الشَاعِرُ الطَيِّبُ العَباسي هَدِيــــةُ الأدَبِ للقَانُــــونِ
القاضي الطيب محمد سعيدالعباسي شاعرٌ مشبوب العاطفة ، مرهف الاحاسيس ، مترف المشاعر ، وقد نشأ في بيت دينٍ وعلمٍ وادبٍ سمت امجاده حتى تراءت تكادُ تطوف بالسبعِ الشِدادِ ، وقد ورث أحاسيسه ومشاعره من بيئته الضاربة الجذور في الارضية الصوفية الادبية ، فهو فرع لدوحة صوفية امتدت ظلالها الوريفة على أرياف مصر وربوع السودان ، والده هو الشاعر الجهير شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان ، الشيخ محمد سعيد العباسي إبن الاستاذ محمد شريف (أستاذ الإمام محمد أحمد المهدي محرر السودان) بن الشيخ نور الدائم بن سيدي أحمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية في مصر والسودان ، وقد نشأ شاعرنا في كنف والده العباسي عميد شعراء العربية في السودان بلا منازع، وقد تنزل إليه الشعر من جده الرابع فهو شاعرٌ بن شاعرٍ بن شاعر بن شاعر بن شاعر ، وسليل أشياخ كرام ذوي مكانة راسخة في دنيا الأوراد المسجوعة والاناشيد المنظومة.ولد شاعرنا الطيب في العام 1926 وتلقى تعليمه الأول بحفظ أجزاء من القرآن الكريم في خلوة عمه الشيخ محي الدين ود ابو قرين بقرية الجيلي موطن جده لأمه البطل القومي الزبيرباشا رحمة منصور العباسي وبعد فترة دراسية أخرى شَدَّ رحاله صوب أرض الكنانة حيث درس المرحلة الثانوية في مدرسه حلوان التي إنتقل منها إلى جامعة القاهرة الأم التي تخرج فيها بكلية الحقوق العام 1953 . كانت لمدينة حلوان ومكتبتها العامرة بأمهات الكتب الأثر العميق في تشكيل الثقافة الأدبية لشاعرنا الطيب العباسي وصقل موهبته الشعرية حيث نهل من معين مكتبتها الثرة الكبيرة الكثير من علوم الأدب والشعر والعروض ، وقد برزت هذه المدينة في اشعاره بروزاً رائعاً يقول في قصيدته حلوان :-
أنــا مَـنْ جَهِــلِتُم يـا صحا بي داءه ** والجهـلُ أحرى في تَقَـري دَائيه
حُـــلــوان تعلمُ سِرَّ ما أُخـْـــفي ** فإمَّا شئتمــو فسلـو رُبا حُلوانيه
يــــَـممتُ وجهي شطرها وبأضلعي ** سهــمٌ بــه هذا الزمـانُ رمانيه
فاستقـــــبلتني مــثلما يــستقبِلُ** الأعرابُ في البيداءِ صـوبَ الغاديه
ووجدتــها نـشوى يـزيـن ربـوعها** حُسـنُ الحضـارةِ وابتهاجُ الباديه
ويقول عن حلوانه في خاتمة هذه القصيدة :-
تـاللهِ يـاحلوانُ لـــو أنـــي أُدواى **كنــتِ أنتِ طبيبتي ودوائيه
شَيــــــَّـدتِ في قلبي مَفاتِنَ غضةً ** ثَمِلتْ بها روحي فغنتْ شاديه
وسكبتِ هـذا السحر مــلء جوانـحي ** فانساب رقراقاً إلـى أشعاريه
أنا لا أُردِدُ غــير وحيٍ في دمـــي **مغنـاكِ منبعــه وليس خياليه
وفي القاهرة أخذ شاعرنا يؤم الندوات الأدبيه مصطحباً معه أحياناً صديقه الشاعر العظيم إدريس جماع ويلتقي بكبارلأادباء والشعراء ويحفظ من أقوالهم الكثير وقد بلغ به الإعجاب بالشاعر محمود طه المهندس حداً جعله يحفظ كل حرفٍ قاله، واتخذ شاعرنا مكانه بندوة العقاد وصالونه الأدبي حيث توثقت هناك علاقاته بأساطين الأدب والشعر العربي، ويقول شاعرنا أنه أ عجب جداً بابيات من الشعر للعقاد قالها في تلك الايام تقولُ:-
إذا شيـــعـوني يـــوم تُقضى منيتي **وقــالوا أراحَ الله ذاك المُعـذبا
فلا تحمــلوني صامتيــنَ إلى الثــرى ** فإني أخاف اللحــدَ أن يتهـيبا
وغنــوا فإن المــوتَ كـأسٌ شهيــةٌ ** وما يزال يحلو أن يُغنى ويُشـرَبا
ولا تتبعُوني بالبُـــكاءِ وإنمــا أعيدوا ** إلى ســمعي القصــيدَ لأطربا
وهكذا أضحت القاهرة جبلاً أدبياً آخر تسلقه شاعرنا بإقتدار وهو يدرس فيها الحقوق التي ولج إلى كليتها برغبالدكتور العلامة السنهوري إذ كان شاعرنا يرغب في دراسة الآداب ‘وهكذا صار الشاعر الطيب العباسي هديةُ الأدب للقانون وفي هذه المرحلة بلغت شاعريته أوجها إذ تخلقت فيها قصيدته ذائعة الصيت ( ذات الفراء ) التي وُسِمَتْ فيما بعد بـ ( يا فتاتي ) والتي انشأها في العام 1950 قبل تخرجه باعوام ثلاثة، وبدأت من بعد تتمازج في ذهنيته عقلية الأديب بعقلية القانوني وصارتا بحكم الدراسه والاطلاع والخبرة هجيناً لم ينفصل وأخذ ينمو نموًا مضطرداً ومذهلاً وهذا ما يفسر لنا تلك الاحكام التي أصدرها كقاضٍ مرموق ـ ترقى أعلى درجات سلم القضاءـ وحشدها بفنون الأدب والشعر كقضيه القاتله الحسناء التي اتينا على تفاصيلها في حلقات ماضيه في هذا الموضع ومن رحمها وُلدتْ قصيدته الفريدة (قضية لقيطة) ويقول شاعرنا وقاضينا الأديب الطيب العباسي: إن الأدب والقانون وجهان لعملة واحده، فالقانوني الناجح هو الذي يعبر عن ارءه القانونيه باللغه الفصيحه والبليغه وبالأدب القانوني السامي، ولعله كما يقول إن التصاقه في القاهرة مع الرعيل الأول الذي سبقه من القانونيين السودانيين أفاده كثيرًا، كتلك الصلة التي جمعته بالدكاترة أمثال أحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأمين الشبلي كما افاد كثيرا من عمله كمحام ـ قبل التحاقه بالقضاءـ بمكتب المحامي المعروف الاستاذ الراحل الرشيد نايل، واكتسب خبرةً مبكرةً من عمله كمدير لمكتب معالي وزير العدل آنذاك السيد /علي عبد الرحمن ،,عرف شاعرنا الطيب العباسي بأدائه الشعري الآسِر المتوغل في السهولة والامتناع بالةٍ عروضيةٍ جبارةٍ ومعرفةٍ بأصول اللغة وقواعدها معرفة تامه مستفيداً في ذلك من موهبته الشعرية الضخمة وملكته الصحيحة وثقافته الأدبية العالية التي سلكت في دروب الأدب العربي بعمق، وادركت مآلات الأدب الغربي إدراكاً مماثلاً ، ولعل أكثر مايميزه كشاعرٍ أنه شاعِرٌ غَزِلٌ من الطراز الأول، وعاشقٌ تراه يتمسك بعشقه وإن تجاوز الثمانين التي قال عنها زهير بن أبي سلمى في معلقته : -
سَئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يَعِشْ **ثمانينَ حولاً لا أبالكَ يَسْأمِ
