|
تأمُلات نحن سذج؟! كمال الهدِي
|
[email protected]
عادت صديقتي إلى هوايتها المحببة ورغبتها المستمرة في عكننتي، حيث جاءتني تقول: احترت معكم.. ولا أدري إلى متى ستستمرون في سذاجتكم التي تسببت لكم في الكثير من المآسي.
نحن سذج؟! هكذا كان ردي عليها بسؤال ظننت أنه سيدفعها للتراجع عن كلامها ( الشين).
لكن يبدو أنني أسأت الظن، حيث زاد سؤالي من حدة لهجتها فأضافت: نعم سذج، وكثيراً ما تروجون لما تصرحون برفضه.
استفسرتها بالقول: في هذه لم أفهم قصدك فهل من توضيح!
قالت: مع كل صباح تتحفكم بعض صحفكم ومواقعكم الإلكترونية بموضوعات لكتاب ظلوا يحققون العديد من المكاسب المادية على مدي أكثر من عقدين وما زلتم تقبلون على قراءة غثائهم بشراهة محيرة.
قلت: وهل تريدين منا أن نقاطع كتابنا لمجرد الاختلاف في الرأي معهم!
ثم سألتها: متى تفهمين أن معرفة ما يدور بذهن خصمك مهم إن أردت أن تنجحين في معاركك ضد هذا الخصم؟!
قالت: منذ أكثر من عقدين وأنتم تحاولون معرفة ما يدور بأذهان خصومكم!!
وأضافت بلهجة ساخرة: هذا هراء يا صديقي، القراءة عندكم لمجرد تسلية النفس ظناً منكم أنكم بهذا الفعل السلبي تخففون شيئاً من مآسيكم التي لا تنتهي!
قلت: وما المشكلة في أن نسلي أنفسنا كلما ضاقت علينا! وهل المطلوب هو أن نموت غيظاً أم ماذا؟!
قالت صديقتي اللدودة: عندما تطالعون لكاتب ظل موالياً لحكومتكم الحالية على مدى سنوات طويلة حقق خلالها الثروة والشهرة والمكانة الاجتماعية ما يكتبه عن الفساد وتناقشونه فيما يكتبه بعد كل هذه السنوات عن أمور بدت واضحة لأي صاحب عقل منذ أول عام لحكومتكم الحالية.. عندما تفعلون ذلك فهذه لعمري لسذاجة تمشي على رجلين.
قلت: ربما أن الكاتب أو الكتاب الذين تقصدين قد ( أيقظوا ) ضمائرهم وعرفوا أخطاءهم فلماذا لا ندعمهم بقراءة ما يكتبون ومناقشتهم حوله إثراءً لعملية تلاحق الأفكار!
أطلقت ضحكة مجلجلة قبل أن تضيف: تلاقح الأفكار !! تلاقح الأفكار مع من ساندوا ودعموا وأيدوا من أنهكوا بلدكم ونهبوا ثرواتها وقتلوا أبناءها وشردوا نساءها؟!
وأضافت: هؤلاء يا صديقي يمارسون عليكم لعباً مكشوفاً، فهم يتكلمون عن الفساد اليوم رغم أنهم أكبر المستفيدين من هذا الفساد لأن هناك صراع مراكز قوى داخل النظام، فالكاتب الذي تظنون أنه يحاول محاربة الفساد بعد كل هذه السنوات ليس أكثر من لص تفنن في سرقتكم وهو يتلون كل يوم من أجل أن يحافظ على قاعدة قرائه الواسعة، وأنتم يا حسرتي ليس في قاموسكم شيئاً اسمه سلاح المقاطعة.
قلت: لا يا عزيزتي، اتقي ربك وحذاري من اتهام الناس جزافا!
قالت: هذا هو الواقع، فبعضهم يكتب هذه الأيام عن الفساد لأن أطرافاً في نظامكم تحثه على فعل ذلك لكي ينالوا من منافسيهم الآخرين في نفس التنظيم.
قلت: هذا تنظير لا يقنعني، وسنستمر يا صديقتي في قراءة ما يكتبه أي كاتب يسعى لكشف الفساد والمفسدين!
قالت: إذاً استمروا في سذاجتكم، وسوف يأتي يوم تندمون فيه إضاعة وقتكم فيما لا ينفع.. أنتم يا صديقي في حاجة لتربية صغاركم بطريقة مختلفة إن أردتم تغييراً حقيقياً، ولن يتأتى لكم هذا التغيير طالما أن من تروجون لهم وتمنحونهم كل هذه الشعبية الطاغية هم ألد خصومكم وأشد أعداء القيم والأخلاق السمحة.
قلت: بمناسبة الحديث عن صغارنا أذكرك بأننا فتحنا هذا الموضوع من قبل وتلقيت منك وعداً بأن نناقشه في وقت أوسع.
قالت: نعم أذكر ذلك جيداً ورأيي أن التربية فعلاً صارت صعبة في هذا العصر.
سألتها: وهل نستسلم لهذه الصعوبة ونترك صغارنا لقمة سائغة لثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي من واتس أب وفايبر وغيرها.
أجابت سريعاً: بالطبع ليس المطلوب أن تستسلموا، بل على العكس يجب أن تضاعفوا من جهودكم لحماية هؤلاء الصغار من كل سوء.
واجهتها بسؤال آخر: كيف؟!
قالت: أولاً وقبل الخوض في مدى تأثير الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، لابد أن تتذكروا جيداً أن بينكم من يسعون لتخريب اجتماعي منظم وممنهج.
قلت: لا أصدق أن يكون بين أهلنا من يسعون لتخريب مجتمعنا عن قصد، قد تحدث أمور تبدو لك كذلك لكنها لا تعدو أن تكون سوء تقدير، وليست مقصودة!
قالت بحزم: لا بل هناك من يسعون للتخريب يا عزيزي، فتغيير سلمكم التعليمي إلى شكله الحالي ما كان من الممكن أن يفوت على خبراء التربية والتعليم آثاره السلبية الكبيرة على أخلاقيات وسلوكيات النشء.
وأضافت: ولا تنسى أنهم يسعون اليوم كمان لإضافة عام جديدة لمرحلة الأساس، ما يعني توسيع الفارق بين مرحلتين عمريتين تضمهما مدرسة واحدة، فأي تخريب أوضح من هذا...
قاطعتها: قلت لك هو سوء تقدير، فأرجو ألا تحملي الأمور أكثر مما تحتمل على قول الإعلامي مصطفى الأغا حينما انتقده بعضنا على استهانته بالسودانيين!!
قالت: الهم يا عزيزي بالإضافة لوقفتكم الجادة والحازمة ضد من يحاولون الإساءة لموروثاتكم الاجتماعية وقيمكم الأصيلة يجب أن تعودوا صغاركم على التعامل الإيجابي مع كافة منتجات الثورة المعلوماتية وما يأتيهم من تقنيات حديثة.
رجوتها أن تفصح أكثر.
فاستطردت قائلة: مثلاً يا صديقي عندما تتابع ابنك يراسل أصدقاءه عبر الواتس أب يجب أن تتعرف على ما يدور بينهم وذلك عبر حوار ودي معه دون أن تنبهه إلى أنك تراقب سلوكه أو تتخوف مما يفعله.
وأضافت: وحين تراه منهمكاً في سماع أغنية أو لعبة على الكمبيوتر، حاول أن تشاركه فيها، وعبر هذه المشاركة أعلمه بأن للنت فوائد أخرى عديدة يجب أن تكون جزءاً من اهتمامه، مثل أن يطلع على بعض المعلومات الدينية، أو ما يتعلق منها بجغرافيا بلده أو تاريخه أو أي شيء مفيد آخر حتى يتعود الصغير على التنوع في التعامل مع هذا الوسيط الإعلامي.
قلت: فعلاً يا صديقتي فالملاحظ أن الصغار يستهيوهم اهتمام وحيد يمكن أن يقضوا فيه ساعات طوال إن تركناهم على راحتهم.
قالت: بكل تأكيد، فمن تستهويه الأغاني الأجنبية يمكن أن يواصل الاستماع لها على مدى ساعات إن لم يجد من يحركه من كرسيه.. ومن يعشق البلاي ستيشن سيقضي فيها ساعات أطول.
