|
ورطة أردوغان
|
12:33 PM Oct, 21 2015 سودانيز اون لاين عبدالدين سلامه-الامارات مكتبتى فى سودانيزاونلاين
ورطة أردوغان
فجأة وجدت الحكومة التركية نفسها في مأزق كبير، تفجيران يهزّانها ويشقّان سكونها بقوة، ولاجئون سوريون يتدفقون عبر أراضيها إلى أوروبا، ومن ثم توجّه أوروبي عام بتحميلها مسألة إيواء اللاجئين الفارين إليها، ومعهم اللاجئون الذين تنوي الدول الأوروبية إعادتهم من حيث أتوا.
إنه حصاد ما زرعته تركيا بسياساتها الأردوغانية الماكرة، فتركيا غضّت الطرف كثيراً، بل وساعدت الإرهابيين المتطرفين القادمين من أوروبا في عبور أراضيها للالتحاق بداعش، وفي قمّة نشوتها واستقوائها بالإخوان المتأسلمين وبناء أردوغان لقصره الفخم حينما داعبته أحلام إعادة إنتاج الخلافة العثمانية الغابرة، ما كان يخطر بباله أن السهام التي حاول توجيهها نحو المنطقة العربية لإضعافها سترتد عليه، وأن التحذيرات التي كان يرددها المخلصون بوقف مرور المراهقين والمراهقات الأوروبيين عبر الأراضي التركية ستكون وبالاً عليه بعدما صمّ أذنيه عن كل نصح وركب موجة الغرور التي ساقته لمعاداة معظم دول المنطقة.
الإرهاب إذا عاد لتركيا، وأردوغان فقد أهم ما كان يملك، فالانتخابات الأخيرة التي كان يعوّل على نجاحه فيها لتغيير الدستور التركي نحو طريق الأخونة، تلقّى فيها صفعة حادة من الشعب التركي الذي تنبّه للهاوية السحيقة التي يقود البلاد نحوها، وهاهي الاستخبارات الغربية التي كانت تشجعه على تقوية النفوذ الداعشي، ترمي إليه بكل نتائج ما فعله الذين قام بتمريرهم عبر أراضيه، وتعيد نتاج فعائلهم المقيتة التي انتهت بتهجير السوريين من أراضيهم، إلى الأرض التركية.
ميركل في زيارتها الأخيرة لتركيا وعدت بالكثير، فقد وعدت بالإبقاء على بطاريات باتريوت، وبدعم مالي سخي، وألقت بطعم مناصرة أردوغان في قضيته الأزلية وأحلامه الواهمة بدخول الاتحاد الأوروبي، ومنح مواطنيه حرية التنقل في منطقة الشنغن، غير أن وعود ميركل لا يمكن التعويل عليها، لأنها ليست صاحبة القرار الوحيدة في هذا الشأن، ولأن قسم كبير من الدول الأوروبية يرفض تماماً أي دخول لتركيا في منظومته لأسباب كثيرة يأتي على رأسها ما اقترفه أردوغان من جرائم تقع ضمن منظومة أخلاق السياسة، فحزب العمال الكردستاني الذي ظلّ يناضل سنوات طويلة من أجل نيل بعض حقوقه المشروعة لم يجد من أردوغان غير الحرب التي ذهبت بخيرة أبنائه، وأوروبا التي سلّمت عبدالله أوجلان لتركيا، لم تتنازل يوماً عن رفضها ضم تركيا لمنظومتها، إضافة لقضية القبارصة الأتراك، والصراعات الحزبية الداخلية التي قادها أردوغان ضدّ معارضيه، ومغامراته الصبيانية التي لم ينسها له الأوروبيون حينما حاول صنع بطولات زائفة عبر تبنّي حركة السفن التي اقتحمت الموانئ الفلسطينية قبل أعوام.
التحالف التاريخي بين تركيا وألمانيا هو الوتر الذي حاول رجب طيب أردوغان العزف على أوتاره، ففي الحرب العالمية الأولى كانت ألمانيا تدير الجيوش العثمانية وتقدّم لها التسليح والتدريب، وساعدت مصطفى كمال في الوصول إلى السلطة، وظلت بعد ذلك تتخذ من تركيا سوقاً رئيسة لمختلف صناعاتها، لكن التاريخ أيضاً يقول بأن ألمانيا بالرغم من ذلك التاريخ الارتباطي الكبير، وبرغم احتوائها على عدد كبير من الألمان المنحدرين من أصول تركية، كانت من أكثر الدول الأوروبية ممانعة لدخول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وحتى من حاول تليين القادة الأوروبيين في رأيهم المتصلب من الرؤساء الألمان، لم يفلح في ذلك، وميركل لن تستطيع فعل ما عجز عنه أسلافها خصوصاً في ظل ارتباط تركيا الأردوغانية بالإرهابيين والمتشددين وجماعات الإخوان المتأسلمين.
وبناءً على الصفحات السوداء التي خطّتها فترة حكم أردوغان، وشعبيته الآخذة في التضاؤل والتي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة، فإن بقاء أردوغان في السلطة لعقد آخر يضمن معه تحقيق هذه الأمنية يبقى عملياً غير مضمون، وأوروبا بالتأكيد لن تكون متفرغة لمناقشة هذا الأمر في المدى المنظور لانشغالها بقضايا أهم يأتي على رأسها تباين الرؤى الذي كاد يعصف بالوحدة التي تعاني الكثير من نقاط الخلل، وقضية اللاجئين، وغيرها من المشكلات العميقة التي لا تترك مجالاً لنقاش موضوع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وحيال كل ذلك، تجد تركيا التي لم تلق حتى مجرد القبول بخلق منطقة عازلة في الأراضي السورية لإيواء اللاجئين، نفسها مرغمة على تحمّل تبعات فعائلها السابقة، ومرغمة على إيواء اللاجئين السوريين، وأيضاً لإيواء الداعشيين الذين بدأت الأرض تضيق عليهم في كل الجبهات، وسيحصد الشعب التركي دون شك ثمار ما زرعه أردوغان من إرهاب، وكما أدان يُدان.
|
|
|
|
|
|