الاحتفاءبسيدة الغناءفيروز ثمانون عاما من غناء الروعة والعشق علها تمكث بيننا مائةعام وعام !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 04:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-22-2015, 10:17 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الاحتفاءبسيدة الغناءفيروز ثمانون عاما من غناء الروعة والعشق علها تمكث بيننا مائةعام وعام !

    09:17 PM Nov, 22 2015

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ -ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½
    مكتبتى
    رابط مختصر

    إن أردنا أن نختصر إنجازات فيروز، بإنجاز واحد، فهو أنّها عصيّة على الـ"كليشيه". اليوم، في عيدها الثمانين، تبقى راهنة، ووثيقة الصلة باهتمامات الناس. تبقى ثابتة، رغم انزياحات السياق. لماذا نحتفي بعيد فيروز، وهي حاضرة، ومقيمة، ولم تنسَ لكي تستعاد؟ نحتفي بها لنقول كم أنّنا محظوظون لنسبتنا إلى عصرها. لنقول إنّها مواساة لكلّ القلوب المكسورة في زمن الانهيارات، وإنّها رغم الحزن المقيم، تصنع ساعات فرحنا القليلة. نحتفي بها لنشكرها على كونها قريبة جدّاً، وإن كانت بعيدة، مثل نجمة كفرغار. نحتفي بها لنقول إنّنا نحبّها حبّاً "ما بيخلص"، وإن وقعت النجوم من السماء. نحتفي بها لأنّها دليل المحبّة، في عين الحقد.


    فيروز التي تسكن الوجدان: بكِ تكتمل إنسانيتنا..


    ١ ـ


    على امتداد نصف قرن أو يزيد سرى صوت فيروز في وجداننا مسرى الدم في عروقنا، وأعاد صياغة مشاعرنا وطريقة تعبيرنا عن حب الحياة والإيمان بأننا نستحق نعمتها والتمتع بفيض عطاءاتها التي لا تنضب.


    لقد أفرحتنا حدّ السكر بصوتها الساحر، يأخذك إلى البكاء، أو يفرش الورد في طريقك إلى الحلم، ويغريك بحب الحياة وأبناء الحياة.


    هي صباحنا - البشرى، وهي خزان أحلامنا في المساء، هي منبع الشوق، حاضنة العشق، زغرودة الفرح، وهي هي الداعية إلى مقاومة الظلم والخطأ التاريخي لا تندب فلسطين وكأنها بعض الماضي، بل تغنّيها بنغم التحريض على مقاومة الاحتلال، ورفض العنصرية حمايةً لكرامة الإنسان، وشرف الأرض والدفاع عن الإيمان الذي يصوغ الوجدان.


    لقد اقتحمتنا كنسمة ربيعيّة، وسكنت وجداننا كضمير يحاسبنا على الصح والخطأ، تسمعها فإذا أنت تحاسب نفسك: هل أعطيت أرضك كما أعطتك وتعطيك؟! هل حميت اهلك، مدنك، مقدساتك، إنسانيتك بقدر ما تستحق؟!


    تصغي اليها فيستفيق المهجور من عواطفك، وينتعش إيمانك بالحب، وتفترش سماءك وجوه من أحببت: أرضك، أهلك، تاريخك، ومن غرس الورد لحبك فاستولد ربيعاً جديداً من قلب ثلج الهجر وقسوة البعاد.


    تغنّي آهاتك، فرحاً وحزناً، وجداً وحماسة، إيماناً بالأرض، بالناس، بذاتك، تحيلك إلى قلب ينبض بعشق تاريخك، تؤكِّد فيك ثقتك بنفسك وجدارتك بأن تُحب وتحب.


    هنا شذرات من ذكرى لقاءات ما تزال تسكن الوجدان، نستعيدها لنقول لهذه التي ضمخت صباحاتنا بالعطر إننا أحببناها أمس ونحبها اليوم وسنحبها غداً... وإنها كانت دائماً في منزلة بين المنزلتين: القلب والضمير... ولطالما أوجعتهما لتكتمل إنسانيتنا.


    ـ 2 ـ


    أسعدني حظي بأن سهرت في ضيافة السيدة فيروز أكثر من ليلة في مناسبات متباعدة ضمن مجموعة مختارة بدقة من الأصدقاء... بل الحقيقة أننا سهرنا مرات مع الصوت الذي يتدرّج رقراقاً بين الشجن والفرح، وقدّر لنا أن نعرف بعض وجوه هذه المبدعة متعدّدة الموهبة وأخطر مواهبها الظرف، قبل الصوت الشجي وبعده.


