أثرتجربة الإنقاذ على قضية المرأة(1-2) ورقة للصحافية رشا عوض

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 04:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-19-2014, 10:12 PM

قريب المصري
<aقريب المصري
تاريخ التسجيل: 04-26-2014
مجموع المشاركات: 560

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أثرتجربة الإنقاذ على قضية المرأة(1-2) ورقة للصحافية رشا عوض

    مدخل:

    هذه الورقة سوف تتناول أثر تجربة الإنقاذ على قضية المرأة من زاويتين:

    الزاوية الأولى: أثر التجربة على الوعي الاجتماعي والتعاطي الفكري والثقافي مع القضية والموقف من المفاهيم التقليدية السائدة بشأنها في المجتمع سلبا أو ايجابا فتجربة الانقاذ ليست مجرد تجربة سياسية في حكم البلاد، بل هى مشروع آيدولوجي ذو أهداف معلنة في إعادة صياغة الإنسان والمجتمع وفق نمط حضاري بديل لما هو قائم باعتبار أن النمط البديل يمثل قيم ومقاصد وفلسفة الإسلام بينما النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم منبت عن الإسلام مستلب لمفاهيم الحضارة الغربية المجافية له، وفي هذه الزاوية ستقوم الورقة باستعراض الموقف الفكري للحركة الإسلامية في السودان من قضية المرأة ثم تلقي الضوء على مدى التزام الخطاب الإعلامي والسياسي بالطرح الفكري.

    الزاوية الثانية: تقييم وضعية المرأة في عهد الانقاذ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بالمعايير السائدة عالميا وعلى رأسها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بحكم أن الانقاذ تتبنى ما أسمته بالمشروع الحضاري البديل وبالتالي فإن تقييم تجربتها لابد أن يتضمن المقارنة بين مشروعها والمشروع الذي طرحت نفسها بديلا له، أي مشروع الحضارة الغربية. وفي هذه الزاوية سوف تركز الورقة بالتفصيل على الخطاب الإعلامي وعلى قانون الأحوال الشخصية باعتباره المرآة التي تعكس طبيعة النظرة للمرأة في المجتمع.

    وبعد دراسة أثر تجربة الإنقاذ على قضية المرأة من هاتين الزاويتين سوف تفرد الورقة محورا لتقديم رؤية نقدية لدور الحركة الإسلامية في قضية المرأة.

    مقدمة:

    مازال الجدل في المجتمعات المسلمة محتدما حول دور الإسلام في الحياة العامة، والمكانة التى ينبغي أن يحتلها في أي مشروع نهضوي يستهدف تحديث هذه المجتمعات تمهيدا لإعادتها إلى مسرح المبادرة والفعل والتفاعل الحضاري، ذلك المسرح الذي غادرته منذ قرون طويلة وتمثل العودة إليه أشواق وتطلعات قطاعات معتبرة من هذه المجتمعات، تمثلها نخب فكرية وسياسية واجتماعية، وبالتالي فإن هناك جملة من الأسباب الموضوعية التي تحتم تضمين مخاطبة البعد الإسلامي في أي مشروع نهضوي جاد في أي مجتمع مسلم أو أكثريته من المسلمين وأهم هذه الأسباب:

    برز الآن في مختلف المجتمعات وعلى اختلاف انتماءاتها الدينية اتجاه نحو التدين والتماس الطمأنينة في الروحانيات وتصاعد الاهتمام بالدراسات الدينية مما يؤكد أهمية الدين في حياة المجتمعات بحكم أنه أحد الاحتياجات الإنسانية الأساسية وبالتالي لا بد من استيعاب العامل الديني في أية حركة فكرية أوسياسية جادة في مخاطبة مشاكل المجتمع.

    الإسلام له الأثر الأكبر والأعمق في تشكيل الوجدان والوعي الاجتماعي للمجتمعات المسلمة.

    الإسلام له تأثير مباشر ودور محوري في تشكيل التوجهات الفكرية والسياسية والاجتماعية للمجتمعات المسلمة.

    حركات رفض التحديث في المجتمعات المسلمة في الغالب تنطلق من مبررات إسلامية.

    الإسلام أهم منبع من منابع الذاتية للمجتمعات المسلمة فلا يمكن إغفاله أو تجاوزه في أي تناول جاد ومسئول لقضية نهضة تلك المجتمعات.

