أرجاسُ الأخوانوية وأثرُها على تشيؤ الفكر الإسلامى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 01:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-16-2015, 01:12 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أرجاسُ الأخوانوية وأثرُها على تشيؤ الفكر الإسلامى

    12:12 PM Mar, 16 2015
    سودانيز اون لاين
    حسين أحمد حسين-UK
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    أرجاسُ الأخوانوية وأثرُها على تشيؤ الفكر الإسلامى

    إضاءة:

    قال معاوية {رضى الله عنه}: مازلتُ أطمعُ في الخلافة، منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاوية، إن مَّلَكْتَ فأحْسِنْ". رواه إبن أبى شيبة.

    حول الأخوانوية:

    كتب بسام طيبى (وهو بروفسير أمريكى من أصل سورى) فى إحدى الدوريات مطلع الثمانيات الفائتة مقالاً يصوِّر فيه الصحوة الإسلامية (Islamic Resurgence) التى أحدثتها ثورة الإمام الخُمينى فى العالم الإسلامى بنهاية سبعينات القرن الفائت. كما أنَّ الرجل لا يُخفى إعجابه بجسارة الترابى وإستغلاله للمناخ الذى أحدثه الخمينى فى المحيط العربى الإسلامى، وقد كان ذلك أبان محاضرة ألقاها علينا ونحن طلاب دراسات عليا بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية عام 1987 - 1988م فى معية طيب الذكر المرحوم بروفسير محمد عمر بشير.

    وفى الفيلبين عام 1999م، أى بعد أحد عشر عاماً من محاضرة بسام طيبى؛ فإن أول شخص قابلتُه سألنى عن حسن الترابى، وقد علمتُ فيما بعد أنه من جزيرة مَنْدَناو ذات الأغلبية المسلمة فى جنوب الفيلبين. وحينما قرأتُ لصمويل هنتِنقتون (صراع الحصارات) وجدته يقتبس حسن الترابى فيما يقارب الأحد عشر موضعاً. وهكذا لا تكاد تقرأ أو تسمع أخباراً، حتى تطلُّ سيرة الرجل وأخوانويته برأسيهما.

    وبحق، تُعتبر الثلاثة عقود المبتدئة فى ثمانينات القرن المنصرم حتى ثورات الربيع العربى، هى عقود الأخوانوية بجدارة، صرف النظر عن ما أحدثته من أرجاس، وبلبلة فكرية.

    فحسن هذا البَخَتْ؛ السيد حسن الترابى، يشغل الدنيا (لا يهم سلباً أو إيجاباً الآن) أكثر من حسن المؤسِّس. وأخوانويتهما منذ عشرينات القرن الفائت، تُنازع الوهابية (والصوفية والصفوية) سد الفراغ الفكرى فى المحيط العربى الإسلامى، وكلاهما يفعل ذلك بمزاج إستعمارى. غير أنَّ الوهابية لم تتجاوز محيطها كثيراً فى التأثير الفكرى، حيث الدور الذى رُسم لها هو منع إحداث تغيير داخلى فى المنطقة لِأطول فترة ممكنة.

    أما الأخوانوية فقد بدأت تتجاوز الدور الذى رسمه لها المستعمر وهو محاربة الشيوعية فكرياً قبل نهاية الحرب الباردة. وبدأت فى الآونة الأخيرة، مع الفراغ الذى أحدثه إنهيار الشيوعية تتمدد رأسمالياً على حساب فكرها الذى إنحرف قبلاً عن أوصول الدين يوم أعمل فيها حسن البنا مِبضعه المرجوس.

    كما أنَّ الفكر الليبرالى بدأ يغضُّ الطرفَ عنها مكافئةً لها (لِمَ لا، وقد كفته مؤونة وكِفل قتال أهلها من الشيوعيين، وتعدَّتهم لقتال الديمقراطيين والمدنيين لحسابها الخاص)، وبدأ يغضُّ الطرف أكثر عن معافرتها الباطنة والظاهرة للوهابية التى أصبحت غير متناغمة مع ليبرالية ما بعد الحداثة. غير أن هذا الوضع بدأ يتغير قليلاً حينما إكتشفت الليبرالية أنَّ الأخوانوية هى الحاضن الأول للإرهاب. فهى الآن فكراً ومالاً فى مهب الريح، خاصة مع إزدياد إعتماد الفكر الليبرالى على العناصر الليبرالية وعناصر المجتمع المدنى التى إشتغل علي تنميتها ودعمها خاصة فى منطقة المغرب العربى ومصر خلال الربع قرن المنصرم (د. الصديق عبد الباقى حسين:2011).

