خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2014, 08:19 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم


    خرطوم بلوم
    -----------------
    "..وننطلق في رحلة متحللة من كل غاية" ن ع ت

    المقال القيافة للشاعرة الأولى نجلاء عثمان التوم الذي تصدت له الأقلام التقليدية بتوصيفات مثل الخطرفة
    والذي راح بسببه بعض الموسيقيين المتقاعدين في خطرفة تخصهم، هو من أجمل ما قرأت عن الغناء السوداني!
    ذلك أن الشاعرة التي لا تخطئ صياغاتها العين العارفة بحفريات النظم، تنتقل في صكوك غير مألوفة وعبر
    الافهام الجاهزة لتمرر شهادات حسن القريض على من يقرأ بتوقع الطرب والشعر في مقال يكتبه شاعر/ة.
    ولكم هو طمّاع من يبتغي الشعر في مقال!
    ليس هناك ثوابت وليس هناك سواهل فنجلاء تسأل قارءها محذرةً له أن تشريح الأصالة قد يودي إلى مجزرة!
    فهل يمكن تشريح الأصالة؟! وهنا احالات لامعة لواقع يتقمص أصالتَه مَن هم على سدة فنائه وهو سؤال الراهن
    بامتياز فمالكم كيف تنقدون!
    اقرأ مقال نجلاء عثمان التوم هنا:
    http://teenia.blogspot.ca/2014/06/the-beauty-of-silly.html?spref=fb

