حين يكتب الكاتب من واقع مشهدنــا الحضارى الذليــل ( رسالة فى بريدى )
السويد.17/10/2010
لمدة شهرين متتالين استطاعت دولة تشيلي أن تشد أنظار العالم إليها، فانهيار منجم في العالم( وخاصة في البلاد الاشتراكية التي يتغنى بقايا أصحاب الحلم الشيوعي بوساختها) كان يعني قطعا موت العمال الذين في داخله ، ولكن تشيلي استطاعت أن تهزم هذه النظرية حينما أعلن وزير المعادن فيها عن عزم الدولة على إنقاذ مواطنيها ، وبدعم كبير ومتواصل من رئيس تشيلي.
كانت أنظار العالم في الأيام الأخيرة متجهة إلى كبسولة الإنقاذ، وكانت العيون تتابع دوران عجلة الحبال، وكانت القلوب تخفق طوال نزول الكبسولة إلى ارض النفق، ومع صعود كل ناج من المحاصرين كانت صيحات الانتصار الإنساني تنطلق من القلوب عالمية الصدى ، ومعها تلك اللحظات التي يقابل بها الناجون احد ذويهم فيضمهم إلى صدره في عناق طويل دمعت معه العيون تأثرا بلحظات إنسانية يتأثر بها كل ذو كبد رطبة .
10-20-2010, 08:45 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
المواطن العربي تابع تلك اللحظات ولكن عيونه كانت مركّزة ليس على من نجا من العمال ، وإنما كانت مركزة على الرئيس التشيلي الذي لاحظته العيون العربية وعرفت انه لم ينم على مدى يومين متتالين ، ومعه وزير التعدين والرئيس البوليفي ، والى جانب الرئيس التشيلي كانت زوجته وقد ارتدى الجميع لباس الإنقاذ البرتقالي وكأنهم يقولون للعالم إنهم بعض رجال طاقم الإنقاذ ، وأكثر ما شدّ انتباه الجميع من المواطنين العرب هو تلك اللهفة الكبيرة والعارمة من الرئيس التشيلي لاستقبال كل صاعد عبر الكبسولة التشيلية ، ولم يمنعه مركزه الرئاسي أبدا أن يضم وفي كل مرة من نجا إلى صدره ، ولن أصف أبدا ماذا يعني أن يتقدم رئيس تشيلي إلى عامل بقي لمدة أكثر من شهرين محصورا على عمق أكثر من سبعمائة متر وسط الأوحال والأوساخ ودون استحمام ، ليصعد إلى وجه الكرة الأرضية حاملا تلك الروائح ليجد رئيس بلاده يستقبله ويضمه إلى صدره طويلا وكأنه طفله الوحيد وغير عابىء بطول ساعات الانتظار على قدميه أو بتلك الروائح الخانقة المبتعثة من الناجين ، وهي صورة صعبة في عيون فاقدي الحنان العربي ممن اعتادت أنفسهم على عصا السلطة منذ المرحلة الابتدائية حتى دخولهم القبر ليلاقوا الراحة الأبدية عند ربهم .
دقائق الاستقبال الحانية لم تكن تمثيلا وإنما أحس بها أصحابها الذين فوجئوا بزوجة الرئيس التشيلي إلى جانبه ترتدي لباس الطوارئ ، مودعة نعومة الحياة الرئاسية ، لتشارك زوجها فرحة استقبال المواطنين من أبناء بلدها ، وكانت وهي تضم أبناء بلدها تمثل للمواطن العربي شخصية قيادية لم يعتادوا أبدا على رؤية أنماطها ، فقد اعتادوا على رؤية زوجات القادة العرب وبعضهن متصنعات وأشبه بالعاهرات منهن إلى الصالحات، كما اعتادوا إلى سماع إخبارهن عبر الشركات والسرقات التي يديرها أقارب زوجات الحكام واللواتي لا تُشبع بطونهم كنوز السموات والأرض.