    فالشاهد، أنَّ الفكر الإسلامى ظلَّ منذ قرنٍ ونصف متخلِّفاً بالإستعمار المباشر، ومتكلِّساً بالأجسام المضادة (الأخوانوية وصويحباتها) التى وضعها المستعمر بعد خروجه لتكبِّل تطوره وقدراته الخلاَّقة. ولا عجب أنَّنا لا نجد اليوم أىَّ مخطوطة فكرية واحدة تتناول جوامع الفكر الإسلامى فى ملمح مكتمل، دون الحاجة لِإلتقاطه من أسفار علم الكلام وعلم الحديث، وغيرها. ولكنَّك بالمقابل تجد بعض المخطوطات الغربية التى تعرض الفكر الأسلامى فى سيرة تاريخية مكتملة، غير أنَّها من وجهة نظر مستشرقة.

    من أرجاس الأخوانوية:

    1- الموقف المنافق لكل المذاهب الفكرية:

    إنَّ زُبدة المشهد العام (كما جاء بعاليه مع بعض الإضافات)، هو أخوانوية تُنازع الوهابية والشيعة بكل مذاهبها سد الفراغ الفكرى فى المحيط العربى والإسلامى بامتطاء صراع محتدم على السلطة، وتُنازع صوفية ما انفكَّتْ تنتجُ معرفةً بالدينِ باطنةً وزاهدةً فى السلطة فى معظم الأحيان. بعبارة أُخرى تقف الأخوانوية موقفاً منافقاً من كلِّ تيارات الفكر الإسلامى؛ فتجدها متموضعة بين الوهابية والشيعة وتعتاش مادياً وفكرياً من كليهما، وتجدها كذلك متموضعة بين الوهابية والصوفية وتتطفَّل على كليهما بذات الطريقة، وأحياناً تتراصُّ بالنفاق بين الشيعة والصوفية.

    فعلى الكل أن يتأمَّل مثلّثَ نِفاقِها، وتجليه فى سياسات الرئيس البشير (رحمه الله)، الذى يسوسُ دولته بالتزلف الرخيص للعرب السُّنِّيين فى العلن، وبزواج متعته من الصفويين وأشباههم فى السِّر؛ حتى صار لدينا ولدى العالم أجمع أتفه رئيس دولة عرفته الإنسانية منذ ولادة فكر الدولة، وهو فوق ذلك فاقد للحسِّ والشعور لدرجة أنَّه يحسبُ أنّهَ يُحسنَ صُنعا، حتى صار يصدقُ فيه قول المتنبى:

    مَنْ يَهُن يَسْهُلِ الهَوانُ عليهِ ... ما لجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ.

    2- من أخطر أرجاس الأخوانوية إحتكار الحديث بإسم اللهِ عزَّ وجلَّ، واحتكار تطبيق شرعه الحنيف:

    فإذا إفترضنا جدلاً عدم وجود أقليات غير مسلمة/لادينية، فإنَّ الأخوانوية لا تملك بمفردها النقاء العدلى للحديث بإسم الله، ولا لتطبيق شرعه السمح الحنيف. ولذلك يجئ سلوكها الدينى جلُّهُ إستهزاءاً بالله تعالى وتألِّياً عليه (تعالى الله علواً كبيراً عمَّا تفعل)، وتتخذ من الشريعة مَغْرَماً وفزّاعةً للتخويف؛ حتى صار شرعُ اللهِ عند النّاسِ بغيضاً والعياذ بالله، وهنا يكمن أُسُّ الرِّجس.