    إن عالم اليوم بالرغم من الفتوحات العلمية المذهلة والإنجازات العظيمة في التكنولوجيا والاقتصاد والتنظيم السياسي والإداري والاتصالات يعاني من اختلال بين في ميزان العدالة الاجتماعية فبرغم التطورات المذهلة التي مكنت الإنسان من تسخير الطبيعة وما نتج عن ذلك من وفرة إنتاجية غير مسبوقة يعاني مئات الملايين من البشر من الفقر المدقع والمجاعات ومستويات معيشة متدنية لا تليق بكرامة الإنسان، والسياسيات الاقتصادية التي تباركها الدول الكبرى تدفع بهؤلاء نحو مزيد من البؤس والشقاء لأنها سياسات منحازة لمصلحة الأقلية المترفة المهيمنة على العالم بحكم نفوذها الاستراتيجي، كما يعاني العالم من الفساد والاستبداد السياسي وتفشي الجريمة والمخدرات والانحلال الخلقي والتفكك الأسري. كل هذه القضايا يجب أن تواجه بمعالجات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة تستند إلى التفكير العلمي، ولكن في تقديري هذه المعالجات لن تجد ما لم تكن مصحوبة بيقظة روحية وخلقية تجعل الضمير الإنساني منحازا للخير والفضيلة والاستقامة والعدل ورحمة الفقراء والضعفاء وتحرير المستضعفين من الاستغلال والظلم، وهذا يحتم على الضمير الإنساني التخلص من الميكافلية في السياسة والنفعية في الأخلاق والربحية المتوحشة في الاقتصاد وإفساح المجال لقيم جديدة تشمل التضحية والإيثار والقناعة والتعاون، والإسلام في اعتقادي هو الأقدر على تعميق وتجذير هذه القيم في النفوس، وبالتالي فإن النهوض الحضاري المرتبط بالإسلام يمكن أن يقدم نموذجا للمدنية المفعمة بالروحانيات والمتعلقة بالمثل العليا المترفعة على غلواء الطمع والجشع المادي والقادرة على تهذيب الغرائز والشهوات، وهذا حلم انساني نبيل عابر للثقافات والاديان والحضارات عبر العالم، ومن حق المسلمين ان يساهموا في هذا الحلم مستلهمين لدينهم، وان يحلموا بان يكون لهم مشروعهم الخاص للنهضة وان يطرحوه كمشروع يمتلك إضافات نوعية للحضارة الإنسانية عبر الوصال الإيجابي معها والموقف الموضوعي منها، وليس مشروعا لمجرد الانقياد أو الانخراط فيها دونما وعي بالذاتية والخصوصية والتميز.

    وبما أن قضية المرأة من أهم قضايا التحديث الإجتماعي وتمثل تحديا كبيرا أمام مختلف الثقافات وأنماط الفكر الديني والإنساني فلابد أن يفرد لها المشروع الإسلامي مساحة كبيرة من البحث والتداول الحر الذي يأخذ في اعتباره المكتسبات التي نالتها المرأة في العصر الحديث كما يأخذ في اعتباره الحقائق الموضوعية عن أوضاع النساء في المجتمعات المسلمة ويقارن هذه الأوضاع بالمثال الديني ثم بالمثال العصري مستهدفا بذلك تحديد الفجوة بين الواقع والمثال المنشود، ومن ثم تحديد المنهج الفكري الإسلامي لتحرير المرأة في سياق رؤية حضارية شاملة مستمدة من قيم ومقاصد الإسلام، رؤية تثري مشروع التحرر النسوي العالمي بمعاني جديدة وتضيف إليه أبعادا جديدة كما تكتسب منه معاني جديدة وتستفيد من تجاربه وأفكاره في وصال حضاري يوفق بين خصوصية الذات وتفردها وبين الانفتاح الواعي على التجربة الإنسانية.

    المرأة في الخطاب الفكري للحركة الإسلامية:

    برز اهتمام الحركة الإسلامية الحديثة في السودان بقضية المرأة في سياق منافستها للتيار اليساري الذي ابتدر تسييس قضية المرأة وفرضها على الساحة السياسية والفكرية في إطار مشروع التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة حيث كانت الحركة السودانية للتحرر الوطني والتي تطورت فيما بعد إلى الحزب الشيوعي السوداني أول تنظيم سياسي يفتح باب عضويته للنساء ويحرص على جذبهن للعمل العام، وبما أن كلا من الحركة الإسلامية والحركة اليسارية يتنافسان على جماهير القطاع الحديث كان لابد أن تلتفت الحركة الإسلامية إلى قضية المرأة ومشاركتها في العمل العام، إن لم يكن من باب القناعة الفكرية الذاتية فمن باب الحرص على المصلحة السياسية وهذا ما حدث بالفعل كما شهد بذلك الدكتور الترابي حيث قال:

    " تطورت للحركة الإسلامية بالسودان ثلاثة مواقف متتالية في شأن المرأة. فالموقف الأول كان يصدر عن مسايرة للمعهود التقليدي في رؤية مكانة المرأة في الدين عامة ودورها في إحيائه خاصة. فعندما بدأت الحركة لم تكن تتجاوز ذلك العرف في نظرتها للنساء فكانت بوعي أو بلا وعي تعتبر أن الدين خطاب للرجال في المقام الأول وأن شأن الدعوة والجهاد في سبيله مسئولية قاصرة عليهم، ولا ينبغي ولن يجدي أن تقحم النساء في شيء من ذلك. كذلك كانت تقدر أن إصلاح المجتمع بأي وجه إنما هو شأن الذكور. إذا صلح الرجال صلح المجتمع وإذا فسدوا فسد، والمرأة تبع في ذلك ليس لها من مكان أو دور أصيل إلا البيت، وكانت الجماعة غالبها من شباب، وكان من أشد الحرج في عرف المجتمع اتصال الشباب من الذكور والإناث الأجانب. فالحركة مثل مجتمعها كانت غافلة عن أي مغزى لتدين النساء زاهدة في دور إصلاحي يقمن به حذرة من أي صلة بهن. لكن الحركة برغم انفعالها بتلك المعاني التقليدية لم تفقد كل الحرص على بسط بعض دعوتها في أوساط النساء أيضا- مراعاة لما تعلم بفطرتها من أصل الشمول في خطاب الدين ومنافسة لحركات أخرى كانت تفتن الإناث بدعوات احترام المرأة وتحريرها، أما الموقف الثاني للحركة من المرأة فموقف مراجعة بدأ مع عهد الحرية من أكتوبر 1964م ولعل دواعي المراجعة كانت في استفزاز التحدي الخارجي بأكثر منها في التذكر والتفقه الذاتي ذلك أن الحركة النسوية في أوساط الطلاب وقعت في حكر الشيوعية إلا قليلا، وكان يعز على الإسلاميين أن يتركوا البنات كذلك تأثما من الاتصال بهن ويقلقهم أن يقارنوا كسبهم الانتخابي ويجدوا ما يأخرهم هو صوت النساء". [1]

    أما الموقف الثالث للحركة الإسلامية من قضية المرأة فهو الاتجاه إلى التأصيل الديني لحقوق المرأة وتجاوز الفقه التقليدي بموقف أصولي ناقد ينطلق من أن الدعوة الإسلامية جاءت خطابا إنسانيا عادلا وتكليفا متساويا وبشارة شاملة للرجال والنساء، والنتائج العملية لهذا النهج الجديد تمثلت في الآتي:

    اتجاه الحركة الإسلامية للإصلاح التنظيمي والمؤسسي في الحركة بما يتناسب مع النهج الجديد ونتج عن ذلك كفالة حقوق العضوية الكاملة للنساء في التنظيم، وكان النظام القديم قائما على الفصل والموازاة.

    الاهتمام بتأصيل حقوق المرأة في الإسلام والتنظير لترقية أوضاعها وقد تراكمت في ذلك كثير من الأدبيات أهمها بقلم الدكتور حسن عبد الله الترابي وفيما يلى تلخيص لأهم مقولاته:-

    المرأة في أصول الإسلام(المرأة في أصول الدين كائن إنساني قائم بذاته، فهي موضع للتكليف موجه إليها الخطاب الديني مباشرة لا يتوسط إليها بولي من الرجال، وتجب عليها المسئولية متى استوت عندها أهلية الرشد وبلغتها كلمة التذكير، ولا تصدق من المرأة استجابة لدعوة الله وعقد العقيدة الإيمانية إلا إذا كان أصيله مستقلة فالدخول في دين الله عمل عيني لا تصح فيه الوكالة ولا يؤخذ بالإضافة إلى أب أو زوج أو قريب، هكذا كانت بيعة الإسلام بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم تأخذها المرأة لنفسها كما يأخذها الرجل. قال تعالى: "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه من بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم")

    النساء شقائق الرجال في الشريعة، فلا تتميز النساء بشريعة خاصة إلا أحكاما فرعية محدودة ميزت بين الرجل والمرأة ليتمكن كل منهما من التعبير الأصيل عن تدينه انطلاقا من طبيعته البشرية لكن الأصل هو اتحاد الشريعة وعموم الخطاب ولا يثبت تمييز أو تخصيص إلا بدليل، وعلى المرأة في الإسلام نصيبها من التكليف الكفائي الذي يحرس الكيان العام للدين ولها أن تتصدى للوفاء بواجباته وعليها الوزر إن عطله سائر المسلمين، وقد خفف الله عنها أمر الوجوب الأولى في بعض الشئون العامة كالنفقة على الأسرة وإقامة صلاة الجماعة والنفير إلى القتال فما عليها أن تفعل من ذلك شيئا إذا كفاها الرجل ولكن لها ان تشارك في كل ذلك ولو توافر الرجال وعليها ذلك وجوبا إذا لم يف الرجال، وليس لأحد أن يسد في وجهها أبواب العمل الصالح في الحياة العامة، وفي سيرة النساء في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم شواهد على ذلك، حيث خرجت النساء للجهاد وشهدن المغازي وشهدن صلاة الجماعة، وللمرأة حرية التعبير عن رأيها كما أن لها أهلية الامتلاك والتصرف كما هو معروف وللمرأة أن تشارك في تنصيب القائمين بأمر المجتمع انتخابا ونصحا كما ورد في قصة الشورى بعد عمر وإشراك النساء فيها، ولها أن تشهد مجتمعات المسلمين العامة ومهرجاناتها، (ولا اختصاص للرجال بشيء من دون المرأة سوى أمور تجب عليهم وتجوز لها جوازا في تكاليف الحياة العامة، ولا سلطان للرجال على النساء إلى في إطار الزوجية وهي علاقة تنشأ وتنحل برضا المرأة وتقوم في الأصل على الشورى والإحسان وليس للرجل فيها إلا قوامة الإنفاق والأمر والتأديب بالمعروف) ولا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع، فالصلاة مشتركة والحج مشترك ومجالس العمل مشتركة (أما الحجاب المشهور فهو من الأوضاع التي اشتهرت بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم) [2]

    ولاية المرأة: (الذكورة ليست شرطا شرعيا في ولاية الإمارة العامة وإنما هي عامل تقدير لشورى العامة قد يرجح الذكور في غالب جولات تعاقب الولاية إذا تساوت موازين أهلياتهم الأخرى مع النساء لأنهم أفرغ للهم العام وأوقع حزما بين الناس. لكن ربما تنصلح وتنعدل ثقافة المجتمع ويأتي حين يقدم الجمهور إمرة للولاية، لأنها تتزكى بعلم أبلغ وأمانة اتقى في السياسة والحكم بين الذكور المعروضين معها، أو لأنها تتزكى خاصة مندوبة أنسب للظروف وأدعى لمعادلة السياسات وموازناتها رحمة ورأفة بالرعية وبما فضل الله به النساء على الرجال، كما فضلهم ليتناسبوا ظروفا أخرى) [3]

    المرأة في مجتمعات المسلمين: أدى ضعف الالتزام الديني إلى الاعتداء على المرأة لأنها مخلوقة على شئ من الضعف والرقة والرحمة وقد انتشر الإسلام في بلاد استبدت فيها أهواء الذكور كالمجتمع العربي والفارسي والهندي وفي أول عهد الإسلام لم تكن حركة التوعية بتعاليم الإسلام والتربية بحدوده وتقواه مواكبه لحركات التوسع التبشيري فبقيت الأوضاع الجاهلية عبر سيادة المظاهر الإسلامية، فقبل المجتمع الجديد الإسلام من حيث المبدأ معيارا لتوجيه حياته ولكنه أخذ ينسب كثيرا من الأوهام والتقاليد القديمة إلى الدين ليضفي عليها حجة شرعية وليستبقى نفوذها على نفوس الناس وقد أخذت كثير من الحيل الفقهية لتكيف الشريعة بما يناسب الأعراف القديمة، من ذلك ادعاء نسخ النصوص التي توسع على المرأة وإطلاق النصوص المقيدة، ومن أوسع تلك الحجج الفقهية للتضييق على النساء باب سد الذرائع بفرض قيود مفرطة بحجة خشية الفتنة، (ولعل أقسى ما جرى على المرأة هو عزلها من المجتمع، فجعل ظهورها كله كشف عورة حتى الصوت وسمي وجودها حيث يوجد الرجال اختلاطا حراما وأمسكت في البيت بذات الوجه الذي لم يشرعه الدين إلا عقابا لإتيان الفاحشة، بدعوى تجريدها لخدمة الزوج وتربية الأولاد، سوى أنها لم تتهيأ لرعاية البيت بعلم ولا تجربة وكيف يصلح مربيا مؤدبا من عزل عن المجتمع ما دامت التربية الأسرية ليست إلا إعدادا للحياة الاجتماعية بمادة خلقية تربوية تؤخذ كفاحا من قيم المجتمع وعلاقاته) [4].

    نهضة المرأة في الفكر الغربي: (الفكر الحضاري الغربي فكر مرتد على أوضاع دينية مريضة شبيهة بأوضاعنا الدينية التقليدية،، فكانت المرأة في أوربا الماضية منقوصة الإنسانية والدين مهدرة الحقوق والواجبات عديمة الأهلية والاعتبار. كانت ردة المجتمع الجديد عن أوضاعه الدينية الوضعية شاملة فقد تحرر في شئون السياسة والاقتصاد والعلم والفن من المعاني التوحيدية المطلقة التي كان يبسطها السلطان الكنسي وصار اشتراكيا علمانيا ماديا عفويا لا يعرف للحياة وجهة واحدة ولا معبودا إلا القوى السياسية والعلمية والمتاع والمعاش والفن وعلى ذلك النحو تحرر من عبادة الله بالصورة التقليدية في أوضاع المرأة حتى وقع في عبادة الشهوة الجنسية بصورة إباحية حديثة وحتى تطور الأمر بالمرأة إلى أن تفقد إنسانيتها من جديد وتغدو موضوعا للمتعة بغير مسئولية وللاستغلال الدعائي التجاري، واصبح أكبر همها تحقيق أنوثتها لا إنسانيتها وتزييف جسدها بالموصلات والملصقات وبالجراحة والتلوين وتهدر قيمتها وطاقتها ووقتها ومالها في اكتساب دواعي الفتنة وإذا تزينت أو خرجت عملت لإثارة الرجال بالعورة المكشوفة والمظهر الجذاب والتطرية والتطيب والتظرف والتكسر لينظر إليها الرجال استرسالا ليفوزوا بها حراما فتفشوا الفاحشة وتختل خصوصيات العلاقات الزوجية وينفرط عقد الأسرة النظامية) [5]

