|
Re: و الخرطوم (Re: أبوذر بابكر)
|
(2/2)
تبدو الدروب وكأنها تفضى وتقود إلى قلب ال "يونيون جاك" ومن عجب فإنها تقودك إلى قلبه، حيث يجلس فى وقار "الجامع الكبير"، هكذا أرادها من لا تغيب شمس الكون عما ملكت يمين سطوتهم، أرادوها خريطة وربما لوحة تمجد تلك الحسناء التى لا تغيب شمس شبابها، ثم "تسودن" بطريقة غائرة المعنى، روح المكان وجسده. أربعة شوارع، كل واحد منها يبدأ من مفتتح الجهات الأربع، ليقود الى قلب المعنى هكذا أرادوا وهكذا فعلوا. كان شارع "فيكتوريا" يبدأ مسيره من أمام القصر، وهو فى المبتدأ قصر، لا يهم ساكنه، سواء كانوا ثلة من "باشوات" أتوا على حين غرة وفى رحالهم كل شئ إلا المحبة، أو كان غوردون أو هوراشيو هربرت كتشنر أو من جاء بعدهم، هو قصر، ثم تنتهى مسيرة "فكتوريا" عند نصب كان فى هيئته مثل مركب لم يوسع الصانع فيه براح الجلوس، وفى وسطه مسلة قصيرة المعنى، تمجد قتلى حروب التى غابت شمسها الآن، بما فيهم أولئك "المشلخين" أفقيا ورأسيا، ثم يقف بعدها سور السكة الحديد فى وجهك، وما عليك سوى أن تقفز من فوقه ليسرى جسدك، فى الجهات الأربع أيضا، هكذا أريد أيضا للمعنى أن يتجسد. إذن دعنى احدث النهرين عنهم وعنى، وليتهما يصدقان قولى وليتنى أصدق حديثك يا "معرى"، فليكن ذلك، وسأبدأ الآن فى تخفيف الوطء بذات الأقدام التى ما ملت التحليق، ذات الأقدام التى تقرأ فاتحة الدخول لتنهب المسافة بين "أتينيه" و "الكلوزيوم" وفى المخيلة تجلس ذات المسافة بين أثينا وروما، ونفس الشقة بين "السانت جيمس" و "الرويال" تلك التى تعادل ملايين السنوات الضوئية العجاف، فيا ايها المعرى، لا تحرجنى بتصديق كلامك، لا تحرجنى، فالخرطوم الآن قد إنتبذت أقصى ما فى المجرات الشائكة من أغوار، وابتعدت شفاه الرغبة عن حواف كأس التمنى والإرتواء ، دعنا نخفف الوطء لنقطع المسافة بين الخرطوم و الخضرة، ونتوهم المسير الى الجنة أو الجحيم، دعنا نتشح بمساء شتوى "لندنى" الملامح، لندلف "شارع البرلمان"، هو ايضا قصير النفس ولا تفتر الخطوات/الأجنحة من الغوص/التحليق فيه، هناك وأنت تيمم شطر الشرق منه، وفى وسط أخيلة النجيلة والنوافير الكسولة، بسطوا ساحة للشهداء، لم يخبرونا أى الشهداء هم، بل نصبوا فيها لإبنهم الغازى تمثالا ثم أزيل، وليتهم تركوه ليذكرنا بمعنى الإنتصار وطعم الهزيمة، لكى نتذكر دائما أن لا أحد يهزم أحدا، بل الناس هم الذين يهزمون ذاتهم بأنفسِهم، فالهزيمة فعل داخلى بينما الإنتصار عمل خارجى. لو أردت الآن أن تلون وجه الغناء فى الخرطوم، فإنك فى حاجة الى كل الحدائق التى ترضى أن تهب ألوانها، فى حاجة الى كل الريح التى تنقل أنباء الأحزان وجميع الزغاريد التى تضمر الفرح لتنشره فوق أرض المساكين. لن ألوم الحبر حين يتوغل بعيدا فى دواة الدم، فأمام عتبات الإشتهاء تصلّى الشمس مواقيت الشروق، ولن أسير تحت سماء الواقع، فالخيال أرض تؤتى غرسها بشرا ومكانا يصارع تبريح التوهم لينيخ نوق الأخيلة. فالصورة أكبر من أن يحتويها إطار التراب، الضوء فيها غامض وخجول، لكن رغما عنه وعنى، سوف أحمله تحت القلب من الخرطوم، إلى الخرطوم. ما النهر سوى طائر مسافر إسمه الحنين والبيوت دموع تيبست وتجمعت حولها أفواج "اللبخ" مواسية، المكان إكسير الحياة. ولكن من هى هذه المدينة الآن ؟ هذى المدينة تحديداً
بماذا يبشر التراب؟
مدد يا سيدنا يا قطبنا الأرباب
مدد يا خرطوم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: و الخرطوم (Re: أبوذر بابكر)
|
فى حدائق وجهِها تأتلفُ العصافيرُ تكتبُ على خدِ الصباحِ الذى فى كلِ يومٍ يُفتّح أبوابَ الضياءِ ثم يخلعُ شمسَه عند بابِ الوردِ لتأتلقَ الأزاهيرُ
يغمسُ نومَه فى نهلِها العبيرِ ثم يرتدى كسوةَ الرحيقِ
هناك فى حدائق وجهِها تدفقُ العصافيرُ مواعيدَ بوحِها تذكاراً عن العشِق العتيقِ تدفنُ العصافيرُ مَواتَ جرحِها وما تبقى من دموعِ ليلِها الصديقِ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: و الخرطوم (Re: أبوذر بابكر)
|
هناك فى مجاهل ليلُنا الذى كلما مددنا صوبَه حرقةَ العيونِ ترجلَ عن سوادِ حزنِه أناخَ راحلةَ الجراحِ ونام فينا ونحن بين يقظةِ الأنينِ مطلقِ السراحِ وغفوةِ الظنونِ نجوسُ وسط نومِنا أو فوقَ موتنا المباحِ حيث كلُ حلمٍ فيه أخرسٌ يناوشُ الهتافَ يستعيرُ حرقةَ الصياحِ وصيحةَ الحريقِ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: و الخرطوم (Re: أبوذر بابكر)
|
فى حدائق وجههِا نبعٌ بُنّى الطعمِ يسكنُ الصفاءُ لونَه يمنحُ السماءَ لونَها وإرتواءَ نبضِها وكحلَ جفنِها الخجولِ نبعٌ يسكنٌ غيرَ بعيدٍ عنه حقلٌ يمتزجٌ نداهُ بروح القهوةِ وبعضِ حليبٍ من ثدى الألقِ قمرٌ يمتهن الفرحةَ يغزلُ أفقَ العشقِ بفضةِ إبتسامِها بنشوةِ الفصولِ
| |
|
|
|
|
|
|
|