    لذلك؛ يمكن القول بكل إطمئنان، بأنَّ الأخوانوية بمفردها (وأى جماعة دينية أخرى بمفردها) لا تستطيع أن تتحدث بإسم اللهِ ولا تطبيق شرعه (وإنْ تمَّ تمكينها بالفهم الشائع للتمكين فى يوافيخ الساعين إليه الآن). وذلك لإنتفاء النقاء العدلى المذكور بعاليه، والذى يستوجب رأياً جماعياً، وحريةً جماعيةً، وديموقراطيةً جماعيةً، ورقابةً جماعيةً، وتديناً جماعياً، ومؤسساتٍ جماعيةً؛ وذلك لأنَّ التمكين له معانى أرفع وأسمى مما هو شائع الآن؛ وذلك لأنَّ الحديث بإسم الله ليس حكراً على جماعة دون الأخرى؛ وذلك لأنَّ تطبيق شرعه يحتاج إلى مؤسسات أخرى غير كيان المجموعة والمنظومة الدينية التابعة لها.

    3- الأخوانوية رجس إستعمارى أداته الأخوان:

    يتوجب علينا أن ندرك أنَّ الأخوانوية هى طريقة تدين منبتَّة عن أصول الفكر الإسلامى المعافى. وهى صنيعة إستخبارتية، كالصنيعة الإستخباراتية التى زرعتها المخابرات البريطانية فى منطقة الخليج على أيدى رجال مخابرات محترفين كأمثال لورنس العرب (توماس إدوارد لورانس) عام 1916م، للقضاء على الإمبراطورية العثمانية، وخلق نظام (سُمىَ آنذاك بثورة العرب، قارنه بثورات الربيع العربى الحالية لتدرك وجه الشبه ولتدرك أيضاً أنَّ ما يدور عندنا ليس بِمَلْكِنا) تابع لبريطانيا العظمى ويمنع نمو وتطور الفكر الإسلامى المعافى. وقد أُختير عرابو ذلك النظام من اليهود الأتراك، وفلول يهود الجزيرة العربية.

    أمّا فى وادى النيل، فلأنَّ مصرَ أكثر تحضراً من قبائل الجزيرة العربية، فقد أُختيرَ عرابوها من بنيها لمهمة غير محاربة الأتراك (محاربة الأتراك مهمة تولت بريطانيا العظمى أمرها بنفسها فى وادى النيل)؛ تلك المهمة هى محاربة الشيوعية ومسخ مؤسسات إنتاج المعرفة والفكر الإسلاميين (مؤسسة الأزهر مثالاً).

    وبالفعل ظلت الأخوانوية بطريقة تدينها التى اختارتها لها المخابرات البريطانية، عقبةً كؤوداً فى وجه المدِّ الشيوعى فى منطقة وادى النيل، حتى تحقق للرأسمالية مُرادها (التمدد على حساب التشكيلات القبل واللا – رأسمالية). وما انفكَّتْ تفعل فى مؤسسات الفكر الإسلامى المعافى، فِعل السوس والغرغرينا.

    إذاً، فالأخوانوية بهذا الفهم الشائه المغروض والمجافى لجوهر الدين، هى رجس من أرجاس الإستعمار، ومن أرجاس الذين رفضوا أن يمتنعوا من أن يكونوا أداة ضد الدين وضد بنى جلدتهم المخالفين لهم فى الرأى.

    ومن الممكن أن تكون قد تولدت عند البعض منهم رغبات دينية ذاتية حقيقية عبر الزمن، ولكن وتيرة السيطرة على النظام العالمى (The Global Governance)، سرعان ما تموضع تلك الرغبات وِفق قواعد الهيمنة على مستوى العالم. ولذلك كنا دائماً ما نقول أنَّ الأخوانوية (وصويحباتها) هى أداة وهدف لهولوكوست الربيع العربى الشاخصة الآن.

    على كلٍ، هذا الغلوُّ فى الدين ليس من الدين فى شئ (من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. أفأنت تُكره الناسَ حتى يكونوا مؤمنين. لكم دينكم ولىَ دين)، فهو رجس إستعمارى/أخوانوى ذو حدين هما: محاربة الشيوعية وتبغيض الدين الإسلامى إلى النَّاس. فأبى الأخوانويون فى مصر والسودان، وفى كل مكان إلاَّ أن يكونوا أداة تبغيض للدين فى نفوسنا، والله وحده المستعان.

    ولكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ متمٌّ نوره ولو كره الأخوانويون. ومن عجبٍ صاروا هم المبغوضين؛ وحاشى لله أن يكون دينُهُ بغيضاً، وهو المتعَهِد بحفظه.

