|
“وماكان المؤمنون لينفروا كافة": بين الثقافة والسياسة
|
عبد الله علي إبراهيم أعادتتني كلمة جاءت في حديث الدكتور الحبر نورالدائم عن متاعبه كمثقف بالحركة الإسلامية لجريدة الوفاق (32يوليو 2013) إلى شكاو سبقت من الدكتور حسن مكي والتجاني عبد القادر عن هوان المثقف بين الإسلاميين. ففي كتابه الباكر عن تاريخ الحركة الإسلامية قال حسن مكي إن القانونيين غلبوا في الحركة فضيقوا واسعاً. أما التجاني فأشتكى من أن الاسلاميين يطلقون على مثله "المثقفاتي" في معنى قلة النفر وغرابه الشاغل في التفكير والنظر. أما هم فلهم السياسة الحركية بقبيلها واعتقالاتها وتطهيراتها التي هي الشهادة لمثل هؤلاء السياسيين أنهم كاملون. قال الحبر للجريدة إن الإسلاميين كانوا يعيرونه بأن سجله خال من السجن. فلم يقض سوى 3 أيام بحراسة المديرية. ولم يزد عليها بينما تطاولت مدد حبس رفاقه الحركيين التحفظي وغير التحفظي. فلم يكن له من ثأر مايو اليسارية الباكرة على الإسلاميين من نصيب لأنه كان في بعثة دراسية بانجلترا من جامعة الخرطوم فسلِم. وأختار أن يكون جهاده جهاد عالم فاستكمل رسالته للدكتوراة وتأهل للبحث والتدريس والنشر. ما لفت إنتباهي أكثر من غيره قول الحبر أن تبخيس رفاقه الإسلاميين لجهاده كمثقف باطل شرعاً. وجاء بقول شرعي فَصل من القرآن: "وماكان المؤمنون لينفروا كافة". ويريد بذلك أن الجهاد نفرة ومكث. فالنفرة فيما هو ممارسة في دولة الأنقاذ هي سياسية حركية من جهاد بالسيف وتحشيد وتظاهر. أما المثقف فجهاده مكث يقلب الصحائف والرأي. له خلوة وجلوة. ومن أراد المؤمنين أن ينفروا كافة أضرهم لحرمانه لهم من البصيرة. وتتوالى الاعترافات الحزينة الآن من وجوه الحركة الإسلامية أن ما أضاعهم إلا نفرتهم جزافاً. فغلبوا على الدولة وليس في جعبتهم غير الشعار والأماني. وهذا ما سميته دائماً بالمسارعة الفطيرة لله. ولابد أن الحبر تأذى من تعيير رفاقه بضعف زاده من الجهاد السياسي الحركي. وتربص بهم تربص العالم فوقع على هذه الآية من الذكر الحكيم فشفت غليله. وقادر الله. وجدت أستاذنا عبد الخالق محجوب قال بقول الحبر منذ نحو خمسين عاماً تقريباً. فعالج في تقريرة المقدم للجنة المركزية للحزب الشيوعي في يونيو 1968 (المنشور بعنوان "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع،) منزلة الكادر المثقف في الحزب في ملابسات أتيت عليها في أحاديث سلفت. وتحوط أن مثل هذا الكادر نشأة جديدة في قلب عمليات الحزب السياسية يتفرغ خالصاً للعمل الفكري والنشر. وخاف عليه من كادر النفرة كافة ممن سيعيرونه بضعف حصائله في السجن والتشريد كما فعل الإسلاميون بالحبر. وواجه اعتراضات كادر النفرة بقوة فقال إن هذا الكادر لابد أن نحصنه بشروط خدمة جديدة لم تتفق لنا قبلاً. وقال بالنص: "أن نبتكر أسسا جديدة لترقي المثقفين في حزبنا وأن لا يثار في وجه هذا الترقي الاعتراض التقليدي عن عدم مساهمة هذا المثقف أو ذاك في النشاط العملي . فالحركة الثورية بحاجة لهم كمثقفين ، ولحزبنا الخبرة التي تمكنه من منحهم الصفات الثورية عبر الصراع الايدلوجي والنشاط العملي". وكأنه قال: ""وماكان المؤمنون لينفروا كافة". أذكره يعرض عليّ هذا التعاقد الجديد للتفرغ في جهاز الحزب كمثقف لا غير في جلسة اقتصرت علينا. قال لي: "لا نريد منك أن تعتلي المنابر السياسية. فلدينا من نجوم المنابر ما يكفي وزيادة. نريد منك أن تسهر على التفكير والتأليف في شاغلنا لخدمة الكادحين السودانيين". أو ما معناه. وأضاف إننا لا نريد أن نراك (وبالإنجليزية) في lime light أي في الضوء الباهر. ولم أكن متأكداً من معنى العبارة بصورة متعينة يومها ولكن فهمتها من السياق وعلى البركة.
|
|
|
|
|
|