    المرأة في المجتمع الإسلامي المعاصر: المجتمع الإسلامي لظروف اقتصادية ضاغطة وبحكم الانتقال من الريف إلى المدينة وجد نفسه مضطرا للسماح للنساء بالتعليم ثم العمل لكسب القوت، فكان التحرر رد فعل مطلق وافتتان بالنماذج الأجنبية، (إن الثورة على الأوضاع النسوية التقليدية آتية لا محالة، ولئن كان للإسلاميين داع من دينهم لإصلاح القديم ولطي البعد القائم بين مقتضى الدين الأمثل في شأن المرأة وواقع المسلمين الحاضر فإن اتجاهات التحول الحضاري تدعو بوجه ملح إلى المبادرة والتعجل في الإصلاح الإسلامي قبل أن ينقلب الأمر وتتفاقم الاتجاهات الجاهلية الحديثة وليحذر الإسلاميون من أن يوقعهم الفزع من الغزو الحضاري الغربي والتفسح الجنسي المقتحم في خطأ المحاولة لحفظ القديم وترميمه بحسبانه أخف شرا وضررا، لان المحافظة كما قدمنا جهد يائس لا يجدي والأوفق بالإسلاميين أن يقودوا هم النهضة بالمرأة من وحل الأوضاع التقليدية لئلا يتركوا المجتمع مهيأ لكل داعية غربي النزعة يضل به عن سواء السبيل مستظهرا بتبرم النساء من جنوح أوضاع المرأة وباتجاهات الحياة الحديثة فضلا عن أن الدين يقتضيهم ابتداء أن يكونوا أئمة هدى ينقذون الناس من كل ضلال قديم لقوا عليه آباءهم الأولين ويعدلون بهم عن كل بدعة محدثة) [6]



    جربة الإنقاذ والمرأة:

    إن ما استعرضناه في المحور السابق من آراء الدكتور الترابي في قضية المرأة من الناحية النظرية

    يعتبر تقدما كبيرا مقارنة بالاتجاهات السلفية المتشددة بل وحتى مقارنة بالحركات الإسلامية الحديثة في الدول الأخرى، إذ أن تلك الحركات رغم إشراكها للنساء في النشاط السياسي والاجتماعي إلا أنها في شأن القيادة السياسية العليا لاتزال أسيرة للفقه التقليدي الذي يقصرها على الرجال، واستنادا إلى ذلك فقد كان متوقعا من الحركة الإسلامية السودانية بعد أن انفردت بالحكم وبررت احتكارها له بأنها تهدف لتمكين المشروع الحضاري الإسلامي، كان متوقعا منها إحداث نقلة إلى الأمام في مجال حقوق المرأة لكي تطابق بين قولها وفعلها، ولكن مطابقة القول والفعل لم تحدث ، فنشأت الفجوة بين واقع الحال والتنظير ولا أقصد بذلك الفجوة النوعية في المشاركة السياسية والوضعية الاقتصادية واعتلاء المناصب العليا في الدولة. فمثل هذه الفجوات موجودة في جميع أنحاء العالم ولانستثنى منها حتى أعرق الديمقراطيات في العالم، وتفسير ذلك هو التاريخ الطويل للهيمنة الذكورية على كل المجتمعات بمختلف انتماءاتها الدينية والعرقية والثقافية مما أنتج ما يمكن أن نسميه بالتواطؤ الثقافي العالمي على دونية المرأة، وبالتالي فإن وجود فجوة نوعية في بلد كالسودان ليس أمراً غريبا.

    ولكن الفجوة المعنية هنا هى مفارقة الخطاب الإعلامي ، ومنظومة القوانين وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية وقوانين العمل وقانون النظام العام لمقتضيات المحتوى التحرري في فكر الحركة الإسلامية . وفيما يلى تفصيل ذلك:

    أولاً: المرأة في الخطاب الإعلامي:

    ركز هذا الخطاب وهو خطاب مشحون آيدولوجيا بتوجهات النظام السياسية والفكرية على تكريس الصورة النمطية التقليدية للمرأة في جل مادته، وظل الإعلام سواء المرئي أو المسموع أو المقروء في مناقشته لقضايا المرأة أسيرا للمفاهيم المكرسة لدونيتها ومنشغلا إلى حدود كبيرة في مسألة الحجاب والزينة وحماية المجتمع من فتنة النساء وهي أمور يضخمها الخطاب السلفي الذي يختزل المرأة في كونها عورة وفتنة ويكثف كل خطابه الموجه إليها في الأمر بالحجاب والبعد عن مخالطة الرجال وحماية المجتمع من فتنتها والخطاب السلفي بتركيزه على هذه المعاني يهدف إلى إقصاء المرأة عن الحياة العامة، أما الخطاب الحركي الذي يتبني آراء مستنيرة حول مشاركة المرأة في الحياة العامة حتى يكون متسقا مع أطروحاته كان يجب أن يتجاوز هذا المنهج السلفي لا أعني بذلك إهمال مسألة الحشمة(وهي سلوك متكامل يشمل الجنسين) والتزام السلوك المهذب في التعامل بين الجنسين فهذا من آداب الإسلام ، ولكن يجب إعادة النظر في المنهج الذكوري الذي يختزل العفة والسلوك المحتشم في المرأة ويجعلها وحدها المسئولة عن استقامة المجتمع.