    4- مفهوم "الإسلام دين ودولة" ليس مفهوماً إسلامياً بل إخوانوياً:

    يعتقد الكثيرون منا بأنَّ مفهوم "الإسلام دين ودولة" هو مفهوم إسلامى، ولكنه فى حقيقة الأمر هو مفهوم إخوانوى من الدرجة الأولى، بل هو أول أصل من الأصول العشرين التى توضح إسلام الإخوان (راجع حسن البنا: شرح الأصول العشرين الفقرة 1). وتلك لعمرى لوثة فكرية ورجس من أرجاس هذه الأخوانوية. وعما قريب سيتعافى الفكر الأسلامى من هذا الخبل، وسيكتشف المسلمون الأحقاق أنَّ صلاح دينهم ودنياهم يكمن فى نبذ هذا المفهوم الأخوانوى. وهو أمرٌ، حين يُدرك ويُعقل، سيقاتلون عليه بالسيوف. ولمزيد من إقتداح الرؤى، نرجو معاقرة هذا الكتاب من بين آلاف الكتب (د. عبد الله النعيم: طبعة 2009).

    غير أن التساؤل حول أن الإسلام دين أم دولة قديم متجدد، وقد طُرحَ من وجوه متعددة حين يكون الحديث عن الفتوحات الإسلامية (فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومسألة الخلافة، وأصول الحكم من بعد ذلك. وهو تساؤل مستمر الصلاحية إلى يوم الناس هذا (مهدى النجار: الحوار المتمدن).

    أما مفهوم حسن البنا حول الدين والدولة، فقد رفضته الفطرة السليمة، ورفضه المحك العملى للفكر الإسلامى. فرفضه فى العصر الحديث أناسٌ كُثر: كالعالم الأزهرى على عبد الرازق 1925م، ومن المفكرين طه حسين، ومحمد حسنين هيكل (المرجع أعلاه).

    والآن الفكر الإسلامى يتعافى وينتصر لنفسه، ويلفظُ الأخوانوية بكل مفاهيمها المرجوسة؛ بما فيها مفهوم الأسلام دين ودولة، وبشكلٍ واضحٍ الآن.

    ولذلك لن تخرج من المِلَّة إذا قبلت بمبدأ فصل الدين عن الدولة حين يتعذر الإحسان، سوف تخرج فقط من هذه الأخوانوية المرجوسة، وذلك أمرٌ محمود. وإذا ثَبُتَ أن الدين والدولة كانا مجتمعين على أيام النقاء العدلى والعصمة السياسية فى عهد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الأمر يستشكل كلما ابتعدنا عن الأنوار المحمدية والإسلام الراشدى (خير القرون قرنى، ثم الذى يليه، ثم الذى يليه، لا أدرى أقالها ثلاث)، وكلما تعقّدت الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية؛ والتى يتغير معها شكل الحكم بالضرورة. وهو ما أشار به سيد المرسلين صلوات ربى وسلامه عليه حين قال لمعاوية رضى الله عنه: "يا معاوية إذا ملكت فأحسن".، ولم يقل صلوات ربى وسلامه عليه: "إذا اسْتُخْلِفْتَ فأحسن".

    ومن السهل أن تنادى فى النَّاس بدولة الشريعة، ولكن ما فات على الأخوانويين أنَّ الدولة سلوك سياسى جماعى لا يتم استنباطها من الدين إستناداً على وجهة نظر واحدة (عن إبن عباس رضى الله عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: القرآنُ ذلولٌ ذو وجوه، فاحملوه على أحسنِ وجوهِهِ)، ولكن من السلوك الجماعى للمسلمين المتحققين بالدين كمنظومة جماعية.

    وإذا نظرنا نظرة تاريخية للسلوك السياسى الإسلامى (أى الدولة)، نجده يختلف بإختلاف وقائع التاريخ. فتجد أنَّ الدولة على أيام النقاء العدلى والعصمة السياسية كانت قرآناً يمشى على الأرض (يوافق فيها العملى/السلوكى النظرى). ورويداً رويداً، بدأت الهوَّة تتسع بين النظرية (التعاليم الدينية) وبين السلوك السياسى العملى (الدولة)، إلى أنْ بدأنا نرى الدولة فى جهة، والدين فى جهة ثانية.