    أو في المداخلة التي تلي هذا المقال الافتتاحي

    تبشرنا الشاعرة الأولى أن هذي (الرحلة المتحللة من كل غاية) ستفضي بنا، حين نقوى على نزع السُتر والأقنعة، إلى لا شيئ سوى هويتنا!
    ولا يقول الشاعر غير ذلك إلاّ إن أراد الوقوع تحت نير التقليدية والمباشرة. كما لا يبتعد هذا القول عن أغراض الحادبين أقل من ابتعاد الشعر
    عن المباشرة!
    وأصلُ مبحث الشاعرة، في ظني، هو بعث وتسعير تلك الجذوة التحتية التي تحتجب تحتها الأصالة بسدادها وفعاليتها ويأتي الغناء مقارباً لها
    ومبتعداً عن تبذلات الواقع في آن!
    وتأتي عبارة (الحجل بالرجل) كما وردت في أغنية حسن عطية استسهالاً، على مفارقته معنى الوثاق الجبري، لمقاربة الشاعرة لمعنى (العوارة)!
    وبذلك تتحدى السؤال، المظنونة أهميته، عن تعريف يتوقعه القارئ لمفهوم (العوارة) في النص. وتمضي الشاعرة لنهاية سعيدة لكثير من التعقيدات.
    فطالما آخر الموضوع سيكون (الحجل بالرجل) فمعاني مثل (حق الهوى الكامل) وما أدراك ستغدو من قبيل (العوارات)!
    ومن الطريف أن استطراد نجلاء في أمر الحجل بالرجل يكشف عن قدرية ورضا قديم وسوداني ولكنه منذور للسعادة ومعزز لها ولا نرغب في زوال
    مكنيزماته الناجحة. أقول ذلك مستحضراً ذلك التحاور المشاكس بين عبارتي (الحجل بالرجل) و (ياحبيبي سوقني معاك) ودعوة الشاعر لنا للتعرف
    على إحدى الفبركات. وأسارع لتقرير أن الفبركات كثيرة ولا يخفف من حدتها سوى الغناء!
    إن الغناء السوداني يمور بلحظات الاستدراك التي يجرفها اللحن والايقاع فتخرج من بيت (اللعبة) دون أن يستطيع أيٌ مَن كان أن يساءل عنها المغني!
    وقد ضربت نجلاء مثالاً باهراً لأغنية تقول: على كل حال غضبك جميل! والمستمع شاعراً أو غير شاعر يجد أن السؤال: كيف يعني على كل حال؟
    هو أحسن أنفعال له بينما هو في ذات الوقت أكثر الاسئلة اغراقاً في عادية لا يحفل بها نص الأغنية! ومن طرائف عبارة على كل حال أن أحد الصبية
    المراهقين ونسميه اكس وقع في غرام صبية في الحي ولكنه ولأنه خجول طلب من صديقه زيد أن يوصل رسالة بوحه بالحب لحبيبته. فقام صديقه بتمرير
    الرسالة للحبيبة ليلاً وبطريقة سرية عند (التقديم) وعلى باب الخروج من بيت أهلها. وبعد أيام طلب اكس من صديقه أن يستلم رد رسالته نيابة عنه وقد حدث
    واستقرت الرسالة عند اكس ففتحها متشوقاً وغير منتبه لعربة الباسطة التي كادت أن تودي بحياته وقرأ رد الحبيبة: "ما عارفة الرسالة دي منك ولا من زيد
    لكن على كل حال أنا بحبك برضو" ولم تطب الحياة بين الصديقين منذ ذلك اليوم وحتى نهاية القصة!
    تمضي الشاعرة في سبر استجاباتنا للغناء بروح النقد الايجابي باعثةً لأفهامنا على مستوى ملامسات الطبيعة وموجوداتها وقدر الحيازة التي أحرزناها
    من ادعاءاتنا. فحول أغنية (غني يا طيور) تدعونا الشاعرة ل"قفزة التشبيه الكاملة للصورة الشعرية"، ما هو مطلوب ومرغوب، لكنه صعب لأن
    للأغنية أو للحفل نهاية! ولطالما خرجنا من الحفل منفوخين ليثقبنا الواقع الذي يتسلى بصرعاته لنا! وعلى قدر أهل الشعر تأتي المصائرُ.
    على أن تجربة الجابري هي خطي الأحمر ولذلك فقد تحفزت للدفاع عنها. وما إن أوردت الشاعرة انزعاجها من شبهة الخيال واللسان المصري
    حتى تيقنت أن الامر أسهل مما تحفزت له لأنني أرى أن اللسان المصري والصيغة الموسيقية المجلوبة من آفاق أخرى هي من أدوات الجابري.
    قام أحمد الجابري قبل أن يغني المأثور المصري الدرويشي (عطشان يا صبايا)، قام بتضمين موسيقى عالمية آسيوية في أغنيته (ما نسيناك جاي
    تعمل ايه معانا)، وربما يشير هذا لانتباهه لما يفعل، وتم ذلك بعد أن تأكد أن الموسيقى قد تم حفظها صم من كل مستمعي هنا أم درمان!
    إن اعادة توطين الغناء الأجنبي (وهي عبارة غير دقيقة في وصف المصريين) في نصوص سودانية هو من الايجاب بمكان. وقد سبق الجابري في هذا
    المنحى كثيرون منهم أحمد المصطفى الذي اختار موسيقى لاتينية لأغنيته (الوسيم). وأغنية الجابري المشار اليها (هاتو الياسمين) فيها
    من "صلاة الزين" ما "يكف العين"! وربما ظلمت شاعرتنا الجابري حين قالت إن الجابري يعذبنا بمحاولات إقناعنا إن الأغنية تخصنا بينما هي من أخص
    ما يخصنا حين يقول الجابري: "بكل تفصيل/ جات مارة أصيل/ ورتنا مباهج العصريّة" إذ أن مشهد العصرية ساعة (نخت) الكراسي ونستنى بنات الحلة
    يمرن من غير هدف حقيقي لخروجهن، هذا هو المشهد الولود الماهو عاقر!
    ولي عودة في مسألة البلوم والعوارة!
    ---------------
    ن ع ت = نجلاء عثمان التوم

    <>
                  

06-29-2014, 09:07 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم (Re: mustafa mudathir)

    شكرا يا مصطفي
    علي توفير هذه المادة للقراءة و التفكير .قرأت المقال المقصود و المشر إليه باللنك و عندي كم ملاحظة اولها
    في استخدام كلمة عوارة شوية عوارة !
    و هل نستطيع استخدام نفس الاسلوب في تقييم اغنية بوب مارلي
    no woman , no cry
    اجعص زول يورينا المقصود من العبارة اعلاه و هل يستطيع هذا الشخص مسح هذه الاغنية من ذاكرة الانسانية
    بفضح لا معني افتتاحيتها.
    و عند فيروز نجد
    اسامينا ، شو تعبوا أهالينا
    فكيف بهذه الاغنية
    ما حدث مع نجلاء اسمه الغرق في شبر ماء يا مصطفي يا اخوي
    فلترسل لها طوق نجاة
    و سأمر ثانية بعد نهاية كورة اليونان و كرواتيا