    هي ليست ملكة.. فليس بالضرورة أن تكون الملكة غنية بالمواهب، متعدّدة الكفاءات، بهية الحضور على خفر، ناقدة لاذعة، لماحة، ثم ذلك النهر المتدفق ظرفاً وتورية، دعابة وسخرية، نقداً وصراحة قد تتبدّى قاسية لكنّك إن دقّقت فيها اكتشفت كم تتضمن من التورية والدهاء المغلف بالمداعبة.


    كان الصوت الساحر يسري بنا بينما نستمع إلى صوت الناقدة اللماحة وهي «تذبح» برقتها كباراً في أذهان سامعيها، مستدرجة الكل إلى الضحك منه. إنّها أحد مبدعي فن الكاريكاتور. وأظنّ أنّ ضحاياها كانوا سيتفجرون في قهقهة عريضة لو أنّهم يسمعونها وهي تشرح كفاءاتهم ومواهبهم وتكاد تقلّدهم في طريقتهم في الكلام أو في التصرف.


    فيروز المتحدّثة مبدعة في التوصيف والتشريح. تلتقط من كلّ من عرفتهم العلامات الفارقة: اللهجة، طريقة التعبير، التدفّق في الكلام أو الاستغناء عن الكلمات بالإشارات بيديها أو بعينيها أو برأسها أو بذلك جميعاً.


    على أن ذلك كلّه لا يخفي فيروز الأخرى الكامنة في فيروز الشخصية العامة، التي عليها أن تبدو غالباً في الصورة النمطية التي عرفها الجمهور. وهي فيروز التي تعيش حزناً عميقاً يطل أحياناً في بعض أغانيها الأقرب إلى ذاتها.


    ـ 3 ـ


    أحياناً تشعر انك أمام شخصيتين لفيروز: الأولى هي النجمة في فضائها العالي التي تسعى إليها بإحساسك وتذوقك للكلمة واللحن وذلك المزج العبقري بين المبنى والمعنى، أما فيروز الأخرى فتعيش همومها بل أحزانها خارج النجوميّة، بل وخارج الغناء بتفرعاته وتلاوينه اللحنية جميعاً.


    فإذا ما انطلقت فيروز على سجيّتها اكتشفت فيها تلك الشخصية الأخرى، المغايرة تماماً لما عرفته منها وعنها. إنّها تلتقط المختلف في الملامح، في اللهجة، في التصرف، في العادات. إنها جرّاح خطير يلتقط مبضعه ما لا تراه ولا يراه الشخص المعني من خروج عن القاعدة في طريقة الكلام أو في الضحك أو في تناول الطعام، أو في إلقاء تحية الوصول فضلاً عن كيفية الخروج.


    ليست موهبتها في صوتها متعدّد القدرات، فحسب، ولا في ذكائها الملفت، ولا في قدرتها على إعادة صياغة اللحن بصوتها المبدع فتحملك على جناح النشوة إلى أعلى عليين، إنما في تلك القدرة الخارقة على إعادة صياغة مشاعرك، فإذا أنت تكاد تزغرد فرحاً في لحظة، وفي لحظة أخرى تشعر بعينيك تسحان دموعاً صامتة لا تنتبه إليها إلا عند خدك أو عنقك.


    الطرب ذروة من ذرى الغناء، يتجاوز فيه الحزن والفرح ويمتزجان فإذا أنت تبكي غبطة أو تنشج بكاء، وقد سحبك الصوت الشجي إلى عالم ساحر يهدهد إنسانيتك فيطلق سراحها من ضوابط «الأصول» اجتماعاً، وإذا أنت تحلّق في سماء من النشوة تخاف أن تهبط منها، إذا ما صمت الصوت الملائكي الذي رفعك إليها.


    فأما فيروز، خارج «أدوارها» الذي أبدع في تفصيلها الفنان متعدِّد الموهبة عاصي الرحباني، والتي «خرّب» فيها وأعاد صياغة بعضها زياد الرحباني، فذات حضور متميّز: إنها ناقدة متمكنة ببديهة سريعة، تلتقط النافر من الصفات في وجوه من تلقى، وتلقي بصوت ضحيتها «لوازمه» التي التقطتها من خلال روح الكاريكاتور التي تتمتع لها.


