|
فجأة بيتنا بقى ناصية وفاتح على ميدان!/فيصل الدابي المحامي
|
في مدينة كوستي وحينما كنت صغيراً ، كانت أمطار الخريف تحول الحي الذي نسكنه إلى بحر كبير متلاطم الأمواج وتحول البيوت إلى سفن عقب كل فاصل مطري عنيف ، وكثيراً ما كنت انتهز فرصة توقف المطر واعتلي سطح بيتنا واتخيل نفسي كابتن سفينة وأبدأ بإجالة نظري في المناظر البحرية المدهشة المحيطة بسفينتنا أقصد بيتنا! لكنني كنت أسارع بالهبوط من السقف حينما تبدأ الرعود في القرقعة المفزعة والبروق في اللمعان المخيف الذي يخطف الأبصار! وأذكر أن ذكور الضفادع الكبيرة والصغيرة كانت تبدأ منذ مغيب الشمس بتقديم فواصل متواصلة من الأغاني الغزلية السمجة التي تستهدف أذان إناث الضفادع لكنها تجبر أذان البشر على الاستماع حتى صباح اليوم التالي للغناء الجماعي القبيح من فرق الضفادع الصغيرة والغناء الفردي المزعج من كبار الضفادع! لقد هرمنا ونحن نسمع الأخبار المأساوية التي تتكرر في السودان في كل موسم خريف وتنجم عن قلة أو انعدام مجاري تصريف المياه حيث تؤدي أمطار الخير والبركة إلى تهديم البيون كلياً أو جزئياً وحصد الأرواح وإعلان حالات الطواريء ومناشدة دول العالم لتقديم الاغاثات ومن ثم يبدأ تراشق الاتهامات حول الفساد في توزيع الاغاثات وبيعها في الأسواق السوداء والموازية وهلم جرا! الجديد في الأخبار الخريفية السودانية لهذا العام هو أن الحكومة السودانية قد أقرت بأنها وزعت أحياء كاملة في مجاري السيول والأمطار ووعدت بنقلها إلى مناطق مرتفعة وآمنة في المستقبل لتصحيح هذا الخطأ وهذا لعمري اقرار خطير وينبغي على كل المتضررين من أبناء الشعب السوداني رفع دعوى مدنية ضد الحكومة والمطالبة بتعويضات عن الأضرار المتكررة التي أصابتهم طوال الأعوام الماضية لأن توزيع الأراضي في مجاري السيول والأمطار هو فعل ضار والأضرار المتمثلة في فقدان الأرواح والممتلكات ثابتة وعلاقة السببية بين الفعل الضار والأضرار ثابتة ولا تحتاج إلى إثبات! ويبدو أن الشعب السوداني راح ينكت ويضحك على كوارثه ومآسيه على الطريقة المصرية لكن بصورة أشد ذكاءً وأكثر طرافةً فقد أرسل لي صديق سوداني خفيف الظل نكتة سودانية خريفية كاربة جاءت على النحو الآتي: مسطول سألوه: المطرة إن شاء الله السنة دي ما اضررتو منها؟! قال ليهم: أنا كنت مافي، ولمن جيت راجع ، لقيت بيتنا بقى ناصية .. وفاتح في ميدان!!!!! فيصل الدابي/ المحامي
|
|
|
|
|
|