    كما يجب الارتقاء بالفكر وبالذوق العام من حالة التمركز حول الجسد والتي تحصر المرأة في أنها كائن مثير للغرائز إلى حالة الاحتفاء بالمرأة الإنسان ذات العقل والضمير والموقف والمسئولية الاجتماعية والمرأة المواطنة ذات الحقوق والواجبات والمرأة العاملة ذات الموهبة والكفاءة والإنتاج.

    هذه المعاني مفقودة إلى حد كبير في أجهزة الإعلام وهذا أثر سلبا على الوعي الاجتماعي، ولا سيما على الأجيال الناشئة من الفتيات حيث أصبحن مستغرقات كلية في الاحتفاء بالجسد إما بالتفنن في إظهاره تبذلا وتبرجا وإما بالتفنن في إخفائه حجابا يشمل حتى الوجه!

    ثانياً: المرأة في قوانين الإنقاذ:

    سأركز هنا على قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1991م وذلك لأن هذا القانون يعكس بدقة وضعية المرأة في الأسرة والمجتمع وهو بحكم موضوعاته يختبر موقف المشرع من قضية المرأة ويحدد ما إذا كان انحيازه الفكري إلى نهج التجديد والاستنارة أم إلى نهج التقليد والانكفاء.

    قانون الأحوال الشخصية السوداني اعتمد على الفقه التقليدي الموروث ولم يراع في أحكامه مستجدات العصر، وتمت إجازته عبر مؤسسة تشريعية لا تنوب عن الشعب نيابة صحيحة ، فغلب عليه الرأي الأحادي المنكفئ وفيما يلي عرض لأكثر مواد هذا القانون امتثالا للفقه التقليدي ومجافاة لروح العصر ، وإهدارا لحقوق المرأة التي نصت عليها المواثيق الدولية الحديثة. وهى حقوق يجب ان يدعمها الفكر الإسلامي المستنير لأنها تتفق مع مقاصد الإسلام:

    أولا: المادة (25) من هذا القانون تشترط لصحة عقد زواج المرأة وليا ويشترط في هذا الولي أن يكون ( ذكرا) عاقلا ، بالغا فلا تستطيع المرأة أن تعقد عقد زواجها أصالة عن نفسها ! والمادة (24) تجيز للولي الأقرب طلب فسخ العقد إذا زوجت البالغة العاقلة بغير رضائه من رجل غير كفء ولا يسقط هذا الحق إلا إذا ولدت أو ظهر بها حمل ! ذلك لأن المادة (22) جعلت الحق في تحديد كفاءة الزوج للولي وليس للمرأة ،والمادة (32) والخاصة بترتيب الأولياء نصت على الآتي:

    (1)الولي في الزواج هو العاصب بنفسه على ترتيب الإرث

    (2) إذا استوى وليان في القرب، يصلح الزواج بولاية أيهما

    (3) إذا تولى العقد الولي الأبعد مع وجود الولي الأقرب فينعقد موقوفا على إجازة الأقرب.

    (4) يصح العقد بإجازة الولي الخاص إذا تزوجت امرأة بالولاية العامة مع وجوده في مكان العقد أو في مكان قريب يمكن أخذ رأيه فيه ، فإن لم يجز . فيكون له الحق في طلب الفسخ ما لم تمضي سنة ، من تاريخ الدخول.

    هذه المواد فيها طعن صريح في كمال أهلية المرأة ومقدرتها على اتخاذ القرار في شأن هو من أخص شئونها ويجعلها تحت وصاية الرجل ، ولاشك أن ذلك ينال من كرامة المرأة واستقلاليتها لا سيما في هذا العصر الذي نالت فيه المرأة ما نالت من حقوق ومكتسبات، وأثبتت جدارتها وكفاءتها في مختلف الميادين فلم يعد بالإمكان قبولها بمثل هذه الأحكام.

    ففي هذه الأحكام امتثل المشرع السوداني لرأي المذهب المالكي امتثالا أعمى متجاهلا الاجتهادات الاسلامية المستنيرة المراعية لمستجدات العصرومتجاهلا حقيقة أن رأي الإمام مالك في عدم صحة زواج المرأة بغير ولي هو رأي متأثر ببيئة أبوية، وهذا التأثر العائد للبيئة منتظر لأن المجتهدين اعترفوا بالعرف و أخذوه في الحسبان والعرف يختلف من بيئة الى أخرى ويؤثر حتما على اجتهاد المجتهدين رغم أن المصادر الأصلية " الكتاب والسنة" واحدة ، فالبيئة تدخل في أسباب الاختلاف في تفسير النصوص ويتضح ذلك جليا في اختلاف الإمام أبي حنيفة مع الإمام مالك في ( حكم زواج المرأة بغير ولي) حيث يرى الإمام أبو حنيفة أن المرأة أعطيت حق التصرف في نفسها فمن باب أولي أن تتصرف في نفسها واحتج بآيات الكتاب التي تسند النكاح للمرأة وبشكل عام نجد أن حقوق المرأة في أحكام الفقه الحنفي أوسع كثيرا من حقوقها في أحكام الفقه المالكي لأن بيئة الكوفة التي ينتمي إليها الإمام أبو حنيفة بيئة مفتوحة وتقل فيها الولاية الأبوية على المرأة[1]

    ثانيا: المادة 91 من هذا القانون تنص على الآتي: تجب على الزوجة طاعة زوجها فيما لا يخالف أحكام الشرع، وذلك إذا توفرت الشروط التالية:

    أ‌. يكون قد أوفاها مهرها.