    ـ 4 ـ


    لن أدخل في توصيف الصوت الغني بطبقاته والذي أحسه عاصي الرحباني وفهم أهواءه وتعاريجه وطوع ألحانه لكي تكون إطاراً من النغم يبلور دلالات الكلمات ويوصلها كاملة النشوة إلى المتلقي.


    ولفيروز تقاليدها التي لا تخرج عنها في استضافة من تحب أن تلتقيه من الناس، وهم على أي حال قلة... فقد ذهبت أيام فوار انطلياس التي كانت موائده تجمع نفراً من الشعراء والفنانين، تمثيلاً ورقصاً، إخراجاً ورسماً ونحتاً.


    ذهب الأغلى من الناس، ذهب الأزهى من الأيام. ضاعت عواصم الطرب والتذوّق والنقد. دمشق وبغداد والقاهرة وصارت القدس خارج الأحلام... ضرب الزلزال الجميع فساد الحزن الأبكم الذي يعجز الصوت مهما رقّ، ومهما هدهده الشجن، عن التعبير عنه. رحل الأحبة بعنوان عاصي، المعلم، المدرّب، مكتشف قدرات الصوت فائق الحساسية والقدرة على التعبير فرحاً وحزناً، طرباً حتى الرقص، نشوة حتى الدبكة، وحزناً مراً لا تكفي الدموع وآهات اللوعة في التعبير عنه.


    ليست فيروز أرزة. إنها إنسان رقيق حتى ليكاد يذوب في صوتها، ولقد ذبنا في صوت فيروز الذي أفرحنا كثيراً وأبكانا أكثر، لأن أيام الشقاء لا سيما في سنوات الفقد كانت ثقيلة الوطأة تنهك الجبال فكيف بهذه الإنسانة رقيقة الشعور، الشفافة في عواطفها حباً ونقداً، عتاباً ومسامحة، قسوة في مواجهة الخيانة... وكلّ ذلك لا يخفي الأحزان المعتقة التي ولدت معها وعاشت فيها ومعها فاستولدت منها هذه المبدعة ذات الحساسيّة الفائقة في اكتشاف أغوار النفس والتعبير عن الإنسان في حالاته جميعاً، الفرح والحزن، الحماسة والصرامة وحب الحياة حتى الرمق الأخير.


    لكِ، سيدة عصرنا، ما يحمل لكِ الناس في قلوبهم من حب يرفعك إلى مرتبة سامية لم تعرفها إلّا القلّة ممّن صنعوا لنا فرحاً وحباً للحياة يمكننا أن نكمل الرحلة، وأن نحاول حماية ما تبقّى، تاركين لأبنائنا أن يستعيدوا ما ضيعناه من أرضنا وإنسانيتنا وحب الفرح صائغ الحياة ـ الحلم.



    صوتها وحده خالق الوهم المنتصر على السياسة والجمهور


    دراما ملحمية أم أوبريت. أم لحظة وجودية مكثفة لم يحسن التأليف صياغتها لأن التأليف استبدل بالتوليف. وان لم يقلل هذا من قيمة اللقاء بفيروز.


    بقي الرحابنة مددا طويلة يبحثون عن منصة تجمع بين الواقع والسحر. اقاموا مثلها، حين حولوا الاوهام الى سحر مزغول بالايديولوجيا. وهي طوباوية، لا تنحاز الى أية جماعة لبنانية. حيازتها أبقتها نقطة لقاء بين جميع اللبنانيين، حتى في اقسى لحظات احترابهم. البعض هاله ذلك، معتبرا ان مثل هذا اللقاء حول كلام غير موثق عن المحبة، سوف تدور عجلاته على إعادة التأسيس لحرب أهلية أخرى. باعتبار أن المطلوب اعادة قراءة مرحلة الحرب بعيون نقدية، لأن قراءتها وحدها كفيلة بعدم تجددها وليس البرطمة السريعة حولها، تلك التي لا تفضي إلا الى استعادة الاشياء بهياكلها المحترقة.


    الأغنية أولاً


    بعلبك احتضنت فيروز بعد اكثر من عشرين عاما من الانقطاع. لقد أعاد حضور السيدة المذخرة بالصوت أسئلة قديمة متجددة حول معنى المسرح الرحباني أولا، وحول حضور هذا المسرح ثانيا. مسرح حقيقي او غير حقيقي يقوم على نثار ذكريات ماضية مشغولة بدأب اقامة اللغة في طروحات سلطة لم تفعل سوى مركزة حضورها في نقاط ضيقة وعلى حساب كل الافرقاء. الحشد في بعلبك ليس لبنان، ثم انه ليس عينة تمثيلية للشعب اللبناني، اختيرت من ضروب وجذور واصناف مختلفة، لكي يمارس عليها الصوت اختبارات استعادة الحياة بالمادة القديمة.


    الصوت مادة قديمة تتجدد، الطلة ايقونية لا شك بذلك. غير أن الاهمية الاستثنائية للصوت تسمح مرة أخرى بطرح أولوية الحضور فوق المنصة الرحبانية. فيروز أولا أم المسرح. الاغنية أولا ام قصص وحكايات والحان عاصي الرحباني.


    الاجابة السريعة عن مثل هذه الأسئلة تفتت عناصر الحلم الرحباني الى مطرح عريض تلعب فوقه كافة ادوات العرض المسرحية وأي اغنية. الأخيرة احتلت صدارة الترتيب دائما. لقد قام كلام مضاد حاول ان يخفف من قيمة الاغنية فوق المسرح، من دون التقليل من معياريتها الفنية. إلا ان ذلك لم ينجح بتاتا، حتى غادرت الفرق الراقصة (كركلا مثلا).. المسرح الرحباني واكتفي من جراء ذلك ببعض الراقصين والراقصات. وبقي الممثلون يحتجون من دون جدوى على حدود ادوارهم الهامشية. الموسيقى والاغنية هما الاساسيان بهذا المعنى. بقيا دائما هكذا. اما الكلام على أوبريت لا تشبه الأوبريت العربية، فقد بقي كلاما يحتاج الى ادلة حقيقية. ثم ان المقارنة لم تمثل لصالح التجربة الرحبانية لدى مقارنتها ب»العشرة الطيبة« او »قنصل الوز« لسيد درويش. هذا على الصعيد التشكيلي. اما على الصعيد الغنائي، فبين المرحلة الرحبانية والمرحلة الذهبية في الموسيقى العربية، التي استلهمها الرحابنة بذكاء كما استلهموا الى جانبها اطرافا من الموسيقى الاجنبية، ولطالما حدث تطور في الموسيقى العالمية، حدث تطور في الموسيقى الرحبانية التي بنت حضورها على جدول أولويات في مقدمه العمل على المازورة الطويلة في الاغنية العربية بحيث جرى تقصيرها وارسال الاغنية في نوع من النثر الموسيقي الذي لا يخشى الخروج على الايقاعية الكلاسيكية وان بقي في إطار الضبط المشدود الى داخلياته الموقعة، بشراكة مع شعر مسدول غالبا ما ترك فراغات حقيقية لاقتراحات الموسيقى وارتجالاتها. شكل الرحابنة إنجازا، على صعيد بناء مسرح لا شكل مرجعيا له في المسرح العربي والعالمي.


    لست بصدد العودة الى تأثر المسرح العربي (المصري تحديدا) بكلاسيكيات فرنسية (الكوميدي فرانسيز) وبعض الأوبراتيتات (كارزو) وببعض المسرحيات الايطالية، وبناء الأوبريت العربية على فسيفساء استخدمت الابنية هذه والقليل من الفودفيل مع عزيز عيد. ولست بصدد الكلام على مناخ حاضن حامل، من الحركة الوطنية المصرية، لكافة النتاجات المسرحية والغنائية (طلب سعد زغلول مثلا الكتابة بالعامية وليس بالفصحى...). جل ما احاوله هنا، التأكيد على دور الاغنية كرأس حربة في مسرح الرحابنة الذي يرصفه منصور في خانة الأوبريت الانغلوساكسونية. الوحدة الواقعية الوحيدة في مسرح الرحابنة هي الاغنية، بوصفها مدماكا رافعا في منصة حولت الخيال الى واقع والواقع الى خيال، حتى قيل ان الوطن اللبناني موجود في مسرحيات الرحابنة أكثر.


    اغنية فيروز وجدت وضوحها فوق، في مساحة المهرجانات. بدت وحيدة وقادرة على رفع بيرق الوحدة والقوة، حين كان الياس الرحباني يقود اوركسترا صغيرة بطريقة وهمية وفي انشغال منصور الرحباني ب»آخر ايام سقراط« وبحضور مخرج اجنبي هو دانييالي ابادو، الذي محض الاغنية حضورها عبر المطربة بفروق فهم اللغة، ما شكل انزياحا عن مفهوم بناء يحضن المقاطع التذكارية بجديد، وبفهم حدود اللعبة في مثل هذه الالعاب غير البلاغية. لفيروز الطلة الاولى، الصوت الاول، الحضور الاول، الغلبة على كل من عداها من دون صوت او مجهود طالما ان الاغنيات هي اغنيات مسجلة لم تؤد واحدة منها بطريقة حية، حتى الاغنيات الجديدة. مجد الاغنية أعطي لها.


    خالق الوهم


    بدا حضور فيروز واغنيتها دفاعا عن ذاكرة عريضة قديمة وتلمسا لموقع جديد في حدود جديدة. فالصوت في الهواء الطلق، ليس هو نفسه في الاستديوهات، حيث تلعب التقنية المتطورة دورا هائلا في اعادة تربيته في فضائه الجديد وفي تسوية حضورها ونفخ قواه الذاتية الى ما هو ابعد من هذه القوى نفسها. آبادو الاضعف، مئة في المئة، وسط نظام العرض والاستعراض الجديدين. صوته بقي قاصرا ومغلقا على الطلب من الصوت ان يذهب أبعد وان يحيي حضوره بحياته الخاصة الجديدة وليس بذاكرته وتسجيلاته. ترك المخرج سحر الصوت المخبوء في القلب الثمين يثمن نفسه بنفسه، تركه سيدا حرا مستقلا، في وضعيات متدرجة بتجل حاجته وتبجله في آن. ذلك ان فيروز في طلتها الاولى في ثوبها الأبيض، استبقت عيد انتقال السيدة العذراء، بالتمهيد للعيد. طلة عذراء عند نهايات القرن العشرين. هكذا بدا الافلات من حضورها لصالح المجموعات او النجوم الآخرين مهمة مستحيلة. فحيثما تحل، يحل الضوء الدائري عليها (سبوت). عملية تبقيع ضوئية مستمرة لحقت فيروز فوق احجار القلعة المتدرجة كصوتها. ليس هذا فقط، بل ان وقوفها في الامكنة التي استقرت فوقها لأوقات، بدا محسوبا على مزاج السيدة وموقعها في الحياة وليس في المسرحية. انها اكبر من مسرحية واكبر من اغنية لم تبذل لأجلها طاقات هي بأمس الحاجة إليها. مع ذلك احتفظت الاغنية بتأثيراتها القديمة على الناس وانطوى على المسرح نفسه في مثل هذه الموضوعة. فالمسرح ثانوي في »الليالي اللبنانية«، حجة، لذلك كان المسرح الرحباني لصوت فيروز في ما مضى ولأغنيتها اليوم. المسرح مساحة انتقال وتناقل في مناخات المقاطع المختارة من مسرحيات »جسر القمر« و»جبال الصوان« و»ناطورة المفاتيح«. ثلاثة مقاطع عليها ان تضع الاجيال الجديدة في انجازات الرحابنة في المسرح. حدث ذلك اكثر مع الكبار الذين اهترأت ايديهم وهم يصفقون للكلام المرصع بالموسيقى القديمة. كل كلمة لها معناها لدى الحشود، وخصوصا السلام. هؤلاء الذين لم يتنبهوا كثيرا الى تلميحات وايحاءات رحبانية موجودة في الاختيارات الغنائية وفي الحوارات: موقف من السلطة وموقف من معارضة الخارج (الاصل في الداخل، تقول فيروز). وحين تنحرف فيروز بصوتها الى معارضة السلطة والمعارضة، فإن هذا لا يحسب عرضا. بفضل قدرتها على تحويل معارضتها الجديدة الى حدث جديد، ساحر ولكنه وهمي كما هو وهمي الذي بناه الرحابنة وزينوه بالاقوال والمآثر والرقصات الشعبية.


    وقع ابادو في المباشرة والترجمة، مع حضور هذه الاشارات الكبرى. فالضوء الانعكاسي على الشاشات البيضاء لم يهدأ وهو يرسم نقاط ماء كلما غنت فيروز لوفاق او هدنة بين متنازعين كما في »جسر القمر«. ولم يهدأ وهو يرسم نارا متأججة وهي تشير الى اقتراب موعد استحقاق او حرب. بعض الذين حضروا الحفل البعلبكي الاخير ظنوا ان السيدة تنذر بحرب مقبلة من النزعة الايمائية غير الراكدة بصوتها. واحسب بأن البعض ذهب الى توضيب حقائب السفر من جديد، من قوة الصوت في الاغنيات القديمة واختلافه قليلا في الجديدة وعن كبر حجم صوت الآلات الموسيقية عن حجم اصواتها الحقيقية ولا عن الدور الايمائي اللاهث الذي لعبته الاوركسترا الرخامية.


    كل عناصر المسرح لصالح السيدة فيروز. وهذا حق من حقوقها. الا انه يؤكد ما نفاه نفر دائما من ان المسرح الرحباني اقيم على حجة الصوت وقدرة الصوت على آذان العاشقين والعاشقات وعلى آذان المعارضين.


    انتظر المنطق الرحباني


    هنا بالذات انتصر المنطق الرحباني مرة جديدة علينا، نحن الذين اعتبرناه جزءا من اسباب اندلاع الحرب في إخفاء المعاضل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لصالح الفرجة والهرجة والطرب. قوضت الاغنية القديمة احلاما جديدة لمرة اخرى. اغنية فيروز هي الأقوى. وهي لا تزال الأقوى. وما طرحه الرحابنة في ازمنة بعيدة، لا يزال صالحا حتى اليوم لليوم. ما عنى ان لا شيء تغير، وان الامور سائرة تحت سطوة الطبيعة اللبنانية، من دون اي تبدل او تغير. وان سنوات الحرب لم تكن الا استراحة بلدية، لم تلبث البلاد ان تخطتها عبر صوت فيروز الى تسجيلات الصوت. سقط منطق يساري متقدم وآخر يميني اصلاحي في حفل بعلبك. الهزيمة هزيمتان هنا. هزيمة للشهداء والشهادة. وهزيمة للمقياس الفني الذي أتاح للاغنيات القديمة ان تنتصر على ازمنة الكبر والادلجة والسياسة اليومية. كل ذلك حدث ذات يوم، بالصدفة المحضة. هذا هو عنوان عودة اغنية فيروز الى بعلبك. لذلك لم يعد مهما ان نتحدث عن ركاكة الأعمدة النحاسية المرفوعة فوق الادراج ولا عن السينوغرافيا والرقص او القيمة الفعلية لنقاوة الصوت في التسجيلات... القديمة. ولم يعد مهما ان نرصد تأثرنا في الفيلم الصغير (التحية) لعاصي ومنصور ونصري شمس الدين وفيلمون وهبي. وان نعلن اختلاف طلة انطوان كرباج عن طلاته الاخيرة الضعيفة مذكرا بواحد من أفضل أدواره في »الملك يموت«. ولا عن حميمية ايلي شويري ولا عن كافة الادوات المسرحية الاخرى.


    سقطت السياسة كلها في بعلبك، بصوت اسطوري. وأكاد اتخيل كيف لو ان الامر جرى مع صوت اسطوري في أداء حي. واذ سقطت السياسة فقد سبقها المسرح، الذي أخضع لحظاته لألوان عارية وألوان الراقصين الكثر والممثلين. عدد كبير لم يعن سوى انتظار فيروز وهي تخترقه دائما بوضعياتها المعروفة. لم يعن العدد سوى فيروز. ولم تعن الاوركسترا سوى انتظار صوت فيروز. ولم تعن التشكيلات السميترية سوى مرور فيروز في مسالكها بانتظار ان تنطق او تشدو. سقطت حجة المسرحية تماما، بعيدا عن اغنية فيروز البطلة وطلة فيروز الايقونية الاسطورة.


    لو جئنا بمخرج لبناني لكان غير ولم يقلب. فكلما شاهدناه جهز للعرض قبل العرض: من المسرحيات القديمة ومن ما تطرحه الاغنيات. انتصر الموقف الرحباني القديم في التوليفة الجديدة: دعاوى الطوباوية مستمرة (يقتتل فريقان فتدعو فيروز الى عودتهما الى المحبة والوئام فيفعلان). وانتصر الميتافيزيق. ولم يبق من وقائع الحقيقة سوى صوت منصور في »جبال الصوان«: »روحوا حليتكم مني«. مات مدلج عند بوابة الانتصار. انتظر عشرات السنوات لكي يعود بعودة زاد الخير. مسح ذلك ازماننا بالتبسيط وأسقط تفاصيل وحقائق ووقائع حول السلطة والدولة والبنى والدمج الاجتماعي. كل ما هنا يختزل ما هناك. السلطة هي كذا، والشعب هو كذا. شريحتان تغيب وسطيات ووسائط ولبنات وتجديدات ونكسات وحروبا وهزائم. طموح متحقق برغم الكثير من المآخذ التي يتوجب ذكرها من قبل اصحاب العرض انفسهم وخصوصا منصور الذي يريد بناء البلد »متل ما بدي« والذي أخفى مانيفسته هذا بعد لحظات بأغنية عشق وهيام.


    من حسنات العرض الكولاجي انه تعليمي. عرض يعبر ثقافيا عن مرحلة بأسرها هي مرحلة ما قبل الحرب الاهلية اللبنانية وتوجهها الى اصطراع القوى والطبقات تحت سطح لبنان الزاهي المزدهر في ذلك الحين وبيارقه الرأسمالية. حدث انقلاب غير معروف هناك (قد يكون مؤجلا لمرحلة اخرى؟). القطبية الرحبانية، لا تزال مؤثرة وقادرة ومهيمنة على ناس التعب والشقاء في جمهورية غاب عددها عنا. فلا هي الأولى ولا هي الرابعة. فماذا تكون؟


    الحدث المسرحي في بعلبك، على الرغم من المسافة النقدية منه، جسد هذا كله. لم يقلل هذا من قيمة العرض، لأن صوت فيروز هو العرض. الفلكلور: حتى القرى البعيدة تأنف منه. الصوت القديم والتقنية الجديدة، يبدو هذا حلا مرضيا لجميع مَن صفق في الليلة البعلبكية، قافزا فوق اعتبار مجنون: التواطؤ بين الصوت في آلة التسجيل والجمهور، هو تواطؤ على ايديولوجيا ميتة. لا جديد في الراهن. فالصوت الرحباني في أقصاه، عند لحظات الانتاج في يومياته الحارقة، استمر إصلاحيا. لن يغادر الاصلاح بعد. المطلب أقل تجاهه في هذه الآونة، ليكن التقليدي حيا لكي نصفق بالشرايين بدل الأكف.


    (دراما ملحمية أم أوبريت؟ بل لحظة وجودية مكثفة. عشرون سنة الى الوراء. بهذا يمكن اختصار الليالي اللبناني الجديدة. او محاولة اقتراب من منظور حكمي قديم.



    عن حلوةٍ تغزل بمغزالها


    لم يكن وصلك إلا حلماً في الكَرى، أو خِلسة المختلِسِ(*)»


    وجدتُ في مكانٍ ما على الانترنت صورة بالأسود والأبيض لإمرأة بوزرة مطبخ وغرّة مرخاة على الجبين. كانت تقف على غاز صغير بثلاث عيون، عليه علبة ثقاب وركاوي قهوة، تغلي ركوتها وتتذوقها بملعقة معدنية. يد تمسك بالملعقة ويد تمسك بيد الركوة. الصورة ملتقطة من زاوية عالية. نكاد لا نرى وجه المرأة. هويّتها في الصورة يداها. المرأة يعرفها الجميع باسم «فيروز». سمّيتُ صورتها «الحياة الخاصّة لليدين» أو «فيروز تصنع القهوة». أن تُصنَع القهوة فعل عادي جداً، لا يستدعي التوقّف عنده. لكن أن تصنع فيروز القهوة، في صورة ملتقطة من زاوية مرتفعة، غالباً بدون علمها، في مطبخ عادي جداً، أمر يشعرنا بأننا متلصصون، شهود على لحظة عادية خاصة. ونحن نحب التلصص على من نحبّ.


    كبّرت الصورة، قصصت الإطار الذي يضمّ اليدين. الجودة سيئة، لا بأس. أردت فقط أن أتذكر الحياة الخاصة لليدين، النسخة المنسية من الفتاة التي نحبّ.


    في فيديو تمارين حفلة بيت الدين كانت الصبية التي نحب تضحك كثيراً. تلبس إلى التمارين سترات واسعة، أكبر من حجمها، وأنا أحب أن أراها كذلك لأنها تبدو دافئة ومرتاحة وصغيرة. يعلّق أحدهم: «اعتقدت أنها لا تلبس سوى الفساتين. ثمّ ما حاجتها بالكنزة الواسعة؟» أقول ربما تخبئ داخلها أطيافاً صغيرة لناس غادروا ولم يغادروها. ثمّ أنها تحْضُر التمارين بقبعة بيسبول، ووشاح أبيض. زياد يقول شيئاً، تدير وجهها، تغمض عينيها، وتضحك. أيّ نوع من السحر هذا؟ ربما تقول في سرّها: «أوكي، سألبس قبّعة البيسبول وأضحك بغنج وجمال، ثمّ أغنّي كما أفعل دائماً، وأربك قلوبكم بمشاعر لم تكونوا على علم بأنّها ممكنة أصلاً.» وتفعل كلّ ذلك فيما تخبّئ أطياف الأشخاص الذين لم يغادروها داخل سترة دافئة واسعة، وتخبّئ عينيها بظلّ القبعة كي لا تفضحاها، وتمشي على مسرح رُكّب لأجل أن تطأه هي بالذات، في قصر بيت الدين، وتحت سماء مفتوحة عليها.


    كل هذا جيد. كل هذا جميل. لكن الأجمل منه هو حقيقة أنها لم تفكّر بكل ذلك. لم تفكّر بأي من ذلك، لم تُرَكِّب أي سيناريو حينما قامت بأي فعل أو حركة. كانت مجرد سيدة أمامها يوم عمل طويل في مهنة تسخّر لها صوتها وكلّها، وتحبّها.


    and and and


    مرّة واحدة رأيتكِ. في حفلة «بلاتيا» ليلة 23 كانون الأوّل 2011. كانت تلك الحفلة الإضافية، من خارج البرنامج المقرّر. اعتبرت الإعلان عن حفلة إضافية «إشارة» من السماء. اشتريت بطاقتين فوراً لي ولأمي في المنطقة (د) الأرخص في المسرح. ليلتها غنّيتِ للقمر وعن القمر. حملتِ الدفّ أيضاً كما في الحفلات السابقة، وكان للأمر الأثر نفسه في النفوس. رجلٌ في الصفوف الأمامية رفع يده وصرخ «الله أكبر!» لم أكن مرتاحة في مقعدي، أردت أن أقف أو أتقدّم إلى المسرح، لكنني بالطبع لم أفعل. النساء اللاتي أمامي أتين من دمشق، كنّ يضحكن بعيون رطبة عندما قلتِ: «إن ما سهرنا ببيروت، منسهر بالشام». كنا واقعين تحت السحر، وكنتِ تعلمين، وكنتِ تحضّرين مفاجأة النهاية. بعد أن اعتقدنا أننا ودّعناكِ نهاية الحفل، عدتِ مع موسيقى «تلج تلج»، وغنيتِ أغاني عيد الميلاد. لم يبقَ إنسان واحد على كرسيه. كان الناس يصفّقون ويطرقون أرض المسرح الخشبية بأقدامهم ويحدثون احتجاجاً رهيباً على اقتراب لحظة الوداع. كانت تلك ليلة العيد الأجمل.


    مرّة واحدة رأيتكِ، وعُدْتُ بعدها إلى البيت ممتلئة بشيء يشبه يقين السذّج بقدوم يوم يحلّ فيه السلام العالمي والحب السرمدي. كتبت في دفتري: «لا حزن/ لا ألم/ لا تعب/ لا بؤس/ لا جوع ولا عطش/ لا حرب / لا خوف / لا برد في الخارج / ولا وحدة / لا وحدة.»


    ليلتها بقيت ساهرة حتى أذان الفجر، هكذا يفعل الامتلاء بالصوت. فجر 24 كانون الأوّل 2011، تخيلت شيئاً. تمنّيت لو أستطيع التقاط صورة لكِ، لِحلوة «تغزل بمغزالها» فجراً، مرهقة بعد ليلة طويلة، تدندن لحناً حُلواً بكلام غير مفهوم.


    هذه الصورة سأسمّيها «فيروز عَم تِرقي الكوكب».


    أنها عظمة الغناء عندما يكون جزء من وجدان الامة متعك ربي بالعمر المديد ونساله أن تظلي بيننا مائة وعام يا سيدة الغناء العربي فيروز


    هذه البوست لعشاق فيروز من أهل السودان


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de