    طه جعفر
                  

06-29-2014, 09:08 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم (Re: mustafa mudathir)

    أدناه مقال الشاعرة نجلاء التوم

    The Beauty of the Silly

    بقلم: نجلاء عثمان التوم

    (إلى عثمان حامد سليمان)

    هل يمكن تشريح الأصالة؟ هل يمكن الكشف عن شعوبها الداخلية دون مجزرة؟ أنا مدفوعة هنا بالحجب الأصيلة التي يغزلها الغناء السوداني حول نفسه فيبدو لنا أحياناً شيئاً محيراً، لامع الحيرة. عندما نتجرد من العصاب الذي نسميه الفهم، وننطلق في رحلة متحللة من كل غاية، ونستمع إلى الأغاني السودانية بأرجلنا ومصاريننا، نشعر أن الطاقة التي تتهدج في الجو هي، ولا شيء خلافها، الهوية. لكن تظل أصالة هذا الغناء شيئاً غامضاً جداً وعصياً على التعيين. ثمة إستراتيجيات، أعتقد، أيّدت هذه الجذوة التحتية. أولاً تحتجب الأصالة، في معظم الأحيان، في تمويهات هزلية تنتجها قوالب شبه ثابتة محكومة بشهوة الرجز، والطلاقة الشعبية، والنبرة العادية في الكلام. فالغناء في الأساس هو مكان التغزل في اليومي والعادي في أقرب نسخه إلى الواقع. وكلما تشبثت الأغنية بسوقيتها المعروقة، كلما تصير إلى درجة من أصالتها الصحيحة. لكن الفن هو دائماً تدخل معقَّد، فلا نجاة من سطوته، لكن التحايل عليه ممكن. فعندما تبدأ أغنية ابتهالية، فيها تسجيل لمغامرة البلاغ العشقي والوصال الكامل، بعبارة “الحجل بالرجل”- هذه العبارة الخفيفة البلهاء- يكون من الصعب ألا نستسلم مباشرة لهذه العوارة الجذّابة، بحيث يظل منطوق الأغنية وثقلها الجارح محجّباً وغير مبذول. ولذلك، وحين يتعين علينا القفز هولاً حين يقول المغني أشياء من قبيل “حق الهوى الكامل” تجدنا عالقين في العوارة التي ولدتها عبارة “الحجل بالرجل”، فنرضى بالهناء الكثير الذي تسبغه علينا، وننجو من قنص الوصال فيها.
    أعتبر عبارة “الحجل بالرجل” من أصوب الشروط، ولا يمكن مقايضة أصالتها بأية بلاغة أخرى. والأغنية التي تبدو مرسلة وعويرة، قائمة في الحقيقة على بنية محكمة، أساسها هذا الشرط الأوَّلاني الذي يظهر في شكل رجاء. والرجاء بدوام الرفقة، في عبارة “الحجل بالرجل” ظاهر، لكن هناك درجة خفية من الإلحاح الصادر عن سلطة معنوية ما. فالتمثيل هنا هو الارتباط الحميم، لكن الذي لا فكاك منه. والتذلل المبذول في “يا حبيبي سوقني معاك” يبدو مفبركاً، لأن عبارة “الحجل بالرجل” فيها سلطة خام، تظل تتوضّح مع كل كوبليه. ففي كل مرة يوضح المغني أن الارتباط شرط يبتلع كل الشروط الأخرى بتأكيد قوامته على ضياعات المحبوب. فمهما سويت يدوم لي هواك، ومهما تستغرب وتتشرد في المفازة وتشقها بالليل وتكاد تهلك؛ تدلك المحبة إليَّ، ليس كرماً مني ولا إنسانية، بل لأن ذلك حق المودة وحق الهوى وحق الليل. لكن كل ذلك التحقيق يدين للعوارة تصدر عن “الحجل بالرجل”، وأظن أن تلك عظمة من عظمات الغناء؛ سماحه بدخول “الكرعين” ومتعلقات مادية مثل “الحجل” و”الشبط”، في حالة عمر الدوش، بوصفها وجودات شعرية غير اعتذارية.
    يسري ذلك على بعض المفردات التي لا نتوقع الاصطدام بها في أغنية عاطفية، أو في أي أغنية أخرى، مثل مفردة “مريع” التي استخدمها حميدة أَبْعُشَر في “غضبك جميل زي بسمتك”. على ذكر هذه الأغنية يلزم القول إن حميدة أَبْعُشَر يضع الركّ كله على الاستهلال. تبدأ “غضبك جميل” بعبارة استدراك معلقة في الهواء: “على كل حال، شكلك جميل.. However, you look really nice!. لا نعرف ما يستدركه أَبْعُشَر، فنشعر أننا حضرنا متأخرين بضع ثوان على الحدث الرئيسي. ربما يكون هذا القطع أحد أهم أسرار هذه الأغنية العظيمة؛ لأنه يقوم بنا سدَّاري، يردف المستمع معه في سرج القصة، على الطاير، ونتصل مع الأغنية بمحاذاة سياق غير واضح كلياً لكنه واضح بما يكفي. هنا يصبح التسليم ضرورياً جداً، لأننا لا نعرف أبداً ماذا يسبق هذا الاستدراك، ولا مدعاته، لكن هل يهمنا ذلك؟ يباشر أَبْعُشَر من لحظته الشعورية التي حدث أنها استدراك، ولا يهتم بتبرير ذلك، ولا نطلب منه، بل نرجوه ألا يفعل.
    كمستمعين لا نطلب الكثير. في معظم الأحيان يكفينا انخراط أجسامنا في مهادنة الإيقاع. لذلك نستحسن التدوير الذي احتكمت له أغنية “ألحان الربيع” بتكرار لازمة “غني يا طيور غني” التي تتردد مثل عبارة إيحائية تحيل مستقبلاتنا المتحفزة إلى الاسترخاء. نجد أنفسنا شبه مسطولين بسبب القافية: “السرور، زهور، بدور، تزور”، ثم نفتح جوعنا بانتظار اللازمة التي لا تخلف موعدها “غني يا طيور غني”. إننا نقدر محاولة عشَّة الفلاتية إدخالنا في بلاغة حضرية حديثة بأغنية “ألحان الربيع”. ولا نلح في تذكر معنى ربيع، فهو فصل يستحيل تذكره.
    كما أننا لا نصدق أياً من ادعاءات هذه الأغنية. لكن هذه المفارقة بالذات، هذا الانفعال بشيء لا يخصنا، هذا الكفر، هو عين علّة انطرابنا الأصيل. إننا نتصل مع عشَّة ومع الربيع كغائبين بوساطة أجسادنا التي تستجيب لطلب “غني يا طيور”، فنغني ولا نهتم بالطيور، أو نكون نحن الطيور. تأخذ حلاقيمنا وأرجلنا ونواصي رؤوسنا بالمهمة، ولا تعود الأغنية في حد ذاتها مهمة. ننطلق خلف الإيقاع والعوارة، السرور الزهور تزور…، وحين ترد عبارة “صدى البدور”؛ فإن أرجلنا تلتقط المفردة التي تكمل جوع القافية، بدور، ولا يكون هناك مكان في هذه السطلة لقفزة التشبيه الكامل، للصورة، للسحرية التي تنطوي عليها عبارة “فتحت ثغور من ضياها نور زي صدى البدور”. ذلك بالضبط هو ما يجعل هذه الأغاني ناجحة وأصيلة في النجاح. إن التعمية على مهالك ومنزلقات الجمال الفني ضرورة فنية سودانية، تضع الأغنية في مكانها الصحيح؛ الوجدان. لأن “الحجل بالرجل” هزل ناعم يسمح بتمرير الصرامة النادرة التي ينطوي عليها “حق الهوى الكامل”، فلا يفلت من أصالتها شيء وتستقر بجلالها كلّه في الوجدان، المكان السليم الذي تستحق. كما أن “ألحان الربيع” كذبة لا نرعوي عنها لأن الحقيقة هي مسألة تفصل فيها خلايانا وأنسجتنا.