    ب‌. يكون مأمونا عليها.

    ت‌. يعد لها منزلا شرعيا مزودا بالأمتعة اللازمة بين جيران طيبين.

    المادة 92: إذا امتنعت الزوجة عن طاعة زوجها فيسقط حقها في النفقة مدة الامتناع.

    ثم تناولت 93 و 94 و 95 مسألة النشوز وأحكام الطاعة وكيفية تطبيقها.

    هنا امتثل المشرع السوداني لمفاهيم تقليدية عن علاقة الرجل بالمرأة، وهي مفاهيم تؤسس العلاقة الزوجية على التبعية والخضوع من جانب المرأة والاستعلاء من جانب الرجل وذلك يهزم مقاصد الشريعة في الزواج وهي المودة والرحمة والسكينة التي لا يمكن أن تتحقق إلا إذا قامت العلاقة على أساس قوله تعالى: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وقوله "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" وقوله "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف".

    فالعلاقة الزوجية التي تحقق هذه المعاني هي التي تقوم على الشورى والتفاهم والتكافؤ في الحقوق والواجبات، وهذا ما ينبغي أن تكرس له القوانين.

    ثالثا: تعدد الزوجات:

    لم يفرد هذا القانون بابا مفصلا لهذا الموضوع رغم أهميته بل اكتفى بالإشارة الضمنية إليه في بعض المواد، مثلا في الفقرة "د" من المادة 51 ذكر القانون أن من حقوق الزوجة على زوجها العدل بينها وبين بقية الزوجات إن كان للزوج أكثر من زوجة. والمادة 79 نصت على الآتي: لا يجوز للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في دار واحدة إلا إذا رضيت بذلك، ويكون لها الحق في العدول متى شاءت.

    أن تعدد الزوجات ليس واجبا أو فريضة دينية بل هو رخصة مقيدة بشروط وضوابط ينبغي أن يفصلها القانون، ومن هذه الشروط على سبيل المثال:

    1. أن يكون الزواج الثاني بعلم الزوجة الأولى وموافقتها.
    2. أن تعلم المرأة المراد التزوج بها أن المتقدم للزواج منها متزوج.
    3. أن تكون الحالة المادية للزوج تسمح بالإنفاق على أسرتين.
    4. أن يكون من حق الزوجة الأولى طلب الطلاق في حالة عدم موافقتها على زواج زوجها من أخرى.
    ويمكن أن يكون في القانون ما يحمي المرأة من التعدد ابتداء استنادا إلى حقيقة أن الزواج عقد مدني ويجوز لطرفيه أن يدخلا فيه ما يشاءان من الشروط كأن تشترط الزوجة على زوجها عدم الزواج عليها، ولكن قانون الأحوال الشخصية السوداني فوت على المرأة هذه الفرصة لأن الفقرة "1" من المادة 42 نصت على أن الأزواج عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا.

    وموضوع التعدد من حيث هو تم تجاوزه بشكل حاسم باعتباره امرا فرضته ظروف وملابسات اجتماعية تاريخية لم تعد قائمة الآن، ففي قانون الاحوال الشخصية التونسي مثلا التعدد غير جائز مطلقا، وفي مدونة الاسرة المغربية، التعدد مشروط بشروط صارمة، اما في السودان ، اضافة الى اغفال القانون لوضع اية شروط تحمي المرأة وتجعل من التعدد امرا استثنائيا، فان الثقافة التي يشيعها الاعلام والخطاب الديني في المجتمع تشجع على تعدد الزوجات وبصورة فجة وغرائزية لا تنظر الى المرأة او مصلحة الأسرة ، بل تختزل امر تعدد الزوجات في انه مسخر لاشباع غرائز الرجل الذي لا تكفيه امرأة واحدة!

    رؤية نقدية لفكر الحركة الإسلامية في قضية المرأة

    قضية المرأة اليوم يمكن تلخيصها في الآتي:

    التحرر من الدونية والاضطهاد بكافة صوره وأشكاله والاعتراف لها بكافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتمكينها من ممارسة هذه الحقوق عبر تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية تكفل حمايتها من التمييز وتحقق لها الاستقلالية الفردية والحرية الشخصية وترفع عنها عصا الوصاية في حياتها الخاصة وتزيل من طريقها العقبات التي تعيق مشاركتها في الحياة العامة مشاركة أصالة لا تبعية من موقعها ككائن حر الإرادة كامل المسئولية والأهلية، وأية عقبات تعرقل تقدمها الإنساني وترقيها الفردي علماً وإنتاجاً وإبداعاً.