10-20-2010, 08:48 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
عملية الإنقاذ التي استمرت يومين طويلين لم تكن هي مدة الإنقاذ ، وإنما سبقها فترة من العمل الشاق من اجل الإعداد لأصعب عملية إنقاذ في العالم واشهرها ، وسجلت فيها حكومة تشيلي أوسع جولة من الاتصالات في العالم امتدت شرقا وغربا ، واتسعت حتى وصلت إلى خبراء البحر والجو ووكالة الفضاء ناسا ، من اجل الوصول الآمن إلى المواطن التشيلي في قعر الأرض ، ودرست فيها عمليات الانتشال بدقة ، ولم تغفل دولة تشيلي حتى عن تزويد الكبسولة بكل وسائل الرفاه والأمان حفاظا على مواطنيها ، وصرفت من اجل ذلك الأموال الطائلة ، فقد كانت حياة هؤلاء العمال بالنسبة للرئيس التشيلي وكأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة له ولحكومته ، وكان له ماأراد ، وتم الإنقاذ ، وفرح الشعب التشيلي بإنقاذ مواطنيه ، ومعهم فرح العالم اجمع بذلك الفرح .
10-20-2010, 08:49 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
فقط المواطن العربي بقي حزينا أمام تلك الصور الإنسانية الخالدة لصور قادة تشيلي وبوليفيا وزوجاتهم ، فقد افتقدت الصورة صورة البساط الأحمر الذي اعتاد عليه الزعيم العربي والذي لا يستطيع المشي إلا عليه مترافقا مع الموسيقى ، ويمشي فوقه كالبطريق المنتفخ ، وافتقدت الصورة صور آلاف الحراس القادمون لحراسة الزعيم العربي ، كما وافتقدت الصورة نفاق الإعلام العربي الذي يصور الزعيم الاها يمشي على الأرض ، لقد كانت الصور المباشرة القادمة من تشيلي صورا ليست من اجل نقل عملية الإنقاذ مباشرة وإنما كانت صورة من اجل أن تعرّي القادة العرب ونظامهم ومدى احتقارهم لمواطنيهم وإنسانية شعوبهم ، وتصور مدى خوفهم من هؤلاء المواطنون ، وصورة الرئيس التشيلي الذي جاء مع زوجته وحيدا دون حراسة تبرهن مدى استخدام الشورى في الحكم والديمقراطية في التعامل الإنساني ، حيث يصبح القائد فردا يأمنه المواطن ، ويأمن معه المواطن بوائقه وشروره ، وصورة الرئيس التشيلي دون حراسة كانت تعبيرا عن مدى الخوف الرهيب للقائد العربي الذي يتفاخر بين زملائه بالإعداد الكبيرة من حوله من الحراس ، ومع ذلك فانه ينام وهو خائف وعيونه نصف مغمضة ، لأنه يعرف انه سارق للشعب ، وسارق للسلطة ، وانه مجرد رئيس عصابة سرقت البلاد وتركت الشعب يرزح تحت خطابات نارية تتهم الصهيونية والامبريالية بالتآمر علينا وهو اكبر المتآمرين .
كانت عيون المواطن العربي وهي ترمق حبال الإنقاذ وكبسولة النجاة تتذكر حاكما عربيا اختبأ في صرم الشيخ بعيدا عن شعبه وفي ظل حماية صهيونية ، ومعها ملايين الصور من القهر والمرض والفقر والجوع ، وتستذكر صورة مواطن فقير حمل رسالة إلى رئيسه أثناء مرور موكبه ، فرماه حراس الموكب بالرصاص وأردوه قتيلا ليتركوا أسرته وأطفاله بلا معيل، واستذكروا مئآت الشهداء من قتلى القطار الذين احترقوا نتيجة الإهمال ، ومعهم استذكروا شهداء سفينة الإهمال(السلام) والذين أكلتهم قروش السلطة قبل أن تأكلهم قروش البحر ، والى جانبهم سؤال مازال يتردد عن بعض المفقودين الذين ظهروا على وسائل الإعلام في إحدى سفن الإنقاذ ثم اختفوا ولم يظهر لهم أثرا حتى اليوم ، ومع عجلة الإنقاذ دار شريط الذكريات وذهب إلى حي الدويقة ليشاهد عشرات الأسر والأطفال قتلى وصرعى دهستهم الصخور المتساقطة التي رمتها وأسقطتها فوق رؤوس الغافلين الإهمال المتعمد لقطعان اللصوص من أتباع الفرعون العربي الحاكم، ومع كل ناج كانت الصور تمشي لتصور عربيا اسمه مجدي حسين حكم عليه بالسجن لسنوات لأنه أراد أن يوصل حبل النجاة إلى إخوة الدم والعروبة والإسلام المحاصرين في غزة.
10-20-2010, 08:51 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
إن صورة النفق المظلم الذي دخل فيه أهل العراق ، ونساء العراق ، وأطفال العراق ، وأيتام العراق وأرامله ، وصورة جيران العراق وهم يرسلون أطنان المتفجرات لقتل من بقي من أهل العراق ، إنها صور لاعلاقة لها أبدا بمن حوصر بأنفاق المنجم المنهار في تشيلي ولكنها كانت صورا لم تغب أبدا عن ناظر المواطن العربي الذي منعت الأنظمة العربية مد أي حبل للعون لذلك الشعب المحترق وتحت طائل الاتهام بالإرهاب لكل قرش يذهب إلى ثكالى العراق، وصور الرئيس التشيلي وهو يعانق الناجين تختلف تماما عن صور زعيم عربي فرض على أبناء شعبه الركوع له وتقبيل يديه الشريفتين مع انه اتهم في الغرب انه مثلي الجنس ، وهي صور في الانتقام من المواطن العربي وكرامته تتكرر في كل مكان من ارض امتنا ، فصور تقبيل الأيدي والأرجل والوجه والأنف والخد تحتاج إلى ياقوت الحموي لكي يصنف مدى العار الذي يحكم قادة امتنا من مجموعات معاقة عقليا وذهنيا وأخلاقيا وإنسانيا.
لقد كانت الصور المارة في شريط الذكريات مروعة وهي تصور سيول الطوفان تشرد الملايين في الأقطار العربية ، ولم يتحرك ضمير قادة تلك البلاد وزوجاتهم إلى ارتداء ثوب الإنقاذ والسعي لتسجيل موقف إنساني واحد سليم يلاقوا به وجه الله ، ورجولتهم كانت عبر أجهزة الأمن لملاحقة أي همز أو لمز بالسلطة التي اغتصبوها ، وتهم العمالة للصهيونية وأمريكا جاهزة مطبوعة في كل ملف يفتح لمواطن قبض عليه، وأخرهم طفلة في السابعة عشر من عمرها اجبر أهلها على الاعتراف أن ابنتهم عملية للمخابرات الأمريكية ، ونسي ضابط المخابرات الذي اعتقل الطفلة أن أمريكا والمخابرات الأمريكية لا يلزمها عملاء في الأراضي العربي، فهي سيدة الحكم في البلدان العربية وإنما أمرها على الزعماء العرب أن كن فسيكون ، ونسي ضابط الأمن الحقير الذي
استرجل على طفلة صغيرة انه ومع اتساع النجوم على كتفيه انه لم يعد في عصر الثمانينات حيث كانت الجرائم يتستر عليها أقطاب العالم وان همسات المعذبين تصل إلى ملايين الأقلام الشريفة في العالم والذين يؤرقهم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وهم في الغالب أقلام لا تعيش على فتات الخبز الذي يرميه الحاكم العربي في أفواه رجاله من حملة الأقلام والذين صمتوا على اعتقال طفلة ، وسوقوا وجملوا هذا الاعتقال باعتبارها جاسوسة مجرمة كما ادعى النظام الصامد .