    يا عوارة الفن

    هناك الكثير من الكوميديا في أغنيات إبراهيم حسين، كوميديا غير محسوبة في الغالب، لكن لها يد في توطين العوارة؛ موضوعنا الحالي. وكوميديا إبراهيم حسين تقدم نفسها كملاحظات جدية غريبة الأطوار، من قبيل: “يا تهنينا يا تخلينا”، أو كعبارة خاطئة تماماً مثل: “بينا المسافة الأصلو ما ممكن تقيف”. أو كقطع هزلي لصورة أريد لها أن تكون حزينة مثل: “نغمة حبيسة في خاطري” التي تعصف بها عبارة: “ألملم للفرح وقتي وأقول بختي”. على النحو ذاته يتحول تعاطفنا مع شمعة إبراهيم حسين السهرانة إلى ضحكة داخلية حين تصل الأغنية إلى ذروة مغامرتها البلاغية في “ما عرفوك إنسانة، ليه يا شمعة سهرانة”. لا بد أن أغنية “الشمعة” هي أغنية العوارة بامتياز، لكننا نظل مأخوذين بوجيب الأغنية، متعاطفين مع تعاطف إبراهيم حسين مع الشمعة، ضاربين عرض الحائط بالمزحة كلها، أليس ذلك عين التصديق؟
    الجابري لا بد مولع بالمقامرة، وهو كسّاب حريف. لكن أغنية “هاتو الياسمين” هي من أغرب الأشياء التي حدثت في تاريخ الغناء السوداني. لقد راهن الجابري فيها على شيء يصعب التكهن به الآن. من ناحية، أيدت كثيراً من العبارات الدارجة السهلة، فيها ذوق الجابري المعتاد. لكن، يبدو أن هذه التركيبة الكارثية بالذات؛ هذا اللحن الراكض في مقام عالٍ، توسل العبارات اليومية، مع شبهة لسان وخيال مصري في كل كلمة من كلمات المطلع القصير: “هاتوا الياسمين هاتوهو”، أدت إلى هذه الأغنية المفزعة. هذه أغنية تكسب فقط بوصفها أكبر مفاجآت الجابري. فمن كوبليه لآخر، يتم تعذيبنا بمحاولات إقناعنا أن هذه الأغنية تخصنا: “بكل تفصيل/ جات مارة أصيل/ ورتنا مباهج العصريّة”. ثم الأسوأ: “حرف الأشعار راح في الدهشة/ وأظنو كمان جاتو الرعشة/ القلبو رهيف خايف الوحشة/ روّح في دروبك واتغش”. وصولاً إلى أسفل درك يمكن الوصول إليه في: “محل ما رحنا مباريانا”. “هاتوا الياسمين هاتوهو”، هذه هي مغبة الإفراط في العوارة، أن تصنع أغنية لا تطاق، أغنية يهرول منها المستمع، ولا ترد أبداً في برنامج قدور، ولا يحيي عظامها حتى الصاعد فرفور. فالحكمة الوحيدة لهذه الأغنية هي أن الأصالة لا يمكن أن توجد في مكان واحد مع “هاتوهو”.
    كلما استمعت إلى “لحن الحياة” من عثمان الشفيع، أهتدي إلى حكمتها بالبلبلة التي يسببها المطلع: “لحن الحياة منك، وما تقول نسينا الماضي وصرنا ناسينك، محبوبي الجميل”.
    هذا مطلع يخون كل توقع في دقته وصرامته وتجنبه للشرح، لكن الأهم في فرادة بنائه. في عبارة “لحن الحياة منك” تبليغ عميق، ومقاربة فلسفية، واستلهام غني. لكن يحدث قطع، يبدو أنه ضروري، بالقفز من هول التبليغ إلى التحذير اللطيف: “وما تقول نسينا الماضي”. ثمة مسافة روحية بين البيانين، ثمة منزلة بين الاعتراف بالفضل كله، ونفي تهمة التناسي، ثمة صمت خفي، ثمة تعمية وذكاء لا يسمح للعمق بالتعمق أكثر، لا يسمح للمناجاة بالتوغل، فتدفن أشد الإشارات مفارقةً واختلافاً في حقل من البساطات المهمة: ما تقول نسيناك معقولة ياخ! في نهاية الكوبليه الثاني وبداية الثالث تحدث مصادرة صغيرة تكاد تجرّم المحبوب الجميل؛ يلوم عثمان الشفيع حبيبه صراحة: “كيف تنسى كيفنك وإنت الوحيد بالذات الكنا ذاكرنك!” ثم بعدها مباشرةً ينكر على حبيبه لومه: “وفيم الملامة يا روحي”. هكذا هي الأمور في الحياة، ولا يخلو اتصال من شبهة سوء الفهم، والتعكير، والظلم.

