نقيب الأطباء في السودان: الغرامة لا تعفي الطبيب من المحاسبة المهنية

Quote: الخطأ البشري وارد في كل عمل، لكن حساسية الوضع في القطاع الطبي الذي يتعامل مع حياة وصحة الانسان تدفع بالقول إلى أن الخطأ الطبي غير مقبول به نهائياً. فكم من المرضى ماتوا بسبب اهمال الطبيب أو التسبب لهم بعاهة مستدامة ترافقهم طوال حياتهم، فما هو الخطأ الطبي؟ وما هي درجاته؟ وما هي العقوبات والاجراءات المتخذة من قبل المجلس الطبي؟ وكيف تتم معاقبة الأطباء؟ ومتى يصبح الطبيب خارج قفص الاتهام؟ كل هذه الاسئلة وغيرها من التساؤلات يجيب عليها التحقيق التالي: ------------------ نماذج.. نماذج سيدة في مقتبل عمرها دخلت إلى إحدى المستشفيات في حالة ولادة، خرجت وفي بطنها قطعة من الشاش تم اكتشافه بعد أيام من خروجها وشعورها بآلام شديدة في بطنها. * فتاة متوسطة العمر كانت تعاني من ألم في الجانب الأيسر من بطنها وبعد ذهابها إلى المستشفى تم تجهيزها لإجراء عملية استئصال الزائدة، ولولا رحمة الله بوجود حالة طارئة بالمستشفى لفتحت بطنها دون سبب خرجت الفتاة من المستشفى لاختصاصي باطنية الذي أكد انها تعاني من «مصران عصبي» وليس زائدة. * شاب صرفت له أدوية منتهية الصلاحية أدت إلى تدهور حالته الصحية، ولولا عناية الله لحدث ما لا يحمد عقباه. * قبل فترة وجيزة حكم على «5» أطباء بتهمة القتل الخطأ بينهم طبيبة بعد تورطهم في اجراء عملية قيصرية لامرأة داخل مستشفى وازدياد حالتها سوءاً بعد مرور «74» ساعة فقاموا باجراء عملية استكشافية اتضح من خلالها وجود ثقب في الامعاء وفارقت الحياة على أثرها في حادثة وقعت منذ أربعة اعوام. هذا نقطة ماء في بحر الأخطاء الطبية الذي راح ضحيته غرقاً حتى الموت كثير من المرضى ومنهم من اصيبوا بعاهات مستدامة جراء أخطاء طبية نتيجة اهمال طبيب أو غيره من الطاقم الطبي. المسئولية القانونية في تقرير أعده البروفيسر «عبد العظيم محمد كبلو» نقيب اطباء السودان عن الاخطاء الطبية ذكر انها نوعين خطأ ناتج عن القضاء والقدر، وهذا لا يسأل الطبيب عنه مثل المضاعفات التي تحدث نتيجة لنوع وطبيعة المرض نفسه أو أي سبب آخر، فهذه الحالة وبعد التأكد من ان الطبيب لم يقصر في واجب بذل العناية اللازمة فإنه يصبح غير مسؤول عن ما حدث للمريض من ضرر، النوع الآخر هو خطأ ناتج عن اهمال او جهل بقواعد المهنة فيصبح الطبيب مسؤولاً عن الضرر الذي يحدث للمريض وعليه جبر الضرر وفقاً لما تقدره المحكمة والجهات التي تؤكد وقوع الخطأ هي المحكمة والمجلس الطبي فقط، ويحق لأي مواطن ان يقدم شكوى ضد أي طبيب أو كادر طبي أو مؤسسة طبية يعتقد أنه قد تضرر منها بسبب الاهمال في معالجته، وبعد دراسة الشكوى بواسطة المجلس الطبي يقوم الأخير بإصدار قراره وفقاً للقانون بإدانة الطبيب او تبرئته، وفي حالة الادانة يحدد الجزاء المناسب والذي يتراوح بين لفت النظر مروراً بالتوبيخ الشفهي والانذار الكتابي والايقاف المؤقت عن مزاولة المهنة حتى الشطب النهائي من السجل الذي يعني حظر الطبيب من ممارسة المهنة نهائياً، اما المسؤولية القانونية في حالة ثبوت الخطأ على الطبيب فهناك نوعان من المسؤولية وهي المسؤولية الجنائية وأهم اركانها التعمد أو تبييت النية وسبق الاصرار لايذاء الشخص الآخر والعلم بأن الآله المستعملة في الجريمة ستؤدي إلى حدوث الاذى فحينها تتم محاكمته كأي مواطن عادي ارتكب جريمة، اما النوع الثاني فهي مسئولية مدنية فبالنسبة لمسؤولية الطبيب الذي حدث منه اهمال أو خطأ طبي فقد حددت الشريعة الاسلامية منذ البداية انها مسؤولية تقصيرية وهذه يقصد بها الاخلال بالتزام قانوني عام يسري على جميع الناس اطباء وغير اطباء فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن» وبالتالي فإن العقوبة التي تترتب على الخطأ الطبي هي جبر الضرر «دفع التعويض» ولذلك قام الأطباء في الدول المتقدمة بالتأمين عند شركات التأمين لدفع هذا التعويض في حالة الإدانة. وفي حالة ثبوت إهمال الطبيب وتضرر المريض فإن القانون نص على ان العقوبة هي الغرامة «الضمان أو التعويض المالي» بالاضافة للمحاسبة التي قد يوقعها المجلس الطبي على الطبيب المعني وهذا يؤكد ان دفع الغرامة لا يعفي الطبيب من المحاسبة السلوكية والمهنية بواسطة المجلس الطبي والتي تشمل التوبيخ والانذار والايقاف عن مزاولة المهنة مؤقتاً وحتى الشطب النهائي من السجل، أما إذا قررت المحكمة ان الفعل الذي قام به الطبيب يقع تحت طائلة القانون الجنائي فسوف يحاكم جنائياً. المسئول الأول الطبيب هو المسئول الأول عن الخطأ الطبي هكذا قال «د. الشيخ علي العبيد» الأمين العام للمجلس الطبي، والعقوبة ومحاكمة الطبيب تتم على حسب نوع الخطأ ومصدره هل هو الطبيب؟ أم المؤسسة الطبية؟ ام الكادر المساعد؟ وهناك انواع للعقوبة منها لفت النظر او ايقاف الطبيب من مهنته فالعقوبة يحددها نوع الخطأ ويوجد تدرج في العقوبات فهو وليس شيئاً مطلقاً حيث توجد لجنة من كبار الاختصاصيين والمستشارين القانونيين وغيرهم من ذوي الشأن وتقوم اللجنة بسماع الشكاوى وتستعين بالخبراء لتحديد نوع الخطأ وقد تأخذ اللجنة شهرين او اكثر حتى تصل لقرارها إذا كان هناك خطأ وتحدد نوعيته وسببه، وبعد اثبات الخطأ تقوم اللجنة برفع تقرير للجنة المحاسبة وهي مكونة من كبار الاختصاصيين النزهاء وملتزمة بقوانين المجلس الطبي وهي التي تبرئ الطبيب او تعاقبه وعلى ضوء النتيجة تحدد نوعية العقوبة، ولدينا بالمجلس مستشار قانوني يحدد كيفية التعامل من الجانب القانوني مع هذه الأخطاء ودور المجلس هو حماية ورعاية المرضى واثبات المعلومة الصحيحة وتحسين نوعية الخدمة لتلافي الخطأ. خطأ طبي خطير د. أشرف حماد عبد الوهاب نائب اختصاصي باطنية بمستشفى الخرطوم، قسم الاخطاء الى نوعين: مقصودة وغير مقصودة من الفريق الطبي المعالج، والمقصودة تنتج عن جهل بالدراية الطبية مثلاً ان يصف الطبيب العلاج وهو لم يتوصل إلى التشخيص النهائي للمريض قد تؤدي إلى ضرر بليغ يكلف حياة المريض وغير المقصودة هي ان يخاطر الطبيب بحياة المريض كاجراء عملية جراحية نسبة النجاح فيها ضئيلة وهذا هو خطأ طبي خطير، وتوجد اخطاء غير مبررة مثل ان ينسى الجراح شاشاً أو أحد ادواته داخل بطن المريض او ان يتساهل في ايقاف جرح نازف فيحدث ما لا يحمد عقباه، هذه الاخطأ طرأت حديثاً على المجتمع الطبي بعد ظهور المستشفيات الكثيرة وكثرة العمل والارهاق ولكن في النهاية نعتبره تساهلاً في حق مرضانا فهو خطأ ناتج عن تعمد كامل ويدخل في الناحية الجنائية وكأطباء نعتبره تعمداً في الخطأ. ثلاثة قوانين الاستاذ عادل عبد الغني، المحامي قال ان وصول الاخطاء الطبية لمرحلة الظاهرة ليس في السودان فحسب وانما على مستوى العالم، لكن في السودان نجدها بطريقة أكثر وأوضح فنجد ان القوانين التي تتعامل مع الاخطاء الطبية هي ثلاث قوانين كل يتعامل من منطلق، محدد وهناك القانون الجنائي الذي يتعامل مع الجانب العقابي الجنائي، وايضاً قوانين المهن الطبية او قانون المجلس الطبي وهو يتعامل مع الجانب