رغم ذلك تحتوش نصوصه المتأخرة بكائية العمر والعشق، وهذا ما يمكن أن نطالعه في ديباجته الجزلة التي إبتدر بها قصيدته الفخيمة (خواطر مغترب في عيد الاستقلال ):-
لــدى الغيــدِ الـحســانِ خــبــا زنــادي**وفــي ســاحِ الغــرامِ كَبَا جــوادي
أطـــلَّ الشــــيـبُ مـن راســي اذا بــي ** أُحِــسُ بــه سهــاماً ًفـي فـؤادي
وكــــــــل خريــــدةٍ حسنــاء أضحت ** تــنـاديـنـي أبــي لـمَّـا تُـنـادي
فأُبـــــــتُ وقـــد سَــلتْ حُـبي سُليمى ** وبِــتُ عــلى جــفاءٍٍ مــن سـعادِ
عــلى عــهـدِ الشبــابِ ســكبتُ دمعــي ** ومــا عــهــدُ الشبــابِ بِمُـستعادِ
بنــيتُ الــحُّـبَ قــصــراً مــن شــعورٍ **فأضحـى اليـومَ كومــاً مــن رمــادِ
وهـــذا إن ســـألتَ حـصــادُ عـمـــري** أ لا يــا مــا امـرَّكَ مـن حـصــادِ
وأخذت تستمر معه هذه البكائية مُتخذةً شكلاً واضِحاً ومؤثراً في عصمائه الأخيرة التي أعطاها إسمين هما (بهجة الروح ) و ( اللحن الأخير) نجتزئ منها قوله :
أراكِ تمـــشينَ بين الخـلقِ في حذرٍ ** وتتقينَ عيــونَ النـاسِ في خَـفرِ
تحاذريـــنَ لِحــاظـاً شَدَّ ما ظَمئتْ ** لترتوي منكِ في وردٍ وفي صــدرِ
أنــتِ الملاكُ الذي إن غابَ عن نظري ** يا ويلتا من طـويلِ الهــمِّ والسهرِ
وفي الغرامِ كمـا في الحــبِ معـركةٌ ** أبليت فيهــا بلاء العــاشق الخطرِ
وكنـــــتُ ذا صولةٍ في كل معركةٍ ** سيفي شبابي سلي يُنبيكِ عن خبري
ينبيـكِ أنَّ الشبـابَ الغـضَ يأخـذ من ** غيدِ الحسانِ هواها أخـذ مــقتدرِ
ينبيـكِ أنـي متى مـا خضتُ ساحتها ** حصنتُ نفسي بآدابِ الهوى العذري
ذاك الشبـــابُ مضى والقـلبُ يتبعه ** أنى مضى لإيــابٍ غير منتظــرِ
أمـا الثمانونَ لا أهـلاً بهــا أبـدًا ** أحالني مُــرُّها قوســاً بلا وتــرِ
وإن أردت فقـُلْ أصبـحت في كِبَري ** كدوحةٍ عَقُمتْ أضــحتْ بِــلا ثمرِ
والحـــبُ تَكْـمُنُ في قلبي لواعِجه ** كالنــارِ كامنة في بــاطنِ الحجرِ
تهزني النـــار في قلبي وقد وقدتْ ** هزّ البراكيــنِ للأطــوادِ والجُُدرِ
الإسم الثاني لهذه القصيدة ( اللحن الأخير ) يشي برغبة الشاعر في إعتزال الشعر وهو أمرٌ مخيف إذا ما إستدعينا قول هدباء وصدقناه، فقد قالت الأديبة هدباء عن والدها الشاعر الراحل نزار قباني: ( إن أبي مات حينما توقف عن الكتابة..) والرغبة في إعتزال الشعر لم يوحي به عنوان القصيدة فقط بل كان تصريحاً حملته خاتمة القصيدة والتي يقول فيها الشاعر:_
فإنْ قَرُبْتِ فإني لستُ اطمعُ في **شيئٍ سوى الهمس والبسمات والسمرِ
وإنْ بَعُدْتِ فَحَالي كلها كــرمٌ **أرعى الهوى بين أضلاعي مدى عمري
ولن أُلَحِنِ شعراً بعد ذي أبداً ** فهذه آخــرُ الألحــان مــن شعري