    البَلَوم الاجتماعي

    لكن، ثمة إستراتيجية أخرى تجعل من الغناء انحرافاً غنياً عن الواقع. تعمل الأغاني كمستودع لغوي يؤوي المفردات النادرة، مثل كلمة “بلوم”. يعيش الواحد منا عمراً بحاله في الخرطوم دون أن تشمله رحمة “بلوم”، ولا لمرة واحدة. ظلت “بلوم” مفردة لا اجتماعية قابعة مقيدة لدى الجابري وعبد الرحمن عبد الله وأغنيات عروس قديمة. لم ترد “بلوم” قط، ولا بالغلط، في أي ونسة أو حديث أو كراكتير. هذه الكلمة المهمة، الجميلة، المكتفية بذاتها. إنها كلمة أصيلة تعيش في أغنية أصيلة. كنت أشعر دائماً أن “بلوم” مهددة بالانقراض، لذلك فرحت جداً حين نما إلى علمي أن السودانيين انشغلوا هذه الأيام بتداول مقاطع صوتية قوامها ملاسنات خارجة، بطلاتها عدد من السيدات، ليست السيدة “بلوم” أشهرهن، لكن على الأقل حظي اسمها ببعض التداول. لا يمكن وصف سعادتي بهذه المستجدات. لا يهم السياق ولا الأبطال ولا القصة، ما يهم أن هناك عدداً كبيراً من الناس تعرض بقصد أو دون قصد إلى هذه المفردة، حلقت “بلوم” في الأزقة مرة أخرى، ترددت في الرواكيب، والمطابخ، وممرات الجامعة، وعنابر المستشفيات، والملجات، والكوفيرات، بلوم بلوم بلوم بلوم، لا يمكننا شكر السيدة “بلوم” كفاية على هذه العافية .