المهني بما فيه من عقوبات مهنية وجنائية، وهناك الجانب الثالث، وهو قانون المعاملات المدنية. وهذا يتعامل مع جانب التعويض للضحية، بالنسبة للجانب الجنائي لا توجد مواد منفصلة ومخصصة لمعاقبة الاخطاء الطبية، والقانون الجنائي عموماً لا يتعامل مع تفاصيل الوقائع والاحداث وانما يضع قواعد عامة مجردة تنطبق بعناصر محددة على انماط سلوكية يجرمها القانون، مثلاً القانون الجنائي لا يفرض باباً او مادة لعقوبة اخطاء المحامي او المهندس وخلاف ذلك لا يمكن عملياً ولكنه يضع القاعدة العامة والتي تنطوي تحتها كافة انواع الاخطاء التي تمكن الضرر»، وعليه نجد ان الاخطاء الطبية تندرج تحت عدد من المواد نتيجة الخطأ الطبي وفي مرحلة تسبب الموت تكون الجريمة تحت مواد القتل بتصنيفاتها المختلفة سواء كانت قتلاً عمداً أو غيره اذا توافرت عناصره او القتل الخطأ وهو الشائع والعام والاكثر، اما إذا لم تصل درجة الموت لم تسبب اذى فيندرج السلوك تحت بنود تسبيب الاذى الجسيم او البسيط او الجراح وذلك بمختلف صورها فيمكن ان تكون عمدية اذا توافرت العناصر المطلوبة فيها، أو عن طريق الخطأ إذا لم تتوافر عناصر العمد فيها، وعليه تكون العقوبات بعد ذلك وفقاً للتصنيف الذي يرد عليه الخطأ الطبي، فإن كان السلوك صنف عمداً فله عقوبة الجريمة المتعمدة، وإذا كان عن طريق الخطأ يصنف على جريمة القتل الخطأ وبالنسبة لتسبب الموت عن طريق الخطأ فالعقوبة هي السجن والدية، واما اذا كانت جراح خطأ لا تصل العمد، فالعقوبة هي السجن مع دية الجراح ان كانت تتطلب الديه، او التعويض. على العموم نجد ان العقوبة للاخطاء الطبية لا تختلف عن أية عقوبة أخرى لأي اخطاء تسبب الاذى للانسان فهي تماثل عقوبة المهندس إذا انهار بناؤه وتسبب الاذى او صاحب المصنع إذا لم يلتزم جانب الحيطة أو أي افعال اخرى.. الأهم من ذلك والذي يجب ان يعرفه الجميع ان المهم في الأخطاء الطبية هو التعويض إذ أن العقوبة دائماً تعتبر عن المصلحة العامة وتخدم العامة وتصيب الضحية بطريقة مباشرة، عليه فإن حق الضحية يتعلق بالتعويض وقد سهل قانون الاجراءات الجنائية هذا الأمر بأن اعطى المحكمة الجنائية سلطات الحكم بالتعويض إذا طالب بها المجني عليه امام المحكمة وذلك لتفادي ازدواجية الاجراءات، والتعويض في هذه الحالة او حالة الاخطاء الطبية يغطي الخسائر المباشرة من التكاليف المباشرة الناتجة عن الاذى، كما انه يغطي ايضاً ما فات على المجني عليه من كسب كان ممكناً ان يحققه اثناء فترة الاصابة، كما يمكن ان يغطي ايضاً المعاناة المعنوية والآلام وايضاً الآثار النفسية على المريض أو المجني عليه إذا كانت هناك تشوهات او آثار دائمة او عاهة مستدامة، على العموم أرى ان العقوبة القانونية للاخطاء الطبية من الناحية النظرية والعملية كافية ورادعة ولكن العلة تكمن في ان المواطن لا يتمسك بحقوقه لاننا عموماً قوم قدريون ونستسلم للقضاء والقدر عادة، ومعالجة هذا الأمر تكمن في نشر الوعي للحقوق والتركيز على أن المطالبة بالحق لا تعني بأي حال من الأحوال الكفر بالقضاء والقدر ولا تناقض مع الايمان العميق به إذ ان لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت. المحررة: التأمين على الاخطاء الطبية قد يساعد الطبيب التمادي في الخطأ وحصوله على رخصة تدفع بالنيابة عنه في طريق اخطائه، وهل يكفي التعويض المالي عن الخطأ الذي سببه أهمال الطبيب؟ وهل المال يعوض روح الانسان التي راحت ضحية؟ أسئلة نوجهها إلى ذوي الاختصاص للتفاكر حولها؟!