هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 10:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-22-2015, 05:58 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور

    04:58 PM Feb, 22 2015
    سودانيز أون لاين
    عبد الوهاب السناري - نيروبي
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    يظهر التفسير التقليدي لنصوص خلق الإنسان تعارضاً جلياً مع نظرية التطور. ويتجلى ذلك في أن ذلك التفسير يؤكد أن آدم عليه السلام هو أول من خُلق من البشر. وقد حدث خلق آدم إستناداً على هذه التفاسير نتيجة عجن المولى عز وجل التراب بالماء ليصبح طيناً، فخلق منه هيكل آدم الطيني ثم تركه إلى ما شاء أن يتركه، وعندما نفخ فيه من روحه تحول إلى رجل من روح ودم. ومن ثم خلق المولى، جل شأنه حواء من آدم ثم خُلِق جميع الناس نتيجة تزاوجهما. وعلى الرغم من القبول الواسع لهذا التفسير إلا أنه لا يتسق مع العديد من نصوص خلق الإنسان. كما أنه لا يتسق مع نظرية التطور، والتي تدل على خلق الإنسان من مجموعة قليلة العدد تنتمي إلى نوع كثير الشبه بالنوع البشري، إنفصلت عن ذلك النوع الأصل وتطورت فكونت أول مجموعة إنسانية. ولكن منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه يؤكد لنا أن الفهم الصحيح للقرآن الكريم لا يتعارض مع التطور. وسأستعرض في هذا المقال والمقالات التي تليه لنصوص الخلق ذات الصلة لأدلل على صحة ما أدعيه.
                  

02-22-2015, 06:01 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور: خَلَقُكم من نفس واحدة
    إجتمع رأي المفسرين على أن النفس الواحدة التي خُلِق منهما جميع الناس، كما وردت في الآيات 189 – 191 من سورة الأعراف والآية 72 من سورة النحل والآية 11 من سورة فاطر، تشير لآدم، عليه السلام، وأن زوجها الذي خلق منها تشير إلى حواء. وقد طعن المفكر البارز الدكتور عدنان إبراهيم (1) في صحة هذا التفسير، فقال أن النفس الواحدة تشير إلى حواء وأن زوجها الذي خلق منها هو آدم. بيد أن آدم، على حد رأي الدكتور عدنان، لم يُخَلق من حواء، أي أنه لم يكن بعضاً منها. وقال أن خلق الزوج من النفس كما ورد في القرآن الكريم يدل على خلق ذلك الزوج من جنس الزوجة، أي من النوع الإنساني الذي ينتمي إليه كلاً منهما، وليس من تلك النفس بالذات أو من أي نوع آخر من المخلوقات.
    وقد إتفقتُ في الباب الثالث من بحثي بعنوان: هل خُلِق آدم في الأرحام: حقيقة خلق الإنسان في القرآن الكريم (2)، وفي بعض مقالتي المنشورة في مجموعة خلق الإنسان في القرآن الكريم (3) مع الدكتور عدنان إبراهيم على أن النفس التي خُلق منها جميع الناس كانت أنثى وأن زوجها كان ذكراً. وعلى الرغم من أني أستنتجت خطأً أن تلك النفس وزوجها كانا أول من خُلِق من البشر، إلا أني أوضحتُ حينها أن هذين الزوجين ليسا آدم وحواء. وكان إستنتاجي يستند على ما ورد في هذه النصوص من أن النفس التي خُلق منها جميع الناس كانت أنثى وأن زوجها كان ذكراً، وكذلك من أن هذين الزوجين أشركا بربهما، بينما برأ القرآن الكريم آدم من الشرك. ويعنى ذلك بالضرورة وجود ناس قبلهم إنحدرت تلك النفس وزوجها منهم فانقرض هؤلاء الناس وانقرضت ذرياتهم أيضاً، ولم تبقى منهم إلا ذرية تلك النفس وزوجها لتعمر الأرض. فما هي الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الرأي؟
    لنبدأ بحثنا هذا بالتأمل فيما ورد في النصوص التالية عن خلق الرسول (ص) من أنفس المؤمنين:
    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164): سورة آل عمران (3).
    لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128): سورة التوبة (9).
    قد لا يختلف معي القارئ الكريم أن قوله تعالى: "مِّنْ أَنفُسِهِمْ" في سورة آل عمران وقوله تعالى: "مِّنْ أَنفُسِكُمْ" في سورة التوبة ربما ورد من باب المجاز اللغوي لأننا نعلم حق العلم أن الرسول (ص) لم يولد من أنفس المؤمنين، بل من نفسين محددين هما أباه وأمه والذين ينتميان إلى هذه أو تلك المجموعة. وتم هنا التعبير بالكل (أنفس المؤمنين) ولكن قُصِد منه الجزء (أبوا الرسول (ص))، على سبيل المجاز المرسل المبني على الكلية.
    كما أن النصوص السالفة يمكن تفسيرها تفسيراً يستند على علم الوراثة. فكل طفل يرث نصف جيناته من أبيه ويرث النصف الآخر من أمه، ويرث كل من الأب والأم جيناتهما مناصفةً من أبويهما ودواليك. كما أن الغالبية العظمى من الجينات التي يحملها كل فرد منا اليوم تعود إلى عهد أوائل الناس الذين تكونت منهم السلالة الإنسانية. يقدر عدد الجينات التي يحملها كل إنسان والتي يتم توارثها بين الأجيال حوالي 19 ألف جين. وفي المتوسط تقدر نسبة التشابة بين الجينات بين أي بشريين 99%، أي أن نسبة الإختلاف في التركيبة الجينية بين أي شخصين تبلغ فقط نسبة 1%. ويعزى هذا التشابه الكبير في جينات البشر إلى ما يسمى بالجينات المُثَّبَتة، وهي الجينات التي لا تختلف بين إنسان وآخر، والتي تمثل نسبة 99% من الجينات التي يحملها كل إنسان والتي يتشارك في حملها جميع الناس.
    تتحكم هذه الجينات المُثَّبَتة في بناء وعمل الأعضاء والوظائف الحيوية التي يتسبب أي خلل فيها في عواقب كارثية تؤدي لموت حاملها مبكراً. فأي خلل خلقي رئيس في القلب أو الكبد أو الرئتين، أو أي خلل وظيفي كبير في عمل الدورة الدموية أو الجهاز العصبي أو الهضمي، على سبيل المثال، سيؤدي في الغالب الأعم إلى الوفاة المبكرة، مما يحرم حاملها من نعمة الإنجاب. وإن لم ينجب الإنسان فسوف تنقرض الجينات التي يحملها، بما في ذلك الصفات المميتة التي تحملها تلك الجينات والتي يمكن أن تورث للأجيال القادمة.
    وكلما إزدادت الأهمية الوظيفية لأي جين كلما إزداد مستوي الإنتخاب الطبيعي الذي يتعرض له ذلك الجين وكلما تم التخلص منه وأيضاً من الخلل العضوي أو الوظيفي الذي يتسبب فيه بسرعة أكبر. ولذا فإن نسبة كبيرة نسبياً من الناس قد تحمل الجين الذي يتسبب في خلق ستة أصابع في الكف لأن ذلك لا يؤدي إلى خلل عضوي أو وظيفي كبير. وبالتالي فإن هذا الجين لا يخضع لنسبة عالية من الإنتخاب الطبيعي لأن وجود ستة أصابع في اليد لا يؤثر بصورة كبيرة في أداء تلك اليد. وبالمقابل، يستحيل أن نجد إنساناً يحمل قلبين في جوفه (ما عدا المرأة الحامل) لأن الإنتخاب الطبيعي سيتسبب حتماً في موته مبكراً، مما يؤدي لإنقراض ذلك الجين. وهذا ما يفسر وجود هذا العديد الكبير من الجينات المثبتة التي تتشارك الإنسانية فيها. وعليه فإن أوجه الإختلاف بين أي فردين تتمثل فقط في نسبة الجينات غير المُثَّبتة التي يرثها كلٌ منهما، بينما يشترك جميع الناس في الجينات المثبتة التي يحملها كل إنسان.
    وحتى إذا قارنا الجينات التي نحملها نحن اليوم بتلك التي كان يحملها أوائل الناس الذين خلقوا قبل أكثر من مائة ألف عام لتبين لنا أننا نشترك معهم فيما يقارب ال 99% من الجينات التي كانوا يحملونها. فكل منا يحمل جميع الجينات التي تميزنا كبشر وتتحكم في خلق أعضائنا الداخلية والخارجية وتنظيم الوظائف الحيوية في أبداننا. وقد إختفت بعض الجينات التي كان يحملها أجدادنا الأولون وظهرت في الأجيال الحديثة جينات أخرى جديدة بفعل الأخطاء الجينية التراكمية (mutation)، والتي تم ترجمتها خطأً بالطفرة.
    تقوم آلية متخصصة بنسخ التركيبة الجينية لأي إنسان في الخلايا التي تتكون حديثاً طيلة حياته. وفي بعض الأحيان تحدث أخطاء في نسخ تلك التركيبة الجينية في بعض هذه الخلايا حديثة التكوين. ويتراوح عدد الأخطاء النسخية التي تحدث في التركيبة الجينية لأي إنسان طيلة حياته، والتي يمكن توريثها لأبنائه، بين 100 و 200 خطأً. وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد إلا أنه تقريباً يمثل نسبة واحد على ثلاثين مليون من المادة الجينية التي يتم إستنساخها. كما أن الغالبية العظمى من هذه الأخطاء النسخية ليس لديها أي تأثير ملموس على عمل الجين التي تسببت في تغيير تركيبته. أما القلة الباقية من هذه الأخطاء النسخية فقد تنجم عنها أضرار أو فوائد تؤثر في عمل الجين المستهدف بنسب متفاوتة. وقد تكون بعض هذه الأخطاء النسخية مميته كما هو الحال في بعض الأمراض السرطانية. وقد تكون أحياناً أخرى مفيدةً لتضفي تنوعاً جديداً في تركيبتنا الجينية قد يساعدنا مستقبلاً في سلم التطور.
    وبما أن الجينات تمثل الشفرة التي يتم خلق كل إنسان منها في رحم أمه، وبما أنها تتحكم في جميع الوظائف الحيوية فيه، فعليه يمكننا القول أن جميع الناس خلقوا من أنفس بعضهم البعض لأنهم جميعاً يشتركون في تركيبتهم الجينية التي توارثوها منذ بداية خلقنا وسوف يتوارثوها إلى يوم القيامة. وبما أن الرسول (ص) لا يختلف عن بقية الناس في تكوينه الجيني فإنه ينتمي إنتماءً جينياً إلى أنفس المؤمنين، بل وإلى جميع الأنفس الإنسانية. ولذك وصف القرآن الكريم الرسول (ص) بأنه خُلِق من أنفس المؤمنين.
    وإذا تأملنا في النصوص التالية:
    وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72): سورة النحل (16).
    وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21): سورة الروم (30).
    وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11): سورة فاطر (35).
    سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36): سورة يس (36).
    فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11): سورة الشورى (42).
    لتبين لنا إستحالة خلق أو جعل الزوج من نفس زوجه أو خلق الزوجين من جميع أنفس المجموعة التي يعيشان بينها كما يدل على ذلك المعنى الظاهر لهذه النصوص. فكما هو الحال في خلق الرسول من أنفس المؤمنين، فإن كل زوج من الزوجين يولد نتيجة تناسل زوجين آخرين، هما أمه وأباه. وعندما يكبر ذلك الفرد، فإنه يتزوج بزوج آخر، لينتج من ذلك التزاوج أطفال يصبحون أزوجاً مستقبلاً وينتجون أفراداً أُخر، ودواليك. وبالتالي، لا يمكننا تفسير خلق أو جعل الأزواج من أنفس بعضها البعض كما ورد في القرآن الكريم إلا على أساس أنه ورد على سبيل البيان البلاغي أو من خلال التفسير العلمي الذي يرتكز على مبدأ مشاركة جميع الأنفس للتركيبة الجينية التي تمثل الشفرة التي يتم من خلالها خلق كل إنسان. النتيجة المهمة التي يمكن إستنتاجها من ذلك هو أن خلق أو جعل الأزواج يتطلب وجود ناس آخرين من بينهم أم وأب كلا من الزوجين المشار إليهما. أما أهمية هذا الإستنتاج فتكمن في كونه سيعيننا على فهم بداية خلق الإنسان كما وردت في الآيات التالية:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1): سورة الأنعام (6).
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189): سورة الأعراف (7).
    خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) سورة الزمر: (39).
    فإذا اغتدينا بالتفاسير التي أوردناها في هذا البحث وإذا اهتدينا بمنهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه فلا مفر من تفسير خلق الزوج من النفس الواحدة إلا على قرار خلق الرسول (ص) من أنفس المؤمنين وعلى قرار خلق الأزواج من أنفسهم. وإلا فلابد لنا من توضيح الأسباب المنطقية التي جعلتنا نعتمد تفسيراً مختلفاً عن تفسيرنا لجميع النصوص التي وردت في هذا الشأن. قد لا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفسير بالضرورة يعني وجود أنفس أخرى خُِلقت قبل هذه النفس الواحدة التي خُلِق منها جميع الناس الذين تخاطبهم هذه النصوص. ولذا فإنه يبرز إشكالاً لكونه يتعارض مع الفهم المتادول حتى اليوم من أن النفس الواحدة وزوجها هما أول من خُلِق من الناس. فإذا تم تفسير هذه النصوص على أساس أن تلك النفس وزوجها يمثلان أول ناس خُلِقا فسوف يتعارض هذا التفسير مع تفسيرنا لخلق الأزواح من أنفسهم، والذي بالضرورة يتطلب وجود ناس قبل تلك النفس وزوجهما تسببا في إنجاب كلٍ منهما.
    لقد ظن رواد التفسير أن قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ" يدل أن هذه النفس وزوجها هما أول من خُلِق من الناس. لكن هذا ما لم تصرح به هذه النصوص، بل كان مجرد إفتراض إفترضوه. ولم يفطن هؤلاء المفسرون إلى الإحتمال الثاني الذي يمكن أن تُفسر هذه النصوص إستناداً عليه من أن تلك النفس لم تكن أول نفس إنسانية خُلِقت، بل أن الناس المخاطبين في هذه النصوص إنحدروا من تلك النفس الواحدة وزوجها، وأن ذريات بقية الأنفس الأخرى التي إنحدرت منها تلك النفس الأولى وزوجها قد إنقرضت. وبذا يمكننا فهم أن النفس الواحدة وزوجها لم يكونا أول من خُلِق من الناس، بل كانا ضمن مجموعة من الناس إنقرضت دون أن تخلف وراءها ذريةً. ولكن يحق للقارئ أن يتسائل عن مدى تأييد القرآن الكريم لإفتراض تقسيم الناس إلى مجموعتين، مجموعة إنقرضت ذريتها ومجموعة أخرى ما زالت ذريتها تعمر الأرض.
    وردت العديد من النصوص التي تشير إلى وجود ناس قبل عهد آدم وحواء. ولكن لم يتمكن المفسرون من تفسيرها تفسيراً يتسق مع قصة خلق آدم وحواء. وقد أوضحتُ في مقال سابق بعنوان: "هل كان آدم أول من خُلِق من البشر" أن تفسير جميع هذه النصوص يتسق تماماً مع فكرة أن آدم وحواء لم يكونا أول من خُلِق من البشر (2). ولكن لا ضير من عرض بعض هذه الأدلة هنا لدعم الرأي المطروح في هذا المقال. وصفت الآية 173 من سورة الأعراف آباء بني آدم بالشرك: "أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ":
    وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174): سورة الأعراف (7).
    من أهم النقاط التي يمكن أن نقترب من خلالها من فهم هذه الآيات فهماً دقيقاً يكمن في مقدرتنا على تحديد هوية: "بَنِي آدَمَ" الذين تشير إليهم هذه الآيات. للإجابة على هذا السؤال، لابد لنا من الوقوف أولاً على العلة من وراء مخاطبة المولى، جل شأنه، لبني آدم في الآيتين 172 و 173 من سورة الأعراف خطاباً مباشراً، تجلى في قوله تعالى: "أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ"، وفي قوله تعالى: "أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وفي قوله تعالى: "أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ"، ثم عودته بعد ذلك، للإشارة إليهم بضمير الغائب: "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". فإنْ أشارت الآية الكريمة إلى بني آدم من جميع البشر، لقال: "لعلكم ترجعون". فقد وردت: "لعلهم" 44 مرة في القرآن الكريم، أشارت في 42 موضع منهاً إلى الجماعة التي لم تتم مخاطبتهم خطاباً مباشراً، ولم ترد: "لعلهم" إلا في الآية 174 من سورة الأعراف، وفي الآية 26 من نفس السورة للإشارة إلى الجمع الذين خوطبوا خطاباً مباشراً:
    يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28): سورة الأعراف (7).
    ففي الآية 26 من سورة الأعراف، خاطب المولى، جل شأنه، بني آدم بقوله تعالى: "أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ"، وقوله تعالى: "يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ". ولكن، بدلاً من ورود: "لعلكم تذكرون"، وهو الأسلوب الأمثل لغويا والمتبع دوماً في القرآن الكريم للإشارة إلى من يخاطبون بصورة مباشرة، قال: "لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ". فإن كان الخطاب هنا موجهاً إلى جميع الناس من بني آدم، لقال: "لعلكم تذكرون"، أسوةً بال 68 مرة التي وردت فيها: "لعلكم" في القرآن الكريم للإشارة إلى الجماعة التي تُخَاطب خطاباً مباشراً، سواء أن كان هؤلاء المخاطبون أحياءً أو أمواتاً. فهل تمثل الإشارة إلى بني آدم المباشرين بضمير الغائب في قوله تعالى: "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، وفي قوله تعالى: "لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"، خرقاً لقاعدتي: "لعلكم" و: "لعلهم" كما وردت في القرآن الكريم؟
    الإجابة بالطبع لا، لأن هذه الإشارة وردت لتبين لنا أن بني آدم المشار إليهم في هذين الموضعين كانوا أبناءه من صلبه مباشرةً أو الجيل الأول من بنيه. وقد أُشير إليهم بضمير الغائب، رغم مخاطبتهم خطاباً مباشراً، للتأكيد على أنهم ماتوا منذ زمن بعيد. أما إذا إفترضنا أن الإشارة في هذين الموضعين كانت إلى بني آدم من عامة البشر ومن جميع الأجيال، والذين ما زال بعضهم على قيد الحياة، فلابد من أن يُشار إليهم بالضمير الحاضر: "لعلكم" عندما يخاطبون خطاباً مباشراً، وإلا لكان في ذلك خرق لقاعدتي: "لعلكم" و: "لعلهم". إذاً، يمكننا القول أن بني آدم المشار إليهم في الآيات 26، 27، و 172 من سورة الأعراف، كانوا بنوه من صلبه مباشرةً، وأنهم ليسوا بنو آدم من جميع البشر.
    لابد لنا أيضاً من وقفة لتعريف آباء بني آدم الذين وصفهم القرآن الكريم بالشرك. وصفت الآية 27 من سورة الأعراف آدم وحواء بأبوي بني آدم: "يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ". ولكن الآية التي تلتها، والتي تشير إلى نفس بني آدم المخاطبين في الآية 27، وصفت آباء بني آدم بفعل الفواحش: "وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا". فإذا علمنا أن بني آدم المشار إليهم في الآيات 27 و 28 و 172 من سورة الأعراف، كانوا أبناء آدم وحواء المباشرين، وإذا وصف القرآن الكريم آدم وحواء بأنهم أبوي بني آدم، فلابد أن يكون من وُصِفوا بآباء بني آدم، في الآية 28 وفي الآية 173 من سورة الأعراف، سابقين لعصر آدم وحواء، لأن الأشارة إلى هؤلاء الآباء الذين أشركوا وردت على لسان بني آدم المباشرين، ولأن القرآن الكريم وصف هؤلاء الآباء بالشرك الذي بُرئ منه آدم. فهنا لا يستقيم معنى النص إلا إذا فسر على أساس أن آدم حواء لم يكونا أول من خلق من البشر لأنه لا يمكن أن يكون آدم وحواء أبوي بني آدم في الآية 27 وآبائهما في الآية التي تليها، خاصةً وأن القرآن الكريم لم يخلط قط بين إفراد وتثنية وجمع الآباء. كما أن فعل الفواحش والشرك الذين وصف بنو آدم به آباءهما ما في هذه النصوص ليس من شمية آدم وحواء.
    كما أن النص التالي يلصق أيضاً تهمة الشرك بآدم إذا فسر على أساس قصة الهيكل الطيني:
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191): سورة الأعراف: (7).
    قال رواد التفسير أن هذه الآيات نزلت في آدم وحواء لكونهما أول من خلق من البشر. ولكن هذه التفاسير تلصق أيضاً تهمة الشرك بهما: "جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ"، "أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ". وحاول المفسرون دون جدوى إبعاد تلك التهمة عنهما، فقال بعضهم أن الحديث في الجزء المتعلق بالشرك لم يكن عن آدم وحواء، لأن الله تعالى برأهما من الشرك. بينما حاول البعض الآخر تبرير ذلك الوصف فقالوا أنه لم يكن شرك عبادة لإبليس. ووصفوه بشرك الطاعة أو شرك في الأسماء، لأنهما سميا إبنهما: "عبد الحرث"، بدلاً من: "عبد الله" أو: "عبد الرحمن" أو غيره من أسماء الله تعالى. لكن الشرك هو الشرك، ولم يميز القرآن الكريم بين شرك الأسماء وبين شرك الأفعال. ولابد لمن يحاول إلصاق تهمة الشرك بآدم، عليه السلام، والذي وصفه المولى، جل شأنه بقوله تعالى: "فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" أن يقارن ذلك الشرك بالشرك الذي وصفه القرآن في مواقع أخرى بقوله تعالى: "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" وبقوله تعالى: "فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" وبقوله تعالى: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" في النصوص التالية:
    وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18): سورة يونس (10).
    مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92): سورة المؤمنون (23).
    أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43): سورة الطور (52).
    ولابد لنا من التروي في فهم النصوص فهماً صحيحاً بدلاً محاولة الإستدلال بأحاديث وصفت بأنها باطلة وبدلاً عن إقحام محاولات التميز بين شرك الأسماء وشرك الأفعال لتبرير شرك آدم، عليه السلام. كما أن الأيات السالفة لم تذكر أن آدم وحواء هما أول زوجين خلقهما الله تعالى، ولكن المفسرون أولوها على هذا الأساس إستناداً على قصة الهيكل الطيني.
    وكذلك يمكننا تفسير خلق الزوج من النفس الواحدة وخلق الناس من تلك النفس وزوجها في النصوص التالية على أساس تفسير الآية 189 من سورة الأعراف لأنها جميعاً تشير لذات النفس الواحدة وزوجها الذي خُلِق منها:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1): سورة الأنعام (6).
    خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) سورة الزمر: (39).
    يمكننا تلخيص نتائج هذا البحث على النحو التالي: أولاً، لا يؤيد القرآن الكريم الفكرة السائدة اليوم بين المفسرين من أن الله تعالى بدأ خلق الناس بخلق نفس واحدة، والتي يرجح معظم المفسرين أنها آدم. ثانياً، ينحدر جميع الناس الذين ما زالت ذريتهم تعمر الأرض من تلك النفس الواحدة وزوجها. ثالثاً، إنحدرت تلك النفس الواحدة من ناس عاشوا قبلهما فانقرضوا وانقرضت ذرياتهم، ولم يبقى منهم اليوم إلا ذرية تلك النفس وزوجها. وربما كان إنقراض هؤلاء الناس بسبب شركهم كما تدل على ذلك الآيات 28، 172 – 174 و 189 – 191 من سورة الأعراف. أخيراً، لم يكن آدم وذريته أول من خلق من البشر، بل كانوا خلفاء لهؤلاء الناس الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء على حد قول الملائكة (راجع مقالي عن خلافة آدم (2)).
    ويجب التأكيد هنا أن التفسير الذي أوردناه في هذا البحث يجعل فهمنا لجميع نصوص خلق الرسول من أنفس المؤمنين وخلق الأزواج من أنفسها وخلق الناس من نفس واحدة متسقاً مع بعضه البعض. كما أنه ينفي تهمة الشرك عن آدم وحواء، بل ويحل معضلة قول المفسرين أن آدم وحواء هما أبوا وآباء بني آدم في نفس الوقت. لا يقتصر الأمر على هذه النصوص فقط، بل أن التفاسير التقليدية لنصوص خلق الإنسان كلها تواجه عقبات كأداء أقر بها رواد التفسير أنفسهم، بيد أنهم أو المحدثين من المفسرين لم يستطيعوا تخطيها. فإن لم تكن المعارف التي تمكننا من فهم نصوص الخلق فهماً صحيحاً متاحةً لرواد التفسير فلماذا يتمسك اليوم المحدثون بهذه التفاسير البالية؟ ألا يحق لنا أن نقف إجلالاً لهذا الكتاب العظيم والذي تكشف لنا العلوم الحديثة كل يوم سراً جديداً من أسراره؟ أليس من واجبنا أن نطور فهمنا لكتاب الله المنزه عن الباطل بتطور العلوم والمعارف التي يتناولها؟ ولكن، ما علاقة التفسير الذي أوردناه في هذا البحث بالمعارف الحديثة؟
    يتم خلق نوع جديد بالتطور عندما لم يتمكن أفراد ذلك النوع الجديد من التكاثر مع بقية أفراد النوع القديم الذي كانوا ينتمون إليه. ولنأخذ المثال التالي لشرح هذه الفكرة: تخيل أن مجموعة من الأرانب تعيش في منطقة ما. تخيل أيضاً أنه على الرغم من بعض الإختلافات في ألوان أفرادها إلا أن اللون الأبيض يغلب عليها لأن التربة في ذلك المكان تميل إلى البياض. تخيل حدوث بركان في المنطقة أو أي كارثة طبيعية أخرى أدت إلى الفصل بين أفراد تلك المجموعة، إذ عاش بعضها في المنطقة البركانية والتي أصبحت تربتها سوداء بفعل البركان بينما واصل البعض الآخر عيشه في المنطقة ذات التربة البيضاء والتي لم يصلها البركان. بالطبع سيكون لون الأرانب في التربة البركانية في بادئ الأمر شبيها بلون مثيلاتها في التربة البيضاء. تخيل أن هناك صقراً يفترس هذه الأرانب في المكانين. سيجد هذا الصقر أن صيد الأرانب في التربة البركانية أصبح أكثر سهولةً لأن لونها الأبيض لا يمكنها من التخفي. وسوف يستمر الصقر في صيد أكبر عدد من الأرانب ذات اللون الأبيض في هذه التربة بينما يصعب عليه صيد الأرانب ذات اللون الداكن لكونها أكثر تمكناً من التخفي لأن لون بشرتها يتسق مع لون التربة.
    مع مرور الزمن (بعد حوالي عشرين جيلاً أو أكثر) يمكننا ملاحظة أن لون الأرانب في هذه المنطقة صار مختلفاً تماماً عن لونها في المنطقة الأخرى نسبةً للنقصان الذي حدث في عدد الأرانب البيضاء ونسبة لتكيفها مع البيئة الجديدة. وإذا إستمرت العزلة بين الأرانب في المنطقتين فسوف تتواءم كل مجموعة مع بيئتها ويتم توريث الصفات التي إكتسبتها كل منهما نتيحة ذلك التلاؤم لأطفالها. وتبدأ التركيبة الجينية والصفات الموروثة بينهما في الإختلاف شيئاً فشيئا (اللون، الحجم، طرق تخفيها من الحيوانات المفترسة، الصوت، حجم المجموعة الأسرية، الغذاء، ودواليك). وسوف يأتي اليوم الذي لو رأى فيه أحد الأرانب الذي ينتمي إلى إحدى هاتين المجموعتين أرنباً ينتمي إلى المجموعة الأخرى فلن يخطر بباله أنهما ينتميان إلى نفس النوع. وعندما تختلف التركيبة الجينية لكل مجموعة (بعد مئات أوآلاف الأجيال) بحيث لا يتمكن أفراد أيٍ من المجموعتين من التكاثر مع أفراد المجموعة الأخرى نقول أن نوعاً جديداً قد تطور من ذلك النوع القديم.
    وعلى الرغم من وجود العديد من أوجه الإختلاف الظاهرية بين هذين النوعين إلا أن النوع الذي تطور حديثاً سوف يشبه في تركيبته الجينية النوع القديم في بادئ الأمر، حيث يقترب التشابه بين جيناتهما في ذلك الوقت من نسبة ال 99%. فسوف يورث هذا النوع الجديد ذو اللون الداكن من النوع الأصل جميع الصفات ذات الصلة بشكل ووظيفة الأجهزة الداخلية (الهيكل العضمي الجهاز العصبي والهضمي والدورة الدموية)، بل وجميع الأعضاء الداخلية (القلب، الرئتين، الكبد وغيرها من الأعضاء). كما سوف يورث هذا النوع الجديد الشكل العام والأعضاء الخارجية، مثل الأطراف والمظهر العام، من النوع الأصل، وذلك بسبب الجينات المثَّيتة التي ورثها ذلك النوع الجديد من أسلافه. ومع مرور الزمن سوف تتراكم الإختلافات الجينية بين النوعين وتتطور أنواع جديدة من كلٍ منهما أو ينقرض أحدهما أو كليهما بعد بعض ملايين السنوات. ولكن ما علاقة التطور بتفسير نصوص خلق الأزواج من أنفسها وبخلق الإنسان من النفس الواحدة وزوجها؟
    قد لا يخفى على القارئ الكريم أن التفسير الذي أوردنا في هذا المقال عن خلق الأزواج من أنفسها وعن خلق الإنسان من النفس الواحدة وزوجها يتسق تماماً مع ما ورد في نظرية التطور عن خلق الأنواع. فالنفس الواحدة وزوجها كانا ضمن مجموعة إنسانية تطورت من حيوانات أخرى كانت كثيرة الشبه بالإنسان، بنفس الطريقة التي تتطورت بها الأرانب في المثال الذي سقناه سابقاً في هذا المقال، لتكون أول مجموعة إنسانية ظهرت على حيز الوجود. وقد كانت هذه المجوعة الإنسانية صغيرة العدد نسبياً، ولم تتمكن ذرياتهم من الإستمرار ما عدا ذرية تلك النفس الواحدة وزوجها. وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا" في سورة الأنعام، وفي قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" في سورة الأعراف، وفي قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" في سورة الزمر. ويدل خلق جميع الناس من النفس الواحدة على الإنقراض الكامل لذريات الأنفس التي عاشت مع وقبل تلك النفس وزوجها. وبذا يتضح لنا أيها القارئ الكريم أن الفهم الصحيح للقرآن الكريم يتفق تماماً مع ما ورد في العلوم الحديثة عن خلق الإنسان. ولا يتأتى مثل هذا الفهم إلا إذا استنرنا بمنهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه ونبذنا منهج تفسيره بأحاديث إختلطت بالإسرائيليات.
    المراجع:
    https://http://http://www.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYwww.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYhttp://http://www.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYwww.youtube.../watch?v=yHvPygp5YdY
    https://docs.google.com/viewer?a=vandpid=sitesandsrcid=ZGVmYXVsdGRvbWFpbnxhYmRlbHdhaGFic2lubmFyeXxneDoyYmJmZGNjNDg4N2MyMTZj
    https://http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquranwww.facebook.com/groups/mankindinquranhttp://http://www.facebook.com/groups/mankindinquranwww.face...roups/mankindinquran
    https://http://http://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabwww.facebook.com/sinnaryabdelwahabhttp://http://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabwww.facebook...om/sinnaryabdelwahab
    http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/

    (عدل بواسطة عبد الوهاب السناري on 02-22-2015, 06:02 PM)

                  

02-22-2015, 08:17 PM

سيف ود الخواجة
<aسيف ود الخواجة
تاريخ التسجيل: 01-07-2015
مجموع المشاركات: 264

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    الاستاذ عبد الوهاب السناري لك التحية
    للدكتور السوداني الشهير عماد محمد بابكر- صاحب نظرية اذان الانعام- رأي بأن صاحب نظرية التطور مات موحدا وصلى عليه صلاة الغائب
    وزعمه في ذلك ان الله اصطفى ادم من جملة المخلوقات الموجودة ونفخ فيه من روحه - ويقصد بها العقل- ويوضح الدكنور عماد أن ادم لك يكن
    فردا إنما مجموعة بني البشر التي اصطفاها الله دون الخلق وخصها بالعقل
    ربما يتفق الناس مع هذا التفسير أو يختلفون معه إلا أنه يبقى محاولة جديرة بالوقوف عليها في تقديري
    والله أعلم
                  

02-22-2015, 10:20 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف ود الخواجة)

    الأخ سيف (معذرة فقد قمت بالرد من قبل ولم أجده وأحاول أعادته)
    أشكرك على تكرمك بتنبيهي عن كتاب آذان الأنعام. فهو من أوائل الكتب التي أبرزت مدى ضعف التفاسير التقليدية عن خلق الإنسان. إلا أني أختلف معهما في المنهج وأيضاً في النتائج التي توصلوا إليها وهو الأمر الذي سوف تظهره مقالاتي اللاحقة.
    مع خالص شكري وتقدي
                  

