تسديدُ التديُّنِ ومِلحاحيَّةُ العملِ المَعْرفِي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 06:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2015, 05:18 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تسديدُ التديُّنِ ومِلحاحيَّةُ العملِ المَعْرفِي

    محمد التهامي الحراق

    إزاء ما نعيشُه اليوم من ارتباك في تقديم ديننا للعالمين؛ وإزاءَ التخبط الذي يمزقنا بين الدفاع عن براءة ديننا مما يُوصم به ويُتهم من عنف وإرهاب ودموية، وبين الحيرة في تقويمِ فهم بعضنا للدين، وتذكيره بجوهرية حفاظِ المؤمنِ على سمُوِهِ الأخلاقِي حتى في أحلكِ الظروفِ وأعسرِ الأزمات؛ إزاء هذا وذاكَ يضطربُ صوتُ علمائنا ويرتجف؛ إذ قلةٌ أولئك الذين يمتلكون الغيرةَ الحقة على الدينِ، والشجاعةَ العلمية، واليقين الإيماني لرفع صوت النقد الذاتي، و الإقدام على العمل العلمي والإيماني الضروري من أجل المراجعةِ النقدية الجذرية لخطابنا الديني السائدِ، وهي مراجعةٌ نخالها ملحاحةً ومصيرية وضرورية عقلا وإيمانا وتاريخا؛ ذلك أن واقعَ التشرذم الطائفي، والتعصب المذهبي، والانغلاق التفسيري، و وهم الامتلاك الحصري للحق، والتماهي مع الفرقة الناجية، والعجز عن الخروج من الفهم السيِّد والسائد للتدين؛ على ما فيه من علل وآفات عقلية وإيمانية وتاريخية... كل ذلك يفضي إلى تكريسِ "الجهل" السائدِ باسم "المقدَّس"، والذي قد يستحيل عنفا وقتلا إزاءَ أي مختلِف ولو كان من "أهل الملّة".

    ثمة، إذن، عنفٌ يلتهبُ في خطابنا الديني السائد والسيّد؛ عنفٌ منبعُه ثنائيات حَدِّيَّة تحتاج إلى معاودةِ تفكيرٍ على ضوء القرآن الكريم، والذي، للأسفِ، ما يفتأ الكثيرُ منَّا ينساه أو يتناساه في ظلّ زحمة النصوص التفسيرية المتوارَثة والمتواترة، والتي تحمل في كثير منها آثارَ وظلالَ عصرِها؛ من أسئلةٍ و إحراجات وصراعاتٍ وأزماتٍ وانشغالاتٍ تتعلقُ بخصوصية ذاكَ العصرِ على الصّعُدِ المعرفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتدينية. فقلةٌ قليلة أولئك العلماءِ الذين يمتلكون من المهارةِ المعرفيةِ النقديةِ والنور الحدسي الإيمانيّ اللذين من شأنهما أن يسعفا في انتشالِ المتعالي من التاريخي، والإيماني من الدنيوي، والإلهيّ من البشري في تلك التفاسير؛ بل غالبُ القوم مقدِّسُون للموروث بغثِّه وسمينه، وكأن التقادمَ ينفي عن القدماء بشريَّتهم، أو يسمو بهم إلى قداسةِ القرآن الكريم أو عصْمَةِ مُبلّغهِ صلى الله عليه وسلم.
    سيكونُ علينا، كيما نستخلصَ المعرفيَّ الدينيّ من التاريخي البشريّ في تلك التفاسيرِ، أن نملك، مثلا، في اللغةِ العربية، لغةِ القرآن الكريم، معجماً علميا قرآنيا، يقدم لنا إضاءاتٍ علميةً، لسانيةً وتاريخية و أنتروبولوجية، ضافية عن كل لفظ قرآني، و يَكشفَ لنا عن استعمالاته الدلالية المختلِفة في القرآن الكريم؛ فهل دلالة لفظ "الإسلام"، مثلا، واحدة في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (آل عمران، الآية 19)، وفي قوله سبحانه بخصوص إبراهيم عليه السلام: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ and#1754; وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا and#1750; وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ and#1750; قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( البقرة، الآية 130)، و قوله على لسان ملكة سبأ: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل، الآية 44)، وفي قوله سبحانه: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات، الآية 14)... إلخ، الأمرُ نفسُه عن سائر ألفاظ القرآن من "كفر" و"إيمان" و"شرك" و"صلاة" و"يقين"، و"شهادة" و"غيب"... إلخ؛ إننا نحتاجُ، أكثر من أي وقت مضى ـ إلى معجم قرآني مبني وفق ما عرفته المعارفُ اللسانية والدلالية والتاريخية والأنتروبولوجية و غيرها من تطوراتٍ هائلة، مع النظرِ المستفيد من جهود علمائنا المختلفةِ في علوم القرآن؛ وتعيينا في محاولاتهم فهمَ لغة القرآن الكريم و دراسة حقوله الدلالية؛ وإعمال النظر النقدي والعلمي في مختلف العلوم القديمة والحديثة المرادِ فهمُ القرآن الكريم على ضوئها .

    عمل مثلُ هذا كفيل بإنارة طريقنا نحو تمييز التاريخي من المتعالي في تفسير الكلام الإلهي، وغربلة مختلف النصوص الوسيطة بين القرآن الكريم وقُرائه؛ كما أن مثل هذا العمل مُمهّدٌ رئيس لتبديد جم من سوء الفهم، ومساعدتنا على التمييز في تنخيلِ التفاسير والقراءات المختلفة للقرآن الكريمِ و التمييز فيها بين الإيديولوجي والإبستمولوجي، ثم إنه، من ناحية ثالثة، كفيل بجعلنا نعيد النظر في العديد من الثنائيات الحدِّية التاريخية؛ ثنائيات بنتها القراءاتُ الإيديولوجيةُ باسم التيولوجيا، وسجنت فيها النصَّ المقروء، مثل: الكفر/الإيمان؛ دار السلم/دار الحرب؛ الولاء/البراء؛ تطبيق الشريعة/ تعطيل الشريعة؛ الحاكمية لله/ الحاكمية للبشر؛ الخير/ الشر؛ الشهادة/الغيب... إلخ. ولكوننا نفكّر من داخل النسقِ الذي ندعو لمعاودة التفكير فيه، فإننا قد نستنكر الخروج منه، ونتوهم أن كل محاولة لهذا الخروج هي مغادرة لأرض "الإيمان" نحو "الكفر"، فيما الأمر ليس أبدا بهذه البساطة والسطحية اللتين نحشر فيهما المطلقَ الإلهي، و الذي يدعو عقولنا إلى التحرر في عِقالاتها لاستزادة "الفهم عن الله بالله". ويدل على هذا الأفق اللا متناهي ما يرد من قبساتٍ في تراثنا تنضحُ بتحررية روحيةٍ بلا حد، تدلُّ عليها كثير من الإشراقات في فهم القرآن الكريم، وتجسيدِ قيمه ضمن مسارات متعالية وذات منحى كوني؛ إشراقاتٍ تنفلت من سياجات الفهم السائد، دون أن يخطُر ببالِ أصحابها أو بقلوبهم أنهم قد غادروا أرض الإيمان "قيد أنملة"، بل ربما وسّعوا هذه الأرض بما يليقُ بمطلق التعالي، ولم يضيّقوها في جغرافيةِ الفهم المقيَّد بأهواء الفهم وإكراهاته، لا بالحدود الرحبةِ و المتحركة للنصِّ موضوعِ الفهم.
    ثمة مثالٌ آخرَ لعمل آخر ينتظرُ أبطالَه، وهو عملٌ مكمل لسابقه بل ومتداخل معه، وهو استنفار مختلف التخصصات العلمية في أحدث ذراها العلمية وأرسخ علومها من تاريخ وأنتروبولوجيا وسوسيولوجيا وعلوم الآثار و الفيلولوجيا ومعارف المخطوطات تحقيقا ودراسة، و كذا الدراسات المقارنة في مختلف شعبها الدينية والأدبية واللسانية وغيرها؛ وذلك من أجل كتابة "السيرة النبوية" كتابةً تاريخيةً علمية مدقَّقة في التواريخ والأحداث والأعلام والمواقع والمحطات والأقوال...، ودراسة مختلف مصادر "المغازي" و "السيرة" دراسة علمية نقدية، كفيلةً بأن نمايز فيها بين الحدث وقراءاته؛ مع بذل الجهد الجهيد لكتابة هذه "السيرة" في ضوء المصدر الأوثق، وهو القرآن الكريم، وقراءة مساراتِها الدينية والتاريخية والحضارية في ضوء آياته... إلخ؛ ثم العمل على استئناف المجهودِ الخارقِ الذي بُذل في علوم مصطلح الحديث والجرح والتعديل و الرجال.. بإعادة بناء وضعيات هذه العلوم ابستمولوجيا وتطويرها مفاهيمَ ومناهجَ في ضوء الثورات العلمية التي عرفتها مختلف العلوم، وذلك بغية الوصولِ إلى معرفة أكثر علميةً وأبلغ دقة معرفية حسب معايير العقل العلمي الكوني الحديث... إلخ.
    هذان نموذجان معرفيان لما نحتاج أن نوجه إليه الجهدَ العلمي بدل اعتمادِ المماحكات الإيديولولجية الهادرة للوقت والجهد؛ وذلك إذا أردنا تسديد التدينِ على المستوى البعيدِ، وأردنا أن نخلّص خطاباتنا من "الجهل" الساري فيها، والذي ما يفتأ يتحول إلى "جاهلية" أخلاقيةٍ واجتماعية تنفجر في أبشع أشكال العنف وحشية باسم الحقيقة الإلهية المتعالية. هذان نموذجان من الأعمال التي تُنتظَر من مؤسّساتنا الجامعية ومعاهدنا العلمية ومراكزنا البحثية، وهو أفق يحتاج أيضا إلى أناسٍ يؤمنون بأن بالعلمَ هو المسلكُ الوحيد الأوحد لتغذية الإيمان وترشيده وتجديده، و أنه هو المسلك الكفيل بمعالجة الآفات العديدة التي تنخر خطابنا الديني، والذي يفتقر إلى المحاجّة العقلية المتجددة؛ مثلما يفتقر إلى العنفوان الروحي المتوهج. وهما العنصران الرئيسان في توليد "الدهشة" لدى المؤمن، دهشة المعرفة/العلم، ودهشة الخشوع/الخشية؛ قال تعالى:إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر، الآية 28). فالمعرفة تولّد الخشية، وهذه تولّد المعرفة، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (البقرة، الآية 282).
    على علمائنا، إذن، أن ينبذوا معطفَ التحفظ، وأن يتيقنوا أنه لم يعد اليوم بالإمكانِ تفادي كثير من تناقضاتِ الموروث بـ"التجوُّز" أو "غضِّ الطرف" عنها، أو "إلجامِ العوام" عن الخوض فيها، أو الصمت عن تناقضاتها لمحدودية المطلعين عليها، أو تفادي الاختلافات بـ"تفاوضات" تفضي إلى تواطؤ الأطراف على "الصمت"؛ واعتماد شعار "لكم مذهبكم ولنا مذهبنا".... لقد أصبح ضروريا، بعد الثورة المعلوماتية وانتشار التعليم وانفتاح العالم وانتعاش سوق الحقائق المطروحة في تناقضاتنا وتعددها...؛ إعدادُ مؤمنٍ عارف بالتاريخ، وواع بإشكالات الواقع، وقادر على ممارسة تدينه وإيمانه بعقلانية تملك طاقة استلهام التعالي و توهيج الإيمان من داخل هذا الاختلاف وذاك التعدد؛ دون أن يضيق الإيمان بهذا الاختلافِ أو يَشرط تحقُّقَه بنفي التعدد، لأن هذا النفيَ اشتراطٌ لا تاريخي.
    قد يكون مثلُ هذا المطمح نوعاً من الطوباوية؛ ولكن هل ثمة إيمان بلا طوباوية، مهما كانت درجتها أو طبيعتها؟؟، لذا، أرى أن العلماءَ، علماء الدين بشكل خاص، ملزمين بهذه "الثورة"، لأنها، قد تكون المسلك الوحيد لتجديد أمر الدّين في عالَم هو اليوم في أمس الحاجة للدين، لكن بروح نبويةٍ متوهجة بالرحمةِ العالمية ذات الأفق القيمي الكوني، وبشروط فهم وتنزيل مرهونين بحيثيات الآن والأين المعاصرين.
    أما "الدفاعُ" عن الدّين بالمنافحةِ على "أشكال التدين" الموروثِ بلُبِّه المتعالِي وقشوره التاريخيةِ، وحملِ "السيف" ضد كل صوتٍ مختلِف بدل سلوك "المجادلة" بالتي هي أحسن و"الإتيان بالبرهان" الملائِم للزمان والمكان والإنسان؛ فهذا عينُ خيانة رسالة الدين باعتباره اعتقاداً مدارُه الإيمان لا الإكراه، والمحبةُ لا الإفزاع، والرحمة لا القساوة؛ إذ هو رسالةُ "رحمة" " الرحمن الرحيم" التي حملها للبشريةِ نبيُّ الرحمةِ المهداةِ للعالمين.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de