    ومع إنتفاء النَّقاء العدلى والعصمة السياسية لغير الأنبياء، والفترات القصيرة نسبياً للإسلام الراشدى التى إتَّسمت بتحقيق شرط الإحسان، فإنَّ كل المحاولات المنفردة لفردٍ أو جماعةٍ أو طائفةٍ أو حزب؛ تلك التى حاولت التقريب بين الدين والدولة، تحول فيها الدين، فى نهاية التحليل، إلى أداة تمكين لذلك الحزب أو لتلك الطائفة أو الجماعة أو الفرد، واضمحلَّ تديُّن النَّاس وسلوكهم الرفيع. وبذلك تصبح الدولة الدينية المطلقة هى السبب الرئيس (وربما على عكس ما تقصد) فى إبتعاد النَّاس عن الدين، وتكريس ابتعاد الدين عن الدولة.

    والإحسان دينياً يعنى أن تعبد الله كأنَّك تراه، وإن لّم تكن تراه فإنَّه يراك. والإحسان سياسياً هو الرقابة - ليس رقابة الفرد أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب - ولكنه الرقابة الجماعية المؤسسية. والرقابة المؤسسية تستوجب الديمقراطية/الحرية، والديمقراطية تعنى التعدد. وبالتالى لن تنطوى علينا أى دعوة لتطبيق الشريعة من غير ديمقراطيةٍ - من غير إحسان، وذلك لأنَّ المعرفة المطلقة بالدين لفردٍ أو جماعة ضرب من الهُراء، وذلك لأنَّه لا عصمة لفردٍ أو جماعة (بعد الرسل) إلاَّ بلإحسان السياسى (الرقابة المؤسسية الديموقراطية).

    وإلى ذلك الحين، لا تُلام إلاَّ الأخوانوية (على أرجاسها) على المنداة بدمج الدين فى الدولة، وعلى تشويه الدين وتبغيضه فى نفوس المسلمين قبل غيرهم؛ لطالما أمعنت فى تُنفيذ الرغبة الثانية للمستعمر المذكورة أعلاه. وفى ظل الديكتاتوريات الدينية يكون الشخص المنادى بفصل الدين عن الدولة أحرص على نقاء الدين من التشويه، إذا ما قورن بالأخوانوى الذى يُمرِّقُ من الدين كلَّ مُمَرِّق؛ ويا لسخرية أقدارِنا فى دول العالم الثالث.

    5- هل ثمة ملامح لنظرية إقتصادية إسلامية الآن؟

    البعض يعتقد أنَّ ما كتبته الأخوانوية ومارسته فى مجال الإقتصاد، يشكل قاعدة لتأسيس نظرية إقتصادية إسلامية؛ بل يقولون أنها مدرسة إقتصادية قائمة بذاتها (تجد ذلك عند محمد باقر الصدر، القرضاوى، محمد عمارة وآخرين). وهى فى تقديرى المتواضع، فى أحسن أحوالها تشكل نظرية إقتصادية إسلاموية، لا إسلامية. وهى لا تشكل مدرسة بأى حال من الأحوال.

    وبالفعل فأنَّ النظرية الإقتصادية الإسلامية، حقيقةً لا مجازاً، لم تبدأ بعد؛ طالما أنَّ منظريها مستمرون فى إستنباطها من تجريدات التعاليم الدينية السامية والمهمة لنا كمسلمين. وذلك يعود بالأساس، لكون النظرية الإقتصادية نظرية سلوكية بحتة. وبالتالى يجب إستنباطها من سلوك المسلم اليفترض أنَّه متحقِّق بالإسلام ويشكل قدوة حسنة منهجاً وسلوكاً.

    وطالما أنَّ النظرية الإقتصادية الإسلامية لم يشأ أحد حتى الآن أن يستنبطها من السلوك الإنسانى (لِأى سبب من الأسباب)، فهى عندى لم تبدأ بعد. والتنظير المتوفر حولها مستنبط من المنهج (لا السلوك) بواسطة الأخوانوية، وبالتالى حرىٌّ بنا تناول تلك التنظيرات والمساهمات الإقتصادية ضمن منظومة الأُخوانوية؛ إذْ أنَّ النظرية الإقتصادية الإسلامية منها بُراء، لأنَّها غائبة حتى الآن.