وافقتها الرأي: لمن تقولين مثل هذا الكلام.. لي أنا الذي كل ما دخلت على صغاري أيام الإجازات أودخلت عليهم أمهم لا حديث لنا سوى: (حسام) أجلس بطريقة صحيحة حتى لا تؤذي رقبتك وظهرك.. (أحمد) ابتعد قليلاً عن التلفاز حتى لا يتضرر نظرك.. (أشرف) لا تجلس على الأرض وتتنظر للتلفاز لأعلى بهذه الطريقة..
قاطعتي ضاحكة: أعرف يا صديقي أن هذه معاناة معظم الأباء والأمهات، سيما مع الذكور من الصغار.
وأضافت: لكن كما قلت لك، أهم شيء هو أن تشاركونهم هذه الألعاب وتحاولوا دفعهم لتنويع اهتماماتهم شيئاً فشيئاً.
وقبل أن أطرح عليها سؤالي التالي، استمرت في توضيح فكرتها بالقول: قلت لي كلما دخلت على صغارك أيام الإجازات، فهل أفهم من ذلك أنهم لا يلعبون أيام المدرسة؟!
أجبتها: نعم فحسب رأيي أننا يجب ألا نسمح لهم باللعب بهذه الأجهزة أو التعامل مع النت أيام الدراسة إلا للضرورة، وفي العادة نطلب منهم أن يلعبوا لساعة ونيف في العصريات كل يوم على أن يكون ذلك نشاطاً بدنياً مثل الكرة أو أي شيء آخر، وفي عطلات نهاية الأسبوع نترك لهم المجال للعب بالأجهزة.
قالت: فكرة لا غبار عليها، لكن سؤالي كيف يتسنى لأطفالكم ممارسة الكرة وأنا أعلم أن الكثير من المغتربين على وجه الخصوص لديهم مشاكل في توفر المساحات نظراً لسكنكم في الشقق.
قلت: في حالة توفر حوش يمكنهم أن يلعبوا الكرة، إما إن لم يتوفر الحوش فهناك في بلدان الخليج الكثير من الأندية التي يمكن أن يمارس فيها الصغار الكرة، السباحة أو الكاراتيه أو أي رياضة أخرى.
سألتني: وماذا عن الأسر التي لم تغادر وطنكم فحسب علمي أن حكومتك الحالية استولت على معظم الميادين ولم تعد هناك مساحات للعب الكرة؟
أجبتها: في هذه صدقت والله، فقد استولى الكثير من المسئولين على معظم الميادين التي كنا نمارس فيها كرة القدم.
وأضفت: لكن ما تزال هناك بعض المساحات وهي على قلتها يمكن أن تفيد في هذا الجانب، هذا بالإضافة لبعض الملاعب المُسورة التي تؤجر للراغبين في لعب الكرة، فالمهم هو أن تحرص الأسر على قيام صغارها بنشاط بدني مفيد فهو يساعدهم في تجنب الكثير من المخاطر، خاصة مع الكلام المتكرر عن انتشار المخدرات وخلافها مما يدمر الشباب ويهدر طاقاتهم فيما لا يفيد.
قالت: الموضوع شائك ومعقد ومهما تحدثنا سنكتشف أننا لم نتاول منه سوى مجرد عناوين، لهذا اقترح أن يستمر النقاش ويتوسع حوله وأسالك: ما دور علماء النفس والاجتماع في بلدكم في هذه الأمور ولماذا لا نسمع لهم صوتاً في هكذا قضايا حياتية ملحة؟!
أجبتها: هناك بعض البرامج التلفزيونية التي يُستضاف خلالها بعض علماء الاجتماع لمناقشة مثل هذه الأمور.
قالت: لكن الواضح يا عزيزي أن ساعة أو ساعتين في الأسبوع لا تكفي لمناقشة أهم قضاياكم، فصغاركم هم كل مستقبلكم وأتوقع من علماء الاجتماع والنفس أن يكونوا أكثر نشاطاً في هذه الجوانب الهامة، ثم ودعتني على أمل لقاء قريب.
|
|
|
|
|
|