02-23-2015, 04:23 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (1)
    الآيات 7 – 9 من سورة السجدة
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون من التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وسوف أتطرق في هذا المقال والمقالات التي تليه (https://http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquran/www.facebook.com/groups/mankindinquran/) إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. تضمن القرآن الكريم ثلاثة مجموعات من الآيات فصَّلتْ لنا في الخَلْق من طين، أول هذه المجموعات قوله تعالى:
    الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9): سورة السجدة (32).
    المعنى الظاهر لهذه الآيات أن الله تعالى بدأ خَلْق الإنسان من طين؛ ثم جعله يتناسل بالماء المهين، أي المني؛ ثم سواه ونفخ فيه من روحه؛ وأكمل خَلْقه، بعد ذلك بأن جعل له السمع والأبصار والأفئدة. قد لا يختلف معي القارئ الكريم أن تفسير الآيات السالفة لا يتفق مع الرأي السائد بين المفسرين، من أن آدم كان البشر الوحيد الذي خُلِق من طين. فالمعنى الظاهر لها يدل أنه، جل شأنه، خَلَق آدم من طين، ثم خَلَق بعد ذلك ذريته من ماء مهين، ثم عاد فخَلَق آدم بعد خَلْق ذريته، ثم عاد وأكمل خَلْق ذريته وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة. وفي هذا الشرح تناقض جلي في تسلسل أحداث الخلق، إذا لا يمكن أن يكون إكمال خلق آدم قد حدث بعد خلق ذريته. ولخص الرازي نقاط الضعف التي تشوب هذا التفسير فيما يلي: "وعلى ما ذكرتم يبعد أن يقال: "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ" عائدٌ إلى آدم أيضاً، لأن: "ثم" للتراخي، فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة، وذلك بعد خَلْق آدم".
    ليس عدم إتساق تسلسل أحداث الخلق هو ما يضعف تفسير الرواد للنصوص الالفة، بل أيضاً زعمهم أن: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في الآيات السالفة تدل على آدم أحياناً، وعلى ذريته أحياناً أخرى، على الرغم من أن مفردة: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في القرآن الكريم، لم تشر إلى فرد بعينه سواء أن كان آدم أو غيره.
    قبل الإسترسال في شرح هذه الآيات، دعونا نقف برهةً لشرح النسل والسلالة، لأنهما مفردتان ذواتا معانٍ عديدة ومتقاربة. وقد يحدث ورودهما في نفس الآية خلطاً في تفسير النص، لا سيما إذا أُختير المعنى الخاطئ لأي منهما أو لكليهما. النسلُ أصلٌ كبير معناه إنفصال الشيئ من غيره. ويقال، أن الخَلْقَ تناسلوا إذا أنسَل بعضُهم بعضاً، أو وُلِد بعضهم من بعض. ويقال، تناسَل بنو فلان، إِذا كثر أَولادهم. أما لغوياً فلا يُطلق النسل فقط على الإنسان، إنما على الحيوان أيضاً. وبذا يمكننا تعريف النسل على أنه الخَلْق أو الولد أو الذرِّية من الإنسان أو الحيوان، لأنهم أنسلوا بعضهم بعضاً، أو أنه الكيفية التي يتناسل بها أي نوع من أنواع المخلوقات. تكررت: "نَسَل" ومشتقاتها في القرآن الكريم أربع مرات. فقد وردت مرتين في صيغة فعل المضارع، مرةً واحدة في معرض الحديث عن إنسلال ياجوج وماجوج، ووردت مرة أخرى في صيغة فعل المضارع في معرض الحديث عن إنسلال الناس من الأجداث، عندما يُنفخ في الصور. كما وورت مرة واحدة في صيغة العَلَمْ، كما هو الحال في الآية 8 من سورة السجدة، في معرض الحديث عمن يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل:
    وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205): سورة البقرة (2).
    وإتفق المفسرون أن في: "النسل"، كما ورد في الآية الأخيرة، إشارة إلى نسل البشر أو نسل الأنعام أو كليهما، وهذا أمرٌ لابد من الوقوف عليه. فإذا أستثنينا الآية 8 من سورة السجدة، والتي قال جُل المفسرين، أن: "نَسْلَهُ"، تشير فيها إلى ذرية آدم، عليه السلام، أو إلى كيفية تناسلهم، فإن: "الذرية" هي المفردة الأكثر شيوعاً في القرآن الكريم للتعبير عن نسل الإنسان، إذ تكررت فيه 31 مرة، للدلالة فقط على تسلسل أبناء البشر من بعضهم البعض. كما وردت فيه مرةً واحدة للإشارة إلي نسل إبليس. وعلى الرغم من أن الذرية تعنى أيضاً النسل والسلالة، إلا أنها تقتصر من حيث اللغة على وصف نسل البشر، بينما يمكن وصف أبناء الحيوان فقط بالنسل والسلالة، وليس بالذرية. ولعله لهذا السبب لم ترد: "نسل" أو مشتقاتها في القرآن الكريم لوصف تسلسل أبناء البشر، إلا فيما قال المفسرون أنها تشير إلى ذلك في الآية 8 من سورة السجدة. فما السر إذاً في وصف القرآن الكريم دوماً لتسلسل أبناء بني آدم من بعضهم البعض بالذرية، إلا في الآية 8 من سورة السجدة، حيث حلت: "نَسْلَهُ" محل: "ذريته"، على حد رأي هؤلاء المفسرين؟ وهل في قوله تعالى: "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ" إشارة إلى نسل الإنسان، أم أن فيه إشارة إلى نسل الحيوان أيضاً، أسوةً بما ورد في الآية 205 من سورة البقرة، والتي أجمع معظم المفسرين أن فيها إشارة للإثنين معاً؟ ولكن، قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نقف أولاً عند معنى السلالة.
    السلالة أصلٌ كبير معناه إنتزاعُ الشيء وإِخراجُه في رِفق، وهي مشتقة من السَّل. ويمكننا وصف النطفة والولد والذرية بأنهم سلالة الإنسان، لأنهم جميعاً مسلولون منه. كما يمكننا تعريف السلالة بالخلاصة، لأنها تُسَّلُ من الشيئ أو من الكدر. تكررت مفردة: "سُلَالَةٍ" مرتين فقط في القرآن الكريم، أولاهما في الآية 8 من سورة السجدة، وثانيتهما في الآية 12 من سورة المؤمنون، والتي تصف أيضاً أطوار الخَلْق من طين:
    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12): سورة المؤمنون (23).
    وهنا أيضاً رجَّح المفسرون أن المعنى الأقرب للسلالة هو الخلاصة. لكنهم إختلفوا في ماهية المشار إليه بقوله تعالى: "سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ"؛ فقال بعضهم أنه آدم، عليه السلام، لأنه خُلِق أو أُستل من طين. بينما ذكر البعض الآخر أنها صفوة الماء، والذي قالوا أنه مني آدم. وقال آخرون أنها تشير إلى جميع البشر من بني آدم، لأنهم جميعاً أُستُلوا من ظهره. أما قوله تعالى: "سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ"، كما ورد في سورة السجدة، فقد قال جل المفسرين أنه يشير إلى النطفة التي خُلِقت منها ذرية آدم. ولكن، لم يرد في القرآن الكريم ما يفيد صراحةً أن في قوله تعالى: "سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ"، إشارة إلى آدم، عليه السلام، أو إلى صفوة الماء، أو إلى منـي آدم، أو إلى إبن آدم الذي أُستل من ظهره. أضف إلى ذلك، أن المني ليس هو صفو الماء، كما قال رواد المفسرين. كما أنه تعالى، قال في محكم كتابه، أنه خَلَق الإنسان من ماء مهين، وليس من سلالةِ أو خلاصةِ هذا الماء المهين:
    أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ (20: سورة المرسلات (77).
    إذاً، لابد من إعادة النظر في تعريف رواد التفسير للسلالة بالخلاصة في هذين النصين، خاصة إذا تذكرنا أن السلالة لها معانٍ أخرى من غير الخلاصة. ولعل المعنى الأقرب لها، كما جاء في سياق الآيات السالفة، هو الذرية. لكن السؤال الذي يتطرق إلى الذهن هو لماذا أُستبدلت الذرية بالسلالة في هاتين الآيتين بالذات؟ أليست الذرية المفردة الأكثر شيوعاً في القرآن الكريم للتعبير عن ولد الإنسان؟ ألم يصف القرآن الكريم تسلسل بني آدم من بعضهم البعض بالذرية، وليس بالنسل أو بالسلالة، إلا في آيات الخلق من طين؟ أم أن هنالك أسباب قوية وراء إستعاضة الذرية بالسلالة في هاتين الآيتين؟ فإن علمنا أن مفردة: "ذرية" وردت في القرآن الكريم 31، فقط للإشارة إلى تسلسل أبناء البشر من بعضهم البعض (هذا إذا إستثنينا ورودها مرةً واحدة للإشارة إلي نسل إبليس)، فهل لم يكن القصد من ورود: "سلالة"، في الآيتين السالفتين، وصف تسلسل أبناء البشر من بعضهم البعض فقط، أم أنه يهدف أيضاً لوصف تسلسل جميع أنواع المخلوقات من بعضها البعض، أسوةً بالآية 205 من سورة البقرة؟ وهل يمكن أن نستهدى، في الإجابة على هذه الأسئلة بأصول اللغة وبما ورد في القرآن الكريم من أن الذرية تشير فقط لأبناء البشر، بينما تشير النسل والسلالة إلى أبناء البشر والحيوان على حد السواء؟ وما السر وراء إرتباط آيات خَلْق الإنسان من طين بالحيوان وببقية أنواع المخلوقات؟
    ولنعد الآن إلى شرح وتفسير الآيات 7 – 9 من سورة السجدة، آخذين في الإعتبار الإيماءات والدلائل القرآنية التي وردت في آيات خَلْق الإنسان من طين، والتي تشير إلى وجود صلة غامضة بين خَلْق الإنسان من طين وبين خَلْق بقية أنواع المخلوقات. ولنُعَّرِف النسل بأنه الكيفية التي يتناسل بها، ليس فقط الإنسان، بل أي من أنواع المخلوقات الأخرى على وجه الأرض؛ ولنُعَّرِف السلالة بالأنواع التي تنتج بالتناسل من أنواع أخرى. يدل منهج تفسير القرآن بالبحث فيه على أن خَلْق الإنسان من طين، كما ورد في هذا النص، لم يبدأ من آدم، بل من السلالة أو المخلوقات المتسلسة من بعضها البعض، والتي إنبثقت من الطين مباشرة. فإن بدأ الخَلْق من طين بآدم، كما رجح رواد التفسير، لقال: "ثم جعل ذريته من ماء مهين"، نسبةً لإقتران الذرية في اللغة وأيضاً في القرآن الكريم فقط بالناس من دون سواهم من المخلوقات. ولكن ورود "نَسْلَهُ" و: "سُلَالَةٍ" يدل أن الحديث هنا ليس عن تسلسل بني آدم من أبيهم آدم، عليه السلام. أما الدليل الثاني أنه ليس في جَعْل نسل الإنسان من سلالة من ماء مهين، أية إشارة إلى خَلْق الإنسان الفرد في الأرحام (الخلق من تراب)، بل إلى خَلْق الجنس البشري، ورود: "جَعَلَ"، والتي، كما رأينا سابقاً، أنها لم ترد في القرآن الكريم لتصف طوراً من أطوار الخَلْق، كالنطفة أو العلقة مثلاً، وإنما وردت فيه بمعنى تصيير الشيئ أو للإشارة إلى الخَلْق المركب. فقد وصف القرآن الكريم خَلْق الإنسان الفرد من ماء مهين بالخَلْق:
    أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ (20): سورة المرسلات (77).
    وبناءً على ذلك فإن الخَلْق من ماءٍ مهين يشير إلى الخَلْق من تراب، وهو خَلْق الإنسان الفرد في الأرحام؛ بينما يدل جَعْل نسل الإنسان من سلالة من ماء مهين على تغير الطريقة التي يتناسل بها الإنسان الحيواني، من طريقة بدائية، إلى التكاثر بواسطة الماء المهين.
    وبذا يمكننا تفسير الآيات 7 – 9 من سورة السجدة كما يلي: يدل قوله تعالى: "وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ"، أن خَلْق الإنسان بدأ من طين. وعلى عكس ما رجح رواد المفسرين فإن ذلك الخَلْق لم يبدأ بآدم، بل من مخلوقاتٍ إنبثقت مباشرةً من الطين، ثم تطورت في العديد من نواحي حياتها بما في ذلك سبل تكاثرها. وتدل الآيات التالية لهذه الآية أن خَلْق الإنسان لم يكتمل في طور الطين أو حتى في الطورين الذين تلياه، والتي يمكننا أن نطلق عليها أطوار ما قبل الإنسانية، لأن الإنسان لم يكن حياً في ذلك الحين. كان تناسل المخلوقات التي إنبثقت مباشرةً من الطين لا يتم عن طريق الماء المهين، لكن بطرق أخرى أكثر بساطة، مثل الإنقسام البسيط، الذي يميز تكاثر الكائنات البسيطة. تلى هذا الطور طورٌ جديدٌ، ظل فيه الإنسان على صورته غير الإنسانية، أو بالأحرى في صورته الحيوانية؛ ولكن أصبح التناسل فيه أكثر تعقيداً، حيث حل التكاثر بالماء المهين، وهي نفس الكيفية التي يتناسل بها الإنسان وكثير من الحيوانات، محل الإنقسام البسيط وأيضاً محل أنواع التكاثر الأخرى التي لا تتم بواسطة الماء المهين أو المني: "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ".
    على الرغم من التشابه الكبير بين تكاثر الأنواع التي يمثلها طور جَعْل النسل من سلالة من ماءٍ مهين، إلا أن الإنسان ما زال وقتها في طور ما قبل الإنسانية. وتلى هذا الطور طور خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام: "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ"، وهو الطور الذي بدأ فيه خَلْق الإنسان في الأرحام على هيئته الإنسانية، على الرغم من عدم تطور عقله، وهو ما جعله أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. ظل الإنسان في طور الإنسان غير العاقل لبعض الزمان، ولم يتحول إلى طور الإنسان العاقل، إلا بعدما حباه المولى، جل شأنه، بالسمع والأبصار والأفئدة: "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ"، وهو ما ميزه عن سواه من المخلوقات. التأكيد على إكتمال خلق الإنسان عندما حباه الله تعالى بالسمع والأبصار والأفئدة، جاء في الآيات السالفة مصحوباً بتحول الخطاب من خطابٍ عام إلى خطاب مباشر، مُوجه مباشرةً للإنسان. فقد بدأت الآيات السالفة بقوله تعالى: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ"، وجاء فيها الخطاب عاماً وغير موجه إلى مُخَاطَبٍ بعينه. وتوالى نفس أسلوب الخطاب في قوله تعالى: "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ"، وفي قوله تعالى: "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ". ثم تحول بعد ذلك الخطاب من خطاب غير مباشر إلى خطاب مباشر، وتمت مخاطبة الناس مباشرةً، بدلاً من الإشارة إليهم، كما كان الحال سابقاً، بعدما جعل الله تعالى للإنسان السمع والأبصار والأفئدة. وجاء هذا التحول للدلالة على إكتمال خَلْق الإنسان، أو للدلالة على بروز الإنسان العاقل إلى حيز الوجود، لأنه النوع الوحيد الذي ميزه المولى، عز وجل، بالسمع والأبصار والأفئدة، من دون سائر المخلوقات:
    وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78): سورة النحل (16).
    وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (78): سورة المؤمنون (23).
    قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23): سورة الملك (67).
    أُقتطف هذا البحث من الباب الرابع للبحث الموسع بعنوان: "هل خُلِق آدم في الأرحام؟ رؤية مختلفة لخَلْق الإنسان في القرآن الكريم"، والمنشور على الموقع التالي: https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/
    للإطلاع على المزيد من مثل هذه المواضيع ولكي تشارك بأبحاثك وبآرئك في مناقشتها ونقدها نتشرف أن تنضم إلى مجموعتنا: "خلق الإنسان في القرآن الكريم" على: https://http://http://www.facebook.com/groups/136107833226127/www.facebook.com/groups/136107833226127/
    أو على الصفحة التالية: https://http://http://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabwww.facebook.com/sinnaryabdelwahab
                  

02-23-2015, 04:29 PM

Salah Habib
<aSalah Habib
تاريخ التسجيل: 02-11-2013
مجموع المشاركات: 451

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    تحية طيبة
    مقال جيد لم استطع اكماله
    ارجو شاكرا تقصير طول السطر
                  

02-23-2015, 06:27 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: Salah Habib)

    شكراً عزيزي صلاح على التعليق وسأحاول ذلك مستقبلا
                  

02-23-2015, 08:24 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    الأخ الأستاذ عبدالوهاب السناري...
    الأخ الأستاذ سيف ود الخواجة..
    والأخ الأستاذ صلاح حبيب..
    والكرام قراء البوست...

    تحيتي ومعزتي...

    فكرة أن القرآن يؤيد مفهوم التطور ليست جديدة.. وقد قرأت أجزاء كبيرة من كتاب آذان الأنعام وهو كان قد قدم كرسالة أكاديمية.... وربما تكون هنالك محاولات قبل "آذان الأنعام" وبعده، لكن، على كل حال، أول تناول مفصل ومتكامل عن وضع التطور في الدين ومن مصادر القرآن والسنة وأنه يمثل روح الدين وروح العبادة وكيف أن آيات القرآن فيها استفاضة في توضيح هذا الأمر، قد كانت كتابات الأستاذ محمود محمد طه.. وشهدت السبعينات والثمانينات نقاشات مستفيضة عن هذا الموضوع في أركان النقاش التي كانت تعقد بشكل يومي في الجامعة.. وفي كتير من الأحيان كانت تعقد ندوات مسائية يستدعى فيها متخصصين مثل دكتور الربعة من كلية العلوم وقد كان متخصصا في نظرية التطور في قسم البايولوجي وكان دائما يستدعي متحدث يمثل الفهم التقليدي الذي يرفض فكرة التطور مع متحدث يؤيدها وقد كان إما أحمد دالي أو عمر القراي.. وكانت نقاشات مستفيضة وعرض حر للأفكار شهدتها الجامعة... أنا شخصيا كنت في الجامعة بين عامي 1975-1980...واستمريت كمساعد تدريس حتى 1983، بعدها سافرت خارج البلاد..

    لكني فيما بعد كتبت مقالا نشريه مجلة "القاهرة للفكر والفن" في 1969، نشرته قبل فترة في هذا المنبر،يتناول من ضمن تناوله قضية التطور.. وأنقل لك أدناه جزء منها (خاصة الجزء باللون الأحمر):
    __________________________________________

    والخلق كله بأشكاله المتنوعة وحدة واحدة، ذات شكل هرمي، قاعدته مادة، وقمته روح.. والاختلاف بين القاعدة والقمة هو اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع.. فاختلاف النوع لا وجود له في الكون، إنما هي الوحدة التي تنتظم الأحياء والأشياء، هو اختلاف بين كثيف في القاعدة ولطيف في القمة.. والقاعدة باستمرار تنشد الأكمل تجاه القمة، القمة متحركة نحو الأكمل، مطلق الكمال وهكذا. (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. إنه كان حليما غفورا) "الإسراء: 44".. والتسبيح هو التحرك والتصرف تجاه الكمال، وهو الله.

    الفرق بين تسبيح الجماد والنبات والحيوان والإنسان، هو فرق بين تسبيح في القاعدة، وتسبيح في القمة، (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض، والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) "النور: 41".. وفي حين أن تسبيح المخلوقات ما دون الإنسان هو تسبيح قهري فتسبيح الإنسان قد دخل فيه العقل ومطلوب منه استخدامه ليصاقب الإرادة الإلهية.. وعن دين المخلوقات يقول القرآن: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) "آل عمران: 83"..

    أما عن دين العقول فتحكي الآية: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب) "الزمر:9".. والفروقات بين القاعدة والقمة تستمر باتساق في اتجاه رأس الهرم، (وفوق كل ذي علم عليم) "يوسف: 76". إلى أن نصل إلى قمة الهرم، إلى الحقيقة الإلهية التي هي حقيقة كل البناء الهرمي (فسبحان الذي بيده ملكوت كل سيء، وإليه ترجعون) "يس: 83"..

    وعلاقة الإنسان بالكون هي علاقة قديمة، الفرد نفسه هو صورة مصغرة من الحقيقة الكونية.. وقصة خلق الكون، كما يحكيها القرآن، إن هي إلا قصة خلق الإنسان.. وهي في مجملها صدور من الله ثم رجوع إليه تحكيها الآيات: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.. ثم رددناه أسفل سافلين.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون) "التين: 4-6"..

    لقد كان الإنسان في البداية في عالم الروح، على قدر كبير من الكمال (في أحسن تقويم)، ثم بعد ارتكابه للخطيئة رد لأبسط صورة في الخلق (أسفل سافلين)، ثم أتيحت له الفرصة ليعود إلى حيث صدر وذلك بالتسبيح والسعي نحو الكمال والعمل الصالح (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)..

    أبسط صورة للخلق هي المادة، فهي كثيفة في مقابل لطافة الروح.. أما أبسط صورة للمادة فهي، كما تحدثنا العلوم، الذرة ذات الإلكترون الواحد والبروتون الواحد، ذرة غاز الهيدروجين.. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الشأن، أن أكثر المفكرين في مسائل ما قبل التطور يتفقون أن الحياة ظهرت لأول مرة على الأرض منذ حوالي بليونين من السنين، عندما كان الجو تغلب عليه مركبات الهيدروجين (Caver,1958)، ومن الهيدروجين إطرد التطور بظهور تركيبات تغلب عليها الغازات، (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين) "فصلت: 11"..

    وهذا قد يعضد نظريات بدء الكون التي حاول أن يستقصيها علماء الفلك والفضاء بقولهم أن كتلة الغازات الملتهبة، ذات الثقل النوعي العالي جدا، ما لبثت أن انشطرت لملايين المجاميع النجمية (المجرات)، وذلك بفعل الدوران والجاذبية.. القرآن يقول: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون) "الأنبياء: 30".. (وجعلنا من الماء كل شيء حي) تؤرخ بداية الطفرة التي أبرزت المادة العضوية من غير العضوية.. الحياة كلها إذن، من شجر وحيوان وإنسان، كانت كامنة في داخل ذلك الوجود اللاعضوي وكلها نواة الإنسان في مراحل الرجوع من أسفل سافلين إلى كمالاته، وهذا مجمل العبارة (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) "المؤمنون: 12".. وبداية النشأة العضوية أيضا مجال لنظريات عديدة في البيولوجيا، بل لقد ذهب بعضهم لإثبات إمكانية بروز حياة أميبية في جو من الماء والطين بالتجارب المعملية..


    وظل تطور هذه النشأة يطرد نحو الأفضل، نحو الكمال، نحو الله.. والتطور بهذا المعنى الكبير مر بأطوار يخطئها الحصر كيفا ونوعا، (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) "الإنسان: 1".. واضح أن عبارة (حين من الدهر) تعني زمانا سحيقا، وعبارة (لم يكن شيئا مذكورا) تعني أنه كان شيئا، إلا أنه كان تافها، وغير مكلف وليس بشرا سويا.. ثم وبقانون التسبيح والسعي الجبري نحو الكمال (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) "الرعد: 15"، تعقدت الحياة الحيوانية والنباتية وتطورت.. الخوف من الألم ورجاء اللذة هو قانون الحياة.. وقد كان الخوف الرهيب المتراكم من تغيرات البيئة والمهالك ورجاء السلامة والأمن والبقاء هو الذي حفز تكميل النقص وتعقد الوظائف الجسمية وهو المسئول عن بروز الحواس الواحدة تلو الأخرى.. فبعد أن قال: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)، واصل في الآية التالية ليقول: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا) "الإنسان: 2".. النطفة الأمشاج هي الماء المختلط بالطين، وهذا ما طوي في الآية سالفة الذكر (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين).. الخوف الذي حفز الحياة في المراقي طوي في العبارة (نبتليه) والمراقي نفسها، أو توالي بروز الحواس، اختصرت في العبارة (فجعلناه سميعا بصيرا).. (لتعميق هذا الفهم واستقصاء أطرافه راجع: رسالة الصلاة—طه،1979)..

    الفرد البشري، في الرحم يحكي هذه الأطوار كلها، التي استغرقت آمادا سحيقة، في تسعة أشهر وبضعة أيام، (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين.. ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر.. فتبارك الله أحسن الخالقين) "المؤمنون: 12-14".. فهذه ست حركات يطوي فيها الكائن البشري، في رحم الأم جميع مراحل الحياة، منذ فجر الحياة من لدن الماء والطين، وفي الحركة السابعة (ثم أنشأناه خلقا آخر) يدخل الكائن البشري وهو في رحم الأم مرتبة البشرية فيخرج طفلا سويا.

    ليس الغرض من هذا الاستطراد هو القول بصحة الدارونية أو خطئها، ولا أن نقرر أن الإنسان قد انحدر عن قرد أو غيره، ولكن الغرض هو التأكيد على أن التطور إنما هو قانون الوجود (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجليه، ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.. لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) "النور: 63-64".. والإشارة اللطيفة: (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) واضحة الدلالة على استخلاص الإنسان من عامة الدواب المصنفة في الآية.. ثم أن رأي القرآن في التطور شديد الصراحة: (ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا.. ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا، والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا، والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا) "نوح: 13-20".. في هذه الآيات يرد أصل تكوين الإنسان لأبعد من حيوان الخلية، وعلى الأقل فهو يرد حياة الإنسان إلى الخلايا التي تشترك فيها مملكتا النبات والحيوان، (والله أنبتكم من الأرض نباتا).. والتطور في القرآن أمعن وآصل بكثير من الدارونية في التطور، (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا).. وما الحياة في سياق القرآن، إلا مرحلة واحدة من مراحل هذا السير الأبدي السرمدي.. وهي مرحلة لا تختلف عما قبلها وما بعدها اختلاف نوع وإنما اختلاف مقدار.

    أهمية فكرة التطور تأتي من أنها تضع الإنسان في مكانه في أعلى الهرم وهو موضع التكليف ومركز التشريف، (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) "الكهف: 54" والقرآن كله يكاد لا يتعدى تبيين دور الإنسان في الكون.. المخلوقات كلها مسخرة لخدمته، (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) "لقمان: 20".. والقرآن يخاطب الأفراد كغاية في أنفسهم لا كوسيلة لما عداهم ، ويرسم صور العبادات والمعاملات كافة كي يحقق الأفراد كمالاتهم وذلك بالتخلص من الخوف المكتسب عبر الحياة منذ نعومة الطفولة، ثم بعدها بالتخلص من الخوف الموروث عبر الصراع الطويل منذ بدء الخليقة ليكون للأفراد شرف اللقاء بحقيقتهم، بالحقيقة الإلهية التي هي غاية الغايات، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) "الانشقاق: 6".

    إذا فهم هذا الدور وهو غرض الأديان والرسالات السماوية قاطبة، وهو مهمة الخلق ومآله، فيمكن التعرف على فلسفة المعرفة التي تضع كل الأعمال والإنجازات والخطط والسياسات في سبيل تحقيق فرديات الأفراد.. وهذا ما تعبر عنه الآية: (وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى) "الضحى: 3-4".
                  

02-23-2015, 08:26 PM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    تحياتي دكتور عبد الوهاب

    منذ أن انطلقت مسألة الإعجاز العلمي وبعض الناس يعيش في وهم التطابق الكامل بين العلم والدين في حين أن هناك أشياء أساسية بقيت دون تفسير: مثلا مسألة أصحاب الفيل: ماهي الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة ولماذا لم لم يبحث علماء الآثار عن موقع تلك المعركة وينقبوا فيه ليحددوا حقيقة ماحدث؟ ولماذا لم تتحدث عنها كتب التاريخ؟ الشهب الآن معروف أنها حجارة سابحة في الفضاء تدخل مجال جاذبية الأرض فتسقط في الغلاف الجوي فكيف تكون رجوما للشياطين؟ مسألة يأجوج ومأجوج وسد ذي القرنين. وغير ذلك! بعد الفراغ من هذه الأشياء الصغيرة التي قد تجعل البعض يفقدون إيمانهم يمكن بحث الأشياء الكبيرة كنظرية التطور! في الدول المتقدمة أصبح المؤمنين بالكتاب المقدس أقلية بسبب تناقضاته مع العلم فهل المسألة مسألة وقت فقط ليصبح الأمر في بلادنا كذلك؟ هل سيكون مكان الكتب المقدسة هو المتاحف في المستقبل بسبب تناقضها مع العلم؟

    هذا رأيي ولكن بخصوص نظرية التطور إليك دليل آخر: لوحظ أن معامل ذكاء البشر يزيد بمعدل يقارب العشرة نقاط بين كل جيل والذي يليه وهذا يعني أن من يطول عمره يصبح بين أجيال تفوقه ذكاء! "ومن نعمره ننكسه في الخلق" ؟؟
                  

02-23-2015, 08:31 PM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: محمد عثمان الحاج)

    مثال لمحاولة فاشلة لحل لغز سد ذي القرنين: عدنا إبراهيم يقول أن الحكاية وردت في كتاب كالستينوس الذي يحوي حكايات خرافية عن الإسكندر الأكبر وقد تصفحت الكتاب بحثا عن هذه الحكاية فيه فلم أجدها وهو يحدد هنا موضع سد ذو القرنين ولكن لايوجد أي ذكر لهذا السد في مصدر آخر وقد كتبت لعدنا طالببا منه أن يوضح الأمر فلم يرد علي:

                  

02-23-2015, 08:38 PM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: محمد عثمان الحاج)

    مثال لحادثة تاريخية غريبة تشبه قصة أصحاب الفيل لكنها حدثت بعدها بقرون وهي بحيرة الهياكل العظمية في الهيمالايا : بحيرة صغيرة تتناثر على جوانبها هياكل عظمية حفظها البرد اكتشف العلماء أن أصحاب الهياكل وهم مئات ماتوا في وقت واحد وسبب الموت ثقوب مستديرة في الجمجمة واتضح أنهم مجموعتين عرقيتين إحداهما كانت أدلاء يقودون المجموعة الأخرى ليروهم الطريق إلى ماذا الله أعلم وقد اتضح أن سبب الوفاة سقوط قطع برد ذات حجم كبير عليهم من السماء! كيف بقي هؤلاء واختفىى أصحاب الفيل؟


                  

02-24-2015, 12:39 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: محمد عثمان الحاج)

    أشكر اللأخوة على مداخلاتهم القيمة.
    لا شك أن فهم وتفسير النصوص ذات الصلة بالعلوم الدنيوية يتطلب فهماً في هذه العلوم وكذلك إلماماً بعلوم الدين يمكن الباحث من الإتيان بتفسير تتفق مع العلوم الدنيوية ويتبع منهجاً تفسيريا قويماً. ولذا فلابد من أن يلتقي أهل العلم والدين في مناقشة ما كتب عن التطور للأخذ بالتفاسير القويمة وترك تلك التي لم يحالفها التوفيق.
    لقد بحثت أيضاً في البحوث المتعلقة بالإعجاز القرآني ووجدت للأسف الشديد أن العديد منها مفبرك وتنقصه المصداقية. ولا أدري لماذا تفعل أسماء مرموقة هذا الفعل الشنيع والذي يعود بالضرر على الإسلام والمسلمين. فهذه دعوة للجميع أن يفضحوا مثل هذه الأكاذيب الصارخة.
                  

02-24-2015, 01:03 PM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    المرجع لكل مسلم القرآن والسنة ومن يطعن فيهما باجتهاد بشري ...فإن هذا الطاعن مسكين باع دينه بهواه بل بهوى غيره.
                  

02-24-2015, 02:24 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: منتصر عبد الباسط)

    كنت أتمنى أن أرى منك عزيزي منتصر نقداً مفصلاً بدلاً عن كلامات مختصرة يمكن لكل منا تفسيرها حسب رأيه. هل تعني أن القرآن الكريم لا يمكن تفسيره إلا من خلال روايات الحديث أم أن كل تفسير يخالف الطبري وابن كثير وغيرهم من الرواد باطل، أم ما هو قصدك بالضبط؟
                  

02-24-2015, 03:10 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    الأخ الكريم عبد الوهاب السناري..
    تحية واحترام
    صراحة من امتع واكثر جزالة فيما قرأت مؤخراً و اخذت مني القراءة ساعتين حتى هذه النقطة فقط :
    Quote: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9): سورة السجدة (32).
    المعنى الظاهر لهذه الآيات أن الله تعالى بدأ خَلْق الإنسان من طين؛ ثم جعله يتناسل بالماء المهين، أي المني؛ ثم سواه ونفخ فيه من روحه؛ وأكمل خَلْقه، بعد ذلك بأن جعل له السمع والأبصار والأفئدة. قد لا يختلف معي القارئ الكريم أن تفسير الآيات السالفة لا يتفق مع الرأي السائد بين المفسرين، من أن آدم كان البشر الوحيد الذي خُلِق من طين. فالمعنى الظاهر لها يدل أنه، جل شأنه، خَلَق آدم من طين، ثم خَلَق بعد ذلك ذريته من ماء مهين، ثم عاد فخَلَق آدم بعد خَلْق ذريته، ثم عاد وأكمل خَلْق ذريته وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة. وفي هذا الشرح تناقض جلي في تسلسل أحداث الخلق، إذا لا يمكن أن يكون إكمال خلق آدم قد حدث بعد خلق ذريته. ولخص الرازي نقاط الضعف التي تشوب هذا التفسير فيما يلي: "وعلى ما ذكرتم يبعد أن يقال: "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ" عائدٌ إلى آدم أيضاً، لأن: "ثم" للتراخي، فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة، وذلك بعد خَلْق آدم".
    ليس عدم إتساق تسلسل أحداث الخلق هو ما يضعف تفسير الرواد للنصوص الالفة، بل أيضاً زعمهم أن: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في الآيات السالفة تدل على آدم أحياناً، وعلى ذريته أحياناً أخرى، على الرغم من أن مفردة: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في القرآن الكريم، لم تشر إلى فرد بعينه سواء أن كان آدم أو غيره


    لم استطع الاكمال لاني على خروج وساعود بالتساهيل لمواصلة القراءة وكتابة بعض النقاط سجلتها فيما سبق لي قراءته من مقالين .. .. لكن كم وددت لو في اثناء استعراضك للأيات >>> الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)<<<<<<
    لو وضعت بين الاية السابعة والاية الثامنة من سورة السجدة اية 172 الاعراف الواردة سابقاً وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ( لتنظر كيف ترى التناقض في ظل تلك الاية . والا كيف تم إخراج الذرية من ظهر آدم وبنيه وإشهادهم على الربوبية وهم لم يوجدوا بشراً حتى تلك اللحظة..!
    ولعلي كنت قد اردت ان اعلق علي ذلك في معرض حديثك عن الخطاب بضمير الغايب في لعلهم يذكرون ..

    تحياتي وشكرا لك

    (عدل بواسطة HAIDER ALZAIN on 02-24-2015, 03:11 PM)

                  

02-24-2015, 03:34 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: HAIDER ALZAIN)

    الأخ حيدر الزين
    سعدت بأن أكون عند حسن ظنكم وأشكرك على مقترحك فيما يخص الأية 172 من سورة الأعراف. لكني أظن أن الذرية أخذت من الجيل الأول من ظهور بني آدم كما يدل على ذلك المعني الظاهر للنص وليس من ظهر آدم كما ذهب الى ذلك المفسرون. ويمكنك قرآة مقالي بعنوان: هل أخذت الذرية من ظهر آدم. إستناداً على هذا التفسير فإن هذه الآية تشير الى بني آدم وليس الى الخلق من طين والذي فيه دلالة على التطور. وسوف أحاول نشر جميع مقالتي بالتسلسل مستقبلاً.
    مع فائق شكري وتقديري
                  

02-24-2015, 04:51 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (2)
    الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون من التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وسوف أتطرق في هذا المقال والمقالات التي تليه إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. تضمن القرآن الكريم ثلاثة مجموعات من الآيات فصَّلتْ لنا في الخَلْق من طين، ثاني هذه المجموعات قوله تعالى:
    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16): سورة المؤمنون (23).
    بإستثناء الزمخشري والرازي، فقد إتسمت تفاسير بقية الرواد للآيات السالفة، بتشابه بعضها البعض. قال معظم رواد التفسير أن في قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" إشارة إلى آدم، لأن السلالة أُستلت من كل تربة، وآدم خُـِلق من تربة أُخِذت من أديـم الأرض. وقالوا أن الآيتين التاليتين لها تصفان خَلْق بني آدم في الأرحام لأنهم خُلِقوا من سلالة آدم، وهي صفة مائة، ولأن آدم هو الطين لكونه خُـلِق منه. يتصف هذا التفسير بالعديد من نقاط الضعف، أهمها أن رواد التفسير لم يميزوا بين الإنسان وبين آدم وبني آدم، إذ ذكروا أن: "الْإِنسَانَ" تشير إلي آدم في الآية 12، وإلي بني آدم في الآيتين 13 و 14، بينما تشير إلي جميع البشر في الآيتين 15 و 6، على الرغم من أن مفردة: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في القرآن الكريم، لم تشر إلى فرد بعينه سواء أن كان آدم أو غيره. وقالوا أن قوله تعالى: "سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" يشير إلى آدم لأنه خلاصة الطين أو لأنه أُستل من طين.
    هذا، وقد بين لنا القرآن الكريم أن آدم خُلِق من طين وليس من سلالة من طين كما رجَّح رواد التفسير. وقد أوضحتُ في المقال السابق أن السلالة تشير إلى أنواع المخلوقات التي تسلست من بعضها البعض. كما أنهم رجحوا أن الآيتين 12 و 13 تصفان خَلْق الإنسان في الأرحام، أسوةً بنصوص الخَلْق من تراب، وذلك على الرغم من أن جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين يختلف عن خَلْق النطفة كما ورد في نصوص الخلق من تراب. ولنقف الآن عند مواطن الضعف في تفسير الرواد من غير الرازي والزمخشري لهذه الآيات، ولنبدأ بحثنا عن مواطن الضعف هذي بالوقوف أولاً عند الآية 13 والآية 14 لنبين أنهما لا تصفان الخَلْق في الأرحام على قرار الخَلْق من تراب. رَّجح معظم المفسرين الذين يأخذون بالقصة التقليدية لخَلْق الإنسان أن الآية 12 من سورة المؤمنون تشير إلى آدم، لأنه خُلِق مباشرةً من الطين. وذكروا أن الآية 13 تشير إلى خَلْق النطفة كما ورد في آيات الخَلْق من تراب. أما الآية 14 فتشير، على حسب قولهم، إلى الخَلْق في الأرحام، بدأً من طور النطفة، وحتى خروج الجنين من بطن أمه، والذي قالوا أنه يوازي قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ". لكن يمكننا ملاحظة أن أطوار الخَلْق من تراب، بدأً بالنطفة، وإنتهاءً بخروج الجنين من الأرحام، قد ضُمنت جميعها في آيةٍ وحيدة في جميع نصوص الخَلْق من تراب (الآيات 5 من سورة الحج، 11 من سورة فاطر و 67 من سورة غافر). بينما وردت أطوار الخَلْق من طين في سورة المؤمنون في ثلاث آيات منفصلة. وقد رجح المفسرون أن جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" يساوي طور النطفة في آيات الخَلْق من تراب: "ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ".
    ولكن يمكننا أولاً ملاحظة أن طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين، والذي نعلم أنه يمتد لأسبوع واحد، إذا فُسِّر على أنه مرادف لطور خَلْق النطفة، قد ضُمِّن في آية منفصلة في سورة المؤمنون: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ". فإن كان طور جَعْل الإنسان نطفةً في قرار مكين مساوياً لطور خَلْق النطفة في نصوص الخَلْق من تراب، فما السر وراء أن يرد هذا الطور في آية منفصلة في معرض الخَلْق من طين، بحيث يمكن مقارنته بطور خَلْق الإنسان من سلالة من طين كما ورد في الآية 12 من سورة المؤمنون، وهو ما قال المفسرون أنه يشير إلي خَلْقِ آدم؟ وهل يعقل أن تُفرد آية وحيدة لوصف خَلْق آدم، والذي قال المفسرون أنه خُلِق من طين ثم من طين لازب ثم من صلصال من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار، والذي تلاه نفخ الروح فيه قبل أن يكتمل خَلْقه؟ وبالمقابل، تُفرد أية أخرى لطور النطفة، والذي يمتد لأسبوع واحد فقط، ثم يتم دمج بقية أطوار الخَلْق في الأرحام، والتي تمتد إلى تسعة أشهر: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، في آيةٍ أخرى؟ ولماذا إستبقت: "ف" (والتي تشير إلي قصر الفترة الزمنية بين الطورين التي تفصل بينهما، مقارنةً ب: "ثم") طور خَلْق العلقة مضغة "فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً"، وخَلْق المضغة عظاماً: "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا"، وكسو العظام لحماً: "فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"؛ بينما إسبقت: "ثم" طور إنشاء الإنسان خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، والذي قال المفسرون أنه يدل على خروج الطفل من رحم أمه، وهي أطوار يمتد كلٌ منها لفترة زمنية تساوي أو تزيد عن طور النطفة الذي أُفردت له آية كاملة؟
    وما السر في أن ترد بالمقابل جميع أطوار الخَلْق من تراب، في جميع الآيات التي تصف ذلك الخَلْق (الآيات 5 من سورة الحج، 11 من سورة فاطر و 67 من سورة غافر)، مُتَضَمَنةً في آية واحدة، بينما يتم إفراد آية بأكملها لوصف طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين، ضمن آيات الخَلْق من طين؟ ألا يعد ذلك خرقاً للدقة المتناهية في سياق آيات القرآن الكريم، حيث تُتَضمن الأطوار المتقاربة نسبياً في آياتٍ منفصلة، أو يتم فصل هذه الأطوار بحروف العطف، مِنْ: "ثُمَّ" و: "ف" وغيرها، للدلالة على الإتساق النسبي في طول الفترة الزمنية التى يمتد فيها كل من الأطوار التي تحتوي عليها كلٌ من هذه الآيات، أو للدلالة على تسارع أو تباطؤ وتيرة الآحداث التي تشتمل عليها هذه الأطوار؟
    أما السبب الثاني الذي يضعف تفسير الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون إستناداً على قصة الهيكل الطيني أن المفسرين لم يفطنوا أن الآية 15: "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ" والآية 16: "ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" تصفان أيضاً أطواراً رئيسة من أطوار الخَلْق من طين. فكلا الآيتين تفتتحان بحرف العطف: "ثم"، أسوة بالآيات 13 و 14، وكلاهما تنسجم مع الآيات التي سبقتها. وإن دل ذلك على شيئ، فإنما يدل على أن أطوار خَلْق الإنسان من طين لا تنتهي فقط بإنشاء الإنسان خَلْقاً آخر، بل تتعاده إلى طور الموت، والذي يمر به كل إنسان، بل وتشمل أيضاً طور البعث. وبالمقابل، فإن أطوار الخَلْق من تراب تبدأ بالنطفة وتنتهي بخروج الطفل من رحم أمه. وهنا تبدو لنا المفارقة أعمق في الإتساق النسبي بين طول الفترة الزمنية التي يمتد فيها طور البعث وطور جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين، والذين أُفردت لكلٍ منها آية كاملة في سورة المؤمنون. فإذا علمنا أن الطور الأخير من أطوار الخَلْق من طين يحدث يوم البعث، والذي طوله خمسين ألف سنة:
    سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9): سورة المعارج (70).
    فهل يمكننا القول أن طول الفترة الزمنية لطور البعث يتسق مع طور النطفة، والذي يمتد لأسبوع واحد؟ وما العبرة في أن يرد كل من طور البعث، وجعل الإنسان نطفةً في قرار مكين، والخَلْق في الأرحام، في آية منفصلة، على الرغم من عدم الإتساق الكبير في الفترات الزمنية التي تمتد فيها هذه الأطوار؟ لابد إذاً لكل من دقق في التناسق الزمني بين أطوار الخَلْق من طين أن يصل إلى نتيجة مفادها أن كل طور من هذه الأطوار قد يمتد إلى مئات الآلاف، بل قد يمتد بعضها إلى ملايين السنين. ما يمكن إستنتاجه، أيها القارئ الكريم مما سبق، أن جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين ليس هو خَلْق النطفة في الأرحام. فجعلُ الإنسانِ نطفةً في قرار مكين يدل على الخَلْق المركب الذي يحتوي على عدة أطوار.
    ليس التفاوت النسبي في الفترة الزمنية التي يمتد فيها كل طور من أطوار الخَلْق من طين هو السبب الوحيد الذي يضعف تفسير الآيات السالفة إستناداً على قصة هيكل آدم الطيني، بل تعداه إلى معاني بعض المفردات التي وردت فيها. إتفق رأي معظم رواد التفسير أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" في الآية 14 من سورة المؤمنون يدل إما على نفخ الروح في الجنين أو إلى خروجه من بطن أمه. ولكن، إذا إهتدينا بنصوص الخَلْق من تراب، لتبين لنا أن القرآن الكريم وَصَفَ الإنسان بعد خروجه من بطن أمه بالطفل: "ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا"، وليس بالخَلْق الآخر. والمثير حقاً، أن ذلك الوصف ورد في آيتين من آيات الخَلْق من تراب (الآية 5 من سورة الحج والآية 67 من سورة غافر)، مما يدل على إرتباط خروج الطفل من بطن أُمه بنصوص الخَلْق من تراب وليس بنصوص الخَلْق من طين. الدليل على أن إنشاء الإنسان خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" في الآية 14 من سورة المؤمنون لا يدل على خروج الطفل من رحم أمه: "ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا" فيتمثل في البحث عن تكرار: "آخر" و: "نشأ" ومشتقاتهما في القرآن الكريم.
    وردت: "آخر" في القرآن الكريم بمعنى الأجول أو التأخير، أو للدلالة على شيئ أو مخلوق مختلف عن الشيئ أو المخلوق المشار إليه. فمعنى الأجول ينطبق على وصف يوم القيامة أو الآخرة أو الحياة الآخرة، لتميزيهم عن الدنيا أو الحياة الدنيا أو الحياة الأولى. أما إرتباط معنى: "آخر" بالشيئ أو المخلوق المختلف، فقد ورد في العديد من الآيات في وصف الأيام، والمرة، والتارة، والنزلة، والجنات أو المساكن التي بداخلها، والآيات، والنفخ في الصُور، والآلهة، والعذاب، والوِزَر، والسنبلات، والمآرب، والجن، والناس (أنفس، نساء، رجال، فئات، طوائف، أفراد، قوم، قرون). فإذا إستهدينا بما ورد في القرآن الكريم من معنى: "آخر"، لتبين لنا أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" إما أن يعني: "ثم أنشأناه خَلْقاً يختلف عن الخَلْق الذي كان عليه"، أو أنه يعني: "ثم أنشأناه خَلْقاً متأخراً (زمنيا) عن المخَلوقات التي عاشت قبله"، وكلا هذين المعنيين جائز في وصف ذلك الخَلْق الآخر. فإن وصفت آيات الخَلْق من تراب الطفولة على أنها طور من أطوار حياة الإنسان، وليس بالخَلْق الآخر، ألا يرجح ذلك إحتمال أن الخَلْق الآخر تشير إلى الإنسان الذي خُلِق خَلْقاً آخراً، يختلف عن المخلوقات التي إنبثق منها؟ أليس هو نفس الإنسان الذي جاء خَلْقُه متأخراً عن خلق المخلوقات التي إنبثق أو تطور منها؟
    كما يمكن للمتأمل في نصوص القرآن الكريم التي تتطرق إلى نشأة الناس أن يتبين أنها تدل على نشأتهم من أناس أخرين:
    أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6): سورة الأنعام (6).
    وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133): سورة الأنعام.
    وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11): سورة الأنبياء (21).
    ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31): سورة المؤمنون (23).
    ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42): سورة المؤمنون (23).
    أو أنها تدل على نشأة الناس من نفس مختلفة عنهم، أو ما وصفتها الآية الكريمة بالنفس الواحدة:
    وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98): سورة الأنعام (6).
    أو أنها تدل على نشأة الأجنة من أناس أخرين، هما الأب والأم.
    الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32): سورة النجم (53).
    وبالمثل فإن الآية 32 من سورة النجم تؤكد تأكيداً قاطعاً أن المولى، عز وجل، يُنشئ الجنين في بطن أمه خَلْقاً آخر، ولكنه لا ينشئه خَلْقاً آخر عندما يخرج من بطن أمه. فالجنين ينشأ في بطن أمه خَلْقاً آخر لأنه ينتج من أبوين مختلفين عنه. أما عندما يخرج الطفل من بطن أمه، فإنه لا ينشأ خَلْقاً آخر، لأنه نفس المخلوق الذي كان في بطن أمه عندما كان جنيناً، ولكنه إنتقل فقط من طور الخَلْق في الأرحام إلى طور الطفولة عندما خرج من بطن أمه. وإذا قارنا بين جميع هذه الآيات السالفة وبين الآية 14 من سورة المؤمنون، لخلصنا أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، لا يشير إلى تحول الجنين من طور الخَلْق في الأرحام إلى طور الطفولة عندما يخرج من بطن أمه. أما إذا إستهدينا بلغة القرآن الكريم وبحثنا عن الإيماءات القرآنية المتضمنة في قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، لتبين لنا ذلك الخَلْق الآخر يشير إلى بروز الإنسان العاقل إلي حيز الوجود، والذي يتميز عن غيره من المخلوقات التي سبقته بالعقل.
    وهنا، يبرز لنا، أيها القارئ الكريم، إعجاز آخر للقرآن الكريم، يتمثل في ورود: "أَنشَأْنَاهُ " و: "خَلْقًا آخَرَ"، للتأكيد أن ذلك الخَلْق الآخر ليس هو الطفل الذي خرج من بطن أمه. والمدهش حقاً أننا لم نتوصل إلى هذه النتيجة من خلال البحث في قواعد اللغة، بل من خلال منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه. وإن دل هذا على شيئ، فإنما يدل على إختلاف لغة ومعاني القرآن الكريم في العديد من الحالات عن قواعد ومعاني اللغة العربية. وهذا ما يضعف منهج تفسير القرآن الكريم بالرأي، لأن من يتبع هذا المنهج يتخير المعنى أو الأصل الذي يراه مناسباً، من بين العديد من المعاني أو الأصول اللغوية للمفردة موضع البحث. بينما يتم تحديد معنى المفردة في أي نص قرآني، عند تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه، من خلال البحث عن ورود تلك المفردة ومعانيها في القرآن الكريم. ومن ثم تتم مقارنة معنى المفردة التي وردت في النص موضع البحث بمعانيها التي وردت في القرآن الكريم، ليأخذ الباحث بالمعنى الذي يتفق مع المعاني التي وردت في القرآن الكريم، ويترك بقية المعاني. كما يمكن توظيف منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه للوصول إلى المعنى الصحيح في حالة تضارب روايات الحديث، والذي قد لا يخلو منه تفسير أي آية من آيات الخَلْق.
    أما تفسير الآيات السالفة تفسيراً منسجماً مع بقية آيات الخَلْق من طين، ويتم التخلص فيه من نقاط الضعف السالفة، فمفاده أن الإنسان خُلِق في بادئ الأمر من سلالة (أنواع من المخلوقات تسلسلت أو تطورت من بعضها البعض) من طين، وأن أول مخلوق من هذه السلالة إنبثق مباشرةً من الطين: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ". فهذا التفسير يختلف إختلافاً جوهرياً عن التفاسير التقليدية التي ورد فيها أن خَلْق الإنسان من طين بدأ من آدم، وليس من أنواع إنبثقت مباشرةً من الطين. فإذا بدأ الخلق من طين بآدم، لكانت الآيات 13 و 14 تشيران إلي خَلْق بني آدم، ولقال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من ذرية من طين" بدلاً عن قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ"، نسبةً لإقتران الذرية في القرآن الكريم فقط بالناس من دون سواهم من المخلوقات.
    لم يكتمل خَلْق الإنسان في طور السلالة من طين، أو في الطورين الذين تلياه، والتي يمكننا أن نطلق عليها أطوار ما قبل الإنسان، لأنه لم يكن في ذلك الحين على صورته الإنسانيةً، ولم يكن عاقلاً، بل كان مثله مثل بقية الحيوانات التي تعيش في ذلك الحين. بما أن تلك السلالة من طين كانت تمثل أول أنواع المخلوقات التي وُجَدت على الأرض، فلابد أن نتوقع أنها كانت بدائية في كثير من نواحي حياتها، إذ تمثل ذلك في تكاثرها بالإنقسام البسيط وبنمو أجنتها خارج الرحم. ثم تلى طور السلالة من طين طورٌ جديدٌ، ظل فيه الإنسان على صورته وعقليته غير الإنسانية، لكن أصبح تناسله أكثر تعقيداً، حيث صارت أجنته تنمو في بطن الأم وفي الأرحام: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ". ولذا فإننا نلاحظ ورود: "جَعَلْنَاهُ"، بدلاً عن: "خلقناه" للإشارة إلى تحول خَلْق الجنس الإنساني من طور إلى آخر، وليس إلى خَلْق الأفراد في الأرحام.
    تلى طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين طورُ خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"، وهو الطور الذي بدأ فيه خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام على هيئته الإنسانية. بيد أن خَلْق الإنسان العاقل لم يكتمل إلا عندما أصبح خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" مختلفاً عن أنواع المخلوقات التي سبقته. وعندما إكتمل خَلْق الإنسان العاقل، تحول أسلوب الخطاب من خطاب عام إلى خطابٍ مباشر، موجه مباشرةً له: "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" لكونه أصبح قادراً على فهم ما يقال أو يُتلى له. ولابد من الإشارة إلى أنه، على عكس آيات الخَلْق من طين، والتي لم تخاطب الناس خطاباً مباشراً حتى بروز الإنسان في صورته الإنسانية، فإن جميع آيات خَلْق الإنسان من تراب تخاطب الناس خطاباً مباشراً، لأنها تشير إلى خَلْق الناس كأفراد في الأرحام بعد بروز الإنسان في صورته الإنسانية.
    لا يتسق هذا التفسير مع معني الآيات فحسب، بل ويجعل أطوار الخَلْق التي تصفها الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون متسقةً مع بعضها البعض، من حيث الفترة الزمنية التي يمتد فيها كل طور من هذه الأطوار. أول هذه الأطور يتمثل في نوع بدائي من أنواع الحياة ذو خلية واحدة، تمكن من الإنبثاق مباشرةً من الطين الذي وصفه القرآن الكريم بالطين اللازب أو الصلصال من حمأ مسنون أو الصلصال كالفخار، قبل حولي 3 – 4 بليون سنة. وعندما نفخ فيه المولى، جل شأنه، من روحه، سرت الحياة في خليته الوحيدة. وبما أن ذلك النوع كان يتكاثر بإستنساخ أطفال طِبْق الأصل منه، فلابد أن يكون ذلك النوع أنثى وليس ذكراً. وربما لم تك تلك الأم لجميع أنواع المخلوقات في الكرة الأرضية، أول نوع خُلِق في الأرض، فربما سبقتها العديد من الأنواع التي إنقرضت ولم يكتب لها الخلود في سلم التطور.
    أدعوكم لمراجعة أبحاثي على المواقع التالية:
    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/
    https://http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquran/www.facebook.com/groups/mankindinquran/http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquran/www.fac...oups/mankindinquran/

    (عدل بواسطة عبد الوهاب السناري on 02-24-2015, 09:12 PM)

                  

02-24-2015, 04:54 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

                  

02-24-2015, 04:55 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-24-2015, 06:01 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الأخ سيف اليزل
    يمكن لأي إنسان أن يتحدث عن سقوط التطور ولكن هل يعني ذلك سقوطه في القرآن الكريم كما ورد في النصوص التي أوردتها وسأوردها لاحقاً. الفيديو يتحدث عن إمكانية أن عمر القرود التي تمشي على أرجلها ظهرت قبل ما كنّا نتوقع من الحفريات الأخرى. ولكن قد يظن ما لا يفهم في التطور أن هذا الإكتشاف يهدم تطور الإنسان.
    مع تقديري
                  

02-24-2015, 07:32 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    "يمكن لأي إنسان أن يتحدث عن سقوط التطور ولكن هل يعني ذلك سقوطه في القرآن الكريم كما ورد في النصوص التي أوردتها وسأوردها لاحقاً"(انتهى الاقتباس)
    الدكتور عبد الوهاب السناري
    المقتبس أعلاه يُعتبر فضيحة علمية بكل المقاييس بالإضافة إلى أنه يفضح لاعلمية منهجك الذي تسرده هنا الآن، بل وأزعم أنه يهدم بحثك جملة وتفصيلًا، ولكن صدقني لم أدخل إلى هذا البوست من أجل ذلك، بل دخلتُ لاسألكَ عن جملة بدأتَ بها بحثك، وهي: "يظهر التفسير التقليدي لنصوص خلق الإنسان تعارضاً جلياً مع نظرية التطور"(انتهى الاقتباس) فهل لي أن أسألكَ عن "مصدر" هذا التفسير التقليدي؟ هل مجرد اجتهاد بشري من المفسرين كما تفعل أنت الآن، أم له مصدر إلهي من الوحي؟ أعتقد أن هذه النقطة قد تحسم النقاش بشكل جذري

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-24-2015, 07:33 PM)

                  

02-24-2015, 08:32 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: هشام آدم)

    أهنيك في البداية عزيزي هشام بالجائزة التي نلتها وأرجو لك دوام التوفيق. بالطبع التفسير التقليدي هو مجرد إجتهاد بشري ولكنه في الغالب الأعم يتبع منهج تفسير القرأن الكريم بالحديث. ولعلك تعلم أن الأحاديث التي وردت في شأن كثير من النصوص تعارض بعضها البعض وهذا ما يضعف هذا المنهج التفسيري. أما في بحوثي فقد إتبعت منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه. من أهم ما يميز هذا المنهج التفسيري أنه يدلك على التفسير الصحيح والذي يمكن التأكد منه عندما يتوافق المعنى الظاهر لجميع النصوص ذات الصلة بالموضوع محل البحث. ويمكن ضرب مثل لذلك بتجميع أجزاء الصورة المبعثرة كل في موضعه الطبيعي. ولابد من تفسير نصوص الحقائق القرآنية على أساس هذا المنهج تفسيراً توفيقياً بحيث لا يتعارض المعنى الظاهر لأي نصين أو أكثر يتطرقان لنفس الموضوع. فهذه النصوص قطعية الدلالة ولذا فإن وجود أي تناقض بين نصين أو أكثر يدل على عدم فهمنا الصحيح لأحد أو جميع هذه النصوص، وهذا هو الحال مع التفاسير التقليدية. وأظن أني وفقت للوصول لتفسير لنصوص الخلق لا يتعارض المعنى الظاهر لها مع بعضها البعض.
    مع شكري
                  

02-25-2015, 11:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    الدكتور عبد الوهاب السناري
    تحيِّاتي لك، وأشكرك على التهنئة الرقيقة ولك مني الشكر أوفره وأجزله على ذلك

    بالعودة إلى موضوعنا هنا، فما أعلمه أنَّه إذا أراد أيُّ شخص وضع نظرية جديدة، فإنه يتوجب عليه أولًا وكمرحلة أساسية إثبات بطلان النظرية الأولى، ومن الناحية المبدئية فأنا لم أقف على أحاديث "صحيحة" متعارضة فيما بينها فيما يختص بموضوع "قصة الخلق" (بصرف النظر عن صحة الفرضية نفسها من عدمها طبعًا)، كما أنني لم أقف على أيِّ تعارض بين الأحاديث "الصحيحة" والآيات القرآنية التي تتناول هذا الموضوع، أمَّا إن كان رفضك للتفاسير التقليدية لآيات الخلق مبني على تعارضها مع نظرية التطور فهذا افتراض مبني على افتراضٍ آخر يتوجب عليك إثبات صحته أولًا قبل المضي قدمًا في وضع فرضيات "تصحيحية" لمعاني وتفسيرات بعض الآيات، فعلى سبيل المثال هنالك من يرفض فكرة تعارض النصوص الدينية مع أي نظرية علمية على اعتبار أنَّ النص الديني هو نص إلهي؛ وبالتالي فإنه توجد لديه صعوبة في تصديق أن تكون هذه النصوص خاطئة ومتعارضة مع العلوم، ولكن أليس من الأولى إثبات فرضية الإله أولًا ثم البناء عليها لاحقًا؟

    اختصارًا لما أريد أن أقوله، أريدكَ أن تعرض لنا آيات التي تعتقد أنها تتعارض مع بعضها البعض فيما يخص قضية "الخلق" هذه، ثم تعرض لنا الأحاديث "الصحيحة" التي ترى أنها تتعارض فيما بينها من ناحية وتتعارض مع النص القرآني من ناحية أخرى، لأن الواقع يقول إنَّ آيات الخلق كلها تم تفسيرها بناءً على تعاضدها في الفكرة ذاتها، وتفاصيل مذكورة في الأحاديث الصحيحة التي تعتبر جزءًا من الوحي الإلهي الذي لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال فصله عن النص القرآني، فإذا وجدنا أنه لا يوجد أي تعارض بين الآيات بعضها ببعض، وبين الأحاديث "الصحيحة" والنصوص القرآنية فإن فرضية هذه سوف تسقط من تلقاء نفسها، وإن نجحنا في إثبات وجود هذا التعارضات فدعنا نثبت العرش أولًا ثم لننقش، دعنا نتناقش حول فرضية "الخالق" هذه ثم نتجادل لاحقًا حول فرضية "الخلق" ، وأعتقد أنَّ هذا أقرب إلى المنهج العلمي، فماذا ترى؟


    ملاحظة صغيرة: يقع كثير (إن لم يكن كل) من المفسرين الجدد الذين يتبعون منهج تفسير القرآن بالقرآن في خطأ القياس والحمل على ما لا يُحمل عليه، فمنهج تتبع المصطلح الواحد أو الكلمة الواحدة والخروج بنتيجة أنها تعني هذا المعنى أو ذلك هو منهج خاطئ تمامًا، لأن كل كلمة؛ لاسيما في العربية، لها خصوصيتها الوظيفية في كل جملة على حدة فاستخدام كلمة "نفس" في قوله {خلقكم من نفس واحدة} مختلف عن استخدامها في قوله {بعث فيهم رسولًا من أنفسهم} ولا يُمكن حمل استخدام {من أنفسهم} على معنى {من نفس واحدة} كما فعلتَ أنت، فالكلمات لهما معنى مختلف يُستدل عليه من السياق والقرائن، ففعل {خلق} في الآية الأولى، ليس كفعل {بعث} (=أي أرسل) في الآية الثانية، فالخلق من ذات الجنس شيء، والإرسال من ذات الجنس شيء آخر، هذا إذا لم نأخذ اختلاف المعاني في حال تتبعنا للعبارة ذاتها (من نفس) بكل مشتاقاتها في بقية النصوص القرآنية، فلا نجد أنها سوف تعطي معنىً واحدًا، وهذا يعني أن منهج التتبع هذا لا يُعطي نتائج دقيقة، ولتقرأ معي هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر:
    • {ابتغاء مرضات الله وتثبيتًا من أنفسهم} فمن هنا مصدرية أو منشئية تُشير إلى مصدر التثبيت أنه نابع من ذواتهم، وليس له معنى الجنس النوعي كما في قوله {رسولًا من أنفسهم}
    • {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} المعنى هنا تفضيلي بدلالة لفظ التفضيل (أولى) كقولنا: "هذا أفضل من ذلك" وليس له معنى الجنس النوعي كما في قوله {رسولًا من أنفسهم}

    أكتفي بهذين المثالين فأعتقد أن الفكرة قد وضحت

    (عدل بواسطة هشام آدم on 02-25-2015, 11:48 AM)

                  

02-25-2015, 02:35 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: هشام آدم)

                  

02-25-2015, 02:54 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-25-2015, 07:17 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: هشام آدم)

    الأخ هشام
    سوف أحمل مقالاً هذه الليلة أعرض فيه بعض الأحاديث الصحيحة التي تتعارض مع القرآن الكريم. أما فيما يتعلق بالأحاديث التي تتعارض مع بعضها البعض فلا يكاد يخلو تفسير أي نص من النصوص منها. إختصاراً للزمن أرجو مراجعة تفاسير ابن كثير والرازي والقرطبي، فما يهمنا هنا هو تعارض روايات الحديث مع النص القرآني والذي أرى أن مرجعيته تعلو على كل مرجعية، بما في ذلك الحديث. ولكي يشاركنا الجميع في هذا النقاش فسوف أعرض مقالاً يبين أهم سمات منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه.

    أتفق معك أن الكثير ممن يفسرون القرآن الكريم بالقرآن يقعون في خطأ القياس والحمل على ما يحمل إليه وهو الأمر الذي أشرت إليه أيضاً في مقالي. فلابد من التمييز بين المعنى اللغوي والمعنى القرآني للمفردة أو التعبير، وهؤلاء يفسرون القرآن الكريم من خلال مفردات اللغة مما جعلهم يتخبطون في تفسايرهم، وهي ما أطلقت عليها منهج التفسير بالرأي. أما منهجي التفسيري فيتميز بأن معنى المفردة القرآنية يشتق من جزرها ومن خلال تكرارها في القرآن الكريم، وهذا ما قمت بتطبيقه في تفسيري لخلق الزوج من النفس الواحدة. أتفق معك أن "من أنفسهم" قد تعطي معانٍ كثيرة، بيد أن حديثي كان مقتصراً فقط على خلق الرسول من أنفس المؤمنين وخلق الأزواج من أنفسهم وخلق الزوج من النفس الواحدة.

    أنا لا أعتبر نفسي مفسراً وإنما باحثاً في نصوص خلق الإنسان ويأتي ذلك بحكم تخصصي وإهتماماتي بنظرية التطور. بيد أني لا أستطيع أن أفتي في كثير من أمور الدين لإيماني أنه لا يحق لأحد أن يفتي في أي موضوع قرآني إلا إذا ألم بجميع نصوص ذات الصلة به بحثاً وتنقيحاً وتدبراً. ولقد وجدت نفسي مؤهلاً في الخوض في نصوص خلق الإنسان لأني أمضيت الكثير من عمري أبحث فيها. وعليه فقد لا أكون ذو فائدة في نقاش كثير من أمور الدين إلا إذا كانت ذات صلة بمعارفي القرآنية المحدودة. ولكن أقول لك مرحباً في طرح المواضيع التي تود طرحها وسوف لم يمنعني من الخوض فيها سوى محدودية معارفي.

    مع تقديري
    عبد الوهاب

    (عدل بواسطة عبد الوهاب السناري on 02-25-2015, 07:44 PM)

                  

02-25-2015, 07:20 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    قصة الهيكل الطيني
    رسم لنا علماء التفسير تصوراً عاماً عن خَلْق الإنسان بدأً من خَلْق آدم، عليه السلام، مفاده أنه كان أول من خُلِق من البشر، وأن الله تعالى باشر خَلْقه بيده من غير واسطة على هيئة هيكلٍ طيني. وأنه قبض قبضةً من جميع أنحاء الأرض ثم عجنها بالماء فغدت طيناً. وأنه ترك بعد ذلك طينته إلى ما شاء فتحولت إلى طين لازب ثم إلى صلصال من حمأ مسنون ثم إلى صلصال كالفخار، ثم نفخ فيها من روحه فتحولت إلى بشرٍ من لحمٍ ودم. وقالوا أن المولى، عز وجل، أضاف خَلْق آدم إلى نفسه تكريماً له، لأنه، جل شأنه، لم يباشر خَلْق أي شيئ بيده، بإستثناء العرش والقلم وآدم وجنة عدن. وقد روج الفقهاء لهذه القصة على حد السواء وركزو على نواحيها التشويقية، دون الإهتمام بمدى صحتها ومدى توافقها مع القرآن الكريم. ونتج عن ذلك أن رسخت في عقولنا ورسخ أيضاً معها إيماننا العميق بمصداقيتها. ولعل هذا كان من أهم العوامل وراء جهل الكثير من المسلمين بالتناقضات العديدة التي تذخر بها، بل وراء عدم إدراك الكثيرين أنها تتعارض مع العديد من النصوص القرآنية.
    على الرغم من أن القرآن الكريم لم يُفَصِّل لنا في الكيفية التي خُلِق بها آدم، إلا أنه لا يوجد أي نص صريح يؤكد فكرة خَلْق هيكله الطيني. وعلى العكس من ذلك، فإن العديد من الإشارات القرآنية تؤكد أن آدم خُلِق في الأرحام، أسوةً بخَلْق جميع البشر. وسيكون هيكل آدم الطيني موضوع هذا المقال. وسوف أورد عند تطرقي لأي من المواضيع التي أتناولها في هذا البحث الحديث أو الأحاديث ذات الصلة بالموضوع في البداية، ثم أقارنها بما ورد في القرآن الكريم لأبين مدى التعارض بينها وبين ما ورد في التالي القرآن الكريم. وسوف أورد بقدر المستطاع الأحاديث الصحيحة حتى لا أتهم بعدم الأمانة العلمية. ويمكن للقارئ التأكد من هذه الأحاديث في موقع الدرر السنية: http://www.dorar.net/http://www.dorar.net/
    إستدل المفسرون بالحديث الصحيح التالي للتأكيد على خلق الله تعالى لآدم بيده:
    يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده. الراوي: المحدث: ابن تيمية. المصدر: مجموع الفتاوى. الصفحة أو الرقم: 5/88. خلاصة حكم المحدث: من الأحاديث الصحاح.
    وكذلك أوردوا الحديث الصحيح التالي، ليس فقط للتأكيد على خلق الله تعالى لآدم بيده، بل للجزم بأنه، جل شأنه، قال لسائرِ الخلق بعد ذلك: "كُن" فَكانَ.
    قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ: خلقَ اللَّهُ أربعةَ أشياءَ بيدِهِ: العرشَ، والقَلمَ، وآدمَ، وجنَّةَ عدنٍ، ثمَّ قالَ لسائرِ الخلقِ كُن فَكانَ. (الراوي: مجاهد بن جبر المكي المحدث: الألباني. المصدر: مختصر العلو. الصفحة أو الرقم: 53. خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم).
    لا أظن أن القارئ يختلف معي أن هذا الحديث الصحيح يؤكد أن آدم هو الإنسان الوحيد الذي خلقه الله تعالى بيده، وأنه لم يقل له: "كُن"عندما خلقه كما فعل مع سائرِ الناس. لكن هل تعلم أن هذا الحديث الصحيح يناقض نصاً قرآنياً صريحاً:
    إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون (59): سورة آل عمران (3).
    والذي يقول صراحةً أن المولى، جل شأنه، قال لآدم عندما خلقه: "كن". ألا يتعارض ما ورد في الحديث الصحيح السابق مع ما ورد في هذا النص تعارضاً لا هوادة فيه؟ ألم يبين لنا القرآن الكريم أن: "كُن" تستبق دوماً حدوث أي أمرٍ أو شيئ أراد المولى، جل شأنه، حدوثه:
    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (117): سورة البقرة (2).
    قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47): سورة آل عمران (3).
    وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73): سورة الأنعام (6).
    إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40): سورة النحل (16).
    مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35): سورة مريم (19).
    إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82): سورة يس (36).
    هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68): سورة غافر (40).
    ثم أن الحديث يقول صراحةً أنه، جل شأنه، خلق أيضاً العرش والقلم وجنة عدن بيده، وهذا ما لا نجد ما يؤيده في القرآن الكريم.
    إستدل المفسرون بالنص التالي لدعم ما ورد في الحديث السابق من أن المولى، عز وجل، خَلَق آدم بيده:
    قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75): سورة ص (38).
    قال المفسرون، أن قوله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ"، يعني لما باشرتُ خَلْقَه بنفسى، أي من غير واسطة. وقالوا، أن ذلك القول يشير إلى خَلْق آدم المعجزة، لأنه، جل شأنه، لم يباشر خَلْق أي مخلوق آخر بيده، ما عدا العرش والقلم وآدم وجنة عدن كما ورد في الحديث. لكن إن كانت هذه الآية الكريمة تشير إلى أن المولى، جل شأنه، خَلَق آدم بيده، ألا يحق لنا أن نسأل عن السر وراء ورود: "لِمَا"، والتي تدل على غير العاقل، بدلاً عن: "لمن"، والتي تدل على العاقل في النص السابق. إذا بحثنا في القرآن الكريم لتبين لنا أن: "ما" لم تدل على الإنسان إلا عندما تغلب أنواع المخلوقات من غير البشر عليهم، أو في معرض الحديث عن الحمل أو ما في الأرحام أو ما في البطون، أو في معرض الحديث عما ملكت الأيمان عموماً، أو في معرض الحديث عن نكاح النساء أو ما ملكت الأيمان من النساء. إذاً، لو كان تعالى ينوي أن يشير لخَلْق آدم بيده في هذه الآية الكريمة، لقال: "لمن خلقت بيدي"، أسوةً بما ورد في القرآن الكريم في معرض الإشارة للبشر، جماعةً كانوا أم فرادى. وإن قال قائلٌ، إن لم يكن المشار إليه بقوله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" آدم، عليه السلام، فإلى مَنْ تُشِر الآية الكريمة؟ لعل المقصود بذلك أي مخلوق، كائن من كان، خَلَقه الله تعالى بيده، أي على قاعدة: "كن فيكون". فهذا التفسير يأتي منسجماً مع إستخدام: "ما" عندما يغلب غير العقلاء على العقلاء، أو غير البشر على البشر. ويصبح معنى الآية على النحو التالى: "ما منعك يا إبليس ألا تسجد للمخلوق الذي خلقته بيدى حين أمرتك بالسجود له؟". ويمكننا مقارنة الآية السالفة بالآية 61 من سورة الإسراء، فعندما أراد إبليس أن يقول أنه لن يسجد لآدم بالذات، قال: "أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"، ولم يقل: "أأسجد لما خلقت طينا":
    وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61): سورة الإسراء (17).
    أما إذا قال إبليس: "أأسجد لما خلقت طينا"، لفهمنا من ذلك أنه رفض السجود لأي كائن خَلَقه الله تعالى من طين، سواء أن كان آدم أو غيره من المخلوقات، لأنه، على حد ظنه، كان أكرم من أن يسجد لمثل ذلك المخلوق. ويبدو ذلك جلياً عند البحث في النصوص التي تضمنت أمر المولى، جل شأنه، لإبليس بالسجود لآدم ومعصية إبليس لذلك الأمر. فقد إستنكر المولى، جل شأنه، عدم سجود إبليس، لا لأنه قرر عدم السجود لآدم بالذات، بل لأنه عصى أمر ربه، والذي كان لا يحق له أن يعصيه. فإذا وقفنا على الآيات التي سأل فيها المولى، جل شأنه، إبليس عن الأسباب وراء عدم سجوده لآدم، لتبين لنا أن سؤاله تعالى لإبليس، لا يدور حول عدم سجود إبليس لآدم، بل حول معصية إبليس له، والتي تمثلت في عدم تنفيذه لأمر السجود، سواء أن كان سجوداً لآدم أو لغيره من المخلوقات:
    قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12): سورة الأعراف (7).
    قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32): سورة الحجر (15).
    وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50): سورة الكهف (18).
    وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116): سورة طه (20).
    إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74): سورة ص (38).
    ففي قوله تعالى: "إِذْ أَمَرْتُكَ"، وقوله تعالى: "مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ"، وقوله تعالى: "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ"، وقوله تعالى: "إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى"، وقوله تعالى: "إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ"، تركيز على معصية إبليس وعدم طاعته لأمر ربه بالسجود، وليس على عدم سجوده لآدم بالذات. وفي المقابل، لم يتمحور جواب إبليس حول معصيته لأمر ربه، بل حول سجوده لآدم. فإبليس الذي خُلِق من نار، كان يظن أنه أرفع من أن يسجد لمن خُلِق من طين أو من صلصال من حمأ مسنون، ولذا كان رده للمولى، جل شأنه، في جميع النصوص التي وردت في هذا الشأن، يدور حول هذا المحور:
    قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12): سورة الأعراف (7).
    قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33): سورة الحجر (15).
    وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61): سورة الإسراء (17).
    قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76): سورة ص (38).
    ورد في صحيح الحديث أن الله تعالى خلق آدم من تراب ومن طين. وورد أيضاً أنه قبض قبضةً من جميع أنحاء الأرض ثم عجنها بالماء فغدت طيناً.
    خلق الله آدم من تراب الجابية، وعجنه بماء الجنة. الراوي: أبو هريرة. المحدث: السيوطي. المصدر: الجامع الصغير. الصفحة أو الرقم: 3927. خلاصة حكم المحدث: صحيح.
    إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب. الراوي: أبو موسى الأشعري. المحدث: الترمذي. المصدر: سنن الترمذي. الصفحة أو الرقم: 2955. خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.
    نعم، لقد ورد في القرآن الكريم أن الله تعالى خلق آدم من تراب ومن طين. وهذا ما تؤكد عليه النصوص التالية إضافةً إلى النصوص التي أشرنا إليها قبل قليل من خلال جواب إبليس لربه حول معصيته لأمره بالسجود لآدم:
    وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28): سورة الحجر (15).
    إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71): سورة ص (38).
    لكن القرآن الكريم لا يؤيد روايات الحديث من أنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ثم عجنها بماء الجنة، ومن ثم أكمل خَلْقَه ليتحول من طين إلى بشر من لحم ودم. وإن كان الأمر كذلك فكيف يمكننا تفسير ما ورد في القرآن الكريم من أن الله تعالى لم يخلق فقط آدم من طين، بل أنه خلق أيضاً الإنسان من طين:
    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26): سورة الحجر (15).
    فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ11) ): سورة الصافات (37).
    خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14): سورة الرحمن (55).
    وكيف يمكننا تفسير ما ورد في القرآن الكريم من أن الله تعالى لم يخلق فقط آدم من تراب، بل أنه خلق أيضاً عيسى من تراب:
    إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون (59): سورة آل عمران (3).
    فعلى الرغم من تأكيد النص السابق على خلق كلٍ من آدم وعيسى من تراب، إلا أن المفسرين قالوا أنه يقارن بين معجزتي خلق آدم من التربة، أي من دون أب أو أم، وبين خلق عيسى من دون أب. وقد يكون هذا الرأي مقبولاً، لولا أن المولى، جل شأنه، أوضح لنا بصريح العبارة، أن صاحب الجنة الذي إغتر بجنته خُلِق أيضاً من تراب، مثلما خُلِق كل من آدم وعيسى من تراب:
    قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37): سورة الكهف (18).
    ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن القرآن الكريم أكد في أربعة نصوص أخرى، أن جميع الناس خُلِقوا من تراب:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5): سورة الحج (22).
    وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20): سورة الروم (30).
    وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11): سورة فاطر (35).
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67): سورة غافر (40).
    وفي محاولة من المفسرين للتوفيق بين ما ورد في القرآن الكريم من أن الإنسان خلق من تراب وبين أحاديث خلق آدم قالوا أن مفردة: "الإنسان"، كما وردت في نصوص الخلق، تشير إلى آدم مرةً وإلى بنيه مرةً أخرى وإلى الإثنين معاً في مواضع أخرى. وكانت النتيجة الحتمية أن يختل تفسير نصوص الخلق فتبدو تفاسيرها متناقضةً مع بعضها البعض. وقد تطرقت لهذا التناقض في سلسلة مقالات نشرتها في صفحتي على الفيسبوك: https://http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquran/www.facebook.com/groups/mankindinquran/. ولكن لا ضير أن نورد هنا بعض الأمثلة لذلك. قال تعالى:
    الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9): سورة السجدة (32).
    يدل المعنى الظاهر لهذا النص أنه، جل شأنه، خَلَق آدم من طين، ثم خَلَق بعد ذلك ذريته من ماء مهين، ثم عاد فخَلَق آدم بعد خَلْق ذريته، ثم عاد وأكمل خَلْق ذريته وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة. وفي هذا التفسير تناقض جلي في تسلسل أحداث الخلق، إذ لا يمكن أن يكون إكمال خلق آدم قد حدث بعد خلق ذريته. كما أن النص السابق قال بصريح العبارة أن خَلْق الإنسان بدأ من طين وليس من تراب. وهنا تكمن معضلة كأداء لكل من يؤمن بقصة الهيكل الطيني، لأنها تستند على إفتراض أن خَلْق الإنسان بدأ من تراب وليس من طين. ولا يمكن لمن يؤمن بهذه القصة أن ينفي عنها هذه التهمة التي تخالف نصاً قرأنياً لا يحتمل أي تأويل مختلف. فإن قال، جل شأنه، في محكم كتابه أنه خَلَق الإنسان من طين ومن تراب، وإن ذكر لنا في محكم كتابه أنه بدأ خَلْق الإنسان من طين وليس من تراب، فهل يمكننا القول أن الإنسان خُلِق من الطين الذي نتج عن بل التراب بالماء؟ وهذا مثال آخر على الخلط الذي أحدثه قول المفسرين أن مفردة: "الإنسان"، كما وردت في نصوص الخلق، تشير إلى آدم مرةً وإلى بنيه مرةً أخرى وإلى الإثنين معاً في مواضع أخرى:
    وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11): سورة الأعراف (7).
    يدل المعنى الظاهر لهذا النص أن المولى، عز وجل، أسجد الملائكة لآدم بعدما أكمل خَلْق وتصوير الناس؟ فقد جاء هذا التأكيد بلغةٍ لا تحتمل الشك، إذ أن ورود: "وَلَقَدْ"، والتي هي للتأكيد، وورود: "ثُمَّ"، والتي تفيد التراخي والدلالة على الترتيب الزمني للأحداث، يؤكدان تأكيداً قاطعاً أن أمر الملائكة بالسجود لآدم تم بعد أن أكمل الله تعالى خَلْق وتصوير الناس. وقال الرازي في ذلك: "ومفردة: "ثُمَّ" تفيد التراخي، فظاهر الآية يقتضي أن أمْر الملائكة بالسجود لآدم وقع بعد خَلْقنا وتصويرنا، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك".
    يستدل المفسرون بالعديد من الأحاديث لدعم قصة الهيكل الطيني والتي مفادها أن خَلْق آدم تم بأن خَلَق الله تعالى من الطين كهيئة البشر، ثم تركه ما شاء الله أن يتركه حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه وصوره ثم تركه فتحول إلى صلصال كالفخار ثم نفخ فيه من روحه، فكان بشرا من دمٍ ولحم، نورد منها:
    لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه. فجعل إبليس يطيف به, ينظر ما هو. فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك. الراوي: أنس بن مالك المحدث: مسلم. المصدر: صحيح مسلم. الصفحة أو الرقم: 2611. خلاصة حكم المحدث: صحيح.
    إن الله خلق آدم من تراب ثم جعله طينا ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه وصوره ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار قال فكان إبليس يمر به فيقول لقد خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول شيء جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطس فلقاه أنه حمد ربه فقال الرب يرحمك ربك..... الراوي: أبو هريرة المحدث: الهيثمي. المصدر: مجمع الزوائد. الصفحة أو الرقم 8/200. خلاصة حكم المحدث: فيه إسماعيل بن رافع قال البخاري ثقة مقارب الحديث وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح.
    لكن لا يؤيد القرآن الكريم هذه القصة لأننا إذا بحثنا فيه فلن نعثر على أي آية تؤيدها. ولم يلتفت المفسرون إلى أن القرآن الكريم أشار في العديد من الآيات أن الإنسان خُلق أيضاً من طين ومن طين لازب ومن صلصال من حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار. لكنهم لم يفطنوا أن هذه الأوصاف لم تُشِر إلى أطوار هيكل آدم الطيني بأية حال من الأحوال، لكنها في حقيقة الأمر أوصافٌ مختلفة لمسمىً واحد، ألا هو الطين الذي خُلِق منه الإنسان. فالصلصال من حمأ مسنون هو الطين الأسود الذي طال إختلاطه بالماء، حتى خالطته الحمأة، فكدر ونتن وتغيرت رائحته وصار مسنوناُ، أي مملساً، وأصبح يصِّل إذا نُقِر. أما الطين اللازب فهو الطين الذي إختلط بالماء، حتى أصبح لازباً، أي أنه يتصف بالتماسك والقوة واللزوجة، بحيث أنه يلتصق باليد ويتداخل بعضه في بعض. كما أن الصلصال كالفخار هو الطين الذي طال إختلاطه بالماء، فصار منتنا وأصبح قوياً مسنوناً ومملساً، مثل الفخار القوي الذي يصوت إذا نقر. ألا يرى القارئ في هذه الأوصاف تطابقاً بين وصف الطين اللازب والصلصال من حماء مسنون والصلصال كالفخار؟
    وإن كان في الطين اللازب والصلصال من حماء مسنون والصلصال كالفخار وصف لهيكل آدم الطيني فلماذا لم يتم ترتيب هذه الآيات ترتيباً متسلسلاً في القرآن الكريم؟ ولماذا وردت كل من هذه الأوصاف متفرقةً في القرآن الكريم؟ ولماذا لم يرد صراحةً في القرآن الكريم أن كلاً من هذه الصفات يمثل أحد أطوار هيكل آدم الطيني؟ ولماذا إختلف سياق الآيات التي تضمنت هذه الأوصاف عن سياق آيات الخَلْق من تراب، والتي بينتْ لنا أن خَلْق الإنسان من تراب يبدأ بالنطفة ثم بالعلقة، إلخ؟ ولماذا لم ترد: "ثم" أو أي حروف عطف أخرى في هذه الآيات لتفيد التراخي الزمني في هذه الأطوار، أسوة بأطوار خَلْق الإنسان من تراب؟ ولماذا إختلف سياق الآيات التي تضمنت هذه الأوصاف عن سياق الآيات التي تصف أطوار الخَلْق من طين، والتى وردت بينها: "ثُمَّ"، لتفيد التراخي في التسلسل الزمني بين هذه الأطوار؟
    لقد روج الفقهاء لقصة الهيكل الطيني على الرغم من إدراكهم أنها لا تتفق مع القرآن الكريم في العديد من جوانبها. وكان نتيجة ذلك أن رسخت هذه القصة المزخرفة في عقول العامة ورسخ أيضاً معها إيمانهم العميق بمصداقيتها. فتسبب ذلك إلى جهل الكثير من المسلمين بالتناقضات العديدة التي تذخر بها، وأنها تتعارض مع العديد من النصوص القرآنية. فهل آن الأوان أن نتخذ موقفاً جدياً نحو هذه القصة والأحاديث التي تستند عليها؟
                  

02-25-2015, 06:48 PM

Badreldin

تاريخ التسجيل: 05-23-2003
مجموع المشاركات: 342

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    فيما يلي رد الاستاذ محمود محمد طه على مصطفى محمود فيما يخص بداية الخلق
    بدء الخلق
    لقد برز الخلق عن الوحدة .. فالسموات، والأرض، نشأت من سحابة واحدة .. قال تعالى في ذلك: (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض، كانتا رتقا، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي؟؟ أفلا يؤمنون؟؟ * وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم، وجعلنا فيها فجاجا سبلا، لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا، وهم عن آياتها معرضون * وهو الذي خلق الليل، والنهار، والشمس، والقمر .. كل في فلك يسبحون) .. السموات، والأرض، كانت سحابة واحدة، مرتوقة فانفتقت وكانت هذه السحابة من بخار الماء .. قال تعالى في ذلك: (ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض: ائتيا، طوعا، أو كرها .. قالتا: أتينا طائعين) .. وهذه السحابة، قبل أن تكون بخار ماء، قد كانت من غاز الهايدروجين .. وذرة غاز الهايدروجين هي أول مظاهر تجسيد الإرادة الإلهية ..
    وعلى هذا الاعتبار، فإن قولك، في صفحتي 60 و61: (فإذا جئنا إلى مبدأ الكون كله .. بنجومه وشموسه وكواكبه فنحن أمام إجماع من علماء الفلك بأن كل شيء نشأ من الهواء من سحب الغاز والتراب الأولية) فقول يحتاج إلى مراجعة ..
    قولك من صفحتي 65 و66: (فهو مرة يذكر أن الحياة خلقت من الماء ومرة يذكر أنها خلقت من تراب ثم يعود فيخصص ويقول من الطين أو على وجه الدقة الماء المنتن المختمر المختلط بالتراب وهو اتفاق غريب ودقيق مع اكتشافات العلم بعد 1400 سنة) .. فإنه قول يفوت الحكمة من وراء تنويع العبارة، في الآيات: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، و: (والله خلق كل دابة من ماء)، و: (أكفرت بالذي خلقك من تراب؟؟)، و: (وإذ قال ربك للملائكة: إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون) .. فإن المقصود من تنويع العبارة إنما هو الإشارة إلى الوحدة التي تنتظم المظاهر المختلفة فإن الماء، والتراب، والصلصال من الحمأ المسنون، كلها، أصلها بخار الماء .. وهي، وإن بدت لنا مختلفة اختلاف نوع، فهي، في الحقيقة، لا تختلف إلا اختلاف مقدار ..
    قولك من صفحة 66: (وفي هذه الآية يحدد أن خلق الإنسان تم على مراحل زمنية: (خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) والزمن بالمعنى الإلهي، طويل جدا (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)) فقول غير دقيق .. فإن خلق الإنسان، وتصويره، وإسجاد الملائكة له، لم يتم، وإنما هو مستمر، ولن ينفك، إنه سرمدي .. (خلقناكم) تعني أحطنا بكم علما، وهذه مستمرة، ولن تنفك .. (صورناكم)، تعني قلبناكم في الصور المتتالية في سلم التطور، وهذه مستمرة، ولن تنفك .. (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، إشارة إلى صورة التطور في الذبذبة بين الخير، والشر – بين الخطأ، والصواب – وهذه مستمرة، ولن تنفك .. وليس صحيحا (أن الزمن بالمعنى الإلهي طويل جدا)، على إطلاق العبارة .. فإنه أيضا قصير جدا، لأنه قد جاء من (اللازمن)، ويخرج إلى (اللازمن) .. فهو في طرفي المجيء، والذهاب، موصوف بالقصر، وبالطول .. فإنه في قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن)، قصير قصرا يكاد يخرجه عن الزمن .. فالزمن، على كل حال، قيمة نسبية، وهو يختلف باختلاف الأمكنة.
    قولك، من صفحة 67: ((وقد خلقكم أطوارا) .. ومعناها: أنه كانت هناك، قبل آدم، صور، وصنوف من الخلائق، جاء هو، ذروة لها ..
    (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟؟) إشارة إلى مرحلة بائدة من الدهر لم يكن الإنسان يساوي فيها شيئا يذكر) .. فإني ما أحب لك فيه، عبارة: (معناها أنه كانت هناك قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء هو ذروة لها) فإن الدقة تقضي بأن تقول: أن آدم، نفسه، هو هذه الصور، متطورا في الأزمنة، فقد مر وقت كان فيه آدم ذرة (غاز هايدروجين)، ثم تقلب في الصور، ولا يزال، ولن ينفك .. وليس صحيحا قولك من هذه الصفحة نفسها: (حتى بلغت ذروتها في آدم) .. ذلك بأن آدم، هو في مرحلة نحو الإنسان – آدم مشروع إنسان – وهو مشروع ذروته الله .. أقرأ، إن شئت (وإن إلى ربك المنتهى) ولا منتهى!!
    وأما قولك في صفحة 70 ((لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في مكابدة مستمرة وصراع وعناء. ولهذا أسجد الله له الملائكة وسخرهم لخدمته ومعونته لأنه علم سريرة ذلك المخلوق الذي له جسم الطين وروح الله. واستحقاقه للرعاية في كل أطواره)، فهو قول شديد الدلالة على ضعف تصورك لمصير الإنسان .. ذلك بأنه يخرج من الحاجة إلى الإستغناء .. وسينتهي وجود الملائكة، ولا ينتهي وجود الإنسان .. والطور الذي تراه فيه في حاجة للرعاية، إنما هو طور مرحلي فليس صحيحا، إذن، أن الله سخر لخدمته الملائكة، لأنه مستحق (للرعاية في كل أطواره)، كما قررت أنت ..
    قولك من صفحة 71 ((والجان خلقناه من قبل من نار السموم) ونار السموم هي النار الصافية بلا دخان أو من الطاقة الخاصة ذاتها)، قول غير صحيح .. فالنار الصافية، وأنت تعبر عنها بـ(الطاقة الخالصة ذاتها)، لم يخلق منها إبليس، وإنما خلق من النار، المخلوطة بسواد الدخان .. وعبارة القرآن تقول: (من نار السموم) فمن أين جئت أنت بـ(النار الصافية بلا دخان .. والطاقة الخالصة ذاتها)؟؟ إن الملائكة هم الذين خلقوا من الطاقة الخالصة .. وهذا هو السر في أنهم لم يعصوا الله ما أمرهم، وإنما جاءت المعصية لإبليس لأنه لم يخلق من الصافي، وإنما خلق من المخلوط – من نار السموم .. وأنا أعرف أن بعض المفسرين قد ذكر مسألة صفاء النار من الدخان وهو خطأ قد انسقت إليه أنت، أيضا، فالذين يخلقون من الصافي، لا يعصون ..
    وأما قولك، في صفحة 72 ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين) .. (وأسفل سافلين) هي هاوية التيه المادي .. إلى طين المستنقعات .. هذه المرة إلى مجرد جرثومة، في طين الأرض. إلى نقطة بدء أولى .. من الصفر. وكان على آدم أن يخرج من هذا التيه المادي في إنبثاق متدرج عبر خمسة آلاف مليون سنة كما تقول لنا علوم البيولوجيا وعبر مراحل وأطوار بدأت بالخلية الأولى والأميبا صعدا إلى الإسفنج والرخويات والقشريات .. إلخ .. إلخ .. في رحلة قاسية وعبر صراعات دامية مع بيئات متعددة تكافح فيها الحياة الوليدة بالمخلب والناب)) فهو قول غير دقيق، أيضا .. أولا، فإن مسألة خمسة الآلاف مليون سنة، لا تعطيها علوم البيولوجيا، وإنما تعطيها علوم الفلك .. وهي تقدير، على كل حال، للزمن الذي يفصل بيننا، وبين بدء انفصال الأرض عن الشمس، حيث كانت معها (هي وأخواتها، الكواكب السيارة الأخرى) في سحابة واحدة، هي من بخار الماء .. ولقد كانت، من قبل، من غاز الهايدروجين .. وثانيا، فإن نقطة (طين المستنقعات)، ليست نقطة (الصفر)، وإنما هي حلقة متقدمة جدا في سلسلة التطور .. إن أسفل سافلين إنما هي (ذرة غاز الهايدروجين) .. هذا ليس ما يعطيه العلم المادي فقط، وإنما هو ما يعطيه العلم الروحي، أيضا .. هناك أمر ورد في هذه الصفحة بخصوص الأمانة، وقد وردت، من قبل، في فصل (مخير، أم مسير)، وقلت عنها، هناك في صفحة 34: ((إنا عرضنا الأمانة على السموات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان .. إنه كان ظلوما، جهولا) ..
    لقد جهل الإنسان تبعة هذه الأمانة، وأهوالها، ومهالك الغرور التي سيتعرض لها بحملها .. وكيف أنه سيظلم بها نفسه، وغيره .. ولكن الله كان يعلم بهذه المحنة الهائلة .. وكان يعلم أن هذه المحنة سوف تزكي الإنسان، وتطهره وتربيه: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء؟؟ ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون) .. ولا نعرف كيف تم هذا العرض على الإنسان بأن يكون حرا أو لا يكون؟؟ ولا متى تم هذا العرض .. هل حدث في مبدأ الخلق مع آدم؟؟ أم مع الأرواح قبل نزولها إلى الأرحام؟؟ فهذا غيب مطلق.) وقلت في صفحة 72: ((إنا عرضنا الأمانة على السموات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان .. إنه كان ظلوما جهولا)، والإنسان لم يدرك مخاطر هذه الأمانة لجهله فظلم نفسه بحملها، ولأن الله كان يعلم مخاطر حمل هذه الأمانة .. وكان يعلم أنها سوف تلقي الإنسان في مهالك الغرور .. فإنه لطفا منه ورحمة .. أمره بالطاعة، وبالإسلام لكلمة الله بألا يأكل من الشجرة لتدوم له الجنة (جنة الطاعة والإسلام للناموس الإلهي) ..
    ولكن الإنسان اختار أن يكون حرا مسئولا وأن يخرج على الأمر الإلهي (بإغراء إبليس) فيأكل من الشجرة .. وهكذا وقع عليه التكليف وأصبح محاسبا منذ تلك اللحظة .. وحق عليه العقاب .. وكان العقاب هو الطرد والإهباط من تلك الجنة إلى الأرض والنزول إلى التيه المادي) .. هذا وذاك هما ما قلته أنت في صفحتي 72 و34. ويهمني هنا بشكل خاص قولك، من صفحة 34: (ولا نعرف كيف تم هذا العرض على الإنسان بأن يكون حرا أو لا يكون، ولا متى تم هذا العرض؟؟ هل حدث في مبدأ الخلق مع آدم؟؟ أم مع الأرواح قبل نزولها إلى الأرحام؟؟ فهذا غيب مطلق) فإنما هو قول يشمل إعترافا صريحا، ومقبولا، بالجهل بأمر الأمانة .. وفي الحق أن مجرد هذا الإعتراف يحرمك الحق في الخوض في مسألة دقيقة، غاية الدقة، كأمر الجبر والإختيار في الإسلام .. وإني أرشح لك مقدمة الطبعة الرابعة من كتابي (رسالة الصلاة)، فإن فيها معالجة موجزة لهذا الأمر، منها يتضح أن الإنسان لم يكن مخيرا في حمل الأمانة، أو تركها، وإنما كانت مفروضة عليه فرضا لا يملك عليه امتناعا .. ثم، من الذي قال أن هذا الأمر – أمر عرض الأمانة – (غيب مطلق)؟؟ إن عبارتك هذه لشديدة الدلالة على ضعفك في التوحيد فإن الغيب المطلق هو ذات الله، وحدها .. قال تعالى، في ذلك: (قل لا يعلم من في السموات، والأرض، الغيب إلا الله .. وما يشعرون أيان يبعثون؟ * بل إدارك علمهم في الآخرة، بل هم في شك منها .. بل هم منها عمون) .. هذا هو الغيب المطلق .. وهو لا يعلمه الملأ الأعلى، ولا الملأ الأسفل .. (من في السموات والأرض) .. لا يعلمه إلا الله .. وهذه القاعدة التوحيدية التي تقول: (لا يعرف الله إلا الله) .. أما أمر الأمانة وتساؤلاتك عنها، فهي مما يدخل في علم، الراسخين في العلم .. وأنت، على كل حال، مدعو، ومرجو، أن تجد الإجابة على تساؤلاتك هذه في أمر الأمانة .. وليس لك إلى ذلك من سبيل غير تجويد التوحيد، وذلك عن طريق ممارسة العبادة في إتقان تقليد المعصوم .. ويومها سينكشف لك، أن شاء الله، أن الإنسان مسير، وأن آدم، حين عصى، (وعصي آدم ربه فغوى) فإنه لم يعص الأمر التكويني، وإنما عصى الأمر التشريعي .. والأمر التكويني محيط بالأمر التشريعي، وفي الأمر التكويني لا تدخل المعصية، وإنما هي الطاعة .. فمن عصى فإنه فيه فقد أطاع، في معنى ما قد عصى .. هذا وإنك لشديد الإصرار على أمر التخيير .. ويجئ في صفحة76 قولك: (يفطن الإنسان إلى أنه لا يملك إلا ضميره (قدس الأقداس الذي تركه الله حرا بالفعل) فيسلمه خالصا لله ويتجه به مختارا طائعا .. وقد وكل أمر نفسه إلى خالقه وخضع لنواميسه .. يفعل هذا وقد أدرك أن مشيئة الله واقعة أن طوعا وأن كرها .. وأن الله هو الخالق المهيمن على جميع الأسباب وأنه هو الوحيد الذي يملك الهداية والعلم والقدرة) وتواصل إلى أن تقول:- (وعلى آدم الأرضي هذا أن يكافح ليحقق لنفسه التكامل الأول وأن يعود إلى أحسن تقويم (ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) ..
    فأما أنا، فما أرى لك سبيلا إلى القول بالتخيير وأنت تورد في نصك الأول: (يفعل هذا وقد أدرك أن مشيئة الله واقعة، إن طوعا، وإن كرها .. وأن الله، هو الخالق المهيمن، على جميع الأسباب .. وأنه هو الوحيد، الذي يملك الهداية، والعلم، والقدرة) .. وتورد في النص الثاني الآية: (يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه) تأمل هذه الآية، فإنها تقول: إن ملاقاة الله واقعة، أردت، أيها الإنسان، أم لم ترد!! فإنه ما من الله بد .. أم لم يقل: (إليه مرجعكم جميعا، وعد الله، حقا .. إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) ..
    وفي صفحة 77 جاء قولك: ((وإذ أخذ ربك، من بني آدم، من ظهورهم، ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم .. ألست بربكم؟؟ قالوا: بلى!! شهدنا!! أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين .. أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟ وكذلك نفصل الآيات، ولعلهم يرجعون) .. إن الله يفصل لنا في هذه الآيات واقعة غريبة .. يفهم منها أننا كنا في حضرة الله، قبل النزول إلى الأرحام (في عالم المثال والملكوت) ربما كأرواح .. لا أحد يدري .. وأن الله أشهدنا على ربوبيته، وأخذ منا ميثاقا بهذا الشهود، حتى لا نعود فنكفر، ونبرر كفرنا، بأننا ضحية الآباء) أنت، في هذا، تعترف بأنك لا تدري ما يفصله الله في هذه الآيات الكريمات، وهو إعتراف محمود، على كل حال، ولكنه اعتراف يسلبك الحق في أن تخوض، بمثل هذه الجرأة، في أدق أسرار الدين .. وأنت، حين تعترف بأنك لا تدري، يطيب لك أن تؤكد، لنفسك أن أحدا لا يدري – ما تجهله أنت مبرر عندك بأن الآخرين يجهلونه أيضا .. تقول (يفهم منها أننا كنا في حضرة الله قبل النزول إلى الأرحام .. (في عالم المثال والملكوت) ربما كأرواح لا أحد يدري) ..
    ولكننا نقول لك: إن هذا الذي جهلته يقع في العلم القريب من علوم الذين أوتو العلم .. و(حضرة الله)، التي وردت في عبارتك، هي، إما حضرة إطلاق – حضرة ذات – ، وإما حضرة قيد – حضرة أسماء، وصفات، وأفعال .. وقد كنا، نحن، في جميع هذه الحضرات .. كنا في حضرة الإطلاق، ثم تنزلنا إلى حضرة القيد – حضرة العلم، فحضرة الإرادة، فحضرة القدرة .. فأما حضرة الذات فهي حضرة لاهوت، وأما حضرة العلم، وحضرة الإرادة، فهي حضرة ملكوت، وأما حضرة القدرة، فهي حضرة ملك .. وحضرة الملكوت حضرة أجساد لطيفة، تتفاوت في اللطافة، بين حضرة العلم، وحضرة الإرادة .. وأما حضرة القدرة فهي حضرة أجساد كثيفة، تتفاوت في الكثافة، بين قمة وقاعدة .. ولقد أشهدنا: تبارك، وتعالى، على عبوديتنا، وعلى ربوبيته، في جميع حضرات اللطافة – في حضرة الذات، وفي حضرة العلم، وفي حضرة الإرادة – وقد شهدنا الشهادة .. ولكننا، عندما تنزلنا إلى عالم الكثافة، وبعد خروجنا من الأرحام كسفت كثافة الأجساد لطافة الأرواح، وأنسينا ما كان منا من شهادة، ومن إقرار على أنفسنا بالعبودية، فتكفل الله بتذكيرنا بشهادتنا .. وهو، من أجل هذا التذكير، خلق الأزواج .. وقال، تبارك من قائل: (ومن كل شيء خلقنا زوجين .. لعلكم تذكرون) ثم إنه، من أجل هذا التذكير أيضا، أرسل جميع رسله بشهادة: (لاإله إلا الله) .. وأنزل القرآن على نبينا .. ويسره لتذكيرنا بتلك الشهادة، فقال، تبارك من قائل: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟؟) ..
    ويؤخذ من هذا، أيضا، أننا نحن لا نتعلم شيئا جديدا على الإطلاق .. ولكننا، حين نتعلم، إنما نتذكر علما، قديما، أزليا، نسيناه .. قال تعالى، في ذلك: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا، فإذا هم مبصرون) .. قوله: (إذا مسهم طائف من الشيطان)، يعني: إذا جهلوا .. قوله: (تذكروا)، يعني: ذكروا اسم الله .. (فإذا هم مبصرون)، يعني: إنقشعت عنهم الجهالة .. فإنه، تعالى، قد وصى نبيه في الآية السابقة التي أوردناها آنفا، فقال (وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله .. إنه سميع عليم ..) قوله: (فاستعذ بالله)، يعني: لذ بالله ..
    وأحب أن ألفت نظرك، بصورة خاصة، إلى أننا في تجسيدنا، في الأرحام، لم ننس شهادة العبودية للربوبية، لأننا، إنما كنا مسيرين، ولا توهم لنا في تخيير .. ولكننا إنما نسيناها بعد أن برزنا من الأرحام إلى حيز الوجود الخارجي، حيث أصبحنا نمارس حركات إرادية، مدت لنا في توهمنا أننا مريدون، ونستقل بإرادة .. وهذه الإرادة هي عنوان نسيان الشهادة .. قال تعالى عن الإرادة، في حديثه لداؤد، وقد سبق أن أوردناه آنفا وهو: (ياداؤد!! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد .. فإن سلمت لما أريد، كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد) .. هذه صورة من تسليم الإرادة المتوهمة، إلى المريد الأصيل .. وهذه الإرادة هي الأمانة .. والله تعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .. أن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا) .. و(العدل) هو إعطاء كل ذي حق حقه .. وعن عدم توهم الإرادة، ونحن في الأرحام، جاء قول ابن عربي:
    دخلوا فقراء على الدنيا * * * وكما دخلوا، منها خرجوا
    يعني: فقراء من الإرادة .. وإلى خلوة الرحم التي كان فيها الجنين يرمي الصوفية بدخولهم الخلاوي، فهم يريدون من خلواتهم أن يتمرسوا على ترك الإرادة للمريد، على نحو ما كان الجنين في الرحم .. ذلك مثلهم الأعلى، على شرط واحد، هو أن يكونوا، في تركهم للإرادة، مدركين لذلك الترك، موقنين به ..
                  