    والسؤال المفصلى هنا هو؛ هل سلوك تلك المؤسسات الاقتصادية الأخوانوية يوافق المنهج بالقدر الذى تستحق معه نعتنا إيَّها بالصفة الإسلامية؟

    ما تعلمناه من التجربة يشى بأنَّ الأخوانوية هى مجرد منظومة إيديولوجية، تُخاتل بالإسلام لوصول جماعة محددة إلى السلطة، وبالتالى السيطرة على مفاصل الإقتصاد بصورة لا تمت إلى الإسلام بصلة. وقد تحولت تلك المجموعة بمرور الوقت إلى شريحة رأسمالية بحتة، سلوكها الإقتصادى والسياسى والإجتماعى والفكرى يُجافى جوهر الدين، ومتناقض مع أيديولوجيتها وشعاراتها الإسلامية التى تستظلُّ بها، وضحلةٌ ملتبسٌ تديُّنها؛ بالقدر الذى تعدها بعض الدوائر الفقهية فى عِداد الخوارج. فهى لا تتأسّى بالكتاب والسنة المحمدية، وسلف وخلف الأمة الصالح وإن تنطّعت بذلك، وينتهى تأسِّيها عند المبادئ العشرين والخمسين، وغيرها من سنن حسن البنا.

    والزُّبدة أنَّ الأخوانوية لا تستحق شرف أنْ ننعتها بالإسلامية، غير أنَّ لها إسلامها السرى (الماسونى)؛ إسلام حسن البنا، ولا تستحق شرف أن نصف إجتهاداتها الإقتصادية "بالمدرسة"، لأنّها ببساطة لم تضف ولم تنتج معرفة جديدة تُضاف للفكر الرأسمالى يجعلنا نصنِّفها كمدرسة (هل هى كمدرسة شيكاغو، كالمدرسة الإسكندنافية، هل هى تُضاهى النموذج الرأسمالى الآسيوى، أو النموذج الأنجلوساكسونى حسب تصنيف Cox).

    وبالتالى فالأخوانوية فى تقديرى المتواضع هى مجرد شريحة رأسمالية تُدين مادياً بطريق التطور الرأسمالى الكالفينى القح (دون أدنى صفة إسلامية)، وتدين دينياً بالأخوانوية التى تُكرِّس لإحتكار تلك الجماعة بالتمكين القائم على جوهر الفساد والإحتكار والتمييز الإقتصادى.

    ولابد هنا من الإشارة إلى تمسك الأخوانوية بالأيديولجيا الدينية أكثر من تمسكها بجوهر الدين. وذلك لأن الأخير مقيد لحركة رأس المال ومقيد للأرباح من بعض أوجه الكسب، ومقيد لمفاهيم الإحتكار والظلم العام والإختلاسات، وكذلك مقيدٌ لكلِّ أنواع الفساد والغلول.

    أما الأيديولوجيا/الشرعية الدينية؛ أكذوبة الأخوانوية العظيمة (المشروع الحضارى فى السودان، النهضة فى مصر، النهضة فى تونس، إلخ)، فتُتيح للأخوانويين ما لا يتيحه لهم جوهر الدين. ولذلك هم دائمو الطرق على الأيديولوجيا (المشروع الحضارى) ومتجاهلون للطرق على جوهر الدين، لأنَّه ببساطة يفضح سلوكهم وعدم تأسِّيهم به.

    ويتجلى هذا السلوك فى سكوتِهِم عن الشريعة وتجاهل تطبيقها ردحاً من الوقت، خاصةً حين تكون لهم حاجة عند الغرب، أو حين يفضح أمرَهم ورِقةَ دينِهِم تطبيقُهُم الشائه للشريعة، وبعضُ المنظومات المحلية والعالمية. ويهرعون إليها مَغَرَماً واستدراكاً واستدراراً للعواطف فى أزمنةِ الإنتخاب الصورية.

    ولهذه الخصيصة البراقماتية يعول النظام الرأسمالى العالمى البعد ـ حداثوى (Post-modernity capitalism) على الأخوانوية (مع قليل من الشكوك الآن لكونها الحاضن الرئيس للإرهاب) أكثر من تعوليه على الإسلام المحافظ (المنعوت بالإرهاب والمصنوع إستخباراتياً) فى مسألة التخلص من أشكال الإنتاج الرأسمالية عليلة الليبرالية فى المنطقة.