    الحكمة محجوبة

    المعروف أن القصائد الناجحة، ذات المنجز الشعري الواضح لا تصلح للغناء، وذلك لأن الشعر المعترف به لا يقر بالعوارة. ومع تقديري الكبير للنزعة التجديدية في أعمال ساورا، وفي أعمال متفرقة لمغنين مهمين مثل مصطفى سيد أحمد في “عم عبد الرحيم”، وحمزة سليمان في “منفستو الهمباتة”، إلا أن هذه الأعمال تناقض المستقر البدئي لأصالة الأغنية، وهو اللا موقف. الأغنية الأصيلة لا تبشر بشيء، لا تشرح ولا تفلسف، بل تخجل من حكمتها وتحجبها بكل السبل. لا تصدر الأصالة في الغناء حقنا دا عن وجهة نظر، بل عن تهجّد وقلة حيلة وتشفّع وترجٍّ ودعاء ومحاولات شرح يائسة تزداد حكمةً كلما غابت عنها حكمتها: “غايتو بلا مدسة، كنت معاهو هسه، ومشتاق ليهو لسه”. من الرغبة والجنون والمبالغة الفاحشة. من المفاجأة والبغتة والمصيدة “يا قلب أنا كنت قايلك”! من الحيرة والصدمة والتذلل والدردقة في الواطة والتبرؤ والحليفة والقسم: “واللااااهي ما مني، كل الحصل ما مني”! من الاشتراك في الجرم والتواطؤ في الحب والمعاناة والاعتراف بدمعة غير مشاهدة. إنني لا أنزع الفن عن الأغاني التبشيرية، ولا أطعن في يقظتها، لكنني أراها متسقة بشكل مخل، أراها تلزم حكمتها ومناسبتها ووقتها ولا يعول عليها في الرفقة، كما أنها لا تخاطب “الكرعين” ولا “المصارين” ولا تحتفل بـ”الشبط”.
    في المقابل تعظم أصالة الأغنية كلما عجت بالتناقضات والدعاوى الملتبسة والقطع غير المنطقي والتشويش على الحكمة الداخلية، كلما التزمت عوارتها، كلما فشَّلَتْ القضية كما فعل محمود تاور في “طيري يا قمرية”. تظهر العوارة في الأغاني السودانية في مستويات تتعدى الكلام المغنى إلى اللحن، والأداء، ومسرحة الأغنية في جسد المغنى. خضر بشير هو بطل هذه المسرحة بلا منازع، لا شيء يشبه هجوم خضر بشير على الميكرفون بشلاليف ضرورية وقاف صحيحة وانصراف صوفي. لكن تظل هناك غمغمة حسن عطية البرجوازية، عمامة ترباس الغرائبية، وكف زيدان إبراهيم المتوسلة. تظل تلك الرعشة في صوت إبراهيم موسى أبا، رعشة تتمزق على مسافة خطرة جداً من النشاز، لكنها لا تنشز أبداً. تظل تلك الابتسامة الفاجرة في عين خليل إسماعيل. تظل تلك النظرة الضائعة في عين الحوت. يظل محمد أحمد عوض محتضناً رقّه.
    إن الأغنية الأصيلة مصير تتحكم به مصادفات غير مفهومة. أحياناً يحتاج المغني لعشرات الأغاني للوصول إلى التوليفة الصحيحة. بالمقابل، هناك مغنون لا يعرفون كيف ينتجون أغنية غير أصيلة، مثل عثمان الشفيع. لكن، كثيراً ما تتساكن العوارة مع العبقرية في أقدار فرعية، مثل قدر أن حمد الريح ينتج أغان أصيلة لا يعرف كيف يغنيها بنفسه، لكنه يظل فناناً حقيقياً بفضل أصالة هذه المشكلة. بالمقابل تتنوع مصائر الفنانين. ففي مشيئة الفن أحيا محمود عبد العزيز فن حسن عطية، ثم تجاوزه. بينما استحال على الكثيرين تذكر أي من أغنيات مجايله وليد زاكي الدين، إلى أن فجعنا هذا الشاب بقرار اعتزاله الغناء! يذكرني ذلك بمعجزة صغيرة أخرى حين عُثر على أغنية “يا سغير يا محيرني ومتحير” بعد سنوات من وفاة مغنيها إبراهيم الكاشف. بمجرد العثور عليها تفشت الأغنية بسرعة وتهافت عليها الجمهور المشتاق. يومها ذهب خالي الشاعر حدربي محمد سعد، إلى بتاع الكشك، وقال له: “لو سمحت بلّاهي أدينا شريط الكاشف الجديد”. ارتبك البائع لوهلة…. ثم انفجرا معاً بالضحك!
    ـــــــــــــــــــــــ

    محمود عبد العزيز – الحجل بالرجل
    عبد الحميد يوسف – غضبك جميل
    خضر بشير – إيه يا مولاي
    إبراهيم الكاشف – يا صغير


    ><
                  

06-29-2014, 11:10 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم (Re: mustafa mudathir)

    يا طه
    أعتقد أن نجلاء قد راهنت على افلات ممكن!
    أعتقد أنها أفلتت لأنها استخدمت مطلق القول
    الشعري والجمل المتأبية على الشرح!
    أصرت أن نأخذ نصها جميلاً أو لا نأخذه!
    ولكن أبو القدح لما يلبذ جوا قدحو مافي
    طريقة نسله!
                  

07-03-2014, 09:50 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم (Re: mustafa mudathir)

    (*)
                  

07-07-2014, 06:38 AM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم (Re: بله محمد الفاضل)

    (1)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de