , رغم اعتراض زوجته المتكرر علي ذلك الإصرار , لكنه كان ينجح في كل مرة في إقناعها بوجهة نظره , حتي لو اضطر إلي أن يدعم قدرته الإقناعية تلك, ببعض الهدايا الذهبية الصغيرة .. إن نفحات الأمان المطلق التي يستنشقها في تلك العطلات كان لها الأثر الأكبر في استمرارية قدرته على تحمل ضغوط المدينة الكبرى المتواصلة طيلة العام . . لذلك كان هناك في الجانب الأقصى من عقله صوت خافت يدعوه باستمرار, لترك المدينة والعودة إلي القرية , كان ذلك الصوت يعرف أن نداءآته لن تجد بسهولة أذنا صاغية , لكنه لا ييأس أبدا من بث تلك النداءآت, خاصة في الأوقات التي تتجه فيها الضغوط لتسلق الذرى , كأوقات دفع إيجار المنزل مثلاً , أو في تلك اللحظات الخاطفة التي يظهر له فيها بعض الزملاء تلميحات السخرية والاستهزاء, أوفي تلك المناسبات القليلة التي يحدث فيها بينه وبين زوجته الشئ القليل والطبيعي من المشاكل الذى لايخلو منه أي بيت ..ولكن في بعض الأحيان النادرة ينجح هذا الصوت في الظهور العلني المدوي, كحادثة بائع اللبن التي مازال يذكرها الجيران..ففي إحدى الأمسيات التقليدية الحالمة, خرج عصام لإحضارالحليب بعد أن سمع الطرق المميز على الباب, وبعد أن سكب البائع الأرطال الثلاثة في الماعون الذى مده له عصام, تنحنح قليلا ثم قال
    :لقد حدثت زيادة بسيطة في الأسعار يا أستاذ.
    رد عصام بضيق :كم أصبح سعر الرطل؟
    :أربعة جنيهات
    :تزيد أسعارك ضعفا وتدعى أنها زيادة بسيطة؟
    :ليست الزيادة منى, السبب هو زيادة أسعار العلف , وكثير من الزملاء أصبحوا يبيعون الرطل بأكثر من أربعة جنيهات لكنى راعيت لك, لأنك زبون قديم ومحترم.
    :لصوص!
    :نعم؟
    :لصوووص! كلكم لصوص, لصوص من فوقنا, ومن تحتنا, وعن أيماننا ,وعن شمائلنا ,ومن أمامنا, ومن خلفنا, كلما حدقنا لانجد غير اللصوووص.
    قال البائع بهلع :ياأستاذ لاتدعو علىّ فأنا.....
    ولم يستطع المسكين إكمال حديثه لأن عصام كان قد دلقه بثلاثة أرطال من الحليب في دفعة واحدة, ثم خطف منه على حين غرة، العصا التي كانت في يده, وفكر البائع أنه لو أقدم على الهرب فسيخسر الحمار والحليب, لذلك رفع يديه وغطى بهما وجهه وهو يصيح في ذعر :العن الشيطان يا أستاذ
    لكن, كان الأستاذ قد قطع شوطا بعيدا ليلعن الشيطان, فأخذ يصيح في هيستريا:
    لصوص, لصوص, لصوص....
    ورفع العصا عاليا ثم هوى بها في عنف, لكن ليس على رأس البائع المهلوع, وإنما على مؤخرة الحمار المسكين, والذى يبدو أنه بعد أن نزلت عليه تلك الضربة القاسية, فطن أخيرا إلى أن تلك الأمسية لم تكن تقليدية ولاحالمة على الإطلاق, فانطلق لا يلوي على شئ, جاهرا بنهيقه الاحتجاجى المّموج, والموزون مع إيقاع شخلبة الحليب بداخل الماعونين اللذين على ظهره, وسرعان ماتمالك البائع نفسه فانطلق خلف حماره, متنازلا عن عصاته بطبيعة الحال..
    في تلك الأمسية دخل عصام إلى زوجته وهو يحمل بدلا عن الحليب عصا غليظة تستخدم لتأديب الحمير.. قال لها بهدوء مريب :غدا سنرحل إلى القرية.
    كانت هي تشعر برغبة شديدة في الكلام, لكن كل تلك الاعتبارات الآنية المتلّبسة بالخطورة الظاهرة , جعلتها تبتلع رغبتها تماما ,لكنها غافلته بعد حين واتصلت بوالدها والذى بعد أن حضر إليهما استطاع أن يعيد الإمور إلى مجراها الطبيعي.
    لكن هذه حادثة قديمة على أى حال, وليست هي التي يغلي منها المرجل هذه الأيام, إن ما يثير مخاوف عصام في هذا الإسبوع تحديدا,هي تلك الشائعة التي سرت في أوساط الموظفين بداية, ثم أكدها المدير العام في اجتماعه معهم لاحقا بصوته الفظ
    :ستحدث تخفيضات في الموظفين والعمال, نأسف حقيقة لاضطرارنا لاتخاذ هذه الخطوة, لكن مهما حاولنا ,لابد في النهاية من أن يُستغنى عن بعضكم , وسيصدر كشف بالأسماء المعنية في بداية الإسبوع القادم.
    وحاول عصام طيلة هذا الإسبوع إخفاء الأمر عن زوجته, ولقد بذل في الواقع مجهودا مقدرا في هذا الاتجاه, لكنه كان مثل مريض الحساسية الجلدية المحظور عليه هرش مناطق الأذى, مهما طال صبره لابد أن يقع في المحظور, فبعد أن تناولا وجبة الغداء في ذات يوم, قال لها دون مقدمات:
    سيتم فصل بعض الموظفين الإسبوع القادم, وهناك احتمال كبير أن أكون من ضمنهم.
    بحلقت فيه لبرهة ثم انفجرت ضاحكة
    :لماذا تضحكين؟
    :أنت تمزح أليس كذلك؟
    :إطلاقا, ولماذا تظنينى أمزح؟
    :ياعزيزى إن استغنوا عنك أنت تحديدا, فلابد أنهم يخططون لاستيراد موظفين من ألمانيا.
    :ماهذا الكلام الذى تقولينه؟
    :أنا أعنى أنه لايوجد في هذه البلاد من يقدس العمل مثلك.
    أربكه كلامها اللذيذ, وحفّز في جوفه الكثير من هرمونات الخدر وتقبل التشجيع, لكنه تذكر شيئا ما, فرد عليها: لكن الألمان يوصفون أحيانا بالتبّلد
    :لم أسمع بهذا, وإن حدث فلابد أن يكون هذا الوصف أطلقه الحلفاء.
    :حسنا.. جارينى ياعزيزتى, إن حدث وفصلت, فلن يكون هناك أمامنا خيار أفضل من العودة إلى القرية.
    :ياعصام..ياعصام..جارنى أنت, أفرض أنك تسير في بداية طريق تعرفه وفي منتصف هذا الطريق جبل, هل ستعبر هذا الجبل منذ بداية الطريق, أم عندما تصل إليه؟
    :عندما أصل إليه.
    :جميل..وإن أصبحت تفكر فيه منذ البداية تكون قد عبرته الآف المرات قبل أن تصل إليه, هل فهمت ما أعني؟
    :من أين تعلمت كل هذه الحكمة؟
    ضحكت طويلا ثم قالت:هل نسيت أننى خريجة علم نفس
    وعلى أنغام تلك الضحكات مضى الإسبوع متثاقلا, حتى جاء يوم الخميس وعندما أوشك يوم العمل على الانتهاء دخل عصام إلى مكتب الكتبة, كانت لديه بعض المتعلقات معهم فذهب لإتمامها, لكن المكتب كان خاليا, فتوجه إلى الطاولة الرئيسية للبحث عما جاء لأجله لحين حضور الكتبة, وبعد قليل من التقليب في الأوراق التي في الأدراج, اصطدم بشئ رهيب, كانت ترقد في هدوء, الأوراق التي حوت مسودة قرار التخفيض الذى سيصدر بداية الإسبوع المقبل, ولم يستطع منع عينيه من القراءة, ولم يستطع كذلك منع قلبه من التطبيل المدوي ,ورشح العرق الغزير من ملابسه..وهناك تحت المسلسل(19)عثر بنظراته الزائغة على اسمه :عصام على عمر...ومادت به الأرض, فتشبث ببعض الأشياء, ثم بعد حين غادر بخطوات مترنحة, ليس مكتب الكتبة فحسب, وإنما ترك كل ذلك الزخم وراءه ,وسيطرت عليه حالة عنيفة من الذهول الإقصائى, كان ذهنه لا يتصور إلا شيئا واحدا, وعينه لاترى إلا شيئا واحدا: البيت..البيت..البيت.
    وعندما وصل إلى هناك, دهمته نفس الأعراض التي تظهر عادة على المصاب بمرض بالملاريا, فأمضى العطلة الإسبوعية ممدا على فراشه, ثم نادى في غمراته على زوجته وقال لها:
    لقد اطلعت على مسودة القرار ووجدت اسمي من ضمن المفصولين.
    صمتت قليلا ثم قالت:
    لن تكون هذه مشكلة كبيرة ياعزيزي, أنت مؤهل تأهيلا جيدا, وسرعان ما ستجد وظيفة أخرى.
    :لقد فكرت جيدا خلال هذين اليومين وقررت أن نعود إلى القرية.
    :وماذا ستفعل في القرية؟
    :سأشترى أرضا وأعمل على فلاحتها.
    :دعنا لانستعجل, سننتظر إلى حين أن تستلم كآفة حقوقك من المؤسسة ,ونرى نتيجة بحثك عن الوظيفة الجديدة.
    :ألا تفهمي؟ قلت لك سنعود إلى القرية.
    :أعتقد أنه من الأفضل أن نؤجل النقاش في هذا الأمر.
    لكنه ليثبت لها عزمه على تنفيذ رأيه, أخرج هاتفه أمامها, واتصل بصاحب المنزل وأخبره بعدم رغبته في الاستمرار في الإيجار بعد نهاية الإسبوع القادم, ثم اتصل بوالده وأخبره بقرار فصله وبنيته في العودة إلى القرية, وطلب منه أن يبحث له عن أرض زراعية مناسبة ليشتريها.. وبعدما سمعت زوجته كلامه مع الرجلين,هبت بانفعال وبدأت في تجهيز حقيبتها الكبيرة,فسألها
    :ماذا تفعلين؟
    :سأذهب إلى أهلي.
    :هذا ماظننته ,تهربين إذن من الحياة في القرية.
    :القرية..القرية..وكل ذلك الضجيج الأجوف..ومع ذلك أنا لا أهرب, لكنك أنت تفعل.
    :أنا؟ ياجاحدة.
    :اسمع ياعصام, أنا لا أريد أن أكثر من الكلام, ولكنى سأسالك سؤالا واحدا فقط, لماذا أنت حزين هكذا رغم أن حلم حياتك سيتحقق بعودتك إلى القرية؟ ألا يجدر بك أن تكون فرحا؟
    :حسنا..حسنا..تريدين الذهاب إلى أهلك, هذا هوالباب مفتوح, لكن أعفيني من تكرار محاضراتك الجامعية السخيفة, وتذكري أنك من اتخذت هذا القرار.
    وبعدما أشرقت شمس يوم الأحد, كان عصام قد وصل إلى مقر المؤسسة متأخرا جدا عما
    اعتاد عليه, وفور وصوله لاحظ آثار الجو المعكّر, كانت ضوضاء الموظفين عالية للغاية.. وعلى أكثر من زاوية عُلّقت نسخ من الأوراق التي حوت القرار الرهيب, تقدم عصام نحو إحداها منكسرا ,ونظر مباشرة إلى المسلسل(19),لكن كانت هناك مفأجاة عنيفة في انتظاره, وجد الاسم مختلفا :عصام علي عمران..يا للهول, إنه موظف زميل, وقرأ الكشف كله أكثر من مرة, لكن لم يعثر على اسمه, وبدأت تسيطر عليه نفس الأعراض التي دهمته عندما اطلع صدفة على مسودة القرار, فانسحب مترنحا إلى مكتبه..لكن يبدو أن هذا اليوم هو اليوم العالمي للمفاجآت العنيفة, فقد كانت هناك واحدة أخرى تتهيأ لصفعه على خده الأيسر..دخل الساعي وقال في هدوء :المدير يطلبك.
    وعندما ذهب إلى هناك, قال المدير بصوت مّمرد: هناك موظفين أعلى منك شملهم قرار الفصل, وبناء على ذلك حدثت بعض الشواغر, وسنقوم ببعض الترقيات لملئ تلك الشواغر, وستكون أنت من ضمن المترقيين، ستُعين مديرا لقسمك وستتبع لي مباشرة, وأرجو ألا تخذلنى, فقط استمر على نفس نهجك وستكون الأمور جيدة, تهانينا.
    كان خيال المدير وهو يتكلم, يترآءى لعصام مثلما تترآءى الصورة المنعكسة من المرآة المشققة, وهزّه صوت المدير هزا: هل تود قول شئ؟
    حاول عصام أن يتكلم, كانت لديه بطبيعة الحال أشياء كثيرة يود قولها..لكنه كان يحس بطعنة حادة في صدره, وبدا وجهه مثل البلاستك المحترق..كان يجاهد أن يلفظ الكلام من لسانه الذى يبس كالذبابة التي قضت نحبها في بيت العنكبوت.. وعندما يئس من قدرته على قول شئ, أشار بأصبعه السبابة في وجه المدير,الذى صاح منزعجا :ماذا؟
    وأخيرا تشجع عصام وقال :أريد عطلة ليوم واحد فقط.
    وكان هذا الطلب البديع, تدشينا فعليا لعهد جديد من العطل التي لم تقض أبدا في القرية.

    :أووو..كيف حالك؟مضت سنوات عدة لم نتقابل فيها؟
    :أنا بخير والحمد لله.
    :وكيف حال صديقك عصام؟
    :أوو, حاله جيدة, في الواقع هى جيدة جدا, لقد أضاف ثلاثة أشقاء إلى ابنه الأول, وعلاقته بزوجته على مايرام, إنها حتى تخلو من الشئ القليل والطبيعي من المشاكل الذى لايخلو منه أي بيت, وامتلك فيلا منيفة في الدائرة الداخلية للمدينة, وهو الآن على وشك أن يصبح المدير العام للمؤسسة.
    :يآآآه,هذا نجاح باهر في زمن وجيز, وكيف حال المرجل؟ ألا يزال يغلي؟
    :أممم,هذا سؤال صعب, لكن إذا أردت أن تعرف انطباعي ,فإني أعتقد أنه قد تحسن كثيرا
    :والقرية؟ أما زال يفكر في العودة إليها؟
    :هاهاهاهآآآى, شكوتك لله, ألم تدع هذا المكر بعد, فأنت تعلم جيدا ياعزيزي, أنه لم تكن هناك قرية أصلا, وأنت تعلم أيضا أن كل تلك الدراما, كانت فقط من أجل نفس عصام, التي سودت عصام.
    :آآآ ,يبدو أنك لم تفهم سؤالى جيدا, لكنى على عجالة ولا استطيع أن أشرح لك, سعدت بلقائك على أي حال, وداعا.
    : فرصة سعيدة, وداعا

    تمت
                  

02-07-2016, 03:45 PM

محمد البشرى الخضر
<aمحمد البشرى الخضر
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 28869

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بأس المركز ومكر الهامش (Re: عليش الريدة)

    يا سلام يا عليش
    زمن ياخ, عساك بخير ان شاء الله
                  

02-07-2016, 07:32 PM

عليش الريدة
<aعليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بأس المركز ومكر الهامش (Re: محمد البشرى الخضر)

    مرحب ياهندسة ومشكور على المرور والتفقد..
    أنا بخير والحمدلله ،لكن ظروف العمل الأيام دي لاتسمح بالتعاطي ..
    ماشاء الله على الأمورات..
    تحياتي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de