الغزل هو أيقونة الشاعر التي أجاد العزف على اوتارها والنفخ على مزمارها بأنغامٍ ما شداها قَبلُ شادي وله في ذلك من جيد الشعر وأرقه ما له، فعندما قالت له حسناؤه آمال عبر الهاتف : زواجي بعد اسبوع فهل تتكرم بتشريفنا ؟ إعتذر ..فقالت إذن هنئني بابيات من الشعر فقال لها كيف يهنئي حبيب محبوبه بزواجه من غيره ؟!! ورغم ذلك أرسل لها قصيدة يهنؤها فيها بالزواج يقول في مطلعها :-
أدارَ عليـــكِ السعدَ ربٌ يديرُهُ **وجَادَكِ من غيثِ الهناءِ غزيرُهُ
ويُسعدني أني أراكِ سعيدةً **وحَسْبُ فؤادي طيفٌ من هواكِ يزورُهُ
وكيـــف يزور الطـيف قلبا سكنته**ألا أنه لغو الحديثِ وزورُهُ
توقفت الشاعرة والاديبة (طلاسم ) عند هذه الابيات السابقة وعلقت قائلة : إن هذا الكلام يمثل منتهى الخُلق . ونأتي الآن الي الصورة التي رسمها الشاعر ليوم زفاف آمال وأترك للقارئ أن يتملاها ويتمثلها ريثما أذهب الي ظبيةِ الثغر:
كأني بذاك الحــي يومَ زفافــها ** تكادُ تغني دورُهُ وقصوُرهُ
كأني بذاك الوجه قد فاض حسنه ** وعَمَّ البوادي والمدائن نورُهُ
كأن العذارى في ذرى البيتِ أنجُمٌ**وأنك من دون العذارى منيرُهُ
بعد ما بنى الشاعر قصيدتة المغناة (ظبيه الثغر ) وهو يقضي بمدينه بورتسودان واسرته بعيدة عنه بالخرطوم تملكته الهواجس وأنتابه القلق بسبب الوفاء والحب الذي ظل يكنه لاسرته المكونة آنذاك من زوجته سلمى وابنته اسماء أخذ يعاتب قلبه في قصيدة رائعه بعنوان (عتاب قلب ) يقول في بعض منها :-
أَمِــنْ بعد سلــمى يافــؤادي وأسمـاءِ**تُعاقِرُ حُباً اوتهيمُ بحسناءِ ؟
عَشقتَ عذارى البحرِ من بعد أن نأتْ **عذارى ضفافُ النيلِ من كلِ غيداءِ
فـهذه فتاةُ الثــغرِ اصمــاكَ لحظُها **فبتّ على نارٍ من الوجدِ رعناءِ
أراكَ بــرغمـي قد تنكبتَ واضــحاً **وبعت ببورتسودان دُراً بحصباءِ
ثَكَلْـُتكَ قلبـي فالمنـايــا أحــبُ لي **إذا رمت ما لا أرتضي لأخلائي
سأمــضي الى حي الأحبــاء تــاركاً **ربيعاً بلا زهرٍ ونهراً بلا ماءِ
هنــاك تــرى أن كان حبـك كاذباً **فليست ظباء الحي كالمعزِ والشاءِ
لم يكن الغزل هو الباب الشعري الوحيد الذي طرقه شاعرنا الطيب العباسي وإن كان هو شاعرٌ قد إتخذ من الغزل عنواناً له ، فقد ضم ديوانه (العباسيات) باباً للاجتماعيات وباباً للمراثي وقصائد للوطن والعروبة ، وهو يؤمن بالقومية العربية التي لا تقدح في إفريقيته وقد قال في مطلع قصيدته (صنعاء) وهو يسعى إليها من الخرطوم :-
قَدِمْتُ من وطني أسعى إلى وطني ** كالطيرِ من فننٍ قد حلَّ في فننِ
إن يــَكُ دمُ ترهــاقا سرى بدمي ** فاني إبن سيفَ إبن ذي يَزَنِ
وقال عندما قدم الى الخليج وعمل مستشاراً قانونياً للمجلس الاستشاري الوطني لإمارة أبو ظبي :-
وجـئتُ الى الخليجِ وكان زادي ** شعـوري أنه إحدى بلادي
وفــارقت الاحــبة عن يقينٍ ** بأنهــمو هنا رغم البُعادِ
فمــن أهلي سوى قومٍ أراهم** يعادونَ العــدوَّ كما أعادي ؟
ويعــتنقون دينـا وهو ديني ** وينطق كلهمُ ضاداً كضادي
ويجمعنـي بهـم نسبٌ عريقٌ ** يوحد بيننا من قبــلِ عادِ