10-20-2010, 08:52 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
لقد تذكر المواطن العربي من خلال الصور القادمة من تشيلي التي وصلت حبال الأمل إلى المحاصرين تحت طبقات الأرض ، تذكروا كيف قطع الحاكم العربي أوصال أمته ووطنه بحدود رسمها المستعمر ووضعه حاكما عليه ووظفه ######ا لتنفيذ سياستها ، ومع الصور القادمة مرت صور نساء فلسطين اللواتي مزق الصهاينة لهن كل ستر ، ومازلت احمل صورة امرأة عربية فلسطينية أخافها الاحتلال فبالت في سروالها ، ونقلت وسائل الإعلام تلك الصور دليلا على نذالة الحاكم العربي الذي مد يده للاحتلال وباع ارض الله للصهاينة وترك حجارة الأقصى تلعنه وتلعن كل أركان نظامه وإعلامه ، وتلعن كل من دعا للسلام مع أعداء الأقصى ،ومع صور الأقصى وصور الإنقاذ في تشيلي تذكر المواطن العربي كيف فتح النظام العربي ارض بلاده ######رها لأعداء الله القادمون إلى بلادنا وزودهم بالمال والطعام والشراب والوقود من اجل هدم بلادنا ، واستقبلوا جنرالات الاحتلال على أراضيهم وامتنعوا عن إغاثة ضحايا الاحتلال المتعدد لامتنا .
صور التكنولوجيا المتقدمة التي جلبتها الحكومة التشيلية إلى مكان الإنقاذ ، ومعها السرعة الكبيرة التي استطاعت فيها تشيلي من ترك مكانها بين الدول المتخلفة لتنضوي في ركاب الدول الصناعية ، صاحبها صور لقادة امتنا والذين كلما مر قطار التقدم على الأمم وقادهم سريعا ، نجد إن قادتنا حفروا لامتنا المزيد من الحفر العميقة لكي تأتي الأجيال القادمة فتعيش في عصر حجري مشرق يورثه لهم قادتنا الأفاضل حفظهم الله وحفظ لنا زوجاتهم وأقارب زوجاتهم وكلابهم وخدم كلابهم .
10-20-2010, 08:53 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
إن صورة الحاكم العربي في ذهن المواطن العربي هي تلك الصورة التي تصوره قائدا يسرق أموال الشعب ليودعها البنوك الغربية ، وتصوره حاكما يختار الفاسدين من أبناء الشعب فيقربهم إليه ويستبطنهم ويستوزرهم ، وصروحه المعمارية هي صروح له ولأولاده ، وصورة الحاكم العربي مقارنة بحاكم تشيلي انه جاهل لا يقرأ ، وأطرش لا يسمع ، وأعمى لا يرى ، ومتوحش لا يرحم ، وتسري قوانين الغابة عليه فهو يخاف ممن هو أقوى منه ، ولكنه يفترس شعبه المحكوم بقوانين الاستعباد المتعددة الأسماء ولهذا فالقائد العربي نجده أرنبا أمام الصهيونية وأعوانها وأسدا على السجناء في سجونه وهي صفات لا علاقة لها بالبشرية أو الإنسانية ، وإنما هي صور لبشر بلا ضمير وسكوتهم على احتلال فلسطين وفضائح الاستيطان لا تحتاج إلى مفسر أحلام أو قارئ طلاسم .
10-20-2010, 08:53 PM
بدر الدين اسحاق احمد
بدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127
لقد رأى المواطن العربي من خلال الصور القادمة من تشيلي صورة عمر بن الخطاب الذي محا سيرته القادة العرب من كتب التاريخ خوفا من سيرته ، لقد رأى المواطن العربي أثرا لصورة عمر بن الخطاب في تلك البساطة التي شاهدوها في قادة تشيلي ، وكان صدى قول عدلت فأمنت فنمت يصاحب تلك الصور القادمة مع صور الرئيس التشيلي وهي صور اعتدنا عليها في الدول الأوروبية ، فالحاكم الغربي يحكم البلاد الغربية بموجب عقد بينه وبين الشعب وبموجب عقد يوافق عليه الشعب مقابل راتب شهري له يتقاضاه، ويحاسب أمام الشعب كرجل عادي مخطئ عند الخطأ ولا تجد منافقا واحدا يدافع عن خياناته وعبثه ، أما صورة الحاكم العربي فهي صورة لحاكم جاهل وعميل وخائن باع نفسه وأمته ووطنه من اجل كرسيه يرافقها حياة مليئة بصرخات المعذبين والجوعى ، وان العقد الاجتماعي الذي يحكم بموجبه الحاكم الغربي لامكان له في الامة العربية والتي أصبح من المحرمات فيها أن يحلم فيها المواطن العربي بذلك العقد الذي يقسم عليه كل القادة العرب ثم يبولون عليه في اليوم التالي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة