|
فيصل محمد صالح: حيث للشجاعة حوبة عبد الله علي إبراهيم
|
ربما أسعد بعض الناس في نيل فيصل محمد صالح جائزة بيتر ماكلر أنه صحفي مضاد أو معارض. أما ما أسعدني هو أنه من "إِنِدنا" في قول الحلفاوي. وب"عندنا" أعنى المؤسسة الصحفية القائمة أعوج عديل. فشجاعته التي جذبت إليه الجائزة ثمرة ذكية لوضع صحفي معقد وكاتم وضع بلدنا في ذيل قائمة الدول من جهة حرية الصحافة. بل يعتقد عتاة في معارضة النظام المعتمدة أن الكتابة فيها رجس من عمل. ففيصل ليس أشجع من عدد لا بأس به من الكتاب ممن تلابعوا مع النظام ملابعة. ولكن لم يبق منهم أحد الآن يمارس الصحافة ولا الشجاعة فيها. وليس هذا التوقف ذنبهم بل اضطروا إليه لأن المؤسسة "الإندنا" تعمل في أشراط بحاجة إلى شجاعة صحفي مالك لزمام المهنة وقلم ممهول كفيصل لا لمعارضين يقولون كلمتهم للتاريخ، ويمشون. لعله من الصعب تصور أن يخرج مثل فيصل من الصحافة التي تذمها المعارضة ذماَ فاحشاً. فلا يخرج حسب رأيها من مثل صحافتنا إلا فاجراً كفارا. فلم أصدق عيني وأنا أقرأ رأي المرحوم عبد المكرم فيها في الميدان (28-11-2013) وهو زبدة رأي سائر المعارضة. فقال عبد المكرم عنها: "الإنقاذ بخبرتها الطويلة في التلاعب بالقوانين لا تهاب الصحافة. فقد تم منذ زمن طويل تخليق نمط خاص لصحافة مدجنة وغارقة إلى أذنيها في مخالب الإعلانات المخملية من جهة ونمط صحافة الرأي المدجنة كذلك بنجومية كتاب الأعمدة الشباكية إن جاز الاستلاف من السينما والمغنين في أكثر الأوضاع الفنية تقدماً. وذلك كله، من أسف، تم على حساب قواعد الصحافة المهنية التي تكسب الفعل الإعلامي دوره وهويته الأصيلة كسلطة رابعة في الدولة في المجتمع الديمقراطي". رحمة الله عبد المكرم. ولكن يبقى السؤال: من أين خرج فيصل؟ أبباب الشجاعة أم من شباكها النجومي؟ بل من أين كان لنا عبد المكرم نفسه منذ نحو 2005؟ يعرف فيصل عن صحافتنا بأفضل من أهل السياسة بالصحافة (لا العكس). وودت لو عمم محاضرته الرشيقة التي قدمها لمنتدى الصحفيين في واشنطون ليحسن الناس فهم مأزق إعلامنا بأفضل من تعميم عبد المكرم الذي أغلق باب المعرفة بساحته والاجتهاد فيه. فهو حكر للإنقاذ دجنته تدجينا. فعرض فيصل لراهن صحافتنا ترسف بين قوانين وممارسات ومؤسسات غلت يدها ولكنها لم ترفع يدها بالاستسلام كاستثمار وحاضن للنقاش الوطني في حد أدنى بالطبع. بل لاحظ فيصل أن صحافة الإنقاذ هي التي فتحت أبوابها للنساء بعيداً عن "صفحة المرأة" ليصرن رئيسات ومديرات تحرير ومحررات في خضم المقابلات والتحقيقات والخبر. لقد جاهدنا خلال فترة نميري للإصدار المتعدد من براثن تأميم الصحف. فلم يأذن النظام لغير صحفه مجففاً الحوار الوطني جملة وتفصيلا. فعاجلنا في مجلتنا "العربي الأفريقي" ومنع صدورها من العدد الأول مع أن صورته كانت على غلافها. ولهذا كان الإصدار المتعدد للصحف على علاته وضعاً أفضل نوعاً ما من "بروش الحكومة". ورأينا كيف تخلت الإنقاذ عن صحفها البروش واحدة بعد الأخرى وصارت تتوسل للتأثير على الصحافة بطرق أخرى. والشجاعة الوحيدة المتاحة في مثل هذا الوضع أن تكون فيه لا خارجه ترميه بالحجارة. وهذه مأثرة فيصل. فشجاعته أنه كان حيث كانت الحاجة للشجاعة لا حيث نرمي بالإدانات من مسافة مريحة. فحتى شباب الصحفيين مثل منظمة "جهر" امتنعت بالكلية عن السعي للتأثير على نقابة الصحفيين التي هي مفتاح الموقف للدفاع عن الصحفيين واللوبي لتغيير القوانين. ووجدت فيصل استغرب في محاضرته أن الذي عارض منحه الجائزة هو النقيب تيتاوى لا الحكومة. إنني لأهنيء نفسي وزملائي في المؤسسة الصحفية القائمة على فوز زميلنا فيصل بجائزة بيتر ماكلر. أهنيء خاصة البلال الطيب ومحمد محجوب هارون وخالد التجاني وعادل الباز ومحجوب عروة ومحد أحمد كرار وحسين خوجلي وصالح محمد علي ومحمد احمد طه وإدريس حسن وضياء البلال وآمال عباس ومن فاتني ذكره من صابروا لتحقيق الإصدار المتعدد وأهلكوا مالاً في سبيل ذلك. ولم يغفل فيصل في كتاباته عن الجائزة عن هذا المعنى وهو أنه من رهط في مؤسسة تعاني الأمرين وتتجمل. وأنه إذا وُصف بالشجاعة المهنية فلأنه وُجد حيث للشجاعة حوبة. وطابق في فعله مفهوماً للشجاعة أعجبني وأنها هي رباطة الجأش في المدلهمات، لا على مسافة ما منها.
|
|
|
|
|
|