|
فراغ مكتظ بالعدم
|
12:39 PM Nov, 07 2015 سودانيز اون لاين أبوذر بابكر- مكتبتى
حين تزمع الخروج من نيةوجودها ومن موئل سكنها الأول، تلتفت أولا إلى اليمين ثم تدير وجهها، ذلك المملوء بكل أسماء الندى، ناحية الشمال حين ذاك الخروج، لا تنظر إلى الأسفل أبدا، بل تحدق فى أعالى المدى صوب السماء التى تلى بيتها، تتأبط رذاذها وتمضى، دون أدنى مسئولية تتركها معلقة على مشجب الفضاء ، تخرج لتبدأ مسيرة الهطول وملحمة العروج، هكذا هى اشواق المطر، فى كل قطرة ألف رسالة إلى التراب، فى كل رسالة ألف حياة مما تعدون، وفى كل حياة ملخص جميل لتاريخ التراب. تصعد القطرات إلى اسفل رغباتها وتحلق فى فضاء محتشد بالدعوات، تلك الأتية على عجل من صدور العالمين، فضاء مملوء برغبات التعساء الملعونة وآهات العاشقين الخائبة، وببعض أغنيات ضلت طريقها من أصوات المنشدين ولم تصل بعد إلى مسامع الآلهة، تفج تلاطم موجاته وتواصل السفر يَا حقول الوجودِ اليابسة يا تراب الوجوه العابسة إبشر بطول عطش إن أنت اسلمت مقادير ملامحك لمرآة الإنتظار، وتيقن من فقدان لونك الذى لا يأبه بتبرج اقواس قزح فى رابعة الأفق الوهيط، إغمس امنياتك فى ماء الوقت، فالشمس لا تهتم بعتمة الأشياء فيك، خذ صباحك بقوة وتوكل على صرير أبواب الحدائق حين يفض سكونها هواء الضجيج وأصابع الباحثين عن الإخضرار فى مكامن اليباس. يا تراب الوجوه العابسة هل أتاك نداء الضحكات، تلك المنشورة على أغصان الفجيعة القديمة، سيرة هابيل الأولى وحسرة قابيل الأخيرة، هل أتاك أنين العيون، عيون لا ترى سوى فراغ مكتظ بالعدم يستعمر ارجاء الوقت، وما أدراك ما قَارِعة الفراغ كيف ستمشى على صراط الليل وأنت تجهل مسالك البصيرة الوعرة، وكيف ستمضى فى تيهك الجديد وأنت لا تتقن أبجدية الصحراء ولا تفهم لغة النجوم الشامتة وهى تتجاذب أطراف ضوئها الشحيح حتما ستنشغل الصحراء عنك بإحصاء حبات رملها الجديد فى حضور طائر وحيد يتقن الشوق ويمتهن الحنين، يجلس قرب باب البكاء ليسجل تواريخ ميلاد اللعنات وقيام العطش فى لهات الدروب الوحيدة يا حقول الوجود اليابسة كان فى قديم الأغنيات، صوت معلق على سارية الصمت الوقور، يدعو العابرين الى محطة تستوطن طرب الليل وتشارك النهار اخضرار الظلال فيه وعربدة النشوة فى وجوه النوافذ الصديقة كان فى سالف الأمنيات، طيور تحلق بلا اجنحة صوب مآذن النداء تخبر الناس عن مواعيد ابتداء الأعياد ومواسم أعراس الأشجار، تلك الطيور بألوان اجنحتها الزرقاء ربما استعارتها من خدود السماء، وبقية الوانها البهيجة التى يغار منها برتقال القصائد وتحسدها وجوه الحدائق وتشتهى فى سرها أن تحلق مثلها، لتقبل وجنات السماء وتأخذ قليلا من إكسير البقاء كان يا ما كان فى سالف الأشواق نهر يسرج صهوات الجهات ويسعى فى مناكب الظمأ يحمل بشارات الإرتواء وأناشيد خضراء الطعم تسر الشاربين، فى النهار تكون الضفتان قصيدتين من بحر الأمل، وفى الليل تصبحان عالمين لا يقوى القمر على تفسير ألاء الخصب فيهما، ولا تطيق العتمة عندهما ممارسة نزقها القديم واختلاس الضوء من مشارق العيون
|
|
|
|
|
|