    6- التماهى فى دولة الخلافة رجسٌ آخر للأخوانوية:

    لقد أثبتنا فى مقالنا السابق (دولة الخلافة بالدَّاليْن؛ الدِّين والديالكتيك غير قابلة للحياة)، أنَّ مفهوم دولة الخلافة هو القاسم الأيديولوجى المشترك بين كل التيارات الدينية السائدة فى منطقتنا الآن، وقد أثبتنا أيضاً أنَّ ذلك المفهوم غير قابل للحياة لأنَّه مصادم للدين، ومصادم لحركة التاريخ. وبالتالى كلُّ الأيديولوجيات المتماهية فى هذا المفهوم المهزوم، هى مأزومة فِكراً ومهزومة تجربةً، طال الزمان أو قصُر.

    وتأسيساً على ذلك، فإنَّ حلم "دولة الأخوان المسلمين الكبرى"، الذى راهن عليه الأخوانويون، واستقطعوا من أجله جزءاً عزيزاً من الوطن، ومن ثمَّ إعلان إندغامهم فى الدولة المصرية وتوسيعها غرباً وشرقاً، قد باءَ بالفشل. وأول من أفشله هم المصريون؛ الرَّحِم الذى زرعتْ فيه المخابرات البريطانية طفلَ فتنتِها الأنبوبىَّ القادم.

    ولمَّا كان هذا الإندغام يمثل أعلى الإستراتيجيات المستقبلة لكلِّ مصرى يمشى قدمين، فإنَّنا نلاحظ التراخى الواضح لدولة الرئيس السيسى فى اتخاذ موقفٍ معادٍ للإنقاذ، رغم علمِهِ التام المُسبق بأنَّ السودان هو مصدرُ الأرهاب وأُسُّهُ لبلدِهِ وللدول المجاورة كلها. ويعلم أن سقوط نظام الخرطوم لا يُكلُّفُهُ سوى طائرتين عسكريتين، وبذلك ينتهى الإرهاب فى بلدهِهِ وفى الدول المجاورة كلِّها.

    غير أنَّ السيسى لا يريدُ ذلك، لأنَّه يُريد أن يُبقى هذه الرغبة فى الإندغام حيةً لأكبر فترة زمنية ممكنة؛ إذ ربما نفضَ البشيرُ يدَه من الأخوانوية بقليل من الترغيب والترهيب، وبالتالى يتحقق للسيسى مراده بعيداً عن الهوى الأخوانوى وبذلك ينال الحُسنيْين؛ لا سيما وأنَّ كلَّ زعماء المعارضة الحاليين (وكل السودانيين الغيورين على بلدهم بالطبع) هم ضد فكرة الإندغام هذه.

    المحصلة:

    نعم إنَّ الدِّينَ حمَّالُ أوجه وعلينا أنْ نحمله على أحسنِ وجوهِهِ، ومن أحسنِ وجوهِهِ التعدد الموافق لتلك الوجوه حتى يصل النَّاسُ بهذا المنوال إلى الرأى الجمعى الصائب. والرأى الصائب فى زماننا هذا لايتأتَّى من أهل العقد بالمعنى التقليدى، فالحياةُ تشعَّبتْ على هؤلاء تشعُّباً يجعلهم أقلَّ النَّاس درايةً بهذا العقد. فالأمر يحتاج إلى المؤسسات الجماعية (وأمرهم شورى بينهم - الشورى)، (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون - النمل).

    فبرغم هذه المعانى الإسلامية الفريدة، إلاَّ أن الأخوانوية إتخذت لها إسلاماً خاصاً بها (إسلام الأخوان المسلمين كما يقول حسن البنا)، وعمدتْ إلى إلغاء الأحزاب كما جاء فى: الفقرة (1) من المبادئ الخمسين لحسن البنا "القضاء على الحزبية، وتوجيه قوى الأمة السياسية فى وجهة واحدة وصفٍ واحد"؛ وكما جاء أيضاً فى رسالة المؤتمر الخامس (إسلام الأخوان المسلمين) الفقرة (3) "البعد عن الأحزاب والهيئات".

    هذا عين الرجس، ومن كان يرجو من الأخوانوية/الإنقاذ إنفتاحاً وديموقراطيةً وتعدديةً وأحزاباً وانتخاباً خارج هذه المسخ من الأحزاب المتوالية، والدراما الإنتخابية الجارى الإعداد لها الآن، والمقصود بها إسكات العالم الحر، فليشرب من البحر.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de