|
دروس امريكية عربية
|
08:10 AM Oct, 29 2015 سودانيز اون لاين عبدالدين سلامه-الامارات مكتبتى فى سودانيزاونلاين
سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية على وجه الخصوص اتّسمت في الفترة الأخيرة بالكثير من التناقض ، وبات الإعتماد على مصداقيتها أمرا عسيرا جراء التراجعات المتكررة في مواقفها ، فالولايات المتحدة التي كانت تصنع الأحداث والمخططات والخطط التي ينقاد إليها الآخرون ، باتت طائعة تنقاد لخطط الآخرين . روسيا في المقابل ، ورغم إيمان الجميع بعدم التناسب بين قوّتها وقوة الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا ، ورغم الشكوك الكبيرة من دول المنطقة في نواياها الخاصة بتدخلها الفجائي في مشاكل المنطقة ، إلا أنها أفلحت في جرّ الولايات المتحدة إلى الخطوط التي تريد ، وأثبتت عنادا في مواقفها بالرغم من اللهجة الدبلوماسية الداعية للتوافق والتنسيق . الولايات المتحدة التي كانت تقف بصلابة ضدّ المشروع النووي الإيراني ، وتستبعد أي تقارب مع نظام الملالي ، تهاوت فجأة من خلال الإتفاق النووي الأخير ، والذي استفادت منه إيران أكثر من أمريكا برغم تصوير الأخيرة غير ذلك ، فالإتفاق أطلق يد أيران في المنطقة ، وحاول فرضها كقوة مؤثرة برغم شيطنتها التراهقية التي فقدت بموجبها ثقة معظم دول المنطقة وعلاقاتها الطبيعية بها . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فروسيا بعنادها في مواقفها التي تسبح عكس تيار هوى دول وشعوب المنطقة ، دخلت سوريا لحماية الأسد ، وبالرغم من أن الولايات المتحدة كانت تتبنى موقفا صارما حيال التدخل العسكري الروسي في سوريا ، وعدم الرغبة في إجراء أي حوار تنسيقي معها في هذا الخصوص ، إلا أنها تراجعت تدريجيا لتعلن قبولها بالتنسيق الجوي حتى لايحدث تصادم عسكري بين الطائرات ، وبالرغم من تبنيها موقفا لايقبل سوى الإطاحة بالأسد ، إلا أنها تراجعت قليلا عن موقفها حينما قبلت التفاوض بشأن فترة إنتقالية يكون الأسد جزءا منها قبل رحيله بينما لازالت روسيا وإيران تصرّان على أن مصير الأسد لايقرره غير الشعب السوري في وقت تعمل الدولتان على إبادة قواه المعارضة حتى لايبقى في آخر الأمر سوى من يؤيّد بقاء الطاغية الأسد. رفض الولايات المتحدة الأمريكية الصريح لدخول إيران ضمن المتفاوضين لحل المعاناة السورية ، تكسّر أيضا عند صخرة العناد الروسية حينما قبلت بمشاركتها في اجتماعات جنيف القادمة ، بل وأخذت تعقد اجتماعات مكثفة مع دول المنطقة لقبولها بالمشاركة الإيرانية ولو على سبيل اختبار النوايا . التراجع والتنازلات المستمرة للسياسة الأمريكية أضحت مسألة مألوفة وطبيعية ، حتى دول المنطقة ، وخاصة دول الخليج التي كانت تربطها صداقات قوية ومحكمة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، اكتشفت إبّان موجات الجحيم العربي وما تلاها ، بأن السياسة الأمريكية تؤمن بلغة المصالح لا لغة العلاقات والصداقات ، ونشأت أزمة ثقة عميقة بين تلك الدول والولايات المتحدة ، وهي أزمة ثقة غير معلنة ، غير أنها تجلّت في مواقف وتصرفات وتصريحات متعددة أثبتتها في مختلف مراحل الصراع الأخير الذي اكتوت به المنطقة ، للدرجة التي حاولت فيه بعض الدول الصديقة لأمريكا أن تبحث عن صداقات أخرى تكون أكثر متانة ، فهرولت لروسيا بالرغم من سجلها الأسود في صداقاتها العربية ، فقد تخلّت عن عبدالناصر في المواجهة العربية لإسرائيل ، وتخلت عن صدام حسين في أصعب ظروفه ، وتركت القذافي يموت بتلك الطريقة المأسوية ، ولم تحرك ساكنا في حرب الوحدة اليمنية التي ضمّت الجنوب اليمني الذي كان يواليها بشدة إلى دولة اليمن الكاملة . فرنسا حاولت أن تسدّ الفراغ في أزمة الصداقة التي نشأت بين دول المنطقة وأمريكا ، غير أن فشلها الذريع في مختلف تدخلاتها إلى جانب دول المنطقة ، جعلها عاجزة عن تقديم نفسها كبديل أفضل ، فتدخلها في ليبيا نجح في الإطاحة بالقذافي ، ولكنه بالمقابل جرّ ليبيا إلى حافة فوضى أسوأ من تلك الفوضى التي خلّفها الجحيم العربي ، وهي بالمقابل لاتملك دعما للصداقة غير طائرات الرافال وبعض قطع الأسلحة التي لم تتمكن من منافسة السلاح الروسي والأميركي . ومع تداعيات العديد من المفاهيم العلائقية القديمة ، أدركت دول المنطقة بأن صداقة دول العالم الثاني والثالث يجب أن تتم بناءا على المصلحة ، وأن إغلاق الصداقة على قطب بعينه على حساب القطب الآخر لايمثل سوى مغامرة تكون نتائجها في الغالب كارثية ، ومن محاسن الظروف السيئة التي مرّت بها المنطقة العربية أنها كشفت للعرب أن الصداقة الحقيقية في السياسة الدولية تتمثل في صداقة بعضهم البعض ، وأن يتعاملوا مع الآخرين ككتلة واحدة تدرس جيدا مصالحها العليا وتبني علاقاتها المتعددة وفق تلك المصالح ، هذا مايجب أن يكون قد تعلمه العرب من أزماتهم الكارثية .
|
|
|
|
|
|