|
البؤساء : إنتصار الخير والحب بقلم نورالدين مدني
|
كلام الناس السبت
mailto:[email protected]@msn.com
*الروايات الأدبية التأريخية تبقى كالمعادن النفيسة يزيدها الزمن قيمة وألقأً، خاصة الروايات الواقعية التي تغوص في أعماق النفس البشرية في محاولة لكشف أسرارها وخباياها الجميلة وسط ركام التجارب الأليمة القاسية الحزينة. *من هذه الروايات رواية عبقري الرواية الفرنسية فكتور هوجو- الذي نال وهو في الخماسة عشر من عمره جائزة الأكاديمية الفرنسية -"البؤساء" الذي أعدت قراءتها قبل يومين لأكتشف مجدداً المعاني السامية التي عبرت عنها . *الرواية جسدت حياة الفقراءفي فرنسا قبل الثورة الفرنسية، من خلال سيرة بطلها جان فالجان الذي قضى حقبة من شبابه في السجن لأنه سرق رغيفاً إضطره الجوع لسرقته، وظل مطاردأ طوال حياته، رغم التحول الكبير الذي حدث في شخصيته، بعد أن تحول إلى راهب وهب حياته لفعل الخير وعون الفقراء. *لايمكن تلخيص التفاصيل الدرامية التي مرت بشخوص الرواية، وسط زحمة الأحداث وتقلباتها، لكن لابد من التوقف عند شخصية كوزيت إبنة فانتين التي غرر بها شاب التقته وأحبته لكنه تخلى عنها، ودفعت هي وابنتها ثمناً غالياً من حياتهما في ظروف قاسية ووحشية. *يمكننا القول بأن العناية الإلهية بعثت بطل الرواية فالجان الذي لم يعد يهم إسمه ولا وضعه المتقلب بين الفقر والغنى وبين الإستقرار والملاحقة، بين السجين الهارب والراهب الكريم الذي يدفع بسخاء للمحرومين ويصفح عن الذين يسيئون إليه ويضحي بسعادته في سبيل إسعاد الخرين، العناية الإلهية بعثت به ليؤدي دوراً هاماً في حياة فانتين وإبنتها كوزيت. *إستطاع فالجان تخليص كوزيت وهي مازالت صبية يافعة من براثن المرابي الجشع الذي إستغل حاجة أمها لستر حالها ليثرى على حسابها فيما كان يسئ معاملة إبنتها أسوأمعاملة، إلى أن أنقذها فالجان من سجن المرابي الجشع لتبدأ حياتها بعيداً عن العذاب والمذلة. *في مشهد من مشاهد الرواية يظهر فالجان إبان مجريات الثورة الفرنسية وسط الموت والرصاص المنهمرفي كل الإتجاهات ليحمل ماريوس الجريح على كتفه ويجتاز به المسافات الطويلة المحفوفة بالمخاطر إلى أن يصل به إلى منزل جده الثري وهو بين الموت والحياة. *فاتني أن أذكر لكم أنه في غفلة من الأحداث المتسارعة كان قد تم لقاء بين ماريوس و كوزيت، لكنهما إفترقا كل في طريق، ومرة أخري تسخر المشيئة الإلهية فالجان ليكون هو نفسه صلة الوصل بينهما. *بعد أن إطمأن فالجان على صحة ماريوس الذي كان طوال فترة غيبوبته "يهضرب" ب كوزيت، التي كما عرفنا قد خلصها فالجان من المرابي الجشع وتبناها بكل حنان الأب الكبير، لذلك ما أن إكتملت صحة ماريوس إلا وأسرع فالجان بتحقيق حلم ماريوس برؤية كوزيت، بل ساعدهما على إكمال زواجهما. *تفاصيل رواية البؤساء مشحونة بالمواقف والأحداث،أكثرها درامية عندما إعترف قالجان لماريوس بأنه سجين هارب، وان كوزيت ليست إبنته، دون أن يخبره بأنه هو من أنقذها كما أنقذ حياته وحمله على كتفه وسط المخاطر والأهوال إلى أن أوصله لمنزل جده. *عندما يكتشفان - ماريوس وكوزيت - الحقيقة يكون فالجان قد بدأ لحظة الرحيل من هذه الفانية، وكان يسأل الله سبحانه وتعالى أن يرى "إبنته" كوزيت قبل أن يودع الدنيا، كانت كوزيت قد جاءت وجلست بالقرب من ركبتيه وإلى جوارها زوجها ماريوس، ليتم إسدال الستار على حياة فالجان الغنية بالمواقف التي إنتصر فيها الحق والخير والحب على الظلم والشر والكراهية .
|
|
|
|
|
|