|
زولة عملية عبد الله علي إبراهيم
|
ظل الشاب في ردهة فندق بالدوحة يمطرني بفعائل الإنقاذ المنكرة في الوطن. ولا أدري إن كان يظن بيّ الغفلة عنها أم أنه تفريج هم. ولما بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين قلت له:"هل مطلبك وطن تحسن إليه أم نظام حكومي تلعنه؟" وكان الشاب أريحياً. قال لي إنه لم يفكر في الأمر على هذا الوجه من قبل. كان للإنقاذ مثل هذه المعارضة التي "تعدد" خطاياها الكوم وأخطاءها الردوم آناء الليل وأطراف النهار. وقد نأيت عنها حتى قبل ميلاد الإنقاذ. وسميتها المعارضة الرسمية للنظام. وضربت الأمثال في فساد خططها. فلما أكثرت من لعن النظام، لا عشق الوطن، حكيت لها قصة مفتش البريطاني بريف السودان. كان متى استمع إلى متظلم ملحاح يحشد الظلومة في الظلومة قال له:"والله يافلان إنت مظلوم كتير". فيجد فلان الراحة وربما لم يجد العدل. ولما لم أجد فرقاً بينها وبين الإنقاذ يغري الناس بإتباعها حكيت قصة عن أمي عن الرجل الذي طلق إمرأة قبيحة وتزوج بأخرى قبيحة. فقالت:"لكين يا بنات أمي هو طلق دي لشنو وعرس دي لشنو؟". ولما وجدت المعارضة ترمي بعجزها على الأنقاذ لأنها سدت عليها أبواب الممارسة السياسة (كأن هناك حكومة ظلامية تأذن بمثل ذلك حباً منها وكرامة!) ذكرتها بقصة من قصص الرومان. قيل إن الفرس جاؤوهم في عقر دارهم وأصلوهم ناراً كثيفة حتى قال أحدهم للقائد الروماني إنهم حجبوا بسهامهم عنا عين الشمس. فقال القائد: "سنتعلم الحرب في الظلام". وشبهت حالهم بحال الوالدة. كانت متى ما طلبنا منها أن "تدير" شيئاً قالت إنها "زولة عملية". وكانت تلك العملية في أوائل الستينات وعاشت الوالدة حتى 2007. وحين أُجريت لي عملية في العام 2010 قال لي أحد الأهل: "بقيت زول عملية مين زيك". ألا ترى أنني لم احتج لغير الفكر الروماني وفكر والدتي لأنتبذ المعارضة الرسمية للإنقاذ قصيا. أخطأت المعارضة الرسمية في أمرين. فهي لم تحسن تشخيص الحالة السودانية. فقد ظنت بعد "الجغمسة" السياسة لعقود بعد الاستقلال أن ثمة فرقة ناجية. أي أنه بوسعنا أن نلعب لعبة معارضة-حكومة. فلم تعترف بأن الناس جربت أطراف النزاع السياسي في الحكم والسياسة وما بينهما ولها سوء ظن مشروع في رهن مستقبلهم بأيهم. فالمعارضة والحكومة في حالة "إرهاق خلاق" كما قلت في كتاب معروف. ومصاب البلد في الإنقاذ بالطبع التي حملت الأزمة الوطنية العامة إلى غايتها القصوى. وسمى الأستاذ نقد الحالة ب"توازن الضعف". وفي مثل هذه الحالة كان "الصلح أولى" لأن استمرار النزاع يفضي إلى التهلكة. وذكرتهم ب"قانون الحفر" من أدب الأمريكيين ومؤداه إن وجدت نفسك في حفرة فأول ما تفعله هو أن تتوقف عن الحفر. ولم نفعل. أما خطيئة المعارضة الثانية فهي أنها عديمة فاعلية. وقصصت عليهم خبر إدوارد سعيد حين ضرب مثلاً بالمعارضة الفاعلة والخاملة. قال إن فلسطينياً في أول قدوم الصهاينة صرح أنهم لو أطلقوا عليهم أولاد فلان فسيطردونهم من الأرض شر طردة. وهذه استهانة بالعدو وهي خمالة. أما الفاعلة فضرب سعيد لها باجتماع ما تدراس الحضور مسألتهم فيه بعناية وقوة. وأعفاني زعماء المعارضة أنفسهم بزعمهم هذه الأيام "إعادة اختراع" أنفسهم . . . لا العجلة. ولا أتفاءل ولكن أنتظر شريطة ألا تحصوا أذى الإنقاذ عددا. فلم تخرجوا لحكومة تلعنونها بل لوطن تحبون ويستحق تضحيات جسام.
|
|
|
|
|
|