|
الطرب
|
02:09 PM Nov, 09 2015 سودانيز اون لاين أبوذر بابكر- مكتبتى رابط مختصر
هل هو حالة إنتشاء لحظى ينتهى بزوال السبب، بمعنى أنه أنه إستجابة لفعل خارجى منجز يتجه ليخاطب أحدى الحواس المستقبلة ليتم قبوله ثم التفاعل داخليا بينه وبين ماعون الحس الشعورى، ومن ثم الصدور فى شكل نتيجة نهائية "إحساس" نسميه الطرب، ينقضى ويزول بزوال الفعل المسبب؟ أم هو جزء وجدانى أصيل وثابت يظل قابعا منتظرا لمحفز خارجى، أو داخلى، ليتم التفاعل ثم النتيجة النهائية، وهل ثمة أثر باق يخلف الأثر الرئيسى، بمعنى هل يتبقى جزء، صغير أو كبير، من ذلك الإحساس؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فما هى المدة التى يظل فيها ذلك الأثر مستيقظا فى عمق الإحساس بعد إنتهاء المؤثر؟ هل تعتمد مدة بقاء نفس الإحساس وبنفس مكوناته الناتجة، هل تعتمد على مدى قوة تأثير المحسوس به؟ هل يتحكم فى ذلك قوة مباعث ذلك الإحساس داخليا؟
كلها أسئلة
الطرب معنى شاسع وكبير، وربما إرتبطت المفردة ومعناها الأقرب، إرتباطا وثيقا بالغناء والموسيقى دون غيرهما، أى بفعل أو أفعال تخاطب حاسة السمع فى المقام الأول، مع إمكانية ربط المسموع مع المرئى فى حالات الفنون الموسيقية الممتزجة بألأداء الجسدى التعبيرى، ويشمل ذلك فن الباليه والأوبرا والعروض الكوريغرافية الأخرى، ومن ثم تتشارك أكثر من حاسة واحدة كممر ومدخل للفعل المنتج الى داخل الشعور، وهما هنا السمع والبصر.
ولكن هل يقتصر معنى الطرب فقط على هذين الفعلين/الإحساسين، دون غيرها؟
إذا كانت الإجابة بنعم مرة أخرى، ماذا نسمى إذن الحالة الشعورية التى تعترى المرء حين مشاهدة/قراءة لوحة فنية مدهشة وأخاذة، أو حتى رؤية ومشاهدة وتأمل منظر طبيعى فاتن، أليس هى ذات النشوة أو نفس الإحساس بإعجاب فوق العادة، بغض النظر عن الفعل المسبب، متحركا كان أو ثابتا؟ وإذا وسعنا دائرة الأفعال المسببة أكثر، لتشمل كل ضروب الإبداع الإنسانى، من رياضة وإبتكارات وأدب ومسرح الخ الصنوف الإبداعية، ألا يدخل كل ذلك فى إطار ما يخلق ويولد الطرب؟ فالألعاب الرياضية بضروبها المتنوعة، تحوى خلقا عبقريا جميلا، فالألعاب التى تعتمد على الأداء الحركى الجسدى، أو ما تعارف على تسميته ب "الجمباز" ولست متأكدا من أصل المفردة وإن كان فيها رائحة اللاتينية، وقد يكون ثمة قرابة فى الأصل مع المفردة اللاتينية Gymnasium التى تعنى أرض التدريب، وبقية ألعاب القوى، اليس فيها ما يطرب حقا؟ أو بماذا نسمى تلكم الحالة الشعورية القوية التى تتولد حين الإستماع أو قراءة نص شعرى مذهل، أو حين الإستغراق والإبحار فى قراءة رواية تنبض بالحياة والمعنى؟ فإذا تساوى الإحساس المتولد فى فى كل هذه الحالات، فإذن يمكننا الآن تمديد معنى الطرب ليشملها جميعا، طالما أن الإحساس المتولد هو ذاته.