    إن الأطروحات النظرية للدكتور حسن الترابي المشار إليها أعلاه رغم تقدمها على الفكر السلفي السائد إلا أن فيها بعض أوجه القصور التي تجعلها غيركافية للتجاوز الحاسم للفكر الإسلامي التقليدي بصورة منهجية، وفيما يلي توضيح ذلك:

    أولا: تجاهل المرجعية التراثية:

    لا تشتمل كتابات الدكتور الترابي عن قضية المرأة على نقد منهجي مفصل للموروث الفقهي التقليدي في هذه القضية، بالرغم من أن هذا الموروث يشكل العقبة الرئيسة في طريق تحرر المرأة المسلمة، فهناك ترسانة من الأحكام الفقهية المسنودة بترسانة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وفق مناهج أصولية في الاستنباط والاستنتاج تكرس لدونية المرأة، وهذه المناهج ظلت مسيطرة على العقل الإسلامي لقرون طويلة وما زالت هي المرجعية المعتمدة لدى المؤسسات الدينية ومعاهد التعليم الديني على اختلافها، أي هي التي تشكل وعي وفكر الأئمة والدعاة ومؤسسات الفتوى وهي التي يطمئن لها جمهور المتدينين العريض ويسلم بمشروعيتها ويعتقد بأنها تمثل كلمة الدين النهائية، وبالتالي فإن أية رؤية تجديدية تريد أن تحتل موقعا في الفكر والوجدان الإسلامي لابد أن تبدأ بالتصدي المنهجي للمرجعية التراثية لا القفز فوقها أو الاكتفاء بمجرد القول بأن الموروث التقليدي يتعارض مع مقتضى الدين الحق.

    والسبب في الإعراض عن المواجهة الصارمة للفقه التقليدي- في تقديري- يعود إلى إعلاء المصلحة السياسية المتمثلة في استقطاب الجماهير المتدينة على الالتزام الفكري، فالحركة الإسلامية تقدم نفسها كممثل وحيد للالتزام الإسلامي الكامل وتجعل ذلك أساسا لكسب المشروعية السياسية وبما أن الجماهير العريضة أسيرة للثقافة الدينية التقليدية وهناك جماعات سلفية متشددة تنافس الحركة الإسلامية على استقطاب هذه الجماهير، فإن الحركة الإسلامية تلجأ للمداهنة والمواربة بشأن طرحها الفكري مسايرة للجماهير المستهدفة بالاستقطاب، بل مسايرة لجماهير الحركة الإسلامية ذاتها إذ أن الخطاب التجديدي في قضية المرأة معزول حتى بين جماهيرها، ولذلك نجد أن الحركة الإسلامية بعد وصولها للحكم فشلت في اتخاذ مواقف إيجابية من أهم القضايا التي تهم المرأة السودانية، ففي قضية ختان الإناث مثلا رغم أن الاستراتيجية القومية الشاملة تضمنت محاربة ختان الإناث بكل صوره وأشكاله نجد مستشارية شؤن التأصيل تبنت رسميا وبصورة معلنة الدعوة إلى ما أسمته خفاض السنة مجاراة لخطاب الجماعات السلفية التي تعتبر منع ختان الإناث دعوة للإباحية والفساد!! هذا إضافة إلى التراجعات التي حدثت في كثير من المجالات بشأن مشاركة النساء في الشأن العام والتي حققت فيها المرأة السودانية تقدما كبيرا مقارنة بالمحيط العربي الإسلامي مثل تولي المناصب في السلطة القضائية حيث لم تجد النساء فرصا للتعيين في المحكمة العليا منذ مجيء الإنقاذ!! وكل ذلك بسبب هيمنة الفكر السلفي على قطاع كبير في الحركة الإسلامية ورضوخ القيادات المستنيرة له إيثارا للسلامة وإعلاء للمصلحة السياسية.

    ثانيا: التعامل غير الموضوعي مع الحضارة الغربية:

    من الملاحظ في غالبية أدبيات الحركة الإسلامية النزعة للاستخفاف اللفظي بعطاء الحضارة الغربية ومحاولة اختزالها في تبسيطات آيدولوجية، وهذا الاستخفاف صادر عن اعتقاد بأن المغالاة في إظهار العداء للغرب وتحقير شأنه أصدق دليل على الاعتزاز بالذات الإسلامية والولاء للإسلام، وهذا الاعتقاد غير صحيح بميزان قيم الإسلام وعلى رأسها العدل مع الآخر المختلف، بل العدل حتى مع العدو الصريح ، وتعاليمه التي تأمر المسلمين بأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، ففي قضية المرأة-موضوع بحثنا- نجد خطاب الحركة الإسلامية يختزل المشروع الغربي لتحرير المرأة في الإباحية الجنسية وعبادة الشهوة في تجاهل متعمد لمنجزات هذا المشروع المتمثلة في منظومات قانونية ونظم سياسية وتدابير اقتصادية أحدثت نقلة نوعية لا يمكن مغالطتها في حياة المرأة في المجتمعات الغربية، فالمشروع الغربي لتحرير المرأة مشروع معقد تعقيد الحضارة الغربية نفسها والموقف الصحيح منه ليس التبخيس والتحقير بلا علم أو بصيرة وليس التقليد الأعمى والاتباع غير المشروط بل الموقف الصحيح هو الموقف النقدي الذي ينطلق من احترام المعارف والتجارب الإنسانية باعتبارها ميراث إنساني مشترك ومن ثم بلورة رؤية ذاتية للتعاطي البناء معها.


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de