نزلتُ بأرضِـهم فحللت سهلا **وكم لهمو علي من الأيـادي
ولست بِمُنـكِرٍ لهـمو جميلاً**كما قد أنكـرتْ هنـدٌ سوادي
ولستُ بمـادِحٍ ..كلا .. فإني **أعافُ البيعَ في سوقِ الكسادِ
أما مصر فلها شأن من الحب آخر في قلب ووجدان شاعرنا الطيب العباسي وهو حب لم يرثه من والده عاشق مصر المتيم الذي قال عنها :-
مِصرٌ وما مصر سوى الشمس التي بهرتْ**بثاقبِ نورها كل الورى
والـناسُ فيـك إثنانِ شخـصـاً رأى حُسْـنًا**فهامَ به وآخرُ لايرى
إنما كان حبا تسلل الى قلبه وتمكن ـ فليس من رأى كمن سمع ـ وقد ساقه هذا الحب في وقت مبكر الى مناصرة شقيقه المصري الذي كان يقاوم المستعمر الإنجليزي على ضفاف قناه السويس على خلفية صراع عنيف شب عندما الغت مصر معاهدة 1936م وتوابعها فأنشأ قصيدته المزمجرة (أخي في شمال الوادي) يقول في بعضها :-
أخي يا ابن مصــرَ فتاةِِ الكــفاحِ**وأمِ الحضــارةِ بيـن الأمـمْ
إذا مـا طوتــكَ غـيــومُ الزمانِ **طوتني دياجيــرٌُها والظُـلَمْ
وإن سقــطَ الـدمـعُ من مـقلتيكَ **بكيــت بقلبي دموعـاً ودمْ
وتـأسى روافـِدُ بـحــرِ الغــزال** إذامـا بِدميــاطَ خطبٌ ألمْ
وإمــا زأرتَ بـشــطِ الـقــنالِ **وثَبتُ إليكَ خفيف ألقــدمْ
نذود مـعاً عن حيــاضِ الجــدود **ورهْطِ الأبوة منذ القِــدمْ
أخــي إن تجنبتَ قصفُ الرعــودِ ** وحاذرت بركانها والحممْ
فـمـا أنت ـ والله ـ مــن يعْرُبٍ **ولست حفيد بُناةِ الهــرمْ
كما يضج ديوان الشاعر بالإخوانيات والمرثيات التي تدل على وفائه وإخلاصه وقد خلا رغم غزلياته المثيرة من الأدب الفاضح أو الجنوح نحوها أو حتى نحو الأيروتيكية، وسلاسة شعر هذا الشاعر حصنته من الرمز الغامض والهلامية والخطاب الشعري الإستعلائي رغم أنه شاعِرٌ مطبوع وعالمٌ باللغة العربية اللتي سبر غورها وتمكن من مفاصلها و راوية مجيد لطرائف الأدب وملحه مما أهله دائماً أن يكون زهرة المجالس وريحانتها فالأدب والشعر عند الطيب العباسي ليس هواية وموهبة فحسب إنما إتخذ ذلك أسلوباً لحياته وأنغاماً دائمة تنتظم حياته في كافة مجالاتها وكم حزنت عندما بحثت في عروة بذلته فلم أجد وساماً علقته الدولة تكريماً لهذا الأديب الضخم وكثيراً ما كنت أرى مثل هذه الأوسمة تمنح لمن هم دونه قامة وأخفض سقفاً على أنه تكفيه دعوات البسطاء من أهله ومحبيه ومعجبيه وأصدقائه وهو يعاني السقم وجسده العليل مسجى خلف باب الغرفة رقم 504 بمستشفى ساهرون ، اللهم إشفه شفاء لايغادر سقما إنك أنت الشافي المعافي، وأخيراً أقول لوالدي الشاعر الطيب العباسي ما قاله هو لوالده الشاعر محمد سعيد العباسي بذات إحساسه :
أبي إن أخلَّ الناسُ أوفى وإن دعوا ** أجاب وإما أبهموا القولَ أعْرَبَا
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ؤولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَـا
أسعد الطيب العباسي
[email protected]