هل يستولد الطرب أم يتوالد تلقائيا؟
بمعنى، هل لبد من محرك مستقل لإحداث الطرب، أم أنه من الممكن له أن يحدث دون الحاجة لوجود ذلك المحرك الشعورى؟
أعتقد أنه من الضرورى بداهة وجود المحرك الخارجى، إذ لبد للحس الوجدانى من محفز أو دافع لإحداث النشوة الممرحلة وصولا الى قمتها، لتسمى بعدئذ طربا، وحتى حين يطرب الشخص نفسه، بأى فعل كان، فهو عندها يكون هو المحرك الخارجى كطرف أول، مع ثبات المتلقى الداخلى فيهن ليمثل الطرف الثانى
هل الطرب يعنى ذروة الإعجاب؟
أظن أن الطرب، كحالة وجدانية تستحوذ فى لحظة ما على كل المخرجات والدفق الشعورى، لا تعنى بالضرورة الإعجاب بشئ ما، فقد تكتمل مقومات الإعجاب بذلك الشئ ويتكامل فعل الإعجاب، دون الوصول الى مرحلة الطرب.
هل يحدث الطرب الناتج من مسبب واحد، بذات الطبيعة والقوة فى حال تكراره بعد مسافات زمنية قد تطول أو تقصر؟
بمعنى هل يكون الإحساس المتولد الآن مثلا من الإستماع الى قطعة موسيقية أحدثت طربا، هو ذاته إذا تم الإستماع لنفس القطعة بعد فترة إنقطاع زمنى؟ أم أن ذلك يتأثر نقصا وزيادة، بتغير الظرف الزمانى والمكانى أو كليهما؟ وهل يخضع ذلك ايضا للمزاج أو الحالة النفيسة للشخص المتلقى؟
والسؤال المهم، هل يمكن أن يكون الطرب حالة فردية أم هناك إمكانية لجماعية الطرب؟ ففى إحدى روائع كتاب الغناء السودانى الجميل، يقول الشاعر محمد البشير عتيق، يقول فيها
نحن كان مجلسنا عامر بى طرب بى نشوة بى رقة وشعور
فهل كان ذلك الطرب طربه هو، أم عم ذلك الطرب وعرش فوق كل أهل ذلك المجلس؟ وهل ما يطرب زيد من الناس، بالضرورة أن يطرب عمر؟ أو لماذا تتباين وتتنوع وتتمايز مسببات الطرب لدى كل شخص.
الإجابة مؤكدا، هى بالنفى، فلكل شخص مكون وجدانى يختلف عما هو عند الآخرين، رغما عن إمكانية حدوث نفس الأثر، بدرجات متفاوتة لدى أكثر من شخص، فالآلاف أو الملايين قد يطربون لغناء عبد العزيز محمد داود أو فيروز أو أبو عركى أو بافاروتى، أو تطربهم مشاهدة لوحات إبراهيم الصلحى أو بابلو بيكاسو أو فان غوخ، أو فنيات بيليه أو مارادونا فى كرة القدم، أو مشاهدة منظر الغروب من على ضفة نهر، أو قراءة أشعار محمود درويش أو مشاهدة أفلام أنتونى هوبكنز أو سيدنى بواتيه أو مسرحيات لورانس أوليفيه، وأنا حين يطربنى الإستماع الى معانى وترنيمات من "شاشاى" من "ود حيمور الرفاعى" قد أتشارك نفس الإحساس مع من يجلس بقربى ساعتها؟ ولكن يظل لكل فرد منهم مدخله المختلف ووعيه وحسه الوجدانى المغاير
ويظل الطرب، مكونا ومدخلا جماليا فريد، وحسا بديعيا يجمل الحياة، ويزيح قليلا من قبحها
وايضا يبقى السؤال ماثلا
من/ما أنت أيها الطرب؟
|
|
|
|
|
|