02-25-2015, 09:13 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: Badreldin)

    الدكتور عبد الوهاب السناري
    تحيِّاتي لك

    مبدئيًا أنا أُثمِّن جهدك البحثي، رغم أني اختلف معك في المنهج والنتيجة والأهداف، وأرى أن ما تحاول القيام به ليس سوى محاولة بائسة للتوفيق بين النص القرآني وبين المُنتج العلمي. هنالك العديد من المسلمين المتحمسين من أمثالك يا عزيزي، ولكنهم وقبل أن تثبت لديهم نظرية التطور كانوا يسخرون من النظرية، ولم يفكروا أبدًا بأمر هذه المحاولات التوفيقية إلا بعد أن ثبت بشكل قطعي صحة النظرية، وأصبحت قضية مسلَّم بها. مداخلتي هذه فقط للتعليق على نقطتين فقط والحقيقة أن مداخلاتك مليئة بالنقاط التي تستحق الوقوف عندها طويلًا، ولكن فلتعذرني لانشغالي وعدم تفرغي لمناقشة كل هذه النقاط، فقد أشد ما لفت نظري من مداخلتك الأخيرة هو قولك: " حديثي كان مقتصراً فقط على خلق الرسول من أنفس المؤمنين وخلق الأزواج من أنفسهم وخلق الزوج من النفس الواحدة"(انتهى الاقتباس) وقد حاولت أن أوضح الفارق الكبير بين عبارة (بعث من أنفسهم) و (وخلق من أنفسهم) حتى أنبهك للخطأ الذي وقعت فيه، ولكنك عدت لتكرار الخطأ ذاته مرَّة أخرى، فالنصوص القرآنية لا تحتوي أبدًا على عبارة (خلق من أنفسهم) على المعنى الذي تريد الإشارة إليه، وفيما يلي قائمة بالنصوص القرآنية التي وردت في هذا المعنى:
    • {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}
    • {ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء}
    • {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}

    ولا توجد آية بمعنى أنَّ الله خلق الرسول من أنفس المؤمنين، وهذا ما حاولت التنبيه إليه، فالقرينة كانت في استخدام كلمة (خلق) في مقابل كلمة (بعث) أو أرسل أو أي كلمة أخرى لا تحمل معنى الخلق والتكوين أو ما يشابههما، وفيما يلي ما قلتُه حرفيًا: "ففعل {خلق} في الآية الأولى، ليس كفعل {بعث} (=أي أرسل) في الآية الثانية، فالخلق من ذات الجنس شيء، والإرسال من ذات الجنس شيء آخر، هذا إذا لم نأخذ اختلاف المعاني في حال تتبعنا للعبارة ذاتها (من نفس) بكل مشتاقاتها في بقية النصوص القرآنية، فلا نجد أنها سوف تعطي معنىً واحدًا."(انتهى الاقتباس)

    ولكن اقرأ معي هذه الآيات من سورة الحجر: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} ما يُميِّز هذه الآيات أنها جمعت بين "الإنسان" و "البشر" لأن بعض المفسرين حاولوا التفريق بين معناهما في القرآن، وزعم البعض أنَّ "البشر" هم فصيلة كانت قبل آدم، وأنَّ آدم هو من فصيلة "الإنسان" وهذه الآيات توضح بجلاء أنه لا فارق بينهما على الإطلاق فالآية الأولى تقول {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون} والآية الثانية تقول {إني خالق بشرًا من صلصال من حمإ مسنون} فخلق الإنسان/البشر هو من صلصال بنص الآية، ولا أرى أي معنىً لتحميل الآية أكثر من معناها بعد ذلك(!) وكما قلتُ لكَ سابقًا فأنا شخصيًا لم أقف على أي تعارض بين آيات القرآن حول قصة الخلق "التقليدية"، فكل الآيات تؤكد على أنَّ أصل الإنسان هو الطين أو الصلصال وسواء أكانت النفس الواحدة هي آدم أم حواء فهذا لا يفرق كثيرًا، المهم أنَّ لا توجد علاقة أصلًا بين التصور القرآني عن "خلق" الإنسان، وبين التصور العلمي عن "تطور" الإنسان، فالواقع أنه لا توجد عملية خلق أبدًا. والأمر الآخر المتعلق بالآيات السابقة هي قصة "إبليس" فقصة إبليس وعدم سجوده وأسباب عدم سجوده وطرده وإمهاله ووو إلخ كلها مرتبطة بقصة الخلق التقليدية، وأي محاولة لإعادة تأويل قصة "خلق" الإنسان تعني إعادة تأويل مجمل القصة بكل أجزائها:
    • الملائكة
    • إبليس
    • الروح
    • الجنة

    وأعتقد أنَّ إعادة تأويل مجمل القصَّة يدخل في باب "التحريف" وهذا ما يحتاج (ليس فقط إلى ثقة في أن القرآن لا يتعارض مع العلوم) ولكن إلى جرأة في افتراض أنَّ هذا التأويل الجديد هو فعلًا المعنى الحقيقي للآيات القرآنية، وإلا فإنه –كما قلت- سيدخل في باب التحريف والتأول على "الله" فهل أنتَ عزيزي عبد الوهاب السناري تمتلك هذه الجرأة وعلى استعداد لتحمل مسؤولية تأويل القرآن مع نسبة خطأ قد توقعك في خانة التحريف والتأول على الله؟ هذا شأنك طبعًا.

    أمنياتي لك بالتوفيق
                  

02-25-2015, 10:33 PM

علاء سيداحمد
<aعلاء سيداحمد
تاريخ التسجيل: 03-28-2013
مجموع المشاركات: 17162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: هشام آدم)

    Quote: ومن ثم خلق المولى، جل شأنه حواء من آدم ثم خُلِق جميع الناس نتيجة تزاوجهما. وعلى الرغم من القبول الواسع لهذا التفسير إلا أنه لا يتسق مع العديد من نصوص خلق الإنسان. كما أنه لا يتسق مع نظرية التطور

    Quote: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور


    تحياتى الاخ / سنارى و مجهود مقدر تؤجر عليه ان شاء الله .

    وبالنسبة لسؤالك الاستهلالى : القرآن الكريم لايؤيد نظرية التطور ولوفرضنا جدلاً بأن الانسان قد تطور من الشمبانزى السؤال الحائر :
    لماذا يوجد القرود حتى الان بعد ان تطور الى الانسان ؟؟

    واذا سمحت هل لنا ان نعرف مفهومك عن خلق حواء ؟؟

    مودتى ..
                  

02-25-2015, 10:56 PM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    Quote: كنت أتمنى أن أرى منك عزيزي منتصر نقداً مفصلاً بدلاً عن كلامات مختصرة يمكن لكل منا تفسيرها حسب رأيه. هل تعني أن القرآن الكريم لا يمكن تفسيره إلا من خلال روايات الحديث أم أن كل تفسير يخالف الطبري وابن كثير وغيرهم من الرواد باطل، أم ما هو قصدك بالضبط؟

    نحن لا نتبع الطبري ولا ابن كثير ولا غيرهما في رأي خاص أو فهم خاص بهما ...الطبري وابن كثير وغيرهما من المفسيرين الاثريين ما هم إلا رواة للحديث الذي ينتهي إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأحد الصحابة عليهم الرضوان بسند صحيح أو ضعيف
    وروايات هؤلاء وغيرهما قابلة للنقد والرد إن ثبت ضعفها مع عدم موافقتها للفهم العام الصحيح ...والرد للرواية لا يكون إلا إذا كانت ضعيفة أما إذا كانت صحيحة السند وخالف ظاهرها للثوابت النقلية الأخرى أو العقلية وبعض المسلمات ففي هذا الحالة لاعتبار صحة السند تؤول الرواية لتوافق تلك الثوابت ..
    قضيتنا في أنكم تريدون منا أن نترك النقل والعقل معا.ً..
    لا يمكن عقلاً أن أرد النصوص الواضحة والموافقة للعقل ...
    من أجل آراء لهذا أو ذاك في حين أنها ليست إلا تخيلات لا يسندها الدليل العلمي الملموس ولا المنطق المحض !!
                  

02-25-2015, 11:11 PM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    Quote: منذ أن انطلقت مسألة الإعجاز العلمي وبعض الناس يعيش في وهم التطابق الكامل بين العلم والدين في حين أن هناك أشياء أساسية بقيت دون تفسير: مثلا مسألة أصحاب الفيل: ماهي الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة ولماذا لم لم يبحث علماء الآثار عن موقع تلك المعركة وينقبوا فيه ليحددوا حقيقة ماحدث؟ ولماذا لم تتحدث عنها كتب التاريخ؟ الشهب الآن معروف أنها حجارة سابحة في الفضاء تدخل مجال جاذبية الأرض فتسقط في الغلاف الجوي فكيف تكون رجوما للشياطين؟

    خلاص صرت من بني لحدان يا محمد عثمان
    يا مثبت على الإيمان ...ثبتنا على دينك
                  

02-26-2015, 00:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: منتصر عبد الباسط)

    الأخ علاء سيداحمد
    تحيِّاتي

    أعلم أنَّ سؤالك موجه للدكتور عبد الوهاب السناري، وله حق الرد طبعًا، ولكن اسمح لي أيضًا أن أحاول الإجابة عن سؤالك. من ناحية مبدئيًا وبديهية فنظرية التطور لا تقول أبدًا وإطلاقًا بأنَّ الإنسان تطوَّر من الشمبانزي أو أن الشمبانزي تطور وأصبح إنسانًا، هذا فهم خاطئ كان سائدًا لحقب طويلة، وأعتقد أنَّ هنالك عشرات بل مئات الأشخاص سواء من علماء البيولوجيا التطورية المختصين أو أولئك الذين لديهم معرفة ولو بسيطة بنظرية التطور (عبر الاطلاع عليها من مصادرها الأولية وليس الاطلاع إلى الطعون الموجهة لها أو عبر الاعتماد على مصادر غير علمية) حاولوا مرارًا وتكرارًا أن يُصححوا هذا الفهم، فنظرية التطور لم تقل أبدًا أنَّ الإنسان أصله شمبانزي أو قرد، والحقيقة أنَّ المسار التطوري للإنسان وصولًا إلى السلف المشترك بينه وبين القردة العليا ليس فيه قردة أصلًا، إنما هي أنواع Species منقرضة؛ أحيانًا تكون أقرب إلى الإنسان، وأحيانًا تكون أقرب إلى القردة، والقرب هنا المراد به التشابه التشريحي والظاهري. نظرية التطور باختصار شديد جدًا تقول إنَّ ما يجمع بين الشمبانزي والإنسان سلف مشترك يُعتقد أنه عاش من 6 إلى 7 ملايين سنة تقريبًا، وخلال هذه الملايين السبعة أو الستة في المسار التطوري للإنسان لم يكن هنالك أجداد قردة لنوع الإنسان الحديث homosapien وعلى هذا فالإنسان الحديث والشمبانزي الحديث أبناء عمومة وليس أن الشمبانزي هو جد الإنسان، هذا مفهوم خاطئ، وأعتقد أنَّ هذه الإجابة تُجيب أيضًا على الشق الأخير من سؤالك عن سبب وجود الشمبانزي أو القردة عمومًا رغم وجود الإنسان، فالقردة لم تتطور إلى إنسان. وعلى الأرجح فإنَّ مشكلة وجود تصورات كهذه في أذهان البعض يعود إلى عدم المعرفة الصحيحة بمفهوم التطور، أو بمعنى أدق أنهم يعتقدون أنَّ التطور هو نوع من "الارتقاء" إلى الأعلى بحيث يكون الإنسان في أعلى السلم الارتقائي، وهذا فهم خاطئ لأنَّ التطور مسألة شجرية تفرعية وليست سلَّمية أو هرمية، وإذا راجعت الصورة أدناه سوف تجد أنَّ المسار التطوري للإنسان وصولًا إلى السلف المشترك ليس فيه أي ذكر للقردة أو الشمبانزي لأنَّ القردة العليا الحالية هي متطورة عن أسلاف منقرضة تمامًا كالإنسان المتطور عن أسلاف منقرضين، وكما أنَّ الإنسان يقبع في أعلى نقطة في فرعه، فإنَّ الشمبانزي أيضًا يقبع في أعلى نقطة في فرعه، بمعنى أنَّه الصورة الحالية الموجود عليها الإنسان هو النوع السائد الآن وكذلك الشمبانزي ولكن سينقرض الإنسان والشمبانزي بعد ملايين السنين من الآن ويتكوَّن فرع جديد من الإنسان وفرع جديد من الشمبانزي وتكون هذه الأنواع الجديدة في أعلى نقطة في فرعهم وقتها وهكذا لأنَّ التطور عملية لم تتوقف ولن تتوقف. وأتمنى أن تقرأ عن نظرية التطور من مصادرها الأولية لفهم أكثر عمقًا لنظرية التطور؛ لاسيما وأنَّنا نعيش في زمن يسهل فيه الحصول على المعلومات.

    human.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

02-26-2015, 00:47 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: هشام آدم)

                  

02-26-2015, 00:48 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-26-2015, 00:49 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-26-2015, 00:50 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-26-2015, 01:11 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( 12 ) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ( 13 ) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ( 14 ) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( 15 ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( 16 ) ) .

    يقول تعالى مخبرا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين ، وهو آدم ، عليه السلام ، خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون .

    وقال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس : ( من سلالة من طين ) قال : صفوة الماء .

    وقال مجاهد : ( من سلالة ) أي : من مني آدم .

    قال ابن جرير : وإنما سمي آدم طينا لأنه مخلوق منه .

    وقال قتادة : استل آدم من الطين . وهذا أظهر في المعنى ، وأقرب إلى السياق ، فإن آدم ، عليه السلام ، خلق من طين لازب ، وهو الصلصال من الحمأ المسنون ، وذلك مخلوق من التراب ، كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) [ الروم : 20 ] . [ ص: 466 ]

    وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عوف ، حدثنا قسامة بن زهير ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض ، وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، وبين ذلك " .

    وقد رواه أبو داود والترمذي ، من طرق ، عن عوف الأعرابي ، به نحوه . وقال الترمذي : حسن صحيح .

    ( ثم جعلناه نطفة ) : هذا الضمير عائد على جنس الإنسان ، كما قال في الآية الأخرى : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) [ السجدة : 7 ، 8 ] أي : ضعيف ، كما قال : ( ألم نخلقكم من ماء مهين . فجعلناه في قرار مكين ) ، يعني : الرحم معد لذلك مهيأ له ، ( إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ) [ المرسلات : 22 ، 23 ] ، أي : [ إلى ] مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم وتنقل من حال إلى حال ، وصفة إلى صفة; ولهذا قال هاهنا : ( ثم خلقنا النطفة علقة ) أي : ثم صيرنا النطفة ، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة . قال عكرمة : وهي دم .

    ( فخلقنا العلقة مضغة ) : وهي قطعة كالبضعة من اللحم ، لا شكل فيها ولا تخطيط ، ( فخلقنا المضغة عظاما ) يعني : شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها .

    وقرأ آخرون : ( فخلقنا المضغة عظاما ) .

    قال ابن عباس : وهو عظم الصلب .

    وفي الصحيح ، من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب " .

    ( فكسونا العظام لحما ) أي : وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ، ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) أي : ثم نفخنا فيه الروح ، فتحرك وصار ) خلقا آخر ) ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب ( فتبارك الله أحسن الخالقين )

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا النضر يعني : ابن كثير ، مولى بني هاشم حدثنا زيد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : إذا أتمت النطفة أربعة أشهر ، بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في [ ص: 467 ] الظلمات الثلاث ، فذلك قوله : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني : نفخنا فيه الروح .

    وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح .

    قال ابن عباس : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني به : الروح . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والشعبي ، والحسن ، وأبو العالية ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن زيد ، واختاره ابن جرير .

    وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني : ننقله من حال إلى حال ، إلى أن خرج طفلا ثم نشأ صغيرا ، ثم احتلم ، ثم صار شابا ، ثم كهلا ثم شيخا ، ثم هرما .

    وعن قتادة ، والضحاك نحو ذلك . ولا منافاة ، فإنه من ابتداء نفخ الروح [ فيه ] شرع في هذه التنقلات والأحوال . والله أعلم .

    قال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله هو ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق : " إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وهل هو شقي أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها " .

    أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش .

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله يعني : ابن مسعود إن النطفة إذا وقعت في الرحم ، طارت في كل شعر وظفر ، فتمكث أربعين يوما ، ثم تتحدر في الرحم فتكون علقة .

    وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا حسين بن الحسن ، حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله قال : مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه ، فقالت قريش : يا يهودي ، إن هذا يزعم أنه نبي . فقال : لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي . قال : فجاءه حتى جلس ، فقال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال : " يا يهودي ، من كل [ ص: 468 ] يخلق ، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم " فقام اليهودي فقال : هكذا كان يقول من قبلك .

    وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو ، عن أبي الطفيل ، حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين ليلة ، فيقول : يا رب ، ماذا؟ أشقي أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله ، فيكتبان . فيقولان : ماذا؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله عز وجل ، فيكتبان ويكتب عمله ، وأثره ، ومصيبته ، ورزقه ، ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص " .

    وقد رواه مسلم في صحيحه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو وهو ابن دينار به نحوه . ومن طرق أخرى ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري بنحوه ، والله أعلم .

    وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وكل بالرحم ملكا فيقول : أي رب ، نطفة . أي رب ، علقة أي رب ، مضغة . فإذا أراد الله خلقها قال : يا رب ، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ " قال : " فذلك يكتب في بطن أمه " .

    أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به .

    وقوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) يعني : حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال ، وشكل إلى شكل ، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق ، قال : ( فتبارك الله أحسن الخالقين )

    قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، عن أنس ، قال : قال عمر يعني : ابن الخطاب رضي الله عنه : وافقت ربي ووافقني في أربع : نزلت هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) الآية ، قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين . فنزلت : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ ص: 469 ]

    وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شيبان ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي ، عن زيد بن ثابت الأنصاري قال : أملى علي رسول الله هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) إلى قوله : ( خلقا آخر ) ، فقال معاذ : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له معاذ : مم ضحكت يا رسول الله؟ قال : " بها ختمت ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .

    جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدا ، وفي خبره هذا نكارة شديدة ، وذلك أن هذه السورة مكية ، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة ، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضا ، فالله أعلم .

    وقوله : ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون ) يعني : بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت ، ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) يعني : النشأة الآخرة ، ( ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ) [ العنكبوت : 20 ] يعني : يوم المعاد ، وقيام الأرواح والأجساد ، فيحاسب الخلائق ، ويوفي كل عامل عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
    http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1231andidto=1231andbk_no=49andID=1256#docuhttp://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfr...k_no=49andID=1256#docu
                  

02-26-2015, 01:20 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

                  

02-26-2015, 03:02 AM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أشكر الأخ علاء سيد أحمد على أسئلته عن التطور وعن خلق حواء، وأتفق مع الأخ هشام عن الكيفية التي يتم بها التطور. وأنقل هذا المثال والذي أوردته من قبل في المقال الثاني في هذه السلسلة لشرح هذه الكيفية:

    يتم خلق نوع جديد بالتطور عندما لم يتمكن أفراد ذلك النوع الجديد من التكاثر مع بقية أفراد النوع القديم الذي كانوا ينتمون إليه. ولنأخذ المثال التالي لشرح هذه الفكرة: تخيل أن مجموعة من الأرانب تعيش في منطقة ما. تخيل أيضاً أنه على الرغم من بعض الإختلافات في ألوان أفرادها إلا أن اللون الأبيض يغلب عليها لأن التربة في ذلك المكان تميل إلى البياض. تخيل حدوث بركان في المنطقة أو أي كارثة طبيعية أخرى أدت إلى الفصل بين أفراد تلك المجموعة، إذ عاش بعضها في المنطقة البركانية والتي أصبحت تربتها سوداء بفعل البركان بينما واصل البعض الآخر عيشه في المنطقة ذات التربة البيضاء والتي لم يصلها البركان. بالطبع سيكون لون الأرانب في التربة البركانية في بادئ الأمر شبيها بلون مثيلاتها في التربة البيضاء. تخيل أن هناك صقراً يفترس هذه الأرانب في المكانين. سيجد هذا الصقر أن صيد الأرانب في التربة البركانية أصبح أكثر سهولةً لأن لونها الأبيض لا يمكنها من التخفي. وسوف يستمر الصقر في صيد أكبر عدد من الأرانب ذات اللون الأبيض في هذه التربة بينما يصعب عليه صيد الأرانب ذات اللون الداكن لكونها أكثر تمكناً من التخفي لأن لون بشرتها يتسق مع لون التربة.
    مع مرور الزمن (بعد حوالي عشرين جيلاً أو أكثر) يمكننا ملاحظة أن لون الأرانب في هذه المنطقة صار مختلفاً تماماً عن لونها في المنطقة الأخرى نسبةً للنقصان الذي حدث في عدد الأرانب البيضاء ونسبة لتكيفها مع البيئة الجديدة. وإذا إستمرت العزلة بين الأرانب في المنطقتين فسوف تتواءم كل مجموعة مع بيئتها ويتم توريث الصفات التي إكتسبتها كل منهما نتيحة ذلك التلاؤم لأطفالها. وتبدأ التركيبة الجينية والصفات الموروثة بينهما في الإختلاف شيئاً فشيئا (اللون، الحجم، طرق تخفيها من الحيوانات المفترسة، الصوت، حجم المجموعة الأسرية، الغذاء، ودواليك). وسوف يأتي اليوم الذي لو رأى فيه أحد الأرانب الذي ينتمي إلى إحدى هاتين المجموعتين أرنباً ينتمي إلى المجموعة الأخرى فلن يخطر بباله أنهما ينتميان إلى نفس النوع. وعندما تختلف التركيبة الجينية لكل مجموعة (بعد مئات أوآلاف الأجيال) بحيث لا يتمكن أفراد أيٍ من المجموعتين من التكاثر مع أفراد المجموعة الأخرى نقول أن نوعاً جديداً قد تطور من ذلك النوع القديم.
    وعلى الرغم من وجود العديد من أوجه الإختلاف الظاهرية بين هذين النوعين إلا أن النوع الذي تطور حديثاً سوف يشبه في تركيبته الجينية النوع القديم في بادئ الأمر، حيث يقترب التشابه بين جيناتهما في ذلك الوقت من نسبة ال 99%. فسوف يورث هذا النوع الجديد ذو اللون الداكن من النوع الأصل جميع الصفات ذات الصلة بشكل ووظيفة الأجهزة الداخلية (الهيكل العضمي الجهاز العصبي والهضمي والدورة الدموية)، بل وجميع الأعضاء الداخلية (القلب، الرئتين، الكبد وغيرها من الأعضاء). كما سوف يورث هذا النوع الجديد الشكل العام والأعضاء الخارجية، مثل الأطراف والمظهر العام، من النوع الأصل، وذلك بسبب الجينات المثَّيتة التي ورثها ذلك النوع الجديد من أسلافه. ومع مرور الزمن سوف تتراكم الإختلافات الجينية بين النوعين وتتطور أنواع جديدة من كلٍ منهما أو ينقرض أحدهما أو كليهما بعد بعض ملايين السنوات.

    أما حواء فقد أوردت في مقال آخر أنها لم تكن إلا زوجةً لآدم وأماً لأبنائه كما ورد في القرآن الكريم. فحواء وآدم وذريتهما كانوا خلفاء لناس خلقوا قبلهما كما أوضحت في مقالات سابقة وقي بحثي الذي أشرت إليه من قبل. وسوف أستعرض جميع هذه المواضيع في مقالات لاحقه بإذن الله.
    مع تقديري
    عبد الوهاب السناري
                  

02-26-2015, 02:24 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    منهج تفسير القرآن بالبحث فيه
    لقد وفقني المولى عز وجل من تطوير منهج تفسيري للقرآن الكريم طبقته في أبحاثي عن خلق الإنسان في القرآن الكريم. وقد أطلقت على هذا المنهج إسم: "منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه". وقد تمكنت، من خلال تطبيق هذا المنهج، من إعادة تفسير العديد من الآيات التي إختلف حولها رواد التفسير. وجاء هذا التفسير منسجماً، ليس فقط مع المعنى الظاهر لهذه الآيات، بل ومع المعنى الظاهر لبقية النصوص المتعلقة بخَلْق الإنسان. كما تم التخلص فيه من عدم الإتساق الذي نتج عن تفسير العديد من نصوص الخَلْق إستناداً على القصة المتوارثة عن خَلْق الإنسان.
    إعتمد رواد التفسير ثلاثة مناهج رئيسة لتفسير القرآن الكريم: التفسير بالحديث والتفسير بالرأي والتفسير بالقرآن الكريم. ففي المنهج الأول يتم تفسير النص القرآني بما ورد إلينا من روايات الحديث. لكن سمة الضعف الرئيسة لهذا المنهج تكمن في إختلاف وعدم إتساق بعض روايات الحديث مع بعضها البعض، مما يضعف إمكانية تفسير النصوص التي إختلفت حولها روايات الحديث تفسيراً قطعياً. فإذا بحثنا في روايات الحديث عمن خلف آدمُ وذريتُه، على سبيل المثال لا الحصر، لتبين لنا أن بعض الروايات أوردت أن آدم كان خليفة الله تعالى في الأرض، بينما ورد في روايات أخرى أنه خلف الجن، وذهبت بعض الروايات إلى القول أنه خلف الملائكة. وعليه، فإن إعتماد منهج التفسير بالحديث لا يُمَّكننا من الجزم بهوية السلف الذين خلفهم آدم وذريته. كما أنه لا يُمْكِن من خلاله الوصول إلى تفسير جازم لأي نص قرآني، إلا إذا إشارت جميع الأحاديث الصحيحة إلى نفس النتيجة، وهو أمر نادر الحدوث، على الأقل فيما يتعلق بآيات خلق الإنسان. فأفضل ما يمكن تحقيقه عند تطبيق هذا المنهج لتفسير نصوص الحقائق القرآنية هو طرح العديد من الإحتمالات التي يمكن تفسير النص عليها. ولا يمكن إعتبار مثل هذه الإحتمالات تفسيراً جازماًً أو قطعي الدلالة لنصوص الحقائق القرآنية، والتي كما نعلم أنها نصوص قطعية الدلالة، وتتطرق إلى حقائق قرآنية لا خلاف حولها.
    وعندما تختلف روايات الحديث حول أحد النصوص، غالباً ما يلجأ المفسرون إلى منهج التفسير بالرأي، أو منهج تفسير القرآن الكريم بالقرآن نفسه، لحسم خلافاتهم. فعند إعتمادهم منهج التفسير بالرأي، غالباً ما يستدل المفسرون بعلوم اللغة، من معانٍ ونحو وصرف وبلاغة وبيان ونثر وشعر وغيرها، لتأييد هذا الرأي أو لإضعاف ذلك الرأي، على أساس أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم. ويتم تفسير القرآن الكريم عند إعتماد مذهب التفسير بالرأي بالرجوع إلى قواعد هذه اللغة، وبمقارنة معاني نصوصه بمأثور قول العرب، من شعر ونثر. ولكن لم يأخذ العديد من المفسرين الذين طبقوا هذا المنهج في الإعتبار أن للقرآن الكريم لغته الخاصة به، والتي قد لا يتأتى فهم مراميها إلا بمقارنة معنى المفردة أو الجملة القرآنية موضع البحث بجميع معانيها التي ورودت في القرآن الكريم.
    ولعل أقوى دليل على خصوصية لغة القرآن الكريم ما ورد في أمر هبوط إبليس، وآدم وحواء من بعده. فقد أَوَّل بعض رواد التفسير ذلك الهبوط على أنه كان هبوطاً من السماء إلى الأرض، إستناداً على المعنى اللغوي للهبوط. بيد أن في عدم إقتران الفعل: "هبط" ومشتقاته بالهبوط من السماء في القرآن الكريم، دلالة على أن هبوط آدم وحواء، ومن قبلهما إبليس، لم يكن هبوطاً من السماء إلى الأرض. وعليه فإن التفسير بالرأي لا يحسم الخلاف بين المفسرين إلا إذا أخذنا في الإعتبار خصوصية لغة القرآن الكريم، لأنه لا يمكن إستنتاج معانيه فقط من علوم اللغة ومأثور كلام العرب.
    وقد يأخذ التفسير بالرأي في بعض الأحيان منحىً مجازياً، خاصةً عندما يستعصي تفسير بعض النصوص على متبعي المناهج التقليدية. يؤمن أتباع هذا المنهج بمجازية النص بدلاً من الأخذ بظاهر النص. فهم، على سبيل المثال، يقولون أن الجن هم جنس متخفي من البشر أو أن الملآئكة قد تشير إلى البشر أو أن منع آدم من الأكل من الشجرة المحرمة يدل على منعه من ممارسة الجنس. ولكن لم يميز أنصار هذا المنهج التفسيري بين رمزية التعبير وبين رمزية النص. فالقرآن الكريم زاخر بالتعابير المجازية المتعارف عليها في اللغة العربية، والتي يمكن فهمها ضمن النص. فقد يدرك القارئ أن "يد الله" قد وردت في القرآن الكريم من باب المجاز، لأنه جل شأنه، منزه عن التشبيه بمخلوقاته. ولكن ترك المعنى الظاهر للنص جانباً وإستبداله بمعني رمزي من خيال المفسر يفتح باب التأويل على مصراعيه لكل من هب ودب، مما قد يفقد القرآن الكريم قدسيته عند غير المسلمين.
    إعتمد العديد من رواد التفسير الذين فطنوا لهذه الحقيقة منهج تفسير القرآن الكريم بالقرآن نفسه، والذي يتم فيه تفسير النص القرآني بمقارنته بنصوص أخرى تكَّمِل ذلك النص وتشرحه. من أهم ما يميز هذا المنهج التفسيري أنه يتخذ من القرآن الكريم مرجعيةً له لتفسير نصوصه. ولكن، طُبِق هذا المنهج بصورة إنتقائية في الماضي نسبةً لعدم وجود حواسيب تسهل عملية البحث في القرآن الكريم. وكان البحث عن تكرار مفردةٍ أو جملةٍ يجري بإعتماد المفسرين فقط على ذاكرتهم، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسة وراء قلة شيوع هذا المنهج بين المفسرين والباحثين إلا مؤخراً، حين سهلت الحواسيب عملية البحث في القرآن الكريم. لكن ما زال معظم المفسرين يطبقون هذا المنهج بصورة إنتقائية، ولم يتم تطويره كمنهج ذو قواعد وأسس راسخة.
    هذا، وقد أوضحت من خلال أبحاثي مدي مقدرة هذا المنهج، بعد تطوير وسائله وطرق تطبيقه، على تفسير نصوص خلق الإنسان. وللتمييز بين منهج تفسير القرآن الكريم بالقرآن نفسه وبين المنهج الذي تم تطبيقه في هذا البحث، فقد فضلتُ أن أطلق إسم: "منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه" على المنهج الأخير. فما هي أهم سمات هذا المنهج، وكيف يتم تطبيقه لتفسير نصوص الحقائق القرآنية؟
    يتميز منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه بشموليته، إذ لا يتم فيه فقط تفسير نص قرآني بمقارنته بنصوص أخرى، تطابقه أو تشابهه في المعنى، بل يبدأ التفسير بجمع جميع النصوص التي تتطرق إلى نفس الموضوع الذي يتضمنه النص موضع البحث، ومن ثم يتم تفسيرها جميعاً بحيث تتسق معاني جميع هذه النصوص مع بعضها البعض. وتشبه هذه العملية إعادة تركيب إجزاء الصورة التي تم تقطيعها وبعثرتها. فلا يمكن إعادة الصورة إلى حالتها الأولى إلا إذا أعيدت جميع قطعها إلى موضعها الذي كانت عليه قبل التقطيع، وهو ما يتطلب الكثير من الجهد والمثابرة وفرض الإحتمالات وتكرار إعادة لم شمل هذه القطع. ولابد من التوفيق بين جميع النصوص ذات الصلة بالموضوع عند تطبيق هذا المنهج. وأن لم يتسق تفسير أيٍ من النصوص موضع البحث مع بعضها البعض فإن ذلك يدل على عدم مقدرتنا على فهم معاني بعض أو جميع هذه النصوص، مما يتطلب منا إعادة النظر في تفسيرها مراراً وتكراراً حتي يتسق تفسيرها جميعاً.
    يستند هذا المنهج على الأخذ بالمعنى الظاهر للمفردات القرآنية، مع الأخذ في الإعتبار التعابير البلاغية التي يتضمنها ذلك المعنى. فقد يختار الباحث الذي يعتمد منهج تفسير القرآن الكريم بالرأي معنىً بعينه، من بين العديد من المعاني اللغوية لمفردةٍ قرآنية أو تعبير قرآني بعينه بصورة إنتقائية، من دون البحث عن تكرار تلك المفردة ومشتقاتها أو ذلك التعبير، في القرآن الكريم. وفي المقابل، يفترض منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه أن لكل مفردةٍ قرآنية أو تعبير ورد في القرآن الكريم معنىً بعينه خاص يمكن تسميته المعنى القرآني لتلك المفردة أو لذلك التعبير. وقد يتفق أو يختلف المعنى القرآني لأي مفردة أو تعبير قرآني مع معنى تلك المفردة أو ذلك التعبير حينما ترد في موقع آخر في القرآن الكريم. وعلي الباحث أن يجتهد في تحديد، ذلك المعنى القرآني من خلال البحث في المعاجم اللغوية ومن خلال البحث في القرآن الكريم، وألا يختار أي معنى بصفة إنتقائية.
    ففي بعض الأحيان قد يسهل تحديد المعنى القرآني، خاصة عندما يشتق معنى مفردةٍ ما من أصل تلك المفردة، وخير مثال لذلك النطفة (مشتقة من النطف)، والعلقة (مشتقة من العلق)، والمضغة (مشتقة من المضغ). وحتى في مثل هذه الحالات السهلة، فقد رأينا كيف أخطأ رواد المفسرين في تفسير العلق والعلقة في معرض آيات الخلق، عندما عرفوهما بالدم المتجمد، بدلاً من الشيئ الذي يعلق، وهو الأمر الذي أخل بمعنى الآية إخلالاً كبيراً. وظل هذا التفسير الخاطئ قائماً إلى عهد قريب، حتى تمكن مؤخراً رواد الباحثين في آيات الخَلْق، من تصحيحه.
    تتميز اللغة العربية بثراء مفرداتها وبتعدد معاني هذه المفردات. غير أن هذا الثراء والتعدد في معاني المفردات قد يمثل إحدي العوائق أمام تفسير النصوص القرآنية، لإحتمال أن تحمل المفردة القرآنية أو التعبير القرآني أكثر من معنىً لغوي. بيد أن نصوص القرآن الكريم تتضمن مفردات أو جمل أو صياغات لغوية أو تعابير بلاغية أو حقائق قرآنية، يمكن أن نسميها بالإيحاءات أو الإشارات القرآنية. وتُمثل هذه الإيحاءات أو الإشارات القرآنية المفاتيح التي يمكن من خلالها فهم المعنى الحقيقي، أو ما يمكن تسميته بالمعنى القرآني، لذلك النص. ويتم شرح وتفسير أي نص من خلال التدقيق في صياغه وفي معانيه، وبمقارنة تكرار الإيحاءات أو الإشارات القرآنية التي وردت فيه بمثيلاتها التي تكررت في القرآن الكريم ككل.
    ويرتكز هذا المنهج على مبدأ قدسية القرآن الكريم، مما يعنى أن أي جملة أو مفردة أو تعبير بلاغي أو مسـألة نحوية أو غيرها من علوم اللغة التي وردت فيه، لها معانٍ ومضامين خاصة، يمكن فهمها من خلال التعمق في دراسة النص، ومن خلال عقد مقارنة بين ورودها في النص موضع البحث بورودها في كل القرآن الكريم. خذ على سبيل المثال خلافة آدم، عليه السلام وذريته، والتي وردت في نص قرآني وحيد، بحيث لا يوجد في القرآن الكريم أي نص مماثل يمكن من خلاله تفسير ذلك النص الوحيد:
    وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30): سورة البقرة (2).
    تعجز هنا المناهج التقليدية لتفسير القرآن الكريم عن تفسير مثل هذا النص، نسبةً لعدم ورود نصوص مماثلة تلقي بعض الضوء على هذه الخلافة. ولكن، يمكن تفسير هذا النص بتطبيق المنهج الذي تم تطبيقه في هذا البحث، لأن تطبيقه لا يعتمد فقط على مقارنة نص بنص آخر، بل على إستخدام العديد من الأدوات والوسائل التحليلية، والتي تتلخص في الآتي:
    1. البحث في قواميس اللغة عن معاني المفردات التي وردت في النص. وقد نستشف من ذلك البحث أن: "خليفة" لا تشير فقط إلى الأفراد، بل أيضاً إلى الجماعة من الذكور والإناث؛ مما قد يدلنا إلى أنها قد لا تشير فقط إلى آدم، إنما أيضاً إلى بنيه من الجنسين.
    2. البحث في كتب الأحاديث وأمهات التفاسير، والتدقيق في الأحاديث المتعلقة بالإشارات القرآنية التي وردت في النص، مثل: "خليفة"، "قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء"، "وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"، ومحاولة فهمها وفهم تفاسير رواد التفسير لها. وتعتبر هذه الإشارات والإيماءات المفاتيح التي يمكن من خلالها فهم النص القرآني، لما تحتويه من معانٍ ومن إشارات لغوية وبلاغية ونحوية وغيره.
    3. طرح جميع الإحتمالات التي يمكن أن يُفَسَر عليها النص وتفنيدها الواحد تلو الآخر حتى يتم التعرف على حقيقة المخلوقات التي خلفها آدم وذريته. ويتم ذلك بالتدبر والتفكر في النص، وبالبحث في الإيماءات والإشارات التي وردت فيه، وبمقارنتها بمثيلاتها التي وردت في بقية نصوص القرآن الكريم. وقد تبين لي من خلال بحوثي أن خلافة آدم وذريته كانت ذات شقين، خلافة حكم وخلافة قوم لقوم عاشوا قبلهم، فأهلكهم المولى، جل شأنه، بشركهم. وأنها لم تكُ خلافة أناس للجن أو للملائكة، كما رجحتْ بعض روايات الحديث وأمهات كتب التفسير.
    من أهم سمات منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه أنه يُمَكن الباحث من تحديد المعنى القرآني للمفردات التي قد تحتمل أكثر من معنى لغوي، مثل النسل والسلالة والذرية. فالمعلوم لغوياً أن النسل والسلالة تشيران إلى نسل الإنسان والحيوان على حد السواء، بينما تقتصر: "ذرية" فقط على وصف نسل البشر. وقد وردت: "نسله" في موضع وحيد في القرآن الكريم، ووردت: "سلالة" فقط في موضعين فيه. والمثير للإنتباه أنهما وردتا فقط في نصوص الخلق من طين. وقد إفترض معظم المفسرين أنهما وردتا في هذه النصوص للدلالة على الذرية، على الرغم من أن جميع النصوص القرآنية الأخرى وصفت ولد الإنسان بالذرية، وليس بالنسل أو السلالة. وقد إستنتجت في هذا أبحاثي أن ورود النسل والسلالة في نصوص الخلق من طين يدل أن خَلْق الإنسان من طين لم يبدأ بخَلْق آدم، بل بخَلْق أول سلالة إنبثقت من الطين.
    وفي بعض الأحيان قد يكون لنفس المفردة أو الجملة التي وردت في القرآن الكريم أكثر من معنىً لغوي. وخير مثال لذلك: "بني آدم"، التي وردت في سورة الأعراف للإشارة، إما إلى بني آدم من جميع البشر، أو إلى بنيه من صلبه مباشرةً. وفي هذه الحالة لا يحق للباحث ترجيح أحد المعنيين على الآخر، دون التعمق في سياق النص والبحث في الإيماءات والإشارات القرآنية المتنوعة التي قد تهديه إلى المعنى القرآني الصحيح. ولقد دلني ورود: "لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"، و: "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، في الآيات 26، 27، و 172 من سورة الأعراف أن بني آدم المشار إليهم كانوا أبناءه من صلبه مباشرةً، وليسوا بنيه من جميع البشر، كما رجح ذلك رواد التفسير. وقد أُشير إليهم بضمير الغائب، على الرغم من مخاطبتهم خطاباً مباشراً، للتأكيد على أنهم، على عكس بني آدم من جميع البشر، ماتوا منذ زمن بعيد.
    وأحياناً قد يبدو للقارئ من أول وهلة مخالفة معنى صياغٍ بعينه لمعناه الذي ورد في غيره من النصوص. وخير مثال لذلك قوله تعالى في الآية 59 من سورة آل عمران عن خَلْق آدم: "خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون"، والذي يدل ظاهره أن خَلْق آدم تقدم على قول الله تعالى له: "كُن". وكان جلياً أن إستباق خَلْق آدم لقوله تعالى: "كُن" يخالف بقية الآيات التي إشتملت على: "كُن فَيَكُونُ"، والتي إستبقت فيها: "كُن" حدوث الأمر الذي قضاه المولى، جل شأنه. لكن الفهم الصحيح لخَلْق آدم لابد أن ينبني على ما ورد في بقية الآيات التي وردت فيها: "كُن فَيَكُونُ". وعليه، لا يمكن أن يتسق فهمنا للآية 59 من سورة آل عمران إلا إذا فُسرِت على أساس أن: "كُن" إستبقت خَلْق آدم. وقد بينت أنه لا يمكن حدوث ذلك إلا إذا كان في التراب الذي خُلِق منه آدم كناية عن الأبوين.
    وفي بعض الأحيان قد تقترن النصوص التي تدور حول محور بعينه ببعض الظواهر التي قد لا يبدو من الوهلة الأولى أنها وثيقة الصلة بذلك المحور. فقد إرتبطت العديد من الظواهر، مثل الأطوار التي يمر بها الإنسان في حياته وخَلْق الأزواج والحياة والموت والبعث وإنبات النبات وإحياء الأرض بعد موتها بسبب هطول الأمطار، بنصوص الخَلْق من تراب. فإذا تعمقنا وبحثنا في كلٍ من هذه الظواهر لتجلت لنا العلاقة الوطيدة بين الخَلْق من تراب وبين كلٍ من هذه الظواهر، وتبين لنا أنها وردت لدلنا على أن دورة خَلْق وحياة وتغذية وتكاثر كل إنسان على مدار حياته، بل ومماته وبعثه، تدور حول التراب. وسواء أن وردت المفردة بمعناها المجازي أو الحقيقي، فلابد للباحث أن يحدد المعنى القرآني بطريقة منهجية لا إنتقائية فيها.
    لا تقتصر الوسائل التحليلية التي تستخدم عند تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه فقط على البحث في معاني المفردات القرآنية وعلوم اللغة، من بلاغة ونحو وبيان وغيرها، بل لابد للمفسر أو الباحث من التعمق والبحث في صياغ وسياق الآيات، وأيضاً في ورود حروف العطف فيها خاصة عند تفسير نصوص الخلق من تراب والخلق من طين. خذ على سبيل المثال قصة هيكل آدم الطيني والتي إتفق عليها رواد التفسير. ولكن يمكننا أن نتأكد من عدم صحة هذه القصة من خلال خلو النصوص التي قال رواد التفسير أنها تصف أطوار هيكل آدم الطيني، بدأً بالطين، ومروراً بالطين اللازب والصلصال من حمأ مسنون، وإنتهاءً بالصلصال كالفخار، من حروف العطف مثل "ف" و "ثم" كما هو الحال في نصوص الخلق من تراب ومن طين. كما أن البحث في قواميس اللغة يبين لنا أب الطين اللازب والصلصال من حمأ مسنون والصلصال كالفخار هي مجرد مسميات مختلفة للطين الذي خُلِق منه الإنسان، وليست أطوار خَلْق هيكل آدم الطيني.
    يمكننا، مما سبق، تلخيص خطوات تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه على النحو التالي: تجميع أو ترتيل جميع النصوص ذات الصلة بموضوع البحث، فهم ودراسة هذه النصوص من حيث اللغة وعلومها، ومن حيث الأحاديث والتفاسير والعلوم المادية ذات الصلة بها، والتأكد من مطابقة أو مخالفة المعنى الظاهر لكلٍ من هذه النصوص مع التفاسير السابقة والقصص التي إستندت عليها، وكذلك من تطابق المعنى الظاهر لجميع هذه النصوص بعضها البعض.
    ففي حالة عدم تمكن الباحث أو المفسر من التوفيق بين نصين أو أكثر أو بين النص وبين القصة التي إستند عليها التفسير العام للنصوص موضع البحث، فلابد له من إعادة تفسير جميع النصوص ذات الصلة، حتى يتسق تفسيرها جميعاً مع بعضها البعض. وهنا تبرز لنا أهمية البحث في الإيماءات والإشارات القرآنية في تمكيننا من التوفيق بين معاني جميع هذه الآيات مع بعضها البعض. وفي الغالب الأعم، قد لا يتمكن الباحث من التوفيق بين جميع هذه الآيات من الوهلة الأولى، بل وقد لا ينجح البتة في الوصول إلى ذلك الهدف. ولكي يصل الباحث إلى الحقيقة القرآنية، لا بد له من الجد والمثابرة، ولابد له من إختبار جميع الإفتراضات المحتملة، ومن إعادة التوفيق بين كلٍ من هذه الإحتمالات، مع النصوص ذات الصلة. ومع تكرار محاولات التوفيق، تبدأ بعض خيوط القصة في التحلحل شيئاً فشيئاً. وإذا تمكن الباحث من حلحلة إحدي هذه العقد، فلابد له من إعادة النظر في تفسير جميع الآيات المتعلقة بالموضوع، والتأكد من أنها جميعاً تتوافق مع ولا تناقض بعضها البعض. وغالباً ما تؤدي حلحلة إحدى هذه العقد إلى حلحلة المزيد منها، وإلى إزدياد التوافق بين الآيات المتعلقة بالموضوع، وإلى التناقص في عدد الآيات التي يوجد بينها تناقض إستناداً على تفسيرنا لها. وقد يبرز هنا دور المعارف والعلوم الدنيوية، وكذلك دور المفسرين ذوي الباع والفهم العميق للنصوص ذات الصلة بموضوع البحث، مثل الرازي، والذين أسهبوا أكثر من غيرهم في شرح هذه الآيات، في حث الباحث على التفكير في الربط بين معنى النص وبين النواحي العلمية ذات الصلة به.
    ويستند منهج تفسير القرآن بالبحث فيه على أسس وقواعد ثابتة لابد من تطبيقها بمنتهى الصرامة وعدم الإنتقائية، ويمكن تلخيص هذه الثوابت فيما يلى:
    يقتضي أول هذه الثوابت الإيمان المطلق بقدسية وقطعية النص القرآني، وبعلو مرجعيته فوق كل مرجعية أخرى. ويجب علينا الإقرار بصحة ومصداقية النص القرآني، حتى وإن بدا متعارضاً مع التفاسير المأثورة، أو مع ما هو متعارف عليه من قواعد اللغة والعلوم اللغوية المختلفة، أو مع المعارف الحديثة، أو حتى مع روايات الحديث. فقدسية القرآن الكريم هي التي تعصمه من الخطأ، وتضع مرجعيته فوق كل مرجعية، حتى على مرجعية الحديث. ففي كثير من الأحيان قد تختلف روايات الحديث، حتي التي صنفت بالصحيحة، حول تفسير نفس النص. وما نُقِل لنا من الرسول الكريم (ص) قد يكون عرضةً للحذف أو الإضافة أو التغيير المتعمد أو غيره. وقد تخل إضافة أو حذف غير مقصودة في رواية ما تماما بمعني الحديث، خاصة إذا تعلق الحديث بالحقائق القرآنية.
    ثانياً، لا تقتصر قدسية القرآن الكريم وعلو مرجعيتة فقط على معاني النص القرآني، بل أيضاً على الإيماءات والإشارات الأخري المتضمنة في ذلك النص، من علوم اللغة وقواعدها، ومن سياق الآيات وصياغها وغيرها.
    ثالثاً، الإعتراف بأن آيات الحقائق القرآنية لا تنسخ بعضها بعضاً، بل تتوافق مع بعضها البعض، لأنها تتضمن حقائق مطلقة لا تتغير بمرور الزمن. وعليه يجب التسليم بأنها تفسر وتكمل بعضها البعض، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تناقض بعضها البعض. وإن عثر الباحث أو المفسر على أي تناقض جوهري بين نصين أو أكثر، فلابد أن يدل ذلك على حدوث خطأ في فهمه لأحد هذه النصوص أو لجميعها. كما يجب أيضاً عدم الأخذ بأي تأويل أو تفسير أو رأي يتعارض مع أي نص من نصوص آيات الحقائق القرآنية. وكذلك لا يحق لنا إعتماد أي قصة، إلا إذا إتسقت أحداثها مع جميع النصوص ذات الصلة بها. فما بال مفسرينا يعتمدون اليوم قصة هيكل آدم الطيني، على الرغم من أنها لا تتسق، ليس فقط، مع آية أو أيتين أو ثلاثة، بل مع الغالب الأعم من آيات الخَلْق.
    رابعاً، وجوب إلمام الباحث أو المفسر إلماماً دقيقاً بالمعارف والعلوم الدنيوية ذات الصلة بآيات الحقائق القرآنية موضح البحث، حتى يتمكن من فهم الحقائق القرآنية التي تتضمنها هذه الآيات.
    لابد لي في الختام من الإشارة إلى وشجب المعارك الجدلية القائمة اليوم والتي يتهم الفقهاء فيها الباحثين في نصوص الحقائق القرآنية بإفتقارهم إلى المؤهلات التي قد تمكنهم من تفسير القرآن الكريم تفسيراً صحيحاً، بينما إتهم الباحثون السلفيين بتقوقعهم، وبجهلهم بالمعارف الحديثة، وبمحاولاتهم إحتكار العلوم الدينية. وبدلاً من هذه الحروب الكلامية والقلمية، كان لزاماً على الفقهاء الإعتراف بجهود هؤلاء الباحثين، والعمل معهم على سن الأسس والضوابط التي تحكم مثل هذه الأبحاث، وتؤسس لمولد هذا الفرع الجديد من علوم تفسير القرآن الكريم.
    وقد أدى عدم وجود ضوابط صارمة، يعمل من خلالها الباحثون في آيات الحقائق القرآنية، إلى فتح الباب على مصراعيه لمن ليس لهم إلمامٌ عميقٌ بالقرآن الكريم، أو حتى بهذه المعارف الحديثة، للإدلاء بدلوهم، حتى صرنا نسمع كل يوم عن إعجاز قرآني جديد، لا يمت بأية صلة بالإعجاز القرآني. ولعل من أبرز أوجه القصور في أساليب البحث التي يعتمد عليها العديد من الباحثين في آيات الحقائق القرآنية، التركيز على المعاني اللغوية للمفردات، دون أدنى وقفة للتعرف على معاني تلك المفردات من خلال البحث في القرآن الكريم. هذا وتذخر اليوم الشبكة العنكبوتية بالكثير من المحاولات غير الجادة لتفسير القرآن الكريم على ضوء ما ورد إلينا من العلوم الحديثة. وإن لم يتم وضع أسس وقواعد واضحة تضبط مثل هذه الأبحاث، فسوف يؤدي ذلك لبروز الكثير من التفاسير الخاطئة، والتي ستكون نقمة على الإسلام والمسلمين
    لسنا اليوم بحاجة إلى المزيد من المعارك الكلامية والقلمية، بل إلى أسس وضوابط صارمة تضبط مثل هذه الأبحاث. ونتمنى أن تسعى المؤسسات الدينية والتعليمية التقليدية على تأهيل مثل هؤلاء الباحثين، من خلال كورسات قصيرة، عن مبادئ تفسير القرآن الكريم، حتى يتمكنوا من القيام بالدور المناط بهم على أكمل وجه. وأن تُدرِج المؤسسات الدينية نصوص الحقائق القرآنية وطرق البحث فيها، بالإضافة إلى العلوم والمعارف الدنيوية ذات الصلة بها، ضمن مناهجها الدراسية، حتى لا يقف خريجوا هذه المؤسسات موقف المتفرج تجاه هذه الأبحاث. ولابد من تأسيس مرجعية دينية علمية، تضم خليطاً من علماء الدين وعلماء من شتى ضروب المعارف الإنسانية، لتقوم بوضع الشروط والضوابط التي تحكم عمل هؤلاء الباحثين، ولتقيم كل الأبحاث الجديدة وتقوم بتصنيفها بناءً على تلك الضوابط، ولتروج للصالح منها، وتساعد على نشره.
    لا عذر اليوم لأي باحث أو مفسر أن يفسر أي مفردة أو أي جملة قرآنية بصورة إنتقائية، أو أن يطوع النص القرآني ليتسق مع المعارف والعلوم الحديثة. ولا عذر لأي باحث أو مفسر أن يتجاهل منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه، لأن البحث عن أي مفردة أو جملة، أو حتى عن مجموعة من الكلمات في القرآن الكريم، صار متاحاً للجميع في العديد من المواقع الإكترونية مجاناً. أما آن الأوان أن تقوم جامعاتنا بتطوير هذا المنهج، وأن توفر ما توصل إليه الباحثون من علمٍ، حتى يكون متاحاً للجميع؟ أما آن الأوان أن تجد مثل هذه المعارف سبيلها إلى عقول وقلوب فلذات أكبادنا في المدارس، حتى يكون العلم سبيلهم لمعرفة خالقهم، ولتقوية إيمانهم به؟ أما آن الآوان أن يُعاد تفسير القرآن الكريم على ضوء هذه المعارف، حتى يتعرف عامة المسلمين على الإعجاز العلمى في الكتاب الذي يتلونه صباح مساء؟ أما آن الأوان أن تُنشَر هذه الحقائق لتنهل منها العقول المتعطشة لمعرفة الخالق من بين غير المسلمين الذين هجروا ديانتهم، لأن ما تحتويه كتبهم من معلومات عن خلق الكون والإنسان، لا يرقى أن تتقبله عقولهم النيرة؟ لا نملك أيها القارئ الكريم أكثر من أن طرح الأسئلة، عسى ولعل أن تجد بعض الأذن الصاغية من بين أولياء الأمر منا، والله الموفق.
                  

02-27-2015, 03:02 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (2)
    الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون من التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وسوف أتطرق في هذا المقال والمقالات التي تليه إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. تضمن القرآن الكريم ثلاثة مجموعات من الآيات فصَّلتْ لنا في الخَلْق من طين، ثاني هذه المجموعات قوله تعالى:
    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16): سورة المؤمنون (23).
    بإستثناء الزمخشري والرازي، فقد إتسمت تفاسير بقية الرواد للآيات السالفة، بتشابه بعضها البعض. قال معظم رواد التفسير أن في قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" إشارة إلى آدم، لأن السلالة أُستلت من كل تربة، وآدم خُـِلق من تربة أُخِذت من أديـم الأرض. وقالوا أن الآيتين التاليتين لها تصفان خَلْق بني آدم في الأرحام لأنهم خُلِقوا من سلالة آدم، وهي صفة مائة، ولأن آدم هو الطين لكونه خُـلِق منه. يتصف هذا التفسير بالعديد من نقاط الضعف، أهمها أن رواد التفسير لم يميزوا بين الإنسان وبين آدم وبني آدم، إذ ذكروا أن: "الْإِنسَانَ" تشير إلي آدم في الآية 12، وإلي بني آدم في الآيتين 13 و 14، بينما تشير إلي جميع البشر في الآيتين 15 و 6، على الرغم من أن مفردة: "الْإِنسَانِ"، كما وردت في القرآن الكريم، لم تشر إلى فرد بعينه سواء أن كان آدم أو غيره. وقالوا أن قوله تعالى: "سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" يشير إلى آدم لأنه خلاصة الطين أو لأنه أُستل من طين.
    هذا، وقد بين لنا القرآن الكريم أن آدم خُلِق من طين وليس من سلالة من طين كما رجَّح رواد التفسير. وقد أوضحتُ في المقال السابق أن السلالة تشير إلى أنواع المخلوقات التي تسلست من بعضها البعض. كما أنهم رجحوا أن الآيتين 12 و 13 تصفان خَلْق الإنسان في الأرحام، أسوةً بنصوص الخَلْق من تراب، وذلك على الرغم من أن جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين يختلف عن خَلْق النطفة كما ورد في نصوص الخلق من تراب. ولنقف الآن عند مواطن الضعف في تفسير الرواد من غير الرازي والزمخشري لهذه الآيات، ولنبدأ بحثنا عن مواطن الضعف هذي بالوقوف أولاً عند الآية 13 والآية 14 لنبين أنهما لا تصفان الخَلْق في الأرحام على قرار الخَلْق من تراب. رَّجح معظم المفسرين الذين يأخذون بالقصة التقليدية لخَلْق الإنسان أن الآية 12 من سورة المؤمنون تشير إلى آدم، لأنه خُلِق مباشرةً من الطين. وذكروا أن الآية 13 تشير إلى خَلْق النطفة كما ورد في آيات الخَلْق من تراب. أما الآية 14 فتشير، على حسب قولهم، إلى الخَلْق في الأرحام، بدأً من طور النطفة، وحتى خروج الجنين من بطن أمه، والذي قالوا أنه يوازي قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ". لكن يمكننا ملاحظة أن أطوار الخَلْق من تراب، بدأً بالنطفة، وإنتهاءً بخروج الجنين من الأرحام، قد ضُمنت جميعها في آيةٍ وحيدة في جميع نصوص الخَلْق من تراب (الآيات 5 من سورة الحج، 11 من سورة فاطر و 67 من سورة غافر). بينما وردت أطوار الخَلْق من طين في سورة المؤمنون في ثلاث آيات منفصلة. وقد رجح المفسرون أن جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" يساوي طور النطفة في آيات الخَلْق من تراب: "ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ".
    ولكن يمكننا أولاً ملاحظة أن طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين، والذي نعلم أنه يمتد لأسبوع واحد، إذا فُسِّر على أنه مرادف لطور خَلْق النطفة، قد ضُمِّن في آية منفصلة في سورة المؤمنون: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ". فإن كان طور جَعْل الإنسان نطفةً في قرار مكين مساوياً لطور خَلْق النطفة في نصوص الخَلْق من تراب، فما السر وراء أن يرد هذا الطور في آية منفصلة في معرض الخَلْق من طين، بحيث يمكن مقارنته بطور خَلْق الإنسان من سلالة من طين كما ورد في الآية 12 من سورة المؤمنون، وهو ما قال المفسرون أنه يشير إلي خَلْقِ آدم؟ وهل يعقل أن تُفرد آية وحيدة لوصف خَلْق آدم، والذي قال المفسرون أنه خُلِق من طين ثم من طين لازب ثم من صلصال من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار، والذي تلاه نفخ الروح فيه قبل أن يكتمل خَلْقه؟ وبالمقابل، تُفرد أية أخرى لطور النطفة، والذي يمتد لأسبوع واحد فقط، ثم يتم دمج بقية أطوار الخَلْق في الأرحام، والتي تمتد إلى تسعة أشهر: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، في آيةٍ أخرى؟ ولماذا إستبقت: "ف" (والتي تشير إلي قصر الفترة الزمنية بين الطورين التي تفصل بينهما، مقارنةً ب: "ثم") طور خَلْق العلقة مضغة "فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً"، وخَلْق المضغة عظاماً: "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا"، وكسو العظام لحماً: "فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"؛ بينما إسبقت: "ثم" طور إنشاء الإنسان خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، والذي قال المفسرون أنه يدل على خروج الطفل من رحم أمه، وهي أطوار يمتد كلٌ منها لفترة زمنية تساوي أو تزيد عن طور النطفة الذي أُفردت له آية كاملة؟
    وما السر في أن ترد بالمقابل جميع أطوار الخَلْق من تراب، في جميع الآيات التي تصف ذلك الخَلْق (الآيات 5 من سورة الحج، 11 من سورة فاطر و 67 من سورة غافر)، مُتَضَمَنةً في آية واحدة، بينما يتم إفراد آية بأكملها لوصف طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين، ضمن آيات الخَلْق من طين؟ ألا يعد ذلك خرقاً للدقة المتناهية في سياق آيات القرآن الكريم، حيث تُتَضمن الأطوار المتقاربة نسبياً في آياتٍ منفصلة، أو يتم فصل هذه الأطوار بحروف العطف، مِنْ: "ثُمَّ" و: "ف" وغيرها، للدلالة على الإتساق النسبي في طول الفترة الزمنية التى يمتد فيها كل من الأطوار التي تحتوي عليها كلٌ من هذه الآيات، أو للدلالة على تسارع أو تباطؤ وتيرة الآحداث التي تشتمل عليها هذه الأطوار؟
    أما السبب الثاني الذي يضعف تفسير الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون إستناداً على قصة الهيكل الطيني أن المفسرين لم يفطنوا أن الآية 15: "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ" والآية 16: "ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" تصفان أيضاً أطواراً رئيسة من أطوار الخَلْق من طين. فكلا الآيتين تفتتحان بحرف العطف: "ثم"، أسوة بالآيات 13 و 14، وكلاهما تنسجم مع الآيات التي سبقتها. وإن دل ذلك على شيئ، فإنما يدل على أن أطوار خَلْق الإنسان من طين لا تنتهي فقط بإنشاء الإنسان خَلْقاً آخر، بل تتعاده إلى طور الموت، والذي يمر به كل إنسان، بل وتشمل أيضاً طور البعث. وبالمقابل، فإن أطوار الخَلْق من تراب تبدأ بالنطفة وتنتهي بخروج الطفل من رحم أمه. وهنا تبدو لنا المفارقة أعمق في الإتساق النسبي بين طول الفترة الزمنية التي يمتد فيها طور البعث وطور جعل الإنسان نطفةً في قرار مكين، والذين أُفردت لكلٍ منها آية كاملة في سورة المؤمنون. فإذا علمنا أن الطور الأخير من أطوار الخَلْق من طين يحدث يوم البعث، والذي طوله خمسين ألف سنة:
    سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9): سورة المعارج (70).
    فهل يمكننا القول أن طول الفترة الزمنية لطور البعث يتسق مع طور النطفة، والذي يمتد لأسبوع واحد؟ وما العبرة في أن يرد كل من طور البعث، وجعل الإنسان نطفةً في قرار مكين، والخَلْق في الأرحام، في آية منفصلة، على الرغم من عدم الإتساق الكبير في الفترات الزمنية التي تمتد فيها هذه الأطوار؟ لابد إذاً لكل من دقق في التناسق الزمني بين أطوار الخَلْق من طين أن يصل إلى نتيجة مفادها أن كل طور من هذه الأطوار قد يمتد إلى مئات الآلاف، بل قد يمتد بعضها إلى ملايين السنين. ما يمكن إستنتاجه، أيها القارئ الكريم مما سبق، أن جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين ليس هو خَلْق النطفة في الأرحام. فجعلُ الإنسانِ نطفةً في قرار مكين يدل على الخَلْق المركب الذي يحتوي على عدة أطوار.
    ليس التفاوت النسبي في الفترة الزمنية التي يمتد فيها كل طور من أطوار الخَلْق من طين هو السبب الوحيد الذي يضعف تفسير الآيات السالفة إستناداً على قصة هيكل آدم الطيني، بل تعداه إلى معاني بعض المفردات التي وردت فيها. إتفق رأي معظم رواد التفسير أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" في الآية 14 من سورة المؤمنون يدل إما على نفخ الروح في الجنين أو إلى خروجه من بطن أمه. ولكن، إذا إهتدينا بنصوص الخَلْق من تراب، لتبين لنا أن القرآن الكريم وَصَفَ الإنسان بعد خروجه من بطن أمه بالطفل: "ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا"، وليس بالخَلْق الآخر. والمثير حقاً، أن ذلك الوصف ورد في آيتين من آيات الخَلْق من تراب (الآية 5 من سورة الحج والآية 67 من سورة غافر)، مما يدل على إرتباط خروج الطفل من بطن أُمه بنصوص الخَلْق من تراب وليس بنصوص الخَلْق من طين. الدليل على أن إنشاء الإنسان خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" في الآية 14 من سورة المؤمنون لا يدل على خروج الطفل من رحم أمه: "ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا" فيتمثل في البحث عن تكرار: "آخر" و: "نشأ" ومشتقاتهما في القرآن الكريم.
    وردت: "آخر" في القرآن الكريم بمعنى الأجول أو التأخير، أو للدلالة على شيئ أو مخلوق مختلف عن الشيئ أو المخلوق المشار إليه. فمعنى الأجول ينطبق على وصف يوم القيامة أو الآخرة أو الحياة الآخرة، لتميزيهم عن الدنيا أو الحياة الدنيا أو الحياة الأولى. أما إرتباط معنى: "آخر" بالشيئ أو المخلوق المختلف، فقد ورد في العديد من الآيات في وصف الأيام، والمرة، والتارة، والنزلة، والجنات أو المساكن التي بداخلها، والآيات، والنفخ في الصُور، والآلهة، والعذاب، والوِزَر، والسنبلات، والمآرب، والجن، والناس (أنفس، نساء، رجال، فئات، طوائف، أفراد، قوم، قرون). فإذا إستهدينا بما ورد في القرآن الكريم من معنى: "آخر"، لتبين لنا أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" إما أن يعني: "ثم أنشأناه خَلْقاً يختلف عن الخَلْق الذي كان عليه"، أو أنه يعني: "ثم أنشأناه خَلْقاً متأخراً (زمنيا) عن المخَلوقات التي عاشت قبله"، وكلا هذين المعنيين جائز في وصف ذلك الخَلْق الآخر. فإن وصفت آيات الخَلْق من تراب الطفولة على أنها طور من أطوار حياة الإنسان، وليس بالخَلْق الآخر، ألا يرجح ذلك إحتمال أن الخَلْق الآخر تشير إلى الإنسان الذي خُلِق خَلْقاً آخراً، يختلف عن المخلوقات التي إنبثق منها؟ أليس هو نفس الإنسان الذي جاء خَلْقُه متأخراً عن خلق المخلوقات التي إنبثق أو تطور منها؟
    كما يمكن للمتأمل في نصوص القرآن الكريم التي تتطرق إلى نشأة الناس أن يتبين أنها تدل على نشأتهم من أناس أخرين:
    أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6): سورة الأنعام (6).
    وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133): سورة الأنعام.
    وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11): سورة الأنبياء (21).
    ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31): سورة المؤمنون (23).
    ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42): سورة المؤمنون (23).
    أو أنها تدل على نشأة الناس من نفس مختلفة عنهم، أو ما وصفتها الآية الكريمة بالنفس الواحدة:
    وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98): سورة الأنعام (6).
    أو أنها تدل على نشأة الأجنة من أناس أخرين، هما الأب والأم.
    الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32): سورة النجم (53).
    وبالمثل فإن الآية 32 من سورة النجم تؤكد تأكيداً قاطعاً أن المولى، عز وجل، يُنشئ الجنين في بطن أمه خَلْقاً آخر، ولكنه لا ينشئه خَلْقاً آخر عندما يخرج من بطن أمه. فالجنين ينشأ في بطن أمه خَلْقاً آخر لأنه ينتج من أبوين مختلفين عنه. أما عندما يخرج الطفل من بطن أمه، فإنه لا ينشأ خَلْقاً آخر، لأنه نفس المخلوق الذي كان في بطن أمه عندما كان جنيناً، ولكنه إنتقل فقط من طور الخَلْق في الأرحام إلى طور الطفولة عندما خرج من بطن أمه. وإذا قارنا بين جميع هذه الآيات السالفة وبين الآية 14 من سورة المؤمنون، لخلصنا أن قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، لا يشير إلى تحول الجنين من طور الخَلْق في الأرحام إلى طور الطفولة عندما يخرج من بطن أمه. أما إذا إستهدينا بلغة القرآن الكريم وبحثنا عن الإيماءات القرآنية المتضمنة في قوله تعالى: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، لتبين لنا ذلك الخَلْق الآخر يشير إلى بروز الإنسان العاقل إلي حيز الوجود، والذي يتميز عن غيره من المخلوقات التي سبقته بالعقل.
    وهنا، يبرز لنا، أيها القارئ الكريم، إعجاز آخر للقرآن الكريم، يتمثل في ورود: "أَنشَأْنَاهُ " و: "خَلْقًا آخَرَ"، للتأكيد أن ذلك الخَلْق الآخر ليس هو الطفل الذي خرج من بطن أمه. والمدهش حقاً أننا لم نتوصل إلى هذه النتيجة من خلال البحث في قواعد اللغة، بل من خلال منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه. وإن دل هذا على شيئ، فإنما يدل على إختلاف لغة ومعاني القرآن الكريم في العديد من الحالات عن قواعد ومعاني اللغة العربية. وهذا ما يضعف منهج تفسير القرآن الكريم بالرأي، لأن من يتبع هذا المنهج يتخير المعنى أو الأصل الذي يراه مناسباً، من بين العديد من المعاني أو الأصول اللغوية للمفردة موضع البحث. بينما يتم تحديد معنى المفردة في أي نص قرآني، عند تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه، من خلال البحث عن ورود تلك المفردة ومعانيها في القرآن الكريم. ومن ثم تتم مقارنة معنى المفردة التي وردت في النص موضع البحث بمعانيها التي وردت في القرآن الكريم، ليأخذ الباحث بالمعنى الذي يتفق مع المعاني التي وردت في القرآن الكريم، ويترك بقية المعاني. كما يمكن توظيف منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه للوصول إلى المعنى الصحيح في حالة تضارب روايات الحديث، والذي قد لا يخلو منه تفسير أي آية من آيات الخَلْق.
    أما تفسير الآيات السالفة تفسيراً منسجماً مع بقية آيات الخَلْق من طين، ويتم التخلص فيه من نقاط الضعف السالفة، فمفاده أن الإنسان خُلِق في بادئ الأمر من سلالة (أنواع من المخلوقات تسلسلت أو تطورت من بعضها البعض) من طين، وأن أول مخلوق من هذه السلالة إنبثق مباشرةً من الطين: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ". فهذا التفسير يختلف إختلافاً جوهرياً عن التفاسير التقليدية التي ورد فيها أن خَلْق الإنسان من طين بدأ من آدم، وليس من أنواع إنبثقت مباشرةً من الطين. فإذا بدأ الخلق من طين بآدم، لكانت الآيات 13 و 14 تشيران إلي خَلْق بني آدم، ولقال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من ذرية من طين" بدلاً عن قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ"، نسبةً لإقتران الذرية في القرآن الكريم فقط بالناس من دون سواهم من المخلوقات.
    لم يكتمل خَلْق الإنسان في طور السلالة من طين، أو في الطورين الذين تلياه، والتي يمكننا أن نطلق عليها أطوار ما قبل الإنسان، لأنه لم يكن في ذلك الحين على صورته الإنسانيةً، ولم يكن عاقلاً، بل كان مثله مثل بقية الحيوانات التي تعيش في ذلك الحين. بما أن تلك السلالة من طين كانت تمثل أول أنواع المخلوقات التي وُجَدت على الأرض، فلابد أن نتوقع أنها كانت بدائية في كثير من نواحي حياتها، إذ تمثل ذلك في تكاثرها بالإنقسام البسيط وبنمو أجنتها خارج الرحم. ثم تلى طور السلالة من طين طورٌ جديدٌ، ظل فيه الإنسان على صورته وعقليته غير الإنسانية، لكن أصبح تناسله أكثر تعقيداً، حيث صارت أجنته تنمو في بطن الأم وفي الأرحام: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ". ولذا فإننا نلاحظ ورود: "جَعَلْنَاهُ"، بدلاً عن: "خلقناه" للإشارة إلى تحول خَلْق الجنس الإنساني من طور إلى آخر، وليس إلى خَلْق الأفراد في الأرحام.
    تلى طور جَعْل الإنسان نطفة في قرار مكين طورُ خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"، وهو الطور الذي بدأ فيه خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام على هيئته الإنسانية. بيد أن خَلْق الإنسان العاقل لم يكتمل إلا عندما أصبح خَلْقاً آخر: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" مختلفاً عن أنواع المخلوقات التي سبقته. وعندما إكتمل خَلْق الإنسان العاقل، تحول أسلوب الخطاب من خطاب عام إلى خطابٍ مباشر، موجه مباشرةً له: "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" لكونه أصبح قادراً على فهم ما يقال أو يُتلى له. ولابد من الإشارة إلى أنه، على عكس آيات الخَلْق من طين، والتي لم تخاطب الناس خطاباً مباشراً حتى بروز الإنسان في صورته الإنسانية، فإن جميع آيات خَلْق الإنسان من تراب تخاطب الناس خطاباً مباشراً، لأنها تشير إلى خَلْق الناس كأفراد في الأرحام بعد بروز الإنسان في صورته الإنسانية.
    لا يتسق هذا التفسير مع معني الآيات فحسب، بل ويجعل أطوار الخَلْق التي تصفها الآيات 12 – 16 من سورة المؤمنون متسقةً مع بعضها البعض، من حيث الفترة الزمنية التي يمتد فيها كل طور من هذه الأطوار. أول هذه الأطور يتمثل في نوع بدائي من أنواع الحياة ذو خلية واحدة، تمكن من الإنبثاق مباشرةً من الطين الذي وصفه القرآن الكريم بالطين اللازب أو الصلصال من حمأ مسنون أو الصلصال كالفخار، قبل حولي 3 – 4 بليون سنة. وعندما نفخ فيه المولى، جل شأنه، من روحه، سرت الحياة في خليته الوحيدة. وبما أن ذلك النوع كان يتكاثر بإستنساخ أطفال طِبْق الأصل منه، فلابد أن يكون ذلك النوع أنثى وليس ذكراً. وربما لم تك تلك الأم لجميع أنواع المخلوقات في الكرة الأرضية، أول نوع خُلِق في الأرض، فربما سبقتها العديد من الأنواع التي إنقرضت ولم يكتب لها الخلود في سلم التطور.
                  

02-26-2015, 03:38 PM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    Quote: بل إلى أسس و ضوابط صارمة تضبط مثل هذه الأبحاث

    سبحان الله ..
    عن أي ضوابط صارمة تحدثنا وأنت لم تلتزم لا بضابط اللغة ودلالات الكلمات والعبارات الواضحة
    مثل قول الله تبارك وتعالى ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)،)
    فعبارة نفخت فيه من روحي تدل دلالة واضحة على أن سيدنا آدم عليه السلام خلق من جماد لا روح فيه
    ثم جُعلت الروح على هذا الجماد ...وإلا فما الحاجة لنفخ الروح فيما فيه روح أصلاً؟؟؟؟؟؟؟
    وكذلك قول الله تعالى :(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
    هنا احتج الله سبحانه وتعالى لخلقه عيسى عليه السلام بأم بغير أب بخلق آدم عليه السلام من غير أبوين لا أب ولا أم
    هذه وغيرها أدلة واضحة من القرآن على خلق آدم عليه السلام من بغير أبوين
    ولا كذلك هناك التزام منك بقبول الأحاديث الصحيحة في التفسير ...
    وهذا الأمر الذي ترفضه واضح وصريح في القرآن مما يجعل رفضك له يعتبر في المحصلة رفضاَ للقرآن نفسه ..
    أنت أخذت أوهام عبد الصبور شاهين التي كان هدفها التوفيق بين تفسير خلق آدم وبين مسألة الاشعة السينية
    التي قررت قدم حياة الانسان في الأرض لما يفوق كل تصورات المدة الزمنية لوجود آدم عليه السلام
    مع أن أجهزة الاشعة السينية مهما كانت فهي اجهزة من خلق بشري ولا يعقل أن نرد بنتائجها الثوابت الواضحة
    من كلام الله سبحانه وتعالى ..
    لا يعقل حتى بالمنطق المحض أن يكلمني أحد عن ملايين السنين مضت من حياة الأرض والمجموعة الشمسية وغيرها من الأفلاك
    ويكون لا زال هناك ثمة أثر لإنسان عاش قبل ملايين السنيين هذا سفه وقلة عقل.
    أما أنت أخفيت دوافع هذه التفسيرات المنكرة نقلاً وعقلاً لأصحابها الذين سبقوك بها وتريد أن تفهمنا أنها أمراً كان واضحاً وثابتاً في القرآن الكريم
    أعجب لك وأنت تحدثنا عن الضوابط التي تريدنا أن يتفق عليها!!!!

    (عدل بواسطة منتصر عبد الباسط on 02-26-2015, 03:44 PM)

                  

02-26-2015, 04:05 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: منتصر عبد الباسط)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    دارون و خلق الإنسان العنوان

    ما رأْي الدِّين في النظرية التي تقول:
    إن الإنسان أصله قرد ترقَّى وتطوَّر حتى صار على الشكل الذي نعرفه الآن؟ السؤال

    الحل


    : في القرن التاسع عشر الميلادي، الذي ظهرت فيه نزعة الثورة على الكنيسة والأفكار والآراء الدِّينية السائدة، برز جماعة منهم "لامارك" الفرنسي المتوفَّى سنة 1829م "واغوست ايرينوس" المتوفَّى سنة 1927م " وتشارلس دارون" الإنجليزي المتوفَّى سنة 1882م، والذي أثار ضجَّة في العالم عندما ظهر كتابة " أصل الأنواع" سنة 1859 م، وكتابه " تسلسل الأنواع" سنة 1871م، وهو يشتمل على ثلاث مسائل:


    أ ـ أن طريق حدوث تنوُّعات العالم هو النشوء، أي أن أجزاء الأثير تكون منها السديم ثم الشمس، ثم انفصلت عنه الكواكب، ومنه أرضنا، ثم تكونت العناصر ثم المعادن ثم المكوِّن الأول الحي "البروتوبلازم" الذي أخذ في التوالد والترقِّي حتَّى بلغ أدْني نبات أو حيوان، ولم يزل هذان يترقَّيَان بالنواميس

    الأربعة "التباينات" الوراثة، تنازع البقاء، الانتخاب الطبيعي "ويُشتق من الأنواع أنواع حتى تكوَّنت جميع الأنواع التي نراها اليوم.

    ب ـ أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات، حادث بطريق النشوء والارتقاء، وأنه لمشابهته القرد لا يمنع أن يكون قد اشتُقَّ هو وإيَّاه من أصل واحد.

    ج ـ أن الحياة وعقل الإنسان ما هما إلا ظاهرتان من ظواهر تفاعل أجزاء المادة، وإن يكن أصل المادة خاليًا من الحياة والإدراك، وأن عقْل الإنسان لا يخْتلف عن عقول الحيوانات إلا بالكَمّ، ولا يخالفها في الذات والحقيقة.

    إن هذه الدعاوى لم يستطع "دارون" ومَن ساروا في ركابه أن يُبَرهِنوا عليها بالأدلة الكافية، فهي ما تزال افتراضاتٍ قابلةً للصدق والكذب، وأكثر اعتمادهم في ذلك على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غيَّروا شكلها ولم يغيروا جوهرها، ولم ينجحوا في شيء من عالم الحيوان،
    ولكنَّهم قالوا: يجوز أن يكون الإنسان متطوِّرًا عن حيوان قبله وهو القرد.

    ويشرح "لامارك" ذلك بقوله" إن الكائن الحي يشعر من تغيُّر الأحوال عليه بضرورة حدوث عُضو جديد له، فيفعل للحصول على ذلك، فيَحْدُثُ في آحاده يسيرًا يسيرًا، كالزَّرافة، فقد كانت في زعمه ـ كسائر الحيوانات ـ ذاتَ عُنُق قصير، ولكنَّها لمَّا احتاجَت إلى أكْل الأشجار العالية صارت تتفعل لذلك وتَشْرئِبُّ؛ لتنال الورَق العالي، فطالت عُنُقُها يسيرًا يسيرًا، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، فالحاجة هي التي تُنشئ الأعضاء الجديدة عند لامارك ولكن دارون يقول: إن الصُّدفة أو الاتِّفاق هو الذي يُنشئها.

    لقد قام جماعة من المفكِّرين بالرَّد على نظرية دارون فقال: "س. فان هو فنسفيلت" إن النتائج التي وصل إليها الباحثون في الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أي دليل على التسلسل أو التطور التدْريجي، بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس التي نعرفها بقيت على الدوام فاغِرةً ولم تتلاشَ أو تَقرُب من ذلك.

    وقال " جوستاف جوليه" الأستاذ في السوربون" إنَّ العَقَبات التي يَرْتَطِم بها مذهب النشوء والارْتقاء تنحصر في خمسة أمور:

    أ ـ أن العوامل التي يقوم عليها هذا المذهب قد ظهر عَجْزها في تعليل أصل الأنواع.

    ب ـ تبيَّن عدم كِفايتها لتعليل وجود الحشرات.

    ج ـ تبيَّن عدم غِنائها في تفسير التحوُّلات الفُجائية المولِّدة لأنواع جديدة.

    د ـ اتَّضح قُصورها عن تعْليل تولُّد طبائع الأنواع الجديدة وثُبوتها نِهائيًا، وقد ثَبَت أنها متى تولَّدت فيها بسرعة تَبْقَى ثابتةً لا تتغير.

    هـ ـ ثَبَت عجْزُها عن تفسير عوامل التَّطور الذي تدخل فيه الكائنات فتُحوِّلها من حالة ساذجة إلى حالة مُركَّبة، وتدْفعها من النقْص إلى الكمال. هذه هي نظرية دارون الافتراضيَّة،


    وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم، أما رأْي الدِّين فيها فيتَّضح مما يلي:

    1 ـ قولُهم إنَّ المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدْبير سابق وعلْم مُحكم يردُّه قول الله سبحانه (إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر :49)،

    وقوله: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُون) (سورة الحجر:19).

    2ـ قَوْلُهم إنَّ الإنسان ليْس له خَالِق، يردُّه قول الله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (سورة النحل:4)، وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) (سورة ق :16)، وقوله: (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذِينَ مِنْ دُونِهِ) (بسورة لقمان: 11)، وغير ذلك من الآيات الكثيرة.

    3 ـ قولهم إن البقاء للقوِى والكوارث هي سبب هلاك المخلوقات الضعيفة، مردود بأن الله يُهلك الأقوياء كما يُهلك الضعفاء (إنَّ الذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا) (سورة آل عمران:10) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ) (سورة آل عمران:12)

    4 ـ ادِّعاؤهم معرفةَ كيف نشأت الأحياء على الأرض، يَرُدُّه قَوْلُ اللهِ تَعَالَى (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (سورة الكهف:51).

    5 ـ ادِّعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تَفهم، يردُّه قول الله سبحانه (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (سورة النمل:16).

    6 ـ ادِّعاؤهم أنَّ الطَّير أقل تطورًا من الثَّدْيِيَّات والإنسان، يردُّه قول الله تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْأَةَ أَخِيهِ) (سورة الأنعام:38).

    7 ـ زعْمُهم أنَّ الْإِنْسان مُتَطوِّر عن كائنات حيَّة سابقة، يردُّه قول الله تعالى

    (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ القُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ البَيَانَ) (سورة الرحمن:1-4)،

    وَقوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (سورة الرحمن :14)،
    وحديث
    "إِنَّ الله خلق آدَمَ عَلَى صُورَتِه" رواه البخاري ومسلم.

    8 ـ ادعاؤهم أن القرآن يُقرُّ نَظَرية التَّطوْر، كقوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (سورة نوح:14)

    مَرْدُود بأنَّ الأطْوار في الآية ليْست التطور الذي يزْعمون فالمعْني أن الإنسان خُلق على النَّحو الذي قال فيه ربُّ العزَّة

    (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشْأَنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (سورة المؤمنون:12-14).

    9 ـ قَوْلهم إن الموت يأتي صُدْفة للضَّعيف ويَترك القوِيَّ ليَتَطَوَّر، يردُّه قول الله تعالى

    (خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك:2)،

    وَقَوْله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(سورة البقرة: 28)

    هذا بعْض ما تُفَنَّد بِهِ نظرية دارون، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر " المجلد الثاني ص749"، ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة، ومجلة الهداية التي تصدر في البحْرين عدد مارس1993، ومراجع أخرى.

    المصدر أسلام اون لاين
                  

02-26-2015, 04:07 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    السؤال:

    أجريت عملية في أمريكا بتبديل قلب بنت بقلب قرد،
    هل يريدون بذلك دعم نظرياتهم أن الإنسان أصله قرد؟
    وما رأيك في من يقول: إن الإنسان حيوان ناطق؟

    الجواب:

    البنت ماتت بعد أسبوعين، وقضية إثبات نظريتهم هذه لا ندري، ونحن لا نفترض في الكفار إلا الشر،
    ولا نؤول كل شيء يفعلوه أنهم يريدون به كذا، وما يراد به كذا، ولكن العملية هي عملية طبية عادية.

    يوجد دكتور في جدة سعودي يعمل مثل هذه العمليات، فلا نقول: إن العملية عملت من أجل كذا.

    لكن هل هناك إيحاء بهذا الشيء؟
    نعم، وليس هناك غرابة.

    فليس هناك غريب فإن هذا من عمل الطبيب،
    فهو يُشَرِّح جثة مقابل جثة، فلا يتدخل هو بالروحانيات،
    فتأخذ أنت منه ما هو الأصلح لك.

    وقضية من يقول: إن الإنسان حيوان ناطق:


    هذه القضية مرفوضة، وهي من علم المنطق، المنطق كله مرفوض كمبدأ، لكن بعد أن دخل المنطق في بعض العلوم واستفادت منه في بعض الأشياء -ولا أريد أن أتكلم عن المنطق بذاته- أقول: القضية قيلت، وأصل المنطق وضعه رجل يوناني
    ، ويمكن أن يضع الفكر كما تصوره، فلا تجعل موضوع الكلمة هو المشكلة،

    لكن نحن نقول: لا تليق بنا هذه الكلمة، وقد نقول: الإنسان حي ناطق، وكلمة (حيوان) معناها: الحي، إذا قالوا: معناها الحي، نقول: حي ناطق.

    وما وُضع المنطق إلا من أجل التعريف، فهل تُعِّرف الإنسان، وتعلم ولدك وطفلك تعريف الإنسان، وهل يوجد أحد يجهل الإنسان؟!

    والمنطق إنما وضع مقابل فكر خطأ ينكر الموجود المحسوس، فأتى المناطقة وقالوا: نحن نرد عليهم بإثبات المحسوس.

    فالمنطق جاء رداً على السفسطة، وليس لنا علاقة بهذا، نحن عندنا شهادة أن لا إله إلا الله فلا ندخل بهذه البلايا والمصائب، فتجد أصحاب الفكر الأوروبي رفضوا المنطق رفضاً مطلقاً، ونحن مازلنا نجعله -ولسنا نجعله من فروض العلم- لكن نجعله من أصل العقيدة والدين، هذا هو العجيب! فهذه الكلمة جزء من بحر مرفوض عندنا بالكلية.

    المصدر موقع
    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي حفظه الله
                  

02-26-2015, 05:26 PM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    وحتى لا يقول أحد أن خلق الله للإنسان من طين وتراب وماء كناية على الغذاء البشري والحيواني الذي اساسه النبات الذي ينبت من الطين (تراب + ماء)
    حتى لا يقال هذا ...
    جاء الكلام منه سبحانه وتعالى مفصل أكثر :(خلق الإنسان من صلصال كالفخار )
    وذكر عبارة (كالفخار) دالة على أن آدم عليه السلام خلقه سبحانه وتعالى تمثالاً طينياً ثم نفخ فيه من روحه
    وإلا ما علاقة نمو النبات وتكون الغذاء بالفخار؟؟؟
                  

02-26-2015, 08:10 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: منتصر عبد الباسط)

    وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم، أما رأْي الدِّين فيها فيتَّضح مما يلي:

    1 ـ قولُهم إنَّ المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدْبير سابق وعلْم مُحكم يردُّه قول الله سبحانه (إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر :49)،

    وقوله: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُون) (سورة الحجر:19).

    2ـ قَوْلُهم إنَّ الإنسان ليْس له خَالِق، يردُّه قول الله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (سورة النحل:4)، وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) (سورة ق :16)، وقوله: (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذِينَ مِنْ دُونِهِ) (بسورة لقمان: 11)، وغير ذلك من الآيات الكثيرة.

    3 ـ قولهم إن البقاء للقوِى والكوارث هي سبب هلاك المخلوقات الضعيفة، مردود بأن الله يُهلك الأقوياء كما يُهلك الضعفاء (إنَّ الذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا) (سورة آل عمران:10) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ) (سورة آل عمران:12)

    4 ـ ادِّعاؤهم معرفةَ كيف نشأت الأحياء على الأرض، يَرُدُّه قَوْلُ اللهِ تَعَالَى (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (سورة الكهف:51).

    5 ـ ادِّعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تَفهم، يردُّه قول الله سبحانه (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (سورة النمل:16).

    6 ـ ادِّعاؤهم أنَّ الطَّير أقل تطورًا من الثَّدْيِيَّات والإنسان، يردُّه قول الله تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْأَةَ أَخِيهِ) (سورة الأنعام:38).

    7 ـ زعْمُهم أنَّ الْإِنْسان مُتَطوِّر عن كائنات حيَّة سابقة، يردُّه قول الله تعالى

    (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ القُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ البَيَانَ) (سورة الرحمن:1-4)،

    وَقوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (سورة الرحمن :14)،
    وحديث
    "إِنَّ الله خلق آدَمَ عَلَى صُورَتِه" رواه البخاري ومسلم.

    8 ـ ادعاؤهم أن القرآن يُقرُّ نَظَرية التَّطوْر، كقوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (سورة نوح:14)

    مَرْدُود بأنَّ الأطْوار في الآية ليْست التطور الذي يزْعمون فالمعْني أن الإنسان خُلق على النَّحو الذي قال فيه ربُّ العزَّة

    (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشْأَنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (سورة المؤمنون:12-14).

    9 ـ قَوْلهم إن الموت يأتي صُدْفة للضَّعيف ويَترك القوِيَّ ليَتَطَوَّر، يردُّه قول الله تعالى

    (خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك:2)،

    وَقَوْله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(سورة البقرة: 28)

    هذا بعْض ما تُفَنَّد بِهِ نظرية دارون، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر " المجلد الثاني ص749"، ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة، ومجلة الهداية التي تصدر في البحْرين عدد مارس1993، ومراجع أخرى.

    المصدر أسلام اون لاين
                  

02-26-2015, 11:33 PM

علاء سيداحمد
<aعلاء سيداحمد
تاريخ التسجيل: 03-28-2013
مجموع المشاركات: 17162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    Quote: أما حواء فقد أوردت في مقال آخر أنها لم تكن إلا زوجةً لآدم وأماً لأبنائه كما ورد في القرآن الكريم. فحواء وآدم وذريتهما كانوا خلفاء لناس خلقوا قبلهما كما أوضحت في مقالات سابقة


    تحياتى الاخ / سنارى

    ياريت لمحة بسيطة عن هؤلاء الناس الذين عمّروا الارض قبل آدم وحواء حتى نكون فى الصورة وشكرا .
                  

02-27-2015, 09:35 AM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: علاء سيداحمد)

    الأخ علاء
    سأفتح ملفلاً عن خلق آدم بإذن الله بمجرد إنتهائي من بقية مقالات هذا الملفزأو الموضوع.
    مع شكري
                  

02-27-2015, 04:00 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    لقد قمت بتحميل مقال جديد (عصر اليوم 27 فبراير) ولم يظهر في آخر السلسلة ولكن ظهر ضمن مقالتي الأخيرة فأرجو متابعته.
    مع شكري وتقديري
                  

02-28-2015, 07:44 AM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (3)
    الآية 2 من سورة الأنعام
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون من التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وسوف أتطرق في هذا المقال والمقالات التي تليه إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. تضمن القرآن الكريم ثلاثة مجموعات من الآيات فصَّلتْ لنا في الخَلْق من طين خضنا في شرحها في مقالين سابقين. أما الآية التالية فلم تُفَّصِل في هذه الأطوار، لكنها تؤكد على ما ورد في مجموعتي الآيات السابقة:
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2): سورة الأنعام (6).
    وفي إعتقادي إنها من الآيات التي عجز العديد من المفسرين عن فهم مرميها. قال المفسرون أن قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن طِينٍ" يشير إلى آدم، عليه السلام، لأنه أب البشر الذي خُلِق مباشرةً من الطين دون سائر الخَلْق. و بعدما خَلَق المولى، جل شأنه، آدم، قضى أجلين لكل إنسان. الأجل الأول يشير إليه قوله تعالى: "ثُمَّ قَضَى أَجَلاً"، والأجل الثاني يشير إليه قوله تعالى: "وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ". قال المفسرون، أنه تعالى حدد وقت إنقضاء الأجل الثاني: "وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ"، لأنه بتسميته جعله معلوماً عنده، أو مذكوراً إسمه في اللوح المحفوظ. ومن ثم خاطب، جل شأنه، البشر أو المشككين منهم، وذَكَّرهم بمرائهم؛ والمرية هي الشك.
    إختلف المفسرون في تعريف الأجلين الذين قضاهما الله، عز وجل، لكل إنسان. فرجح جلهم أن الأجل الأول يمتد ما بين خَلْق المرء وموته، أي أجل الدنيا؛ والأجل الثاني ما بين موت المرء وبعثه، أي أجل الآخرة. وقال بعض من خالف هذا الرأي، أن الأجل الأول هو أجل الآخرة، والثاني أجل الدنيا. وقال البعض الآخر، أن الأجل الأول يشير إلى النوم، حيث تقبض فيه الروح، ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة؛ والثاني إلى الموت. وقال آخرون أن الأجل الأول يشير إلى آجال الماضين من الخَلْق، والثاني إلى آجال الباقين منهم. وذهب غيرهم إلى القول أن الأجل الأول هو مقدار ما إنقضى من عمر كل إنسان، والثاني مقدار ما بقي من عمره. وقال من إختلف مع الآراء السابقة، أن لكل إنسان أجلين، أجل طبيعي ينتهي إليه عمره إذا ظل مصونا من العوارض الخارجية، وأجل إخترامي يحصل بسببٍ من الأسباب الخارجية.
    ولنقف الآن عند هذه الآية، لنبين مواطن الضعف في شرح الرعيل الأول من المفسرين لها. قال رواد التفسير أن قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن طِينٍ" يشير إلى آدم، عليه السلام، وفى هذا، كما نعلم، كَسْرٌ لقاعدة أن الإنسان هو الإنسان, إذ لم تقترن مفردة: "إنسان" في القرآن الكريم بفردٍ بعينه، مما ينفي أنها تشير إلى آدم كما رجح رواد التفسير. أما السبب الثاني الذي يضعف رأي هؤلاء الرواد، أن ربطهم للأجلين بالإنسان يدل على قضاء هذين الأجلين بعد خَلْق الناس وإمترائهم. بينما يشير سياق الآية أن مراء الناس حدث بعد إنقضاء الأجلين، والدليل على ذلك ورود: "ثم"، وتكرارها مرتين لتفيد التراخي بين الأحداث. بدأت هذه الأحداث بخَلْق الناس من طين: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ"، والذي تلاه قضاء الأجل الأول وإنفاذه: "ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ". وبعد قضاء وإنفاذ الأجل الأول، تم إنفاذ الأجل الثانى: "وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ". وأخيراً أصبح الناس يمترون بعد قضاء هذين الأجلين: "ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ". فهذا التسلسل في الأحداث ينفي نفياً قاطعاً إرتباط هذين الأجلين بالناس، لأن الآية تدل على أن الناس خُلِقوا بعد إنقضائهما. وهذا ما يضعف رأي المفسرين القائل أن الله تعالى قضى لكل إنسان أجلين، لأنهما تم إنفاذهما قبل أن يُخْلق الناس ويمترون.
    المراء يعني الشك، ولعل في تضمن هذه الآية له دلالة على إكتمال خَلْق الإنسان، لأنه من صفات الإنسان، وليس غيره من الأنواع. فقد وردت مرأ ومشتقاتها في القرآن الكريم في 20 موضعاً، كلها مقترنةً بالإنسان، وليس بغيره من الأنواع، نقتطف منها الآيات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
    فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94):سورة يونس (10).
    سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22) :سورة الكهف (18).
    وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55): سورة الحج (22).
    يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18): سورة الشورى (42).
    فإذا أسلمنا بقضاء وإنفاذ الأجلين قبل أن يكتمل خَلْق الناس، فكيف يجوز لنا القول أنهما يمثلان آجال بشر خُلِقوا بعد إنفاذهما؟ ولكن قد يقول قائل أن قضاء الأجل قد لا يعني إنفاذه، بل تقديره دون إنفاذه. لكن البحث في القرآن الكريم، يدل دلالةً قاطعة على أن قضاء الأجل بالضرورة يعني إنفاذه. لغوياً أُشتق الأجل من التأخير، إذ يقال أجل الشيئ يأجل أجولاً، وهو آجل إذا تأخر، والآجل نقيض العاجل. والأجل هو الوقت المضروب لإنقضاء الأمد؛ فأجل الإنسان، على سبيل المثال، هو الوقت المضروب لإنقضاء عمره. وقضى أجلاً معناها أتمه وأكمله، والأجل المسمى هو الأجل الذي تم تحديد وقت إكماله وإنجازه. هذا، وقد ميز القرآن الكريم تمييزاً جلياً بين: "قضى أجلاً"، والتي تعني أن ذلك الأجل قد تم إنجازه، وبين: "يقضي أجلاً"، والتي تشير أن ذلك الأجل لم يتم إنجازه بعد، كما توضح ذلك الآيات التالية:
    وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60): سورة الأنعام (6).
    فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29): سورة القصص (28).
    أما الأمر الثاني الذي يضعف دلالة هذين الأجلين على آجال البشر، أنه لو قضى الله تعالى لكل إنسان أجلاً، لقال: "ثم قضى لكل إنسان أجلاً"، أو قال: "قضى لكم آجالاً"، ولكنه قال: "ثُمَّ قَضَى أَجَلاً"، وهو ما يدل أنه قضى فقط أجلاً واحداً، ولم يقض آجالاً. فكل ما أشرنا إليه من تجاوزات نحوية ولغوية ومنطقية، يشير أن هذين الأجلين لا يمكن أن يكونا آجال ناس. فإن لم يكُونا آجال بشر، فآجال مَن هي؟ لكن دعونا نرجئ الإجابة على هذا السؤال إلى بعد عقد مقارنة بسيطة في الجدول أدناه، بين أطوار الخَلْق من طين كما وردت في سورة السجدة، سورة المؤمنون، وسورة الأنعام على التوالي:
    خلق أول سلالة من طين: "وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ"، "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ"، "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ".
    الخلق في القرار المكين أو في الأرحام: "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ"، "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ"، "ثُمَّ قَضَى أَجَلاً".
    خلق الإنسان غير العاقل في الأرحام: "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ"، "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"، "وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ".
    بروز الإنسان العاقل: "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ"، "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، "ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ".
    مخاطبة الإنسان العاقل: "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ"، "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)" ، "ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ".
    فإذا علمنا أن:
    1. هذه الثلاث مجموعات من الآيات هي الآيات الوحيدة التي تطرقت لوصف أطوار خَلْق الإنسان من طين (لم تُدرج معها النصوص التي تشير إلى ماهية الطين الذي خُلِق منه الإنسان).
    2. في كل من هذه المجموعات، تم تأطير خَلْق الإنسان على أربعة أطوار، تبدأ بالخَلْق من طين، يليها طور الخَلْق في جوف الأم أو في الأرحام قبل بروز الإنسان في هيئته الإنسانية، ويليها طور خَلْق الإنسان غير العاقل في الأرحام، ثم يليها بروز الإنسان العاقل إلى حيز الوجود.
    3. الثلاث مجموعات من الآيات جميعها وصفت إكتمال خَلْق الإنسان بصفات تميز بها الإنسان دون سواه من بقية الخَلْق.
    4. تحول أُسلوب الخطاب في سورتي السجدة والمؤمنون من الإشارة لأطوار خَلْق الإنسان غير العاقل بضمير الغائب، إلى خطابه خطاباً مباشراً عندما أصبح انسان عاقلاً متسماً بالصفات التي تميزه عن بقية المخلوقات.
    فما إحتمالات حدوث مثل هذا التوافق بمحض الصدفة، ليس فقط في المعنى، بل أيضاً في سياق الآيات وترتيب الأحداث في مجموعة الآيات الثلاث الوحيدة التي فَصَّلت لنا في أطوار خَلْق الإنسان من طين؟ وإذا علمنا أن:
    1. تفسير آيات الخَلْق من طين التي وردت في هذه الآيات لا يتسق مع قصة هيكل آدم الطيني، والتي تشوبها العديد من نقاط الضعف، مقارنة بالتفسير الذي إقترحناه في هذا البحث.
    2. التصور الذي طرحناه في هذا البحث أدى إلى التوفيق بين تفسير جميع آيات خلق الإنسان من تراب ومن طين، بل وغيرها من آيات الخلق؛ وأزال اللبس الذي صاحب التفاسير المتوارثة من الرعيل الأول لهذه الآيات؛ وإتفق مع المعارف الإنسانية الحديثة، والتي لم يكن لها وجود عندما برزت تفاسير الرواد إلى حيز الوجود.
    أليس في ذلك مدعاةً أن يقف عنده علماء التفسير والباحثون في علوم القرآن الكريم؟ أليس في ذلك مدعاةً أن يقترحوه كتفسيرٍ بديل، يستند على منهج قويم في تفسير القرآن بالبحث فيه؟
                  

03-01-2015, 02:03 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (4)
    نصوص أخرى تؤيد التطور
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون من التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وسوف أتطرق في هذا المقال والمقالات التي تليه إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. وقد تطرقنا في مقالات سابقة إلى الآيات التي فصَّلتْ لنا في الخَلْق من طين. وسوف نتطرق في هذا المقال إلى النصوص التي تشرح نصوص النشؤ والتطور، ولنقف أولا عند النصوص التي تميز بين الخلق من طين (يدل على التطور) والخلق من تراب (يدل على خلق الأفراد في الأرحام):
    هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2): سورة الإنسان (76).
    قال رواد التفسير أن قوله تعالى: "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا" يشير إلى أطوار خَلْق آدم عندما كان هيكلاً من طين، بينما يشير قوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" إلى خَلْق بني آدم الذين خُلِقوا من نطفة. وهذا يدل أن: "الْإِنسَانَ" فُسرت على أنها تشير إلى آدم في الآية الأولى، وإلى بني آدم في الآية الثانية من سورة الإنسان. بيد أن الأيتين السالفتين تؤكدان أن الإنسان لم يكن شيئاً مذكورا قبل أن يُخْلَق من نطفةٍ أمشاج. فإذا أخذنا بقول المفسرين أن قوله تعالى: "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا" يشير إلى أطوار خلق آدم عندما كان هيكلاً من طين، ألا يعني ذلك أن آدم لم يكن شيئاً مذكوراً، لأنه، على حسب قول المفسرين، خُلِق من الطين الناتج عن عجن التراب بالماء، وليس من نطفة أمشاج؟ وبالمثل، ألا يعني ذلك أيضاً أن حواء، وهي التي خُلقت من ضلع آدم على حسب قول المفسرين، لم تك شيئاً مذكوراً؟
    أما الرازي، فقد آثر تفسير هاتين الآيتين بإعتبار أن: "الْإِنسَانِ" في الموضعين واحد، لأن ذلك، على حد قوله، يجعل نظم الآية أحسن. بيد أن تفسير الرازي لهاتين الآيتين لم يختلف في جوهره عن تفاسير من سبقه من الرواد. أما إذا تم تفسير هاتين الآيتين على ضوء الخَلْق من طين، والذي يشير إلى تطور الجنس البشري من مخلوقات بدائية، لتبين لنا أن قوله تعالى: "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا" يشير إلى الإنسان في أطوار ما قبل الإنسانية وما قبل طور الإنسان العاقل، حيث كان واحداً من العديد من الأنواع غير العاقلة وغير الجديرة بالذكر. بينما يشير قوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" إلى خَلْق الإنسان في الأرحام، ويشير قوله تعالى: "فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" إلى بروز الإنسان العاقل إلى حيز الوجود عندما صار سميعاً بصيرا. إستناداً على هذا التفسير يصبح الإنسان هو الإنسان، ويصبح كل إنسان، بما في ذلك آدم وحواء، مخلوق من نطفة كما ورد في الآيات السالفة. وبالمثل، تؤكد الآيتان التاليتان على الخَلْق من طين:
    قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9): سورة مريم (19).
    أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67): سورة مريم (19).
    ببساطة، تؤكد هاتان الآيتان أن زكريا، عليه السلام، خُلِق مرتين، مثلما خُلِق الإنسان مرتين. لكن لم يلتفت رواد التفسير لهذه الحقيقة، ربما لإغفالهم للأثر الذي تضفيه: "مِن قَبْلُ" إلى معنى الآيتين. تكرر ورود: "مِن قَبْلُ" في القرآن الكريم 68 مرة للدلالة على الشبه أو التطابق بين حدثين أو شيئين، وقد أوردتُ الآيات التالية كأمثلة لتبيان ذلك. فقد وردتْ: "مِن قَبْلُ" في الآية 25 من سورة البقرة للدلالة على الشبه بين الرزق الذي رُزِق منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة: "كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقا"، وبين الرزق الذي رزقوا منه من قبل في الحياة الدنيا: "قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ":
    وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25): سورة البقرة (2).
    فالحدثين المتشابهين، في الآية السالفة، يتمثلان في تشابه الثمرات التي رُزِق منها الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة، بتلك التي رًزِقوا منها من قبل، أي في الحياة الدنيا. ويمكن القياس على ذلك عند المقارنة بين قوله تعالى: "وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ"، وبين قوله تعالى: "فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ"، في الآية 71 من سورة الأنفال؛ وعند المقارنة بين قوله تعالى: "فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء"، وبين قوله تعالى: "مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ"، في الآية 109 من سورة هود.
    وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71): سورة الأنفال (8).
    فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109): سورة هود (11).
    يتبين لنا مما سبق، أن: "مِن قَبْلُ" ترد في القرآن الكريم للمقارنة بين حدثين متشابهين، حدث أولهما في الماضي، وحدث الثاني لاحقاً. وعليه، لا يمكن القول أن: "مِن قَبْلُ" تدل فقط على وقوع الحدث في الزمن الماضي، بل أيضاً على التشابه بين الحدث الحالي وبين الحدث الذي وقع في الزمن الماضي. وتمتد الفترة الزمنية التي تشير إليها: "مِن قَبْلُ" بين وقوع الحدث الأول وبين وقوع الحدث الثاني.
    فإذا أخذنا بقاعدة: "مِن قَبْلُ"، كما أوضحتها فيما سبق, لتبين لنا أن قوله تعالى لزكريا: "وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا" يعنى: "أني خلقتك من قبل أن أخلقك على الخَلْق الذي أنت عليه الآن، ولم تك وقتها شيئا، أي قبل أن أخلقك الخلق الأول". وأن قوله تعالى عن الإنسان: "أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا" مفاده: "ألا يذكر الإنسان أني خلقته من قبل أن أخلقه على الخَلْق الذي هو عليه الآن، حيث لم يكن حينها شيئا". أما إذا لم تتضمن هذه الآيات: "مِن قَبْلُ"، فسوف يختلف تفسيرهما تماماً، بحيث يكون تفسير الآية 9 على النحو التالي: "ألا تذكر يا زكريا أنك لم تكُ شيئاً قبل أن أخلقك". وبالمثل، تُفسر الآية 67 على النحو التالى: "ألا يذكر الإنسان أنه لم يكن شيئا قبل أن أخلقه". فإن كان الخَلْق الحالي للإنسان يشير إلى خَلْق كل إنسان من تراب، فإن الخَلْق الأول يشير إلى خَلْق الجنس البشري، كنوع من أنواع المخلوقات، والتي بدأ خَلْقُها من طين. وإستناداً على ذلك، يمكننا القول أن خَلْق الإنسان من طين يدل على خَلْق الجنس البشري كنوع من أنواع المخلوقات الأرضية. وأن خَلْقه من تراب، يشير إلى خَلْق كل إنسان بالتكاثر الجنسي. كما يدل هذا التفسير أن الإنسان لم يكن شيئا قبل أن يُخْلَق من طين كنوع من أنواع المخلوقات، وأنه كان شيئاً غير جدير بالذكر بعد أن خُلِق من طين: "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا"، لأنه كان ضمن العديد من الأنواع غير العاقلة، والتي لم تك جديرة بالذكر. ولم يصبح الإنسان شيئاً مذكوراً إلا عندما برز على هيئة الإنسان العاقل الذي يختلف عن غيره من الأنواع الأخرى خلقاً وعقلاً.
    ويشكل الخَلْق من طين والخلق من تراب ما وصفه القرآن الكريم بالخَلْق الأول أو النشأة الأولى، مقارنة بالنشأة الآخرة، والتي تشير إلى البعث:
    وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94): سورة الأنعام (6).
    وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48): سورة الكهف (18).
    قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20): سورة العنكبوت (29).
    وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21): سورة فصلت (41).
    أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15): سورة ق (50).
    وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47): سورة النجم (53).
    ورد في القرآن الكريم أن النشأة الأولى تحتوي على شقين، الشق الأول يشمل النشأة من الأرض: "إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ"، وهو ما يشير إلى الخَلْق من طين، والذي أُشتق من الأرض؛ ويشمل الشق الثاني النشأة في بطون الأمهات: "وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ"، وهذا ما يشير إلى الخَلْق من تراب، الذي يحدث في الأرحام:
    الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32): سورة النجم (53).
    ويمكن القياس على ذلك في معرض الحديث عن خَلْق بقية الأنواع الأرضية. فخَلْق الإبل من تراب، على سبيل المثال، يشير إلى خَلْق كل فرد من أفراد هذه المجموعة من تراب، أو بالتكاثر الجنسي. وبالمقابل، فإن خَلْق الإبل من طين يشير إلى خَلْق الإبل، كأحد الأنواع من المخلوقات الأرضية، مثل البقر والماعز وغيرها. ولعل هذا التداخل الكبير بين الخَلْق من تراب والخَلْق من طين كان أحد الأسباب التي حجبت عنا فهمهما، وتسببت في تأخير التمييز بينهما.
    أما الدليل الثالث على أن الخَلْق من طين ذو علاقة بتطور الأنواع، فيكمن في قوله تعالى، والذي أكد لنا المولى، عز وجل، عليه عندما أخبرنا أنه، جل شأنه، قادر على أن يذهب الناس ويستخلف من بعدهم خَلْقاً آخرين، ليسوا بشراً:
    وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133): سورة الأنعام.
    بالإضافة إلي التكاثر، فإن إنقراض الأنواع وإستخلافها بأنواع أخرى يمثل أقوى دعائم نظرية النشؤ والتطور، وهذا ما تؤكد عليه الآية السالفة. يمكننا أولاً ملاحظة أن: "مَّا" تدل على أن من يستخلفهم الله تعالى، بعد أن يذهب الناس، ليسوا من الإنس، لأن: "ما" لم ترد في القرآن الكريم للإشارة إلى الإنس إلا عندما تغلب أنواع المخلوقات من غير البشر عليهم، أو في معرض الحديث عن الحمل أو ما في الأرحام أو ما في البطون، أو في معرض الحديث عما ملكت الأيمان عموماً، أو في معرض الحديث عن نكاح النساء أو ما ملكت الأيمان من النساء. فقد أوضح لنا، جل شأنه، في هذه الآية، أن هذا الإستخلاف يتم بنفس الشاكلة التي يتم عليها خُلِق الناس من ذرية قوم آخرين، أي بالتكاثر الجنسي: "كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ". وهنا إشارة جلية إلى إمكانية خَلْق أنواع أخرى من البشر، عن سبيل التطور، والذي يتم عن طريق التكاثر الجنسي. هذا وقد أكد المولى، عز وجل، فكرة إستخلاف أنواع آخرى للبشر في سورتي إبراهيم وفاطر:
    أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19): سورة إبراهيم (14).
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16): سورة فاطر (35).
    ولا يمكن إلا أن يكون هؤلاء الخَلْق الجديد من غير الناس، لأن خَلْق الناس الذين توفوا أو ذهبوا، خَلْقاً جديداً لا يتم في الحياة الدنيا، بل يوم البعث:
    وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49): سورة الإسراء (17).
    ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98): سورة الإسراء (17).
    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7): سورة سبأ (34).
    ما يؤكد أن هذا الخَلْق الجديد ليس من الناس، قوله تعالى، أنه إن شاء سيأتي بهذا الخَلْق الجديد بعدما يذهب جميع الناس. ولعله، جل شأنه، إذا أراد أن يقول أن هولاء الخَلْق الجديد سيكونوا من ذرية الناس، لوصفهم بال: "آخرين"، كما ورد في العديد من الآيات القرآنية، والتي نقتطف منها:
    إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133): سورة النساء (4).
    أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6): سورة الأنعام (6).
    وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133): سورة الأنعام (6).
    وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11): سورة الأنبياء (21).
    فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31): سورة المؤمنون (23).
    فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42): سورة المؤمنون (23).
    كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28): سورة الدخان (44).
    وقد يقول قائل أني أَدَّعي أن الناس سينقرضوا يوماً ما، وأن أنواعاً أخرى سوف تحل محلهم. لكني أود أن أقول هنا بصريح العبارة، أن المولى، جل شأنه، أراد أن يؤكد لنا من خلال الآيات السابقة، على ثلاثة مبادئ أساسية: أول هذه المبادئ أن الناس الحاليين من بني آدم خُِلقوا من ذرية ناس آخرين عاشوا من قبلهم: "كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ"، وهم ما أشرنا إليهم في مقال سابق بالآباء أو الجبلة الأولين أو الناس الذين عاشوا من قبل. أما المبدأ الثاني فيتمثل في أن المولى، عز وجل، قادر من حيث المبدأ، على قرض الجنس البشري، وإحلال نوع آخر أو أنواع أخرى من المخلوقات محله: "إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء". أما المبدأ الثالث الذي تؤكد عليه الآية الكريمة أن إحلال نوعٍ من المخلوقات محل نوع آخر يكون بالتكاثر الجنسي، والذي حدث من خلاله إحلال الناس الحاليين من بني آدم محل قوم آخرين: "كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ". فالحديث هنا يدور حول مبدأ إحلال نوعٍ محل نوعٍ آخر عن طريق النشوء والتطور، وليس حول إحلال مخلوقات أخرى محل الناس مستقبلاً، لأن القرآن الكريم بين لنا، في العديد من الآيات، أن الجنس البشري سوف يستمر إلى يوم القيامة.
                  

03-04-2015, 09:36 AM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (5)
    مقال ختامي
    يزعم العديد من مؤيدي نظرية النشوء والتطور أنها تنفي وجود الخالق. لكن القرآن الكريم ميز بين نوعين من خلق الإنسان: الخَلْق من طين والخَلْق من تراب. ولكن لم يتمكن المفسرون نت التمييز بين هذين النوعين بسبب إعتقادهم أن الطين الذي خُلِق منه الإنسان هو الطين المألوف، والذي نتج عن خلط التراب بالماء. وقد تطرقت في مقالات سابقة إلى النصوص القرآنية التي تؤيد التطور. وسوف نتطرق في هذا المقال الختامي إلى الكيفية التي يمكن للمسلمين تصحيح الأفكار الخاطئة التي يحملوها تجاه نظرية التطور.
    لقد رأينا في المقالات السابقة كيف بين القرآن الكريم لنا أن الحياة في الأرض بدأت من الطين الذي إنبثقت منه أول سلالة، كونت الأصل الذي خُلِق منه الأنسان، بل وجميع أنواع المخلوقات الأرضية. إرتقت هذه السلالة بعد ذلك إلى سلالات تتكاثر بالماء المهين وتحمل أجنتها في القرار المكين، والتي إرتقت هي الأخرى وتشعبت، وكان الإنسان أحد نتاجها. وقد أكد لنا القرآن الكريم أن المولى، جل شأنه، قادر أن يخلق مخلوقات أخرى تحل محل الإنسان عن سبيل التكاثر الجنسي. كما أن القرآن الكريم ميز بين الخَلْق من تراب، المرادف للتكاثر الجنسي، وبين الخَلْق من طين، والذي يشير إلى خَلْق وتطور الحياة في الأرض منذ أن إنبثقت أول فيها. وتمثل نصوص الخلق من طين أول وصف دقيق لما صار يعرف مؤخراً بالتطور والإرتقاء كما تم تضمينه في نظرية النشؤ والتطور بعد ألفٍ ونيف من السنين. ولو تأمل فقهاؤنا في هذه الآيات من قبل عهد دارون، صاحب النظرية، لأوضحوا للعالم أجمع، أن القرآن الكريم تطرق لتطور الحياة في الأرض قبل 14 قرن من الزمان. ولو أنهم فعلوا ذلك لعَلِم العالم بأسره، أن نظرية النشؤ هي في حقيقة الأمر من أعظم الأدلة على وجود الخالق. لكني أجزم أنه لم يفت الأوان أن نقول لعلماء ومؤيدي نظرية التطور أن ما أتيتم به قبل أقل من قرن من الزمان، ليس جديداً بالنسبة لنا، فقد فَصَّل لنا المولى، عز وجل، في كتابه الكريم فيه، في عهدٍ ما كانت تخطر فيه مثل هذه الأفكار بخيال بشر. لكن قبل أن نقنع العالم بإعجازات القرآن الكريم، لابد أن يقتنع علماؤنا وفقهاؤنا أولاً بها.
    فإن وصف لنا القرآن الكريم أطوار الخَلْق من طين بمنتهي الدقة، وإن أثبت العلم الحديث صحة هذه الأطوار، أليس من الأجدر بالمسلمين أن يحاولوا التعرف على النظرية التي أثبتت نبؤة القرآن الكريم قبل 14 قرنٍ من الزمان؟ وهل سنظل نرفض نظرية التطور بمجرد أن بعض فقهاؤنا زعموا أنها تنفي وجود الله؟ فدارون ومن جاء بعده من علماء التطور لم يفعلوا أكثر من إكتشاف القوانين التي تحكم عملية التطور، والتي يمكن تلخيصها في قوله تعالي: "كُن فَيَكُون". "كُن فَيَكُون" هي، أيها القارئ الكريم، الشفرة التي تحتوي على جميع القوانين التي تحكم خَلْق الكون ومن وما عليه، من قبل أن تكون السموات والأرض رتقاً، وإلى أن يرث المولى القدير الكون ومن وما عليه. وقد ظل الإنسان يكتشف هذه القوانين شيئاً فشيئاً فتزداد معرفته بالكون وكيفية عمله. وعلى الرغم من أننا كمسلمين لم نلعب أي دور في إكتشاف هذه القوانين، إلا أننا نبتهل بين الفينة والأخرى عندما ندرك أن القرآن الكريم قد أوضح لنا بعض هذه القوانين منذ 1400 عام دون أن نلتفت إليها.
    لقد إكتشف دارون وعلماء التطور القوانين التي تحكم عملية التطور، ولكنهم عجزوا عن إدراك ماهية الخالق الذي خلق هذه القوانين، فاستنتجوا من ذلك خطأً أن التطور يحدث من تلقاء نفسه، من دون الحاجة إلى خالق. ولا صلة البتة لنظرية التطور بهذا الإستنتاج، ولكن ليت قومي يعلمون ذلك. فحال هؤلاء العلماء في ذلك مثل حال الذي رأى سيارات متنوعة ومختلفة فظن أن هذه السيارات تطورت من تلقاء نفسها من بعضها البعض، من دون أن يدرك دور العقل البشري في تصميم وصنع هذه السيارات. وبالمقابل, قبعنا نحن المسلمون في سراديب الجهل فهجرنا القرآن الكريم وأخذنا بالأحاديث التي نُقِلت مباشرةً من الإسرائيليات، فتكونت لدينا صورة مشوهة عن الخلق. تعلمنا من هذه الإسرائيليات أن آدم هو الإنسان الوحيد الذي خلقه تعالى من دون البشر بيده، وذلك على الرغم من أن القرآن الكريم يدلنا على أن خلق الله بيده كناية عن قدرته، جل شأنه، وعلى الرغم من تأكيد القرآن الكريم على أن المولى، جل شأنه خلق آدم بقوله له: "كن"، والتي كما نعلم أنها الكيفية التي خَلَقَ بها جميع المخلوقات. وإمتلأت الأحاديث بقصة الهيكل الطيني لخلق آدم والمأخذوة أيضاً من الإسرائيليات، كما أخذنا منها فكرة خلق جميع المخلوقات هل هيئتها، مما ينفي حدوث التطور. فكان نتيجة ذلك أن ظللنا كالببغاوات نردد إنتقادات اليهود والنصارى لنظرية التطور دون فهم لدوافعهم من ذلك. وصرنا نصف كل من يؤمن بنظرية التطور بأنه ملحد وفاسق لكونه ينكر وجود الخالق.
    إن القوانين التي تحكم التطور شبيهة بالقوانين الأخرى التي تتحكم بسير الكون. فلماذا نقبل بالقوانين الأخرى وننبذ قوانين التطور؟ وماذا سيكون رد فعلنا إذا قال لنا بعض علماء الفيزياء أن وجود الجاذبية الأرضية ينفي وجود الله تعالى؟ أننبذ قانون الجاذبية أم نقول لذلك العالِم أن هذا القانون يدخل ضمن قاعدة: "كُن فَيَكُون"؟ وإذا قال لنا أحد الملحدين أن حدوث التطور لا يحتاج لخالق، لأن الإنتخاب الطبيعي يحدث من تلقاء نفسه، فليكن ردنا له: "هل يثبت وقوع تفاحة نيتون من تلقاء نفسها عدم وجود الخالق؟". لابد إذن على المسلم أن يتفهم حقيقة الخَلْق، وأن ينبذ الفكرة الراسخة في رأسه من أن المولي، عز وجل، خَلَق الإنسان بيده، مثلما نفعل نحن عندما نريد أن نصنع شيئاً ما. فيد الله هي عبارة عن قوله: "كُن" لكل ما يريد خَلْقه أوعمله. "كُن"، أيها القارئ الكريم، هي شفرة القوانين التي خُلِق عليها الكون ومن وما عليه، بما في ذلك الإنسان. وعلى المسلم أيضاً أن ينبذ المفاهيم الخاطئة التي نقلناها من كتب اليهود عن الخَلْق، والتي أخذ عنها العديد من رواد التفسير، بل ووجدت طريقها إلى بعض روايات الحديث. كما يجب على المسلم أن يميز بين نظرية التطور وبين ما إستنتجه بعض العلماء الذين أسهموا ببحثوهم وفكرهم فيها، من أن هذه النظرية تثبت عدم وجود الخالق. تلك أمانيهم، لأنه لا وجود للحياة بدون روح، والتي نعلم جميعاً أنها من أمر ربي. فما كان للإنسان أن يصبح حياً لولا أن نفخ المولى، عز وجل، فيه الروح. وما كان لآدم أن يصبح حياً لولا أن نفخ المولى، عز وجل، فيه من روحه. وما المسيح إلا روح الله التي نفخها في فرج مريم العذراء. ولم يطلب يعقوب، عليه السلام، من بنيه أن يتحسسوا من يوسف وأخيه، وألا ييأسوا من روح الله، إلا لظنه أنهما كانا على قيد الحياة، وما زالت الروح تسري في جسديهما. وما الحياة، أيها القارئ الكريم، إلا الروح التي أخبرنا، جل شأنه، أنها من أمره. ولم يستطع عيسى، عليه السلام، أن يُحيي الموتى لولا أن أيده الله بروح القدس.
    نعم، تمكن العلماء من فهم العديد من القوانين التي تحكم الكون، ولكنهم لم يتمكنوا حتي الآن من إكتشاف سر الروح، ولذا ذهب بعضهم إلى إنكار وجود الخالق الذي يتحكم في هذه الروح. كما أنهم عجزوا عن إدراك أن هذه القوانين لم تأتِ من العدم، وأن من أوجدها ونظم كيفية عملها هو الله العلي القدير، الذي لا يُرى عياناً بل يُرى من خلال خَلْقِه. وأتنمنى مخلصاً أن يكون في هذا البحث هدى لكل من يظن أن نظرية التطور تثبت عدم وجود الخالق. لكن لن يتحقق هذا الحلم إلا إذا نبذنا أولاً ما ورثناه عن أفكار خاطئة عن خلق الإنسان.
    ولابد للمسلم من التمييز بين الحقائق العلمية وبين معتقدات العلماء الذين إكتشفوا هذه الحقائق. إنَّ واجبنا كمسلمين أن نقول لهم أَن مَنْ سَّن قوانين التطور قد بَيَّنَ لنا في كتابه العزيز عن أمر هذا التطور قبل 14 قرن من الزمان، لكي تؤمنوا به عندما تطلعوا على هذه التفاصيل، وتكتشفوا أن من أورد هذه التفاصيل هو الذي سن أيضاً قوانين التطور التي إكتشفتموها اليوم. هو الذي فعل ذلك لكي تكفوا عن إدعائكم من أن النبي الأمي محمد (ص) هو من كتب القرآن الكريم، لأن لا أحد في عهد محمد (ص) كان على علم بنظرية التطور. فهل سيكون قولي هذا دافعاً للمسلمين أن يتفهموا هذه نظرية، وأن يتخذوا من ذلك الفهم وسيلة إلى إقناع غير المسلمين بوجود الله تعالى؟
                  

03-18-2015, 02:17 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    sudansudansudansudan20.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    Quote:
    بحث صادم أجراه عالم دارويني:
    الباحثون في مجال الطب لا يستخدمون مصطلح "التطور" الا قليل جدا في أوراق بحوثهم.

    أظهرت نتائج استطلاع الرأي وجود تفاوت كبير في استخدام كلمة بين البيولوجيا التطورية و البحوث الطبية الحيوية. في تقارير بحثية في المجلات ذات المحتوى التطوري أو وراثي في المقام الأول استخدمت كلمة "التطور" 65.8٪ لدى علماء التطور. ومع ذلك، فإن أطباء البيولوجيا الطبية إستخدموا كلمة "التطور" 2.7٪ فقط..!
    مما يؤكد فشل الداروينيين في فرض وتسويق مصطلح "التطور" ، حيث يفضل الأطباء الباحثين في مجال الأحياء والبيولوجي الحيوية تسمية التغييرات البيولوجية إكتساب أكثر من تسميتها تطور.
                  

03-18-2015, 02:20 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    sudansudan1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

03-18-2015, 02:20 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    sudansudan1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

03-18-2015, 05:00 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    Quote: دارون لم يستوعب مرور الإنسان بهذه الأطوار في رحم الأم ... يبدأ بعد التخلق في حالة تطور يسبح حينا ويضحي شبيها بالبرمائيات وله ذيل تبقى آثاره بعد الولادة في الفقارات الأخيرة من عظم الظهر .. وغير ذلك من مراحل التطور (داخل رحم الأم) خلال تسعة أشهر وليس عبر الأزمان والأجيال والسنين الطويلة ..؟
                  

03-23-2015, 02:15 AM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    واضح من التفسير أن الإشارة في نصوص الخلق من طين ليست عن تخلق الجنين في الأرحام، بل عن تطور طريقة التكاثر من تكاثر بسيط مروراً بالتكاثر في الأرحام أو بالماء المهين وإنتهاءً بخلق الإنسان غير العاقل في الأرحام ثم بروز الإنسان العاقل. وهذي هي أبجديات التطور، وما أطوار التخلق في الرحم التي ذكرتها إلا دليل على حدوث التطور لأنها تستعرض لنا تاريخ تطور الإنسان في فترة الحمل الوجيزة التي ذكرتها، عزيزي سيف. لك الشكر أجزله في إبرازها بهذه الصورة الجميلة والتي تعكس تطور الإنسان كما ذكرت أنت من البرمائيات إلى ظهور الذيل. ويحدث كل هذا التغير نتيجة للجينات المثبتة، والتي أوردتها في مقال سابق تحت هذا العنوان، والتي توارثناها من عهود سابقة من عهود التطور. وإلا فكيف تفسر ظهور هذه الأطوار في رحم الإنسان إن لم تكن ذات علاقة بهذه الجينات المثبتة؟ فما علينا عزيزي إذا أردنا أن نفهم حقيقة التطور إلا أن نتأمل في خلق أنفسنا.

    كما أنه ليس من المهم أن ترد كلمة التطور في العديد من أبحاث العلوم التطبيقية مثل الطب والطب البيطري والصيدلة وغيرها من العلوم. ولكن فلتنم قرير العين من أن فهمنا لهذه العلوم يعتمد إعتماداً أساسياً على أن التطور واقع لا جدال فيه. فليس العبرة في أن يذكر الطبيب التطور عندما يشخص المرض ويصرف العلاج لمريضه، إنما العبرة أن يلم بأن التطور هو الأساس الذي يمكن من خلاله فهم علم الأحياء الذي يرتكز عليه الطب. كما أنه لابد لمن أراد أن ينفي التطور من خلال الأبحاث العلمية أن يستعرض الأبحاث في المجلات العلمية (وليس ما يتداول في وسائل الإعلام والفيسبوك من معلومات مغلوطة) التي تؤيد التطور وتلك التي تعارضه.

    التطور هو يا عزيزي حقيقة علمية وليس شيئ إيماني يمكن أن يؤمن أو لا يؤمن به الإنسان حسب مزاجه الديني. لقد عاند رجال الدين المسيحيون نظرية التطور من وجهة نظر دينية حتى إعترف بها البابا مؤخراً عندما لم يجد السبيل لدفن رأسه أكثر مما فعلته الكنيسة. وأدعو من هذا المنبر رجال الدين المسلمين بالإغتداء بما فعله البابا، أو لعل هؤلاء الشيوخ ما زالوا يتجادلون حول دوران الأرض وهل هي ثابتة أم متحركة.
    مع شكري وتقديري.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de