حصل السودانيون على الإستقلال من التاج البريطاني والمصري في سنة 56 ، ومنذ تاريخه وحتى كتابة هذه السطور ، لم يحصل الناس على الإستقلال الحقيقي ، ولم يتمتعوا بالحرية التي كانوا يحلمون بها ويكتبون فيها أشعارهم ، بل تحولت الإستقلال إلى فاجعة كبرى ، فقد انتشرت الكراهية ، وضاقت مساحة التسامح ، وتراجعت المروءة والكرم ، وتقدم الطمع ، والاستعلاء ، فكانت دورة الحكم بين هيمنة العسكر ردحاً من الزمن وبين الفواصل القصيرة للنظام الديموقراطي ، ولاذي يخرج في الفاصل مرهقاً ، من عنت الاغتراب عن شعبه ، وقد بح صوته ومزقت عضويته وتشتت أفكاره وتناثرت أوراقه ، فسرعان ما ينتهي الفاصل بإنقلاب عسكري ، يأتي بالمسوغات لإنقلابه ، ويجد من يهلل وبكبر له من الجهلة والرعاع ، وأصحاب الغرض ، ويستمر النظام العسكري في غيه دون رقيب أو حسيب ، يبدد ثورة الوطن وحلم الحرية ، ويبسط نفوذه مستغلاً سطوته على المؤسسة العسكرية والسند ممن أيده خوفاً وطمعاً ، ثم يفاجأ الناس أنهم لم يدركوا التنمية والعدل والرخاء وحفظ الأمن ومقدرات الوطن ، بل حصدوا الريح ، في وطن مخترق أمنياً واقتصادياً ، وتنمية قائمة على الهبة وليس الحق ، فتجد أقاليماً مهملة ومدناً ، بينما تجد ازدهاراً وتنمية في مناطق أخرى ، كما تجد تخريباً متعمداً في منطقة ، وإصلاحاً في منطقة أخرى !!!، ماذ ارتكب هؤلاء حتى يعاقبوا عقاباً جماعياً ؟؟! اللهم إلا أنهم ليسو من مؤيدي هذا الحكم أو ما يسانده من تنظيم ، تراجعت أيدولوجيته وتقدمت فيه روح الزمالة والقرابة والعصبية ، فأصبحت وزارات بعينها تابعة لشخوص بعينهم وإدارات مغلقة لقرابات علان من الناس ، وانتشرت الكراهية بين الناس استخدمت سلطة هذه الانظمة لاستعباد الناس وذلهم واهانتهم واصبح داخل المجتمع الواحد عدة حكام يقررون مصير كل العمل العام بالمنطقة هم الحارسون على قانون الدولة وهم المتجاوزن القانون ايضاً وهم الرقباء والوسطاء ومادونهم لا صوت لهم ولا حق لهم فى الحديث وقلما يصفوا الذين اختلفوا معهم بأنهم خارج نطاق التنظيم السياسى لذلك اصبحت الافواه صامته واكتفى العقلاء بالنظر والحسره، ولم يكن في الإمكان أفضل مما كان ، فأصبح هؤلاء المتسلطين يحكمون لعشرات السنين ومنهم من تجاوز السن القانونية ، وأرتال من العاطلين يهيمون على وجوههم بحثاً عن فرصة عمل ولا حياء لمن تنادي !!ويتعلل أهل الخدمة المدنية بأن «فلان خارج التنظيم « او فلان «ضدنا « او غيرها من المبررات المعيبة ، فكأن المواطنة قائمة على التبعية الحزبية ، وكأن هؤلاء يملكون تفويضاً إلهياً !! أين الأستقلال ومكتسباته ، أين المبادي العامة والتي نصت على حق المواطن في العمل وحرية التعبير والتنقل ...إلخ ؟!! إن ذكرى الإستقلال تمر باهتة ، فلا زالت البلاد ممزقة أشلاء ، ولا زال التكميم رائج ، ولا زالت روح الاستعمار سائدة في قسمة السلطة والثروة ، والحق في الخدمات والتنمية ، والحق في التوظيف والتعبير والاستثمار والإعمار ، ولم نخرج عن نهج المستعمر في عقلنا الباطن وخاصة ممن ورثوا الخدمة من المستعمر ولا زالوا يتوراثون المناصب ويوزعونها فيم بينهم على أساس العصيبة متدثرين بحجج التنظيم ، غامطين حق الأغلبية الصامتة المستنيرة والتي أصبحت متفرجة أكثر من أنها فاعلة في البناء والإعمار والإسهام في صنع القرار السيادي ، فقد انكفأت الأغلبية الصامتة على ذاتها ، تاركة الجمل بما حمل في أكبر هجرة للسودانيين بعد الاستقلال منذ أوائل التسعينات وحتى تاريخه . تمر علينا ذكرى الإستقلال والصورة قاتمة تماماً ، ففي المشهد الماثل للعيان ، ترهل الدولة وعجزها عن تحقيق أدنى معاني الإستقلال ، وتمزق الوطن ، وانتشار الكراهية والاحتقانات والأزمات التي أنتجها نظام الحكم القائم إما عن جهل أو تعمداً ، ول فجر جديد ، تنام فتنة وتظهر أخرى !! يحتاج السودان لنظرة فاحصة ودراسة شاملة لكل أحواله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ، دراسة محايدة قائمة على مصلحة الوطن ، وإيجاد قاعدة بيانات دقيقة ، وإحداث تغيير وإحلال وإبدال لكثير من المفاهيم السائدة في إدارة شؤون الحكم في سلطاته الثلاثة ، وضرورة إشراك المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية في صنع القرارات ، وإلزام الأحزاب السياسية ببرامج قابلة للتنفيذ وفق هذه الدراسات ، وليس وعوداً كاذبة لحصد الأصوات وشراء الذمم كما كان في الماضي القريب .. نريد استقلالاً لا استغلالاً ، نريد أحزاب فاعلة وليس واجهة لبيوتات وأشخاص لمآرب شخصية ، نريد حكومة قوية ، تستند إلى شعبها لمواجهة كل هذه التحديات الماثلة ، نريد حاكماً عاقلاً عادلاً ، يحترم شعبه بتساو ، نريد حاكماً رحيماً بأطفاله ، نريد حاكماً ذو مروءة ، يغير على ذراريه ، نريد حاكماً يقدر العلم ويجل العلماء ، نريد حاكماً محباً للخير ، قدوة لشعبه ...ونكون بذلك قد تنسمنا ألق الإستقلال إرادة وحكماً وبناءً وتلاحماً شعبياً بين